المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (( تشريعات قضائية لازمة - عفو المقتول عمداً ))



د. ناصر بن زيد بن داود
20-05-2010, 09:34 PM
عندما يقل عرض السلع ويكثر طلبها ترتفع الأسعار ، ومتى زاد الطلب أكثر فلا مجال للاختيار ، إذ يلجأ العامة والخاصة إلى ما يقضي حاجاتهم ؛ ولو لم يرقَ إلى مستوى رغباتهم الحقة .

ومن الجهات العامة التي تعرضت لهذا الخيار الأوحد جهات الشرطة في الفترة من 1395هـ - 1405هـ ؛ فقد رغب الناس عن الالتحاق بجهاز الشرطة وبالوظيفة الحكومية أياً كانت ؛ لكثرة الفرص التنموية في القطاع الخاص ، فاضطرت الجهات المعنية إلى تخفيف اشتراطاتها في قبول الملتحقين بالخدمة الحكومية .

كان كثير من المتقدمين لطلب الالتحاق بالقطاع العسكري من أصحاب الشهادات الدنيا ، والتقديرات الأدنى ، وبعضهم من أرباب الجنح والسوابق .

ابتليت الجهات الأمنية بهؤلاء الأفراد ، فكثرت مشاكلهم ، وتعددت مخالفاتهم ، ورغم مواجهة هذه التجاوزات بالقرارات التأديبية إلا أن ذلك لم يَحُدَّ من أخطائهم حتى على بعضهم ؛ خصوصاً : مع تمكين بعضهم من حمل السلاح والذخيرة الحية .



وأشخاص حادثة موضوعنا من هذا النوع ، وملخصها كما يلي :-
= الزمان : ليلة ثاني أيام عيد الأضحى المبارك 1406هـ ، والمكان : محافظة الأحساء المحروسة ، والأطراف الثلاثة : جنود في الأمن العام بلباسهم العسكري وفي وقت دوامهم الرسمي ، ويركبون سيارات الدوريات ، وأداة الجريمة : السلاح الحكومي .

= الغموض اكتنف الحادثة حتى انتهاء القضية بالحكم القطعي ، وأظنه : لا يزال . والله أعلم

= القتيل في دوريته يمارس عمله ، والقاتل وقريبه ( ابن خاله ) يبحثان عنه في منزل أهله ، ولما لم يجداه توقفا لمحادثة اثنين من أقارب القتيل على رصيف الطريق ، ثم غادرا المكان .

= في طريق العودة وبالقرب من منزل القتيل التقى القاتل بالقتيل ، وتحادثا قليلاً ، ثم أخذ القاتل مسدس رفيقه ( ابن خاله ) ، كما أخذ رصاصة من حزامه ووضعها في المسدس ، ثم وجه المسدس ناحية عنق القتيل ، وأطلق الرصاصة ليقع القتيل أرضاً ، وبعدها تولى القاتل ورفيقه إسعافه إلى المستشفى .

= لم يفلح ابن خال القاتل في ثنيه عن سحب المسدس والرصاصة ، كما لم تفلح توسلات القتيل في منعه من توجيه المسدس نحوه بإقرار القاتل نفسه .

= سلم القاتل نفسه واعترف بقتل صاحبه ؛ غير أنه ذكر أن قتله جاء خطأً ، وبرَّر ادعاءه : بأنه كان يُقلد حركة رعاة البقر الأمريكيين ( الكاوبوي ) بتدوير المسدس على إصبع السبابة بسرعة ، ثم إيقافه فجأة في وضعية الإطلاق .

= الإصابة كانت في جانب العنق الأيمن للقتيل ، وهي التي تسببت في وفاته بعد ستة أيام من الحادثة .

= أثبتت التقارير الطبية خلو دم القاتل من أي مواد مسكرة أو مخدرة ، غير أن القاتل متهور بطبيعته ؛ حيث سبق له تهديد اثنين من زملائه بالمسدس .



= نظرتُ وزميلان لي في المحكمة هذه القضية ، وكان من ضمن ما اتخذناه - بعد سماع المرافعة - الآتي :
أولاً : سمعنا شهادة ضابطي الشرطة الذين توليا التحقيق في الحادث ، فأفادا بأنهما كررا التحقيق مع القتيل عدة مرات ، فأفاد بأنه كان يمزح مع الجاني ، وأنه لا يرغب في إقامة دعوى ضده .

ثانياً : طلبنا إفادة فضيلة القاضي الذي صدق إقرار تنازل المجني عليه ، فأفاد فضيلته كتابةً : بأن القتيل كرَّر مراراً - وهو يعقل ما يقول - عدم مطالبته القاتل بشيء ، وأنه قال في المرة الأخيرة ما نصه : لا أطالبه بشيء ؛ ولو فارقت الحياة .

ثالثاً/ كان لابد من ترغيب ورثة القتيل في العفو ؛ غير أنهم وافقوا على إسقاط المطالبة عن المرافق للقاتل مطلقاً ، ولم يوافقوا على العفو عن القاتل ولا على قبول الدية منه ، وكان مما قالوا : إن حق طلب القصاص للورثة وليس للقتيل الذي لا يعي ما يقول فيما جاء في شهادات الضابطين والقاضي ، ولم يقدحوا في الشهود بشيء ، وأثبتنا تعديل الشاهدين بشهادة زميلين لهما .

رابعاً : كان والد القاتل حاضراً فاستعد بدفع دية القتل العمد للورثة من ماله الخاص .

خامساً : ظهر لنا من ملف التحقيق : أن القتيل صديق للأخ الأكبر للقاتل – وقت عملهما في إحدى الشركات – وأن القاتل كان صغيراً وقتئذ ، ثم إن القاتل والقتيل تزاملا في الشرطة بضع سنوات قبل الحادثة .

سادساً : أقر القاتل بأن الكلفة مرفوعة بينه وبين القتيل ، وأنه كان يكثر من تهديد القتيل بـ ( فقع رأسه ) ، وبـ ( صدمه بالسيارة ) ، وأنه كان يكثر السخرية بالقتيل والمزح معه بكلام ( وسخ ) .

سابعاً : كانت أولى شبهات القضية : اختلاف القاتل والقتيل والمرافق في تحديد مكان الحادثة .
وثاني شبهات القضية : اختلاف الأطراف الثلاثة في وصف التقاء القاتل بالقتيل ، ومن منهم كان واقفاً قبل الآخر ، ومن الذي طلب من صاحبه الوقوف له ، ثم اعتراف القاتل ورفيقه بكذبهما في ما أفادا به في التحقيق بعدما ظهر اختلافهما في وصف ملابسات الحادثة .

ثامناً : لم تظهر قصة تقليد ( الكاوبوي ) من القاتل ورفيقه – على أنها سبب لإطلاق النار - إلا بعد وفاة القتيل ، أي : بعد نحو سبعة أيام من الجريمة .

تاسعاً : بعد ظهور تناقض القاتل في وصف حادثة القتل استقر على : أنه أخذ مسدس مرافقه بالقوة ، وكذا أخذ رصاصة من حزام رفيقه بالقوة أيضاً ، وقام بتهديد القتيل بصريح القتل بالمسدس عدة مرات ، وأن القتيل كان يحاول تهدئته ونصحه قبل إصابته .
وكان من ضمن أقارير القاتل في التحقيق : أنه عوَّض مرافقه برصاصة من ذخيرة القتيل قبل الذهاب به إلى المستشفى ؛ لتبرئته من المشاركة في الحادثة .

عاشراً : جاء في ملف التحقيق - من ضمن إفادات القتيل - قوله : وبعدين أقول لكم كلام الحقيقة ؛ لأني الآن تعبان ، وقوله : إنه شاهد المسدس في يد القاتل ، ولا يعلم ما هو سبب حمله ، وقوله : هذا ما حصل ، ولا أعلم ما وراء ذلك .

حادي عشر : جاء من ضمن إفادات القتيل وصفه القاتل : بأنه ( مرجوج ، خبل ، مزحه ثقيل ، ما عنده عقل ، متسرع ، متهور ، طائش ، غير متزن ، برى نفسه فوق كل شيء ، غير مبالٍ ) ، كما جاء في إفاداته : أن بينه وبين القاتل ومرافقه صداقة حميمة .

ثاني عشر : جاء في أقوال مرافق القاتل : أن القتيل لم يمنع القاتل ؛ لأنه لا يعلم عن نيته .

ثالث عشر : تطرق المحققون لتناقض القاتل ورفيقه ، فذكروا : أن إفاداتهم بنيت على معلومات وصلت إليهم فيما بعد .
وخرج المحققون بنتيجة مفادها : أن عملاً كهذا يُقصد به القتل ، وأن هناك شيئاً بين الطرفين لم يتمكنوا من الوصول إليه .

رابع عشر : ألمحت المحكمة إلى احتمال وجود طرفٍ ثالثٍ في القضية ؛ إما أن جميع أطراف القضية ستروا عليه ، أو أن دوره كان تلقين القاتل ورفيقه بمستجدات التحقيق ؛ لتوحيد إجابتهما ؛ سعياً في تخليصهما .

خامس عشر : لم يكن على المحكمة إلا التعرض لإثبات الوصف الجرمي لحادثة القتل ، والبت في طلب المدعين القصاص من القاتل فقط .
- وبالنظر للآلة المستخدمة في قتل مورث المدعين ( المسدس ) : نجد أنه مما يعد للقتل ؛ بما له من نفوذ بالغ في البدن .
- وبالنظر إلى ظروف استخدامه : نجد العمدية ظاهرة من خلال سحب القاتل المسدس عنوة من المرافق ، وكذا اقتلاع الرصاصة من حزام المرافق بالقوة أيضاً ، ووضعه الرصاصة في المسدس بعد ذلك ، وتوجيه المسدس ناحية عنق القتيل ، مع التهديد الصريح بلفظ القتل مرات عدَّة .
- وبالنظر إلى موقف القتيل من القاتل : نجد أنه حاول تهدئته ونصحه قبل إصابته ، وأنه لا يعلم ما ذا يبيت له القاتل من حمله المسدس .
- وبالنظر إلى زمان ومكان الحادثة : نجد أن الزمان بعد منتصف ليلة ثاني أيام عيد الأضحى ، أما المكان التهديد والقتل : ففي الطريق العام ، وأثناء أداء الأطراف الثلاثة مهامهم الأمنية .



= أصدرت المحكمة حكمها بإثبات صفة القتل العمد في حادثة قتل مورث المدعين ، وقضت : بسقوط القصاص عن المدعى عليه ؛ لما أجمع عليه فقهاء المذاهب الأربعة من : صحة عفو المقتول عن دم نفسه في قتل العمد ، وأفهمنا المدعين : بأن لهم قبض الدية التي استعد بدفعها والد القاتل اختياراً طيبة بها نفسه ؛ كما قرر هو ذلك في ضبط القضية .



= صدق الحكم من محكمة التمييز بقرارها ذي الرقم 301/ 1ص م المؤرخ في 31/ 10/ 1408هـ .



والتشريع القضائي المطلوب هو التالي :-
1/ البت في موضوع ضم هيئة التحقيق والإدعاء العام إلى المؤسسة القضائية دون تأخير .

2/ ضم إدارات السجون إلى هيئة التحقيق والإدعاء العام ، وربطها بها على الفور .

3/ دعم هيئة التحقيق لمواجهة القضايا الكبيرة بكل ما تحتاجه من طاقات بشرية متميزة ، ومن إمكانات مادية متقدمة .

4/ تطوير أساليب التحقيق بما يكفل سلامة المجتمع من انفلات الأمن ، ونفاذ المجرمين من العقاب .

5/ تشديد العقوبات للحق العام على المخالفين ؛ خصوصاً : من رجال الأمن .

6/ فتح المجال للمحاكم لاقتراح العقوبات المناسبة في حق المخالفين ؛ زيادة على ما جاءت به الإرادة السامية في حق القاتل عمداً .

7/ إصلاح السجون ، وتحديثها بما يكفل جعلها أدوات إصلاح وتهذيب .

8/ الاهتمام بأساليب ووسائل اختيار رجال الأمن ، وضمانات تسليمهم السلاح ؛ حتى لا يُساء استخدامه . والله أعلم وأحكم

-

سيادة القانون
21-05-2010, 03:08 PM
بارك الله في فضيلتك..

يبدو أن القضية اشغلت ذهنك في وقتها ، حتى انك لا زلت تتذكرها حتى الساعة ..

لفت انتباهيّ في القضية إن الفقه الجنائي الاسلاميّ ، يجعل من رضا المجنيّ عليه سبباً في إسقاط عقوبة القصاص ، كما أنه يعتد بإرادته بالرضا وهو في سكرات الموت أو ينازع الموت ، ولكن سؤالي حتى استفيد ، هل هذا رأيّ مذهب من مذاهب الفقه الاسلاميّ؟ أم أن هناك اجماعاً على أن الرضا يسقط العقوبة في جرائم القصاص؟ .

اما بخصوص النتائج ، فأتفق مع فضيلتك في ضرورة أن تتبع هيئة التحقيق والادعاء العام السلطة القضائية ، كما أنه من الأفضل عند قبول طلب الالتحاقّ بالهيئة أن يشترط على طالب الالتحاق حصوله على دبلوم في "القانون الجنائي وقوانين اصول الاجراءات الجزائية" لمدة سنتين مضافاً على الشروط العامةّ للقبول ، وكذلك ضرورة الزيادة في مرتبات العاملين في هذا الجهاز بهدف الحد من ظاهر التسرب الوظيفي الملحوظة فيه.

د. ناصر بن زيد بن داود
21-05-2010, 03:22 PM
لابد أنك قرأت الموضوع وأنت تفكر في الموضوع الآخر !!، وإلا كيف فاتك أن تتذكر هذا الجزء ؟.



= أصدرت المحكمة حكمها بإثبات صفة القتل العمد في حادثة قتل مورث المدعين ، وقضت : بسقوط القصاص عن المدعى عليه ؛ لما أجمع عليه فقهاء المذاهب الأربعة من : صحة عفو المقتول عن دم نفسه في قتل العمد ، وأفهمنا المدعين : بأن لهم قبض الدية التي استعد بدفعها والد القاتل اختياراً طيبة بها نفسه ؛ كما قرر هو ذلك في ضبط القضية .

وللعلم : فلم يخالف في هذا الأمر من الفقهاء إلا الإمام ابن حزم من الظاهرية ، والقائلين بصحة تنازله من التابعين جمع كبير ،، وهناك حديث بإجازة تنازل القتيل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ غير أنه مرسل ، ولذلك ضعفه رجال الحديث .

المدعي العام
21-05-2010, 05:43 PM
وفقكم الله دكتور ناصر ونفع بكم .
يعلم فضيلتكم أن حق القصاص هو حق للفرد وفيه حق لله ولكن حق الفرد فيه غالب ، إذن هما حقان مركبان .
وبسقوط القصاص بناء على تنازل المقتول في حقه وتمسّك أولياء الدم بحقهم في الدية - العقوبة البدلية - وفقاً لما تقرر شرعاً فإن حق الله الذي انفصل بعد سقوط الحق الخاص لا يزال قائماً .
وكما هو معلوم أن كل حق تحميه دعوى ، وحق الله الذي لا يزال قائما بعد سقوط القصاص تحميه الدعوى الجزائية العامة - التعزير - وعلى المحكمة في هذه الحالة أن تبلّغ المدعي العام بالحضور ليقرر الطلب المناسب في دعواه حماية لحق الله .
ولما تعددت انتهاكات المتهم للحقين المركبين بوسائل تمثل كل وسيلة منها لو انفردت جريمة مستقلة ، ولما سقط الحق الخاص وبقي حق الله - الحق العام - فإن التعزير المشدد بالسجن الطويل هو الطريق لجبر حق الله الذي كان سببه الجريمة مما يحقق الردع العام والخاص الذي هو غاية الدعوى الجزائية العامة أو الخاصة .
وفقكم الله .

د. ناصر بن زيد بن داود
21-05-2010, 05:55 PM
أخي الفاضل :
جاء في تعقيبك :

يبدو أن القضية اشغلت ذهنك في وقتها ، حتى انك لا زلت تتذكرها حتى الساعة
ولتعلم حفظك الله : أني لا أعتمد على ذاكرتي في سلسة التشريعات القضائية ، بل أحتفظ بِكَمٍ لا بأس به من صكوك تلك القضايا ، أنشر موضوعاتها تباعاً ؛ للفائدة .



كما قلت بارك الله فيك :


لفت انتباهيّ في القضية إن الفقه الجنائي الاسلاميّ ، يجعل من رضا المجنيّ عليه سبباً في إسقاط عقوبة القصاص ، كما أنه يعتد بإرادته بالرضا وهو في سكرات الموت أو ينازع الموت
ويظهر لي : أن من بين ثنايا هذا الكلام استغراباً من اعتداد الفقه الإسلامي بتنازل المجني عليه عن الجناية عليه ولو أدت إلى موته .

واعلم أخي الفاضل :
أن سكرات الموت أو ( منازعة الموت ) كما أسميتها تمنع من كثيرٍ من الأحكام في الفقه الإسلامي ؛ مثل : الطلاق ، والإقرار للوارث ، والعطية والوقف والعتق بما يزيد عن ثلث المال .

أما المجني عليه في القصة : فقد لبث حياً ستة أيام ، ولم يكن تنازله عن القصاص حال منازعة الروح أو وهو في سكرات الموت ، بل كان في حالٍ يرجو شفاء نفسه ؛ لِيُخبر بخوافي الأمور ؛ كما ورد في بعض إقراراته .

واعلم أخي العزيز :
أن سقوط القصاص لا يعني سلامة الجاني من العقوبة التعزيرية للحق العام .
بل إن الفقهاء أبطلوا تنازل المجني عليه ؛ إن كان قتله غيلة ؛ لأن قتل القاتل غيلة من باب الحد عندهم ، لا من باب القصاص . والله الموفق

د. ناصر بن زيد بن داود
21-05-2010, 06:10 PM
سبحان الله !.
كتبت تعقيبي وأنزلته في ذات الوقت الذي تفضل ( المدعي العام ) بإيراده على الموضوع .

شكراً لك أخي المدعي العام .
لقد أعجبني رصف الكلام في تعقيبك الكريم ، وجمال الأسلوب ، وبهاء العبارة ، حقاً لا نزال بخير ؛ ما دامت أرضنا تنجب أفذاذاً وطاقات واعدة .

أخي الفاضل :
لعلك تعلم أن هناك إرادة سامية حددت جزاء القتل العمد بسجن خمس سنوات ، وبموجبها منع القاضي من تقرير أي جزاء زائد ، واقتصر دوره على إثبات الوصف الجرمي فقط .

سيادة القانون
22-05-2010, 04:16 PM
ويظهر لي : أن من بين ثنايا هذا الكلام استغراباً من اعتداد الفقه الإسلامي بتنازل المجني عليه عن الجناية عليه ولو أدت إلى موته .

واعلم أخي العزيز :
أن سقوط القصاص لا يعني سلامة الجاني من العقوبة التعزيرية للحق العام .


[COLOR=green[/COLOR]


نعم صحيح ..كان محل استغرابيّ ..وحتى أشرك فضيلتك فيما يدور في ذهني :

1- طالما أنه لا يوجد حديثّ أو دليل قطعيّ يجعل من رضا المجني عليه سبباً لإسقاط العقوبة -وبغض النظر عن أجماع التابعين- فهذا الأمر يشجعنيّ على المضيّ قدماً في تحليل هذه النتيجة.

2- هذا النتيجة يمكن أن لا يخرج بحثها عن أمرين ، الأول : الحق ، والثاني : الرضا.

3- بالنسبة للحق ، يدعونا الى أن نطرح سؤالاً : هل النفسّ تصلح محلاً لجواز التصرف كبقية الحقوقّ التي يجعل الشرع أو القانون لصاحبها سلطة التنازل والابراء والاسقاط ؟!! ومن ثم يمكن القول بأنه من حق المجني عليه أن يتنازل عن حقه في الحياة وبتاليّ كانّ هذا التنازل جائزاً وبنيّ فعل القتل على تنازل مشروع ؟ بل وأنه حتى بالقياسّ على نقل الاعضاء البشرية نجد أن غالبية فقهاء الشريعة يحظرونه وهذا يعني لو كان عضو الإنسان حقاً خالصاً له لأجيز له كافة التصرفات من بيع وهبة ، وكذلك الحكم ينطبق على النفس البشرية ، فلو كانت حقاً خالصاً لأجيز له الرضا بإزهاقها- على أقل من وجهة نظريّ- وكذلك الحال بالنسبة للقتل الرحيم "قتل المريض الميؤس من شفاءه بطلبه".

لا يكفيّ أن يقالّ أنتبه : رضا المجني عليه في أصله محرم ، وفعل الجاني محرم ، ولكنّ الرضا سبباً لإسقاط العقوبة فقط وبتالي التحريم قائم وجزاءه موجود ؟ فهناك عقوبة تعزيرية تنتظر الجاني ، فأقول : أن عقوبة التعزير كانت جزاءً لحق الجماعة "الحق العام" وليست حقاً للمجني عليه ولا لورثته وعلى وجه الخصوص إن أصروا على أقامة القصاص ،بل أن حقه في التنازل في الأساس لا يملكه فإن كان لا يملكه فإقامة القصاص هي الجزاء ولا يملك حق اسقاط العقوبة الا الورثة لأعتبارات قد شجع الله عليها عباده ودلهم على الصلح والعفو ، ومنصوص عليها بأدلة شرعية قطعية الثبوت والدلالة ، كما أنه كيف يكون رضا المجني عليه بقتل نفسه محرم في أصله ويصح استثناءاً برضاءه!!.

4-بالنسبة للرضا ، كما لا يخفى على علم فضيلتك بان للرضا شروط صحة ، كما أن له ظرف زمان ، وللرضا علاقة بالزمن ، وهذا يدعونا أن نطرح سؤالاً ماذا عن الرضا المقترن بزمن سابق للجريمة ؟وماذا عن الرضا المقترن بزمن لاحق للجريمة ؟وهل كل جرائم القتل القائمة على رضا المجنيّ عليه؟ يمكن أن يكون الرضا في كل الاحوال لاحقاً عليها ، أرى أنه من الصعوبة بمكانّ أستخلاص إرادة المجني عليه الحرة والتأكد من سلامتها ، وماذا عن شكل الرضا وهل السكوت يمثل رضا أو موقف سلبيّ .

لذا أقول وعلى فرضّ جواز رضا المجني عليه ؟ لا يمكن أن يكون الرضا الصادر منه وهو ينازع الموت رضا يعتد بسلامته ، فإذا كان فقهاء الشريعة يجعلون بعض تصرفات المريض مرض الموت معلقة على اجازة الورثة مما يوحيّ إلى أن إرادة الإنسان في المرض إرادة ناقصة وتختلف عن إرادته في حال الصحة ، لذا ماذا لو افترضنا أن المجني عليه في الواقعة المعروضة ، قد رضي عن قتله ولكنّ الورثة لم يجيزوا مثل هذا التصرف ؟ هل يسقط الرضا من جانبه؟!

وعموم القول : يصلح هذا الموضوع للبحث وإن كنت أجزم بأنه قد بحث طالما أن له وجود في الفقه الاسلاميّ ، وهذا يحتاج مني الى البحث عنه وقرأته مع أنني لا استغنيّ عن تعقيب فضيلتك على كل ماطرحته ، بحثاً عن الفائدة .

بارك الله فيك.

محب القسط
22-05-2010, 05:02 PM
الاخوة الاعزاء بارك الله تعلمون أن تقسيم الجرائم في الفقه الاسلامي :
1- حدود خالصة لله تعالى 2- قصاص حق خالصة للمخلوق 3- تعزير وهذا منه ما هو لحق الله ومنه ما هو لحق المخلوق .
وبناء على ذلك قرر الفقهاء مسألة :
هل يبقى لولي الامر حق إذا عفى ولي الدم عن القاتل عمدا ؟
- فقال الجمهور لا يبقى لولي الامر حق لانه حق خالص للمخلوق . كما قال تعالى ( فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ) الاية .
وقال المالكية : سجن سنة ويجلد مئة .
وقال بعض العلماء يسجن إن عرف بالفساد .
وفي بلادنا ونحن نطبق الشريعة الاسلامية جاءت الارادة الملكية بالأخذ بمذهب المالكية بجواز السجن ولكن بغير ما حدد بل جعلت العقوبة خمس سنوات وفي البعض الحالات يجوز زيادة التعزير لكن لا يبلغ به القتل .
ومن الملاحظ أن هناك قضايا حكم فيها بالقتل تعزيرا رغم وجود عدد من الفتاوى لمفتي الديار السعودية الشيخ إبن ابراهيم رحمه الله بعدم جواز ذلك إلا إذا كان الجاني من السفاحين أو السفاكين .
وهذا ما أتمنى أن يصدر بشأنه تنظيم من ولي الأمر والله أعلم .

سيادة القانون
22-05-2010, 06:37 PM
الاخوة الاعزاء بارك الله تعلمون أن تقسيم الجرائم في الفقه الاسلامي :
1- حدود خالصة لله تعالى 2- قصاص حق خالصة للمخلوق 3- تعزير وهذا منه ما هو لحق الله ومنه ما هو لحق المخلوق .
وبناء على ذلك قرر الفقهاء مسألة :
هل يبقى لولي الامر حق إذا عفى ولي الدم عن القاتل عمدا ؟
- فقال الجمهور لا يبقى لولي الامر حق لانه حق خالص للمخلوق . كما قال تعالى ( فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ) الاية .
وقال المالكية : سجن سنة ويجلد مئة .
وقال بعض العلماء يسجن إن عرف بالفساد .
وفي بلادنا ونحن نطبق الشريعة الاسلامية جاءت الارادة الملكية بالأخذ بمذهب المالكية بجواز السجن ولكن بغير ما حدد بل جعلت العقوبة خمس سنوات وفي البعض الحالات يجوز زيادة التعزير لكن لا يبلغ به القتل .
ومن الملاحظ أن هناك قضايا حكم فيها بالقتل تعزيرا رغم وجود عدد من الفتاوى لمفتي الديار السعودية الشيخ إبن ابراهيم رحمه الله بعدم جواز ذلك إلا إذا كان الجاني من السفاحين أو السفاكين .
وهذا ما أتمنى أن يصدر بشأنه تنظيم من ولي الأمر والله أعلم .


حياك الله اخي الكريم..

الموضوع يدور حول رضا المجني عليه كسبب من أسباب سقوط العقوبة ، وبخصوص القتل تعزيراً أخذ به المنظم الجزائي السعودي في جرائم تهريب المخدرات.

محب القسط
22-05-2010, 07:59 PM
وبخصوص القتل تعزيراً أخذ به المنظم الجزائي السعودي في جرائم تهريب المخدرات.
أخي الكريم هذا في جرائم التعزيرالعامة أما موضوعنا فهو في قضايا القصاص التي هي حق خاص للمخلوق شرعاً كيف إذا سقطت بعفو صاحب الحق يعزره الامام يقتله !! فهنا وعلى قول الجمهور أنه لا توجد عقوبة للحق العام يأتي السلطان على قول من يجيز له التأديب يأدبه بقتله فهنا لم يبق معنى لعفو صاحب الحق الخاص ، ولربما كان قريباً له ومن شفقته عليه عفا عنه ، فيأتي السلطان ليحقق الردع العام فيقتله ، فيكون المجني عليه قد وقعت عليه النار مرتين والله المستعان .
أما مسألة الرضى فنفس الانسان ملك له طالما هو حي على قيد الحياة ويتمتع بكامل قواه العقلية فإذا ما تنازل عن نفسه فيما لو مات من الجناية ثم مات فقد أسقط حقه بنفسه أما لو لم يتنازل قبل موته ثم مات أو مات من الجناية من أول وهلة فالحق ينتقل لورثته وهم بالخيارات المقررة شرعاً والله أعلم

المدعي العام
22-05-2010, 08:00 PM
نعم صحيح ..كان محل استغرابيّ ..وحتى أشرك فضيلتك فيما يدور في ذهني :



1- طالما أنه لا يوجد حديثّ أو دليل قطعيّ يجعل من رضا المجني عليه سبباً لإسقاط العقوبة -وبغض النظر عن أجماع التابعين- فهذا الأمر يشجعنيّ على المضيّ قدماً في تحليل هذه النتيجة.


2- هذا النتيجة يمكن أن لا يخرج بحثها عن أمرين ، الأول : الحق ، والثاني : الرضا.


3- بالنسبة للحق ، يدعونا الى أن نطرح سؤالاً : هل النفسّ تصلح محلاً لجواز التصرف كبقية الحقوقّ التي يجعل الشرع أو القانون لصاحبها سلطة التنازل والابراء والاسقاط ؟!! ومن ثم يمكن القول بأنه من حق المجني عليه أن يتنازل عن حقه في الحياة وبتاليّ كانّ هذا التنازل جائزاً وبنيّ فعل القتل على تنازل مشروع ؟ بل وأنه حتى بالقياسّ على نقل الاعضاء البشرية نجد أن غالبية فقهاء الشريعة يحظرونه وهذا يعني لو كان عضو الإنسان حقاً خالصاً له لأجيز له كافة التصرفات من بيع وهبة ، وكذلك الحكم ينطبق على النفس البشرية ، فلو كانت حقاً خالصاً لأجيز له الرضا بإزهاقها- على أقل من وجهة نظريّ- وكذلك الحال بالنسبة للقتل الرحيم "قتل المريض الميؤس من شفاءه بطلبه".


لا يكفيّ أن يقالّ أنتبه : رضا المجني عليه في أصله محرم ، وفعل الجاني محرم ، ولكنّ الرضا سبباً لإسقاط العقوبة فقط وبتالي التحريم قائم وجزاءه موجود ؟ فهناك عقوبة تعزيرية تنتظر الجاني ، فأقول : أن عقوبة التعزير كانت جزاءً لحق الجماعة "الحق العام" وليست حقاً للمجني عليه ولا لورثته وعلى وجه الخصوص إن أصروا على أقامة القصاص ،بل أن حقه في التنازل في الأساس لا يملكه فإن كان لا يملكه فإقامة القصاص هي الجزاء ولا يملك حق اسقاط العقوبة الا الورثة لأعتبارات قد شجع الله عليها عباده ودلهم على الصلح والعفو ، ومنصوص عليها بأدلة شرعية قطعية الثبوت والدلالة ، كما أنه كيف يكون رضا المجني عليه بقتل نفسه محرم في أصله ويصح استثناءاً برضاءه!!.


4-بالنسبة للرضا ، كما لا يخفى على علم فضيلتك بان للرضا شروط صحة ، كما أن له ظرف زمان ، وللرضا علاقة بالزمن ، وهذا يدعونا أن نطرح سؤالاً ماذا عن الرضا المقترن بزمن سابق للجريمة ؟وماذا عن الرضا المقترن بزمن لاحق للجريمة ؟وهل كل جرائم القتل القائمة على رضا المجنيّ عليه؟ يمكن أن يكون الرضا في كل الاحوال لاحقاً عليها ، أرى أنه من الصعوبة بمكانّ أستخلاص إرادة المجني عليه الحرة والتأكد من سلامتها ، وماذا عن شكل الرضا وهل السكوت يمثل رضا أو موقف سلبيّ .


لذا أقول وعلى فرضّ جواز رضا المجني عليه ؟ لا يمكن أن يكون الرضا الصادر منه وهو ينازع الموت رضا يعتد بسلامته ، فإذا كان فقهاء الشريعة يجعلون بعض تصرفات المريض مرض الموت معلقة على اجازة الورثة مما يوحيّ إلى أن إرادة الإنسان في المرض إرادة ناقصة وتختلف عن إرادته في حال الصحة ، لذا ماذا لو افترضنا أن المجني عليه في الواقعة المعروضة ، قد رضي عن قتله ولكنّ الورثة لم يجيزوا مثل هذا التصرف ؟ هل يسقط الرضا من جانبه؟!


وعموم القول : يصلح هذا الموضوع للبحث وإن كنت أجزم بأنه قد بحث طالما أن له وجود في الفقه الاسلاميّ ، وهذا يحتاج مني الى البحث عنه وقرأته مع أنني لا استغنيّ عن تعقيب فضيلتك على كل ماطرحته ، بحثاً عن الفائدة .



بارك الله فيك.



أخي الفاضل إن الربط بين جملتك الأولى:" هل النفسّ تصلح محلاً لجواز التصرف كبقية الحقوقّ التي يجعل الشرع أو القانون لصاحبها سلطة التنازل والإبراء والإسقاط ؟!! " وجملتك الأخرى:" ومن ثم يمكن القول بأنه من حق المجني عليه أن يتنازل عن حقه في الحياة " انعقدت بهما نتيجة غير صحيحة في الربط بناء على ربط غير صحيح.

فالمقدمة الأولى لا تقبل الربط بالثانية من وجهين :

الأول : من حيث نشأة الحق ، معلوم أن الحق في إسقاط القصاص ينشأ بعد وجود موجبه وهو الفعل المفضي إلى القتل أو الجرح فمن قام بسلوك أدى بالمآل إلى إزهاق نفس أو إتلاف عضو أو إذهاب منفعة نشأ عنه حق الإسقاط عن القصاص لمن يستحقه .
وبناء عليه لا يصح طلب أي شخص إزهاق نفسه أو إتلاف عضو من أعضائه أو إذهاب منفعة من منافعه بأي صورة كانت لعدم نشــأة الحق ، أذن المقدمة الأولى لا يجوز ربطها بالثانية .
الثاني : من حيث القياس الباطل – كما يسميه علماء الأصول – ، معلوم أنه لا يقاس الحكم الشرعي الذي جرى النص عليه بالتحريم – كطلب شخص من آخر قتله لأي سبب – بالحكم الشرعي الذي جرى النص عليه بالجواز – كإسقاط حق القصاص - وكان البطلان ناتج من قياس الأصل على الأصل وهذا ليس بأصل عند علماء الأصول إذن المقدمة الثانية لا تقاس على الأولى .

وختاماً : أقول اتفق الأئمة الأربعة على جواز عفو القتيل قبل موته عن قاتله كــــما أشار إليه فضيلة الدكتور .

وما دام أن للمجني عليه الحق شرعاً-بالنص عليه - في إسقاط حقه بعد نشأته بالعفو في إتلاف الأعضاء وذهاب المعاني إذا توفرت الشروط و لا عبرة بقول غيره من أقاربه يحق له إسقاط حقه بعد نشأته بالعفو في إتلاف نفسه قياساً زيادة في الأدلة الأخرى بدليل القياس .
وفقكم الله ونفع بكم .

سيادة القانون
22-05-2010, 09:51 PM
أخي الكريم هذا في جرائم التعزيرالعامة أما موضوعنا فهو في قضايا القصاص التي هي حق خاص للمخلوق شرعاً كيف إذا سقطت بعفو صاحب الحق يعزره الامام يقتله !! فهنا وعلى قول الجمهور أنه لا توجد عقوبة للحق العام يأتي السلطان على قول من يجيز له التأديب يأدبه بقتله فهنا لم يبق معنى لعفو صاحب الحق الخاص ، ولربما كان قريباً له ومن شفقته عليه عفا عنه ، فيأتي السلطان ليحقق الردع العام فيقتله ، فيكون المجني عليه قد وقعت عليه النار مرتين والله المستعان .
أما مسألة الرضى فنفس الانسان ملك له طالما هو حي على قيد الحياة ويتمتع بكامل قواه العقلية فإذا ما تنازل عن نفسه فيما لو مات من الجناية ثم مات فقد أسقط حقه بنفسه أما لو لم يتنازل قبل موته ثم مات أو مات من الجناية من أول وهلة فالحق ينتقل لورثته وهم بالخيارات المقررة شرعاً والله أعلم


بارك الله فيك شكراً على توضيحك أخي الكريم.

سيادة القانون
22-05-2010, 10:52 PM
الأول : من حيث نشأة الحق ، معلوم أن الحق في إسقاط القصاص ينشأ بعد وجود موجبه وهو الفعل المفضي إلى القتل أو الجرح فمن قام بسلوك أدى بالمآل إلى إزهاق نفس أو إتلاف عضو أو إذهاب منفعة نشأ عنه حق الإسقاط عن القصاص لمن يستحقه .
وبناء عليه لا يصح طلب أي شخص إزهاق نفسه أو إتلاف عضو من أعضائه أو إذهاب منفعة من منافعه بأي صورة كانت لعدم نشــأة الحق ، أذن المقدمة الأولى لا يجوز ربطها بالثانية .

بالنسبة للمقدمة الأولى والثانية وجهان لعملة واحد يدور رحاهما حولّ "الحق" لأنه لا يمكن أن تفصل الحق عن كافة مميزاته والتي تخول لصاحبها سلطة ينفرد بها دون غيره ولا عن الاثرّ الناتج عن هذا عن الحق، مثل إسقاط العقوبة ، إذ أنه لولا حق المجني عليه في العفو لما كان لهذا السقوط أثراً ، لذا كان السؤال هل يملك الأنسان شرعاً الحقّ في أزهاق روحه سواء قبل أرتكاب الفعل المفضي للموت أو بعده ، وماذ عن الإرادة مناط الرضا هل هيّ أرادة يعتد بها ؟ جميع هذه الاسئلة تجعل الاستغراب قائماً من هذه النتيجة ويزيد الاستغراب كونّه لا يوجد دليل قطعي على حق المجني عليه في إسقاط العقوبة .

ولا يعدم الترابط بين المقدمة الأول والثانية ، كونك ترى بأن الحقّ متازمناً مع وقوع الفعل أو بعد وقوعه ، إذ أنك بهذا ترى أن الحقّ معلق على شرطّ ، فهو قبل وقوع الفعلّ لا يملكه الانسانّ وبعد الفعل يملكه المجنيّ عليه ، وهذا لا يحل أشكاليةّ لدى من ينكرّ وجود هذا الحق أصلاً سواء قبل أو بعد.


الثاني : من حيث القياس الباطل – كما يسميه علماء الأصول – ، معلوم أنه لا يقاس الحكم الشرعي الذي جرى النص عليه بالتحريم – كطلب شخص من آخر قتله لأي سبب – بالحكم الشرعي الذي جرى النص عليه بالجواز – كإسقاط حق القصاص - وكان البطلان ناتج من قياس الأصل على الأصل وهذا ليس بأصل عند علماء الأصول إذن المقدمة الثانية لا تقاس على الأولى

الذي علمته من فضيلة الدكتور بأنه لا يوجد نص يجيز للمجني عليه أسقاط العقوبة والذي أعرفه بأن هذا الحق لا يملكه الا الورثة بعد وفاة مورثهم لوجود نصّ ، كما أنني لا أقيس نص التحريم على نص الجواز ولست بحاجة الى هذا لأن التحريم قائم في حق المجني عليه أن يطلب من أخر إزهاق روحه ، ونص الجواز ليس للمجني عليه وإنما لورثته ويصح أن تحكم بالقياس الباطلّ- بحسب فهمك له - لو كنت أرى بجواز تنازل المجني عليه عن قتل نفسه كسبب من أسباب أسقاط العقوبة.

لذا أرى أن الاشكال لازال قائماً لا يمكن أن نتحدث في هذا الموضوع ونعزل عنصر " الحق" وعنصر " الرضا" حتى نتوصل الى نتيجة "أسقاط العقوبة بناءً على رضا المجني عليه" سواء قبل موته أو بعد موته ، هذا هو مناط البحث!.

المدعي العام
22-05-2010, 11:21 PM
بالنسبة للمقدمة الأولى والثانية وجهان لعملة واحد يدور رحاهما حولّ "الحق" لأنه لا يمكن أن تفصل الحق عن كافة مميزاته والتي تخول لصاحبها سلطة ينفرد بها دون غيره ولا عن الاثرّ الناتج عن هذا عن الحق، مثل إسقاط العقوبة ، إذ أنه لولا حق المجني عليه في العفو لما كان لهذا السقوط أثراً ، لذا كان السؤال هل يملك الأنسان شرعاً الحقّ في أزهاق روحه سواء قبل أرتكاب الفعل المفضي للموت أو بعده ، وماذ عن الإرادة مناط الرضا هل هيّ أرادة يعتد بها ؟ جميع هذه الاسئلة تجعل الاستغراب قائماً من هذه النتيجة ويزيد الاستغراب كونّه لا يوجد دليل قطعي على حق المجني عليه في إسقاط العقوبة .


ولا يعدم الترابط بين المقدمة الأول والثانية ، كونك ترى بأن الحقّ متازمناً مع وقوع الفعل أو بعد وقوعه ، إذ أنك بهذا ترى أن الحقّ معلق على شرطّ ، فهو قبل وقوع الفعلّ لا يملكه الانسانّ وبعد الفعل يملكه المجنيّ عليه ، وهذا لا يحل أشكاليةّ لدى من ينكرّ وجود هذا الحق أصلاً سواء قبل أو بعد.




الذي علمته من فضيلة الدكتور بأنه لا يوجد نص يجيز للمجني عليه أسقاط العقوبة والذي أعرفه بأن هذا الحق لا يملكه الا الورثة بعد وفاة مورثهم لوجود نصّ ، كما أنني لا أقيس نص التحريم على نص الجواز ولست بحاجة الى هذا لأن التحريم قائم في حق المجني عليه أن يطلب من أخر إزهاق روحه ، ونص الجواز ليس للمجني عليه وإنما لورثته ويصح أن تحكم بالقياس الباطلّ- بحسب فهمك له - لو كنت أرى بجواز تنازل المجني عليه عن قتل نفسه كسبب من أسباب أسقاط العقوبة.



لذا أرى أن الاشكال لازال قائماً لا يمكن أن نتحدث في هذا الموضوع ونعزل عنصر " الحق" وعنصر " الرضا" حتى نتوصل الى نتيجة "أسقاط العقوبة بناءً على رضا المجني عليه" سواء قبل موته أو بعد موته ، هذا هو مناط البحث!.


هبْ إن شخصاً طلب من آخر قتله فقتله ، الطلب غير صحيح وهو حرام إذن الطلب بلا حق .


بعد حدوث القتل نشأ حق إسقاطه للورثة دون القتيل؛ لأنه استعجل شيئاً قبل أوانه فعوقب بحرمانه فسقط حقه في الإسقاط وبقي حق الورثة فلهم القود أو العفو بناء على الأصل .
وفقكم الله .

محب القسط
22-05-2010, 11:24 PM
نمرة القضية: أ س ج/ /256 /1999م
المحكمة: محكمة الإستئناف
العدد: 2001

المبادئ:

القانون الجنائي 1991م – عفو المجني عليه - عن القصاص– شروطه – أثره – إسقاط القصاص في حالة الوفاة - المادة 26/130 ف.ج – المنشور الجنائي رقم 88/83. قانون الإثبات لسنة 1994م – عبء إثبات ظهور علامات البلوغ – يقع على الاتهام. القانون الجنائي 1991م – تدابير الرعاية والإصلاح ليست عقوبة– لا تدون في الاستمارة الخاصة بالعقوبة.
- يجوز الأخذ بعفو المجني عليه عن القصاص وهو متأثر بجراحة قبل موته ، ويسقط ذلك القصاص شريطة أن يثبت ذلك العفو ، ويكون صريحاً شفاهة أو كتابة ، مسجـلاً في أي جهاز تسجيل مسموعاً أو مرئياً ، ولا يشترط كتابته وأن يشهد على ذلك شهود مشهود لهم بالصدق والأمانة كما يجب التحقق من إرادة المجني عليه ومن أن عفوه يشمل عفوه عن القصاص إذا مات.
2- يقع على الاتهام عبء إثبات ظهور إمارات البلوغ إذ ليس على المتهم تقديم دليل ضد نفسه . وهو واجب الاتهام منذ مرحلة بداية التحري لأن العبرة في تحديد البلوغ هو وقت ارتكاب الحادث والفعل وليس وقت المحاكمة.
3- التدبير بموجب المادة 47 من القانون الجنائي ليس عقوبة لذا لا يدون في الاستمارة الخاصة بالعقوبة.


الحكم:



في الأول من فبراير 1999م انعقدت محكمة الجنايات العامة ببورتسودان برئاسة القاضي عبد المنعم بله لمحاكمة المتهم عامر يوسف محمد تحت المادة 130 من القانون الجنائي القتل العمد والمتهمين محمد بابكر علي تحت المادة 26/130 وأحمد عبد الرحيم تحت المادة 107 من القانون الجنائي. وفي يوم 26/8/1999م توصلت المحكمة إلى إدانة المتهم الأول تحت المادة 130 القتل العمد وبعد إصرار أولياء الدم على القصاص قضت به وأدانت المتهمين محمد بابكر علي وطبقت عليه تدابير الحــدث وعلى المتهــم أحمد عبد الرحيم عقوبة السجن لعام والغرامة مائة ألف جنيه . رٌفع لنا الأمر حتى يصير حكم المحكمة الجنائية العامة نهائياً في معنى المادة 180(ج) إجراءات جنائية 1991م حتى يٌرفع للمحكمة العليا في معنى المادة 181 مصحوباً ذلك باستئنافين الأول مقدم من الأستاذة أنهار مصطفى قاسم ممثلة الاتهام يدور محور طلبها في عدم معقولية العقوبة مع خطورة الجرم لشخص يعاون على جريمة القتل وأن المحكمة لم تتحقق من بلوغه بواسطة أخصائي الأمراض التناسلية وهو جهة الاختصاص وترى حتى لو حدث لجنوحه أن يحفظ في إحدى المؤسسات الإصلاحية أيضاً ترى عدم معقولية عقوبة التستر بإخفاء الأداة التي استخدمت وتلتمس إلغاء قرار العقوبة وإعادة الأوراق لتشديد العقوبة . إنابة عن المدان عامر يوسف تحت المادة 130 القتل العمـد يتقــدم لنا الأستاذ/ عبد العزيز يس بهذا الاستئناف ويدور محوره باختصار فيما يلي:

1- إن المدان لم يقصد القتل العمد بدليل الطعنة النجلاء التي سددها للمجني عليه ولا توجد أي سابق نية على القتل.

2- لم تتوفر رابطة السببية بين الفعل والنتيجة وأن الخطأ الطبي من طبيب عمومي هو الذي تسبب في تسميم الدم والسبب للوفاة ضيق التنفس ولم تتاح الفرصة لاستدعاء الأطباء المنقولين ووجودهم هام لتوضيح ما خفي عن المحكمة.

3- أغفلت المحكمة أمراً هاماً هو أن عفو المجني عليه قبل وفاته يسقط القصاص وقد جوز جمهور الفقهاء ذلك من حق أصيل للمجني عليه وأن المشرع لم ينص على هذه الحالة والمرجع وفقاً لنص المادة (3) من قانون أصول الأحكام هو كتب الفقه ولقد اعتبر الفقهاء العفو الصادر من المجني عليه مقبولاً لصدوره بعد وجوب السبب الذي أفضى للموت ، ويلتمس من محصلة طلبه إلغاء العقوبة تحت المادة 130 والنظر إلى العفو الصادر من المجني عليه وأثره على القصاص والدية . الطلبين قدما وفقاً لنص المادة 184 ومن ذي مصلحة ونقرر التصدي للطلبين وفقاً لنص المادة 180(ج) 185 و181 ونقرر الآتي:

أولاً: بشأن الإدانة تحت المادة 26/130 من القانون الجنائي والمادة 106 لا نتطرق لصحة الإدانة لعدم تقديم طلب من المدانين بشأن هذه الإدانة والعقوبة ولكن الأستاذة ممثلة الاتهام ترى عدم معقولية العقوبة ونحن نرى أن المحكمة عند توقيع العقوبة التعزيرية ينبغي عليها مراعاة الموجهات التي جاءت بها المادة 39 من القانون الجنائي وهي:

1- مراعاة الظروف المخففة والمشددة 2- درجة المسئولية 3- الباعث لارتكاب الجرم 4- خطورة الفعل 5- جسامة الضرر 6- خطورة شخصية الجاني ومركزه 7- سوابقه.

فلا خلاف حول خطورة الجرم فهو معاونة بإحضار الأداة القاتلة (السكين) وصد الشاهد جلال من منع المشاجرة فخطورة الفعل وجسامته ودرجة المساهمة في مسئولية القتل تبرر التشـدد ولكن السبب الذي منع المحكمة هـو أن المتهم ( محمد بابكر علي) لم يثبت بلوغه وفقاً لنص المادة (3) من القانون الجنائي 1991م والتي عرفت البلوغ ( بالغ تعني الشخص الذي ثبت بلوغه بالأمارات الطبيعية القاطعة وكان قد أكمل الخامسة عشرة من عمره ويعتبر بالغاً حكماً من أكمل الثامنة عشرة ولو لم تظهر الأمارات وبالتالي الثابت أن المدان لم يبلغ الثامنة عشرة حتى يعد بالغاً قضاءً وقانوناً وفقهاً ولكن بإقرار والده أن وقت الحادث كان عمره خمسة عشر عاماً إذن يقع على الاتهام عبء إثبات أنه بلغ الحلم بإثبات ظهور امارات البلوغ من الرجال وهى إنبات شعر الإبط والعانة والإنزال ( قذف المنيَّ ) وليس على المتهم أن يقدم دليلاً ضد نفسه وإذا تقاعست النيابة وهي تشرف على التحري أو ممثلة الاتهام عند تكليفها بتمثيل الاتهام وهي مرحلة مفروض أن تبدأ من بدء التحري في إرسال المتهم لتحديد عمره علماً بأن الاعتماد على بزوغ ضرس العقل ليس بإمارة قاطعة في تقديرنا فقد يبلغ المرء ولا تظهر ضروس العقل وأن العبرة في تحديد البلوغ وقت ارتكاب الحادث والفعل وليس وقت المحاكمة لأنه قد يبلغ المتهم ولا مجال لإعادة الأوراق لإعادة النظر في البلوغ بعد هذه الفترة لصعوبة تحديد ذلك كما أوضحت محكمة الموضوع وقد جاء في قضية حكومة السودان//ضد// دقة ايلي نقه المجلة 1987م ص 100 ( من أتم العاشرة ولم يتم السادسة عشرة يعتبر غير بالغ حكماً بصرف النظر عن واقع الأمر ويعامل معاملة ناقص التمييز ومن أتم السادسة عشرة ولم يبلغ الثامنة عشرة يعامل حسب حالته الراهنة فإن ظهرت عليه علامات البلوغ المعروفة يتحمل المسئولية الجنائية الكاملة ومن لم تظهر عليه تلك العلامات عومل معاملة ناقص التمييز. أما من بلغ الثامنة عشرة فتقع عليه المسئولية الجنائية الكاملة . إن مناط المسئولية الجنائية في الفقه الإسلامي هي التميز والإدراك والاختيار والمعيار هو البلوغ وقد نصت المادة 8(1) لا مسئولية إلا على الشخص المكلف المختار لذا تنتفي المسئولية عن الصغير وقد نصت المادة (9) مـن القانون الجنائي ( لا يعد مرتكباً جريمة الصغير غير البالغ ) على أنه يجوز تطبيق تدابير الرعاية والإصلاح الواردة في هذا القانون على من بلغ سن السابعة من عمره حيثما تراه المحكمة مناسباً وقد حدد منشور المحاكم الجنائية 106/84 أقصى سن للصغير بعشرة أعوام وعليه يعتبر القانون إن من لم يبلغ العاشرة غير بالغ حكماً ثم تأتي مرحلة التميز الناقص وهي سن البلوغ ولا توقع العقوبة الجنائية على الصبي في هذه المرحلة فلا يحد ولا يقتص منه بل ولا توقع عليه أي من العقوبات التعزيرية إنما يؤدب تأديباً فقط ، لذا نصت المادة 15 إجراءات بمحاكمة الحدث بغرض الإصلاح والتهـذيب والمادة 33(3) من القانـون الجنائي تنص ( لا يجوز الحكم بالسجن على من لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره لذا يثور الشك المعقول لصالح المدان من أن عمره أقل من الثامنة عشرة ولم تظهر عليه امارات البلوغ عندما ارتكب الجريمة بالمعاونة للقاتل وأن التقويم المناسب للحدث الذي لم يبلغ الحلم هو الجلد على اعتبار أن العقوبة تأديبية وأن لا يوقع على الصبي الذي لم يبلغ الثامنة عشرة وبلغ العاشرة من العقوبة التعزيرية إلا ما يعتبر تأديباً كالجلد والحجز بالإصلاحية أو أي مؤسسة يحددها رئيس المحكمة العليا وفي قضية حكومة السودان //ضد// عبد الله محمد أحمد م ع/ق ج/257/1406هـ غير منشورة قالت المحكمة العليا أن التقويم المناسب للحدث الذي لم يبلغ الحلم هو الجلد وبالتالي اتخاذ محكمة الجنايات وفق تقديرها للفقرة (ب) و(ج) من نص المادة 47 جاء وفقاً لصحيح القانون ويحقق الغرض في التأديب وتهذيب واصلاح الأحداث ولا نميل إلى الإرسال إلى مؤسسات الإصلاح والرعاية الاجتماعية إلا في حالة جنوح الحدث وخطورة جرمه كأن يكون مثلاً هو القاتل نفسه وتكرار جرمه بعد إخضاعه لدراسة باحثٍ نفسي واجتماعي وتستهدي المحكمة بتقريره للوصول إلى مدى ملائمة التدبير المناسب لأن الغرض هو التهذيب والتأديب والإصلاح لذا نرى تأييد قرار المحكمة بشأن هذا المدان فقط ننبه محكمة الجنايات العامة إلى أن التدبير تحت المادة 47 ليس بعقوبة ولا يدون في الاستمارة الخاصة بالعقوبة.

ثانياً: بشأن المدان أحمد عبد الرحيم جبارة الذي عمل على إخفاء السكين قاصداً بذلك أن يحول دون تقديمها كدليل أمام المحكمـة وأثناء إجـراء قانوني (أثناء التحري) فنجد أن نص المادة 106 يعاقب إما بالسجن مدة في حدها الأقصى لا ينبغي أن تجاوز ثلاث سنوات أو بالغرامة أو العقوبتين معاً ، ولتحديد مدى معقولية هذه العقوبة أن نشير إلى ما جاء في كتاب العقوبة في الفقه الإسلامي للدكتور أحمد فتحي بهنسي ( .. التعزير أنواع منه ما يكون بالتوبيـخ مثل تدابير الأحداث وبالزجر بالكلام ومنه ما يكون بالحبس ومنه ما يكون بالنفي عن الوطن ومنه ما يكون بالقتل ومنه ما يكون بإتلاف المال وأنه يناسب كل طائفة فتأديب ذوي الهيئة من أهل الصيانة أخف من تأديب أهل البذاءة والسفاهة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( أقيلوا ذوي الهيئات عن عثراتهم ). وأنه يردع الجاني دون أن يهلكه غالباً وفيه عظة للغير فهو يترك للقاضي مجالاً واسعاً في تقدير العقوبة ونوعها دون أن يهمل شخص الجاني وهل هو من نوع المجرم بالمصادفة أم العريق في الإجرام ، وبالتالي نرى سلطة القاضي في العقوبات التعزيرية تقديرية ومقصورة على اختيار العقاب الملائم لكل جريمة حسب ظروفها ونرى ما وقعه من عقوبة لا يخالف أحكام الشريعة ولا القانون وأن العقوبة ملاءمة ومناسبة للفعل الذي يحاكم المدان الجاني لأجله وتكفي لأغراض الردع وإصلاح ذات البين فمهمة القاضي في العقوبة التعزيرية مراعاة مبدأ ملاءمة العقوبة للجريمة ولظروف الجاني ، عليه نرى مناسبة العقوبة فقط فإن على قاضي الجنايات العامة أن يحدد كيفية استيفاء الغرامة نرى تعديل ذلك بأن تستوفي وفقاً لنص المادة 198 إجراءات جنائية . عليه نقرر شطب الاستئناف المقدم من ممثلة الاتهام.

ثالثاً: بشأن المدان عامر يوسف تحت المادة (130) القتل العمد نرى الآتي:

أولاً: نتفق مع محكمة الجنايات العامة في إسناد الفعل المادي واقعة الطعنه للمدان عامر يوسف ذلك بناءً على إقراره المدون في محضر التحري فـي ص 28 حيث ذكر ( ... طلعت السكين المعروضات وطعنته بيها ) وهذا الإقرار وفقاً لنص المادة 16/1 من قانون الإثبات لسنة 1993م يعد إقراراً قضائياً لأنه تم أثناء إجراء متعلق بالدعوى أمام قاضي . كرر ذلك عند استجوابه بموجب المادة 139/هـ إجراءات جنائية 1991م في ص 59 من محضر الدعوى السطر السادس بقوله ( .. جريت السكين وطعنت بها المرحوم بسيط) . وعليه طالما جاء الإقـرار مفصلاً مثبتاً لجميع أركان الجرم غير معـدول عنه فهو حجة في مواجهة المـدان نقرر أخذ المدان بإقـراره وإسناد الفعل المادي هو واقعة الطعن وفقاً للمستندات الطبيـة.

ثانياً: التساؤل المطروح هل توافرت رابطة السببية من فعل الجانـي المادي ( واقعة طعنه المجني عليه حتى أدت إلى وفاته ) وحدوث النتيجة ؟ الأستاذ/ عبد العزيز يسن يرى أن هنالك عوامل خارجية تدخلت أدت إلى الوفاة وليس واقعة الطعنة وأن الخطأ الطبي في إجراء فتحة أدت إلى تسمم الدم وأن سبب الوفاة هو ضيق التنفس وأن المحكمة لم تستدع جميع الأطباء . مع تقديرنا لما بذله من جهد الأستاذ / المحترم عبد العزيز يس فإننا نختلف معه ، فعلاقة السببية هي أهم عناصر الركن المادي للجريمة وهى بمعناها البسيط الصلة أو الرابطة التي تربط بين نشاط الجاني وحدوث النتيجة المتوقعة وهي القتل فإذا لم توجد هذه الرابطة بمعنى عدم توافرها لا تتم جريمة القتل العمد وعلاقـة السببية ليس كما يتصـور الأستاذ عبد العزيز يس عمل طبي بل هي عمل قضائي مع الاستعانة بالبينة الطبية إن وجدت فالمحكمة هي التي تتوصل إلى توافر هذه الرابطة وقد كثرت النظريات القانونية في تحديد علاقة أو رابطة السببية منها:

1- نظرية تعادل الأسباب.

2- نظرية السببية الكافية.

3- نظرية السببية الملائمة.

1- نظرية تعادل الأسباب : مقتضى هذه النظرية أن فعل الجاني هو السبب في تتابع الأحداث وتعتبر سبباً لحدوث الوفاة لمجرد كونه أحد العوامل إذ لولاه لما حدثت النتيجة وعلى ذلك يسأل الجاني عن فعله مهما تداخلت العوامل الأخرى ويضرب لذلك أمثلة كثيرة منها حالة ما إذا طعن شخصُ شخصاً آخر بسكين ولكن يدركه البعض وينقلونه إلى المستشفى لعلاجه ويشب في المستشفى حريق يؤدي إلى وفاته .

2- نظرية السببية النافية : ومقتضى هذه النظرية أن الجاني لا يسأل عن النتيجة التي حصلت إلا إذا ثبت أنها كانت متصلة اتصالاً مباشراً بنشاطه أو بمعنى أصح لا بد أن يثبت أن الوفاة قد نتجت بسبب فعل أو نشاط الجاني وحده ( أنظر حكومة السودان /ضد/ عبد الرحمن عبد العزيز المجلة القضائية 1977م ص 129 ).

3- نظرية السببية الملائمة : مقتضى هذه النظرية أن الجاني يسأل دائماً عن نتائج نشاطه الإجرامي سواء كانت محتملة أو كانت متوقعة فعل الجاني يصير مناسباً أو ملائماً إذا كان كافياً بذاته في حصول النتيجة التي حدثت ما دامت الظروف تشير إلى أنه كان متوقعاً وبصرف النظر عن العوامل الأخرى الأجنبية التي تكون قد تداخلت بين النشاط وبين النتيجة النهائية . ولا شك أن الشريعة الإسلامية العادلة السمحاء والتي تعمل على بيان الحقيقة دائماً قد عرفت رابطة السببية بطريقة مرنة كما عرفته القوانين الوضعية فاشترطت ضرورة توافر تلك الرابطة بين فعل الجاني وموت المجني عليه فهي الرباط الذي يربط النشاط الإجرامي للفاعل بالنتيجة التي توصل إليها بفعله ( إزهاق روح المجني عليه ) وقد عني الفقهاء ببحث موضوع السببية بطريقة موسعة عما سلكه القانونيون وقد قسموا الأفعال المتصلة في جريمة القتل إلى ثلاثة أقسام هي:

1- المباشر 2- السبب 3- الشرط .

1- المباشر: هي جميع الأفعال التي يكون لها تأثيرٌ في التلف إلى الموت دون واسطة.

2- السبب : هي جميع الأفعال التي تؤثر في التلف أي الأفعال التي تعتبر علة الموت ولكنها لم يحدث الموت بذاتها كمن حفر بئراً لم يقم بتغطيتها في طريق غريمه بحيث يمر عليها ويسقط فيها ثم يموت نتيجة لذلك والسبب أنواع ثلاثة:

(أ ) سبب حسي : ومثله الإكراه فإنه يحمل المكره على القتل.

(ب) سبب شرعي: ومثله شهادة الزور على جريمة القتل أي على القاتل فإنه تولد لدى القاضي القناعة بالحكم بالإعدام على المتهم.

(ج) ما لا يكون حسياً أو شرعياً ومثاله من يستضيف غريمه ويقدم له الطعام وبه السم ليأكله فيموت نتيجة لذلك.

2- الشرط : هو كل فعل لم يتلف المجني عليه ولم يكن علة في تلفه ولكن وجوده بذاته جعل فعلاً آخر متلفاً أو علة في التلف ومثاله أن يقوم إنسان بإلقاء آخر في بئر قام بحفرها شخص ثالث لم يقصد من فعله القتل فيموت والسؤال الذي يتبادر إلى الأذهان ما هي مسؤولية كل من المباشر والمتسبب والشرط ؟ أولاً مسؤولية صاحب المباشر وصاحب السبب كلاهما مسئول عن نتيجة فعله لأن فعله هو علة الموت وأدى إلى الموت بالذات أو بالواسطة . صاحب الشرط لا تقع عليه أي مسؤولية لأن فعله لا يعتبر علة الموت ولم يرد إليه وقد انتهى الفقهاء إلى مسئولية الجاني في القتل في حالتي المباشر والمتسبب. جاء في شرح الدردير ج4 ص219( من المتفق عليه في الفقه الإسلامي أن الجاني يعتبر مسئولا عن فعله مهما تعددت الأسباب بمعنى أن تعدد الأسباب لا يمنع من قيام علاقة السببية فالجاني يسأل عن القتل إذا كان فعله سبب الموت ولو كانت هنالك أسباب أخرى ساعدت في إحداث الوفاة سواء أكانت هذه الأسباب نتيجة لفعل المجني عليه أو لتقصيره أو بفعل غير متعمد أو غير متعمدة رئيسية أو قانونية.



وهذا المبدأ محل إجماع الفقهاء الأربعة على ضوء هذه المبادئ وبالإطلاع على المستندات الطبية وإفادة دكتورة سميرة خاطر ( أكدت أن المجني عليه كان يعاني من جرح غائر من الخلف لدرجة أن أنسجة الرئة خرجت للخارج وأصيبت الرئة ) والقرار الطبي (م21) بعد التشريح جاء ( سبب الوفاة فشل في الجهاز التنفسي بسبب الجرح ) وبالتالي لم يقم الدليل أن هنالك إهمال من الأطباء أدى إلى الوفاة بل أن الجرح الظاهر الذي أدى إلى إصابة الرئة هو الذي أثر على عملية التنفس فالمعلوم أن التنفس هو عملية مستمرة بالليل والنهار وفي أية لحظة من لحظات الحياة دون انقطاع وعندما يتوقف التنفس تتوقف الحياة ، إن التنفس عند الإنسان يتكون من غازات كثيرة ولكنها ليست كلها صالحة للتنفس فعندما يتنفس الإنسان تدخل كل الغازات إلى الرئتين فتأخذ منها نوعاً واحداً اسمه الأكسجين والأكسجين هو الغاز الوحيد الذي يصلح للتنفس ثم تخرج الرئتان الغازات غير الصالحة للتنفس مثل النتروجين وثاني أكسيد الكربون ، فإذن إصابة الرئة هي التي تؤثر على الأكسدة وعلى التنفس فرابطة السببية هنا مرتبطة بنشاط الجاني وحده هو واقعة الطعنة الغائرة التي أصابت الرئة فهي مرتبطة بفعله ربطاً محكماً لا فكاك منه وبالتالي نقرر توافرها.



ثالثاً: أيضاً نتفق مع محكمة الجنايات العامة في توفر الركن المعنوي القصد الجنائي ويعرف بأنه انصراف إرادة الجاني نحو تحقيق وضع إجرامي معين ينطبق على صورة جريمة مما نص عليه القانون مع العلم والإحاطة بحقيقة الواقعة وبماهيته الإجرامية هو أمر باطن لا يعلمه إلا الله ولكن يستشف من التصرفات والأفعال التي تصاحب الفعل ولقد استقر قضاءً على استنباط القصد الجنائي من نوع الآلة والموقع الذي أُعملت فيه ومن قوة الطعنة أو الضربة فإذا أخذنا فـــي الاعتبار أن المدان استخدم سكينه المعروضات (م ع1) وهي حسب الوصف الوارد في (م17) وزنها 155 جرام طول نصلها 22سم وعرضها 3/3 سم فهي إذن من الآلات التي تقتل في غالب الأحوال واختار مكاناً جَد حساس هو الظهر وحسب سابقة حكومة السودان /ضد/ اسحق أحمد المجلة 63م مواقع المقتل في جسد الإنسان هي الرأس والبطن والظهر والطعنة بقوة بمكان بدليل وصولها إلى التجويف الصدري وإصابة الرئة وأدت إلى تمزيقها مما أدى إلى فشل الجهاز التنفسي وكان سبب الوفاة. عليه من الآلة المستخدمة وهى من الآلات التي تقتل في غالب الأحوال ومن قوة الطعنة والموقع الذي أُعملت فيه تقتنع المحكمة بأن المدان قصد بفعله هذا إزهاق روح المجني عليه ، وإذا افترضنا جدلاً بأنه لم يكن يقصد ذلك فهو على أقل تقدير كان يعلم بأن الموت هو النتيجة الراجحة لا مجرد نتيجة محتملة لفعله لأن الرجل العادي المعقـول سيصاب بدهشـة إذا قيل له أن رجــلاً ما طعـن بمثل ذلك السلاح في ذاك الموقع ولم تؤد إلى وفاته . عليه نقرر توفر الركن المعنوي وتوفرت عناصر القتل العمد وفقاً لتعريفه في المادتين 129 – 130.



رابعاً: لا مجال لانطباق أي من موانع المسئولية المواد 8-18 من القانون الجنائي 1991م التي من شأنها أن ترفع عن كاهل المدان مسئولية قتل المجني عليه ولم يدفع الدفاع بذلك.



خامساً: بعد ذلك استقر القضاء على مناقشة الحالات التي تغير من وصف الجريمة من القتل العمد إلى القتل شبه العمد وفقاً لنص المادة 131/2 الفقرات من (أ) إلى (ط) والأستاذ محامي المدان عامر يرى أنه عندما ارتكب الفعل ارتكبه دون سبق إصرار أثناء عراك مفاجئ من غير أن يستغل الظرف أو يسلك سلوكاً قاسياً أو غير عادي ، والسؤال الذي يُطرح هل يستفيد المدان من هذه الحالة؟ المعركة المفاجئة هي التي لم تُعد لها العدة من قبل والتي لم يصمم على الدخول فيها سلفاً ولم يدبر أمرها هي المعركة التي تحدث فجأة والتي تكون فيها نية القتل قد جاءت وليدة الساعة والظروف دون سبق إصرار أو عمد وهي التي تنشب اثر مشاجرة أو خصام مفاجئ وفي قضية حكومة السودان /ضد/ عبد الرازق رمضان إبراهيم مجلة الأحكام 1975م ص 543 حددت المحكمة العليا عناصر المعركة المفاجئة في ( أن تكون هنالك معركة مفاجئة نشبت بدون سابق تدبير إثر مشاجرة وألا يستغل المتهم ظرفاً غير متاح لخصمه و أن لا يستغل ضعف موقف خصمه ويغدر به وألا يتصرف المتهم بوحشية أو بطريقة شاذة وأن يتقيد بقواعد الفروسية وفي قضية حكومة السودان /ضد/ محمد آدم عثمان المجلة القضائية 1974م ص 240 قضت المحكمة العليا بأنه يتوفر ظرف المعركة المفاجئة إذا ثبت أن اللقاء بين طرفي المعركة كان عفوياً وتطور الصدام بدون تدبير إلى معركة واجبة مع عدم سبق الإصرار . وفي قضية حكومة السودان ضد/ أبكر محمد خميس مجلة الأحكام القضائية 1975م ص 413 قضت المحكمة العليا بأن المعركة المفاجئة هي المعركة التي لم يُحضر لها من قبل بمعني أنها المعركة التي تحدث في التو والحين فهي وليدة ساعتها فالثابت بعد استقراء البينة أن ما دار بين المدان والمجني عليه من مشاجرة في الصباح في موقف الحافلات هو عين المعركة المفاجئة ولكن المشاجرة الثانية تمت بعد تناول وجبة إفطار رمضان أي في المساء وبالتالي الفترة الزمنية ليست بالقصيرة حتى تعتبر وفقاً لسابقة حكومة السودان /ضد/ سليم مانجو المجلة القضائية 1961م ص (1) أن الفترة قصيرة جداً بدرجة لا تسمح للمتهم أن يتمالك زمام نفسه وتعتبر الشجار مستمراً كما لو لم ينقطع لحظة ولم تكن أحداث المشاجرة مترابطة ومتلاحقة وأن الفترة الزمنية التي مرت بين انفصالها المبدئي ووقوع الحادث بسيطة وحتى لا تعتبر هنالك حداً فاصلاً فالفترة كافية لكبح زمام الغضب وعلى كل وفقاً لما جاء في قضاء المحكمة العليا في قضية أم سلامة فضل المولى المجلة القضائية 1970م ص 39 جاء فيها ( تكرار المشاجرة أو حدوثها بين الطرفين كل ليلة لا يمنعها من أن تكون مفاجئة حسب المادة 249/4ع تقابل المادة 131/2ج ) من القانون الجنائي 1991م وحسب إقرار المدان في محضر التحري واستجوابه ذكر أن المجني عليه ضيق عليه الخناق وخاف من إصابته ثانية وأثناء الصراع والاشتباك لجأ إلى سلاحه الوحيد المتيسر له وسدد طعنة واحدة نجلاء لو كانت إفادة المدان هي الوحيدة حول كيف بدأ العراك لأخذنا بها واعتبرنا ما حدث هو تكرار لمعركة مفاجئة ولكن إذا كان هنالك بينة تناهض وتناقض أقوال المدان فإن المحكمة تعمل على تجزئة الاعتراف وأخذ الجزء الذي يتفق مع المجرى العادي للأمور والمنطق فالثابت الشاهد جلال أكد أثناء انشغال المجني عليه بإشعال ثقاب سيجارته كشف المدان نور سيارته عليه ونزل مسرعاً نحوه حاملاً عصا جربوكس حاول منعه صده المدان بالمساعدة ( محمد بابكر) وأنشغل معه ثم انزوى المدان والمتهم ودارت المشاجرة وفي تقديرنا أن المفاجأة في هذه المعركة الثانية قد انتفت ولا تنطبق حالة المعركة المفاجئة إذا كان المتهم يعلم باحتمال حدوثها بل المتهم سعى إلى الموقف للمشاجرة بدليل مبادرته بالعدوان أنظر حكومة السودان /ضد/ يوسف محمد جفون المجلة القضائية 1974م ص 336 كما أن سبق الإصرار من المدان واضح باستعداده بالإحضار والإرسال للسكين وحضوره إلى الموقع الذي يتوقع فيه وجود المجني عليه ونجد أن المشرع لم يعرف في المادة الثالثة من القانون الجنائي سبق الإصرار وبالرجوع إلى كتب القانون جاء في كتاب جرائم الاعتداء على سلامة الأجسام بين الشريعـة والقانون للدكتور عزت حسنين سبق الإصرار بأنه ( التروي والتدبر قبل الإقدام على ارتكاب الحادث والتفكير في الجريمة تفكيراً هادئاً لا يشوبه إضراب ) فلو حضر المدان وباشر المشاجرة ولحق بالمجني عليه بعد المشاجرة الأولى مباشرة واشتبك معه لقلنا امتداد للمعركة الأولى ولكن هو دبر إحضار السكين وانتظر وسعى وبادر بالعدوان. وسبق الإصرار يقوم على عنصرين عنصر الزمن + عنصر نفساني ويقتضي العنصر الزمني مرور فترة من الزمن تمضي بين العزم على ارتكاب الجريمة وبين تنفيذها ومقتضى العنصر النفساني أن كون الجاني قد تروى وفكر ودبر وخطط للجريمة وهو في حالة نفسية هادئة وبالتالي نقرر أن للجاني من الفرصة من الصباح حتى المساء للتروي والتفكير المطمئن فيما هو مقدم عليه فمن وقائع الأمور أن المدان تروى وفكر وخطط للمعركة الثانية وأعد لها العدة وبالتالي وفقاً لما جاء في قضاء المحكمة العليا في قضية حكومة السودان /ضد/ عبد الله أحمد إدريس سبق الإصرار من جانب المتهم بذهابه للمجني عليه في منزله ( في دعونا في موقف المواصلات ) يُستبعد معه دفع المعركة المفاجئة فلم يكن في المشاجرة الثانية عدوان متبادل حتى يصعب معه تحميل أي من المتشاجرين عبء اللوم ولم تبدأ بمشاجرة كلامية ثم يحتدم الأمر على تشابك والتحام فعلي وكان منطلق المدان هو الانتقام بعد أن سبق إصراره فعله ودبر وخطط وأعد العدة بإحضار السكين ولا يقبل دفعه الساذج أن السكين أحضرت لاستخدامها في صيانة السيارة وبالتالي باستخدامه في معركة بالأيدي هو على علم بحالة المجني عليه بل مداهمته وهو مشغول بإشعال سيجارته وعلى حين غرة يجعل المتهم استغل الفرصة ولم يتقيد بقواعد الفروسية وأنه مدرك لحالة الضعف التي يعاني منها خصمه . عليه حيث ثبت أن اللقاء الثاني لم يكن عفوياً بل بعد إعداد العدة وسبق إصرار ولم تكن المشاجرة مباغته وأن المدان استغل الظرف وتصرف بقسوة وانطلق من منطلق الانتقام مما لا يعتبر معركة ثانية رغم تسليمنا بأن تكرارها لا ينقص من وصف المعركة عليها إذا توفرت شروطها ولم يكن المدان في أوج قمة المشاجرة وثورة الغضب وهياج العاطفة فنرى عنصر المعركة لم يثبت مما يحرمه من الاستفادة من دفع المعركة المفاجئة . وبالتالي نقرر عدم استفادة المدان من أي من الحالات التي تغير من وصف الجريمة من القتل العمد إلى القتل شبه العمد وفقاً نص المادة 131/2 الفقرات من (أ) إلى (ط).

سادساً: دفع الأستاذ/ عبد العزيز يس أن المجني عليه قبل وفاته قد عفا مما يسقط القصاص ونرى مناقشة هذا الدفع الهام على النحو الآتي:

أولاً: ليس صحيحاً أن المشرع لم ينص على مسألة عفو المجني عليه ثم يموت متأثراً بجراحه فقد نص على ذلك نص المادة 156/3 معاملات مدنية لسنة 1984م وجاء فيه ( إذا عفا المجني عليه عمداً قبل موته عفواً صريحاً مشهوداً عليه بالعدول لزم ذلك ورثته فيما يتعلق بالدية . يقول مولانا القاضي بالمحكمة العليا محمد صالح علي في مؤلفه شرح قانـون المعاملات المدنية السوداني الجزء الثاني ص 180 ( في حالة عفو المقتول عمداً ) أولاً: أن يكون عفو المقتول للقاتل عفواً صريحاً شفاهة أو كتابة أو مسجلاً في أي جهاز من أجهزة التسجيل مسموعاً أو مرئياً ولا يشترط الكتابة في هذه الحالة إذ قد يكون المقتول عاجزاً عن الكتابة في حينه.

ثانياً: أن يكون هذا العفو مشهوداً عليه بشهود معروفين بالصدق والأمانة وهذا الشرط في واقع الأمر لا يستقلٌّ عن الشرط الأسبق وإنما يرتبط به ارتباطاً كاملاً فلا يكفي عفو المقتول وحده وإنما يجب أن يكون هذا العفو مشهوداً عليه وتسمع المحكمة أقوال الشهود حتى تتحقق من صحته فإذا تحقق لها ذلك حكمت بسقوط الدية والعفو لا يذهب أكثر في الدية ) . والسؤال الفرعي الذي يُطرح هل يملك المجني عليه وهو متأثراً بجراحه العفو و القصاص ؟ ظاهر نص المادة 156/3 معاملات وشرح مولانا محمد صالح علي أن حق المجني عليه في العفو عن الدية ولكن المعلوم الدية لا توجب على الجاني في القتل العمد إلا بالعفو عن القصاص أو سقوطه أو عدم توفر شروطه وبالتالي في تقديرنا أن عفو المجني عليه يشمل العفو عن القصاص وأن هذا العفو بمثابة وصية ملزمة لورثته وقد أشارت بدقة واقتدار محكمة الجنايات العامة لذلك كما جاء في كتاب مباحث في التشريع الجنائي الإسلامي للدكتور / محمد فاروق النبهاني جاء فيه ثانياً ( أن تكون الجناية واقعة على النفس وقبل أن يموت المجني عليه عفا عن الجاني وأسقط حقه في القصاص ثم مات بعد ذلك متأثراُ بجراحه وهنا نجد خلافاً بين الفقهاء في مدى حق المجني عليه في العفو في هذه الحالة لأن عفوه صدر من قبل الموت ولا يعتبر الحق في القصاص ثابتاً له إلا بعد الموت ولا يمكنه العفو بعد الموت ومع ذلك فإن جمهور الفقهاء قد قال بجواز العفو من المجني عليه قبل موته لأن الجرح قد تَسَبَّب في حدوث الموت وهو سبب له لاتصاله به. وروي عن الإمام مالك أن العفو في هذا المجال لا يجوز لأنه ربما لا يتوقع الوفاة وربما تكون نية العفو عن الجرح لا القتل لأن القتل ربما يحصل وربما لا يحصل وفي هذه الحالة يكون عدم قبول العفو من المجني عليه قبل موته بسبب عدم التحقق من إرادته وهل أراد العفو عن الجرح أو القتل. عليه حيث أن المشرع لم يأخذ في العمل الجنائي بمذهب معين بل غلب بعض الآراء في المذهب ورجح الأخذ برأي الجمهور انظر المنشور الجنائي رقم 88/83 عليه نرى وضع المبدأ الآتي للأخذ بهذا العفو وهو جواز الأخذ بعفو المجني عليه عن القصاص وهو متأثر بجراحه قبل موته ويسقط ذلك القصاص شريطة أن يثبت ذلك العفو ويكون صريحاً شفاهة أو كتابة أو مسجلاً في أي جهاز تسجيل مسموعاً أو مرئياً ولا يشترط كتابته وأن يشهد على ذلك شهود مشهود لهم بالصدق والأمانة كما يجب التحقق من إرادة المجني عليه وأن عفوه يشمل عفوه عن القصاص إذا مات. الدفاع يعتمد في إثباته لعفو المجني عليه عن القصاص على قول المتحري ص 76 من محضر الدعوى في السطر الرابع بقوله ( عند استجواب المرحوم أولاً في المستشفى ذكر لي بأنه ما عايز مع المتهـم الأول حاجة ولم يذكر السبب ). بالرجوع إلى أقوال المجني عليه (وداعة جعفر محمد) فـي محضر التحري ( يومية التحري) ص (1) ذكر ( المتهم ضربني على ظهري بعصا الجربكس وحصل لي أذى وأحضروني للمستشفى والآن كويس وما عاوز منه حاجة ولازم يفكوه الآن من الحراسة) ورغم أنه لا يشترط توفر نصاب معين للشهادة لإثبات هذا العفو إلا أنه ليس بعفو صريح تحققت فيه المحكمة من إرادة المجني عليه وعفوه عن القصاص إذا مات لأن العفو بهذه الصورة قد ينصرف إلى الجراح لذا لا مجال للأخذ بهذا العفو . عليه مما تقدم نرى صحة الإدانة تحت المادة 130 القتل العمد وعدم استفادة المدان من أي من الحالات التي تغيّر من وصف الجريمة من القتل العمد إلى القتل شبه العمد ولا نعتد بهذا العفو لعدم الإفصاح صراحة والكشف عن إرادة المجني عليه هل عفوه عن الجراح ثم إذا مات أيضاً اسقط القصاص وبالتالي صـار الحــق في المطالبة بالقصاص لأولياء الدم وحيث أصـروا عليه لا مناص من الحكم به لقوله تعالى: ( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ) المائدة 45- ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( من اعتبط مؤمنا بقتل فهو قود به إلا أن يرضى ولي المقتول فمن حال دونه عليه لعنة الله وغضبه لا يقبل منه صدق ولا عـدل) ولقوله ( من قتل له قتيل فأهلـه بين خيرتين أن أحبـوا فالقود وأن أحبوا فالقتل ) ، عليه وفقاً لنص المواد 180 – 181 – 185 إجراءات جنائية وبعد موافقة الزميلين نأمر بما يلي:

1- نؤيد الحكم جميعا.

2- تشطب الاستئنافات.

3- ترفع الإجراءات وفقاً لنص المادة 181 إجراءات جنائية للمحكمة العليا للتأييد أو خلافه.

4- يخطر الأطراف.



ملحوظة حول الإجراءات:

1- تدابير الإصلاح والتهذيب ليست بعقوبة لذا لا تكتب في استمارة العقوبة.

2- فات على المحكمة توضيح كيفية استيفاء الغرامة.

3- في حالة الإدانة بالقتل العمد والحكم بالإعدام لا بد من كتابة فقرة وفقاً لنص المادة 181 بإحالة الإجراءات للتأييد للمحكمة العليا الموقرة.

4- لا بد من الإشادة بجهد القاضي عبد المنعم بله ومحامي الأطراف.



القاضي: عبد العزيز أحمد علي

التاريخ: 2/11/1999م



أتفق تماماً مع الزميل محمد علي خليفة في مذكرته الضافية في كل ما ذهب إليه ولي إضافة بسيطة وهى أن المرحوم حينما ذكر ( أنا بقيت كويس وما عايز منه حاجة وأن يفكوه من الحراسة ) هذا التبرير العفوي واضح وصريح أن العفو انصرف فقط للجراح ولا يعني بأي حال من الأحوال عفوه عن القصاص وهذا التبرير يدلنا على أن المرحوم قد خرج من مرحلة الخطورة واطمأن لنجاته لهذا كان هذا التصريح وما كان ليفصح عن هذا العفو إن كان يتوقع الموت أبداً.



القاضي: أحمد محمد إبراهيم

التاريخ: 14/11/1999م



أوافق على صحة الإدانة والعقوبة والتدابير التي أوقعتها المحكمة العامة وفق التفصيل الدقيق على نحو ما أورده الزميل المحترم محمد علي خليفة على أنه قد استوقفتني مسألة ( عفو المجني عليه قبل وفاته) واثر ذلك بالنسبة لحق القصاص وفي تقديري هذه المسألة جديدة ولم يسبق – حسبما وصل له علمنا – أن نوقشت وقطعت فيها المحاكم الأعلى بأحكام أو مبادئ هي مطلوبة الآن بعد أن طبقت الشريعة الإسلامية لقرابة العقدين من الزمان وأرى أن أبدي فيها بعض الرأي:

أولاً: المطالع لنصوص القانون الجنائي 1991م يلاحظ أن الحق في القصاص ثابت للمجني عليه مطلقاً فالمادة (28)(2) ق0ج ( يثبت الحق في القصاص ابتداء للمجني عليه ثم ينتقل لأوليائه) ثم المادة 31(ب) ( يسقط القصاص في أي من الحالات الآتية) ( إذا عفا المجني عليه أو بعض أوليائه بمقابل أو بدون مقابل ) والمادة 156(3) معاملات لسنة 1984م ( إذا عفا المجني عليه عمداً قبل موته عفواً صريحاً مشهوداً عليه بالعدول لزم ذلك ورثته فيما يتعلق بالدية ، وأرى خلافاً لما رآه الزميل محمد علي خليفة أن العفو ليس وصية بل صدوره يكون ملزماً للورثة باعتباره الأحق بالحق نفسه وقد أسقطه فلزمهم ذلك ولقد جاء في كتاب التشريع الجنائي الإسلامي لعبد القادر عودة الجزء الثاني ص 166( حيث يرى الجمهور مالك وأبو حنيفة وأحمد ) أن عفو المجني عليه ليس وصية لأن موجب العمد هو القصاص عيناً والعفو ينصب على إسقاط القصاص والقصاص ليس مالاً يملك والوصية تمليك لما بعد الموت فالعفو عن القصاص لا يمكن أن يكون وصية ثم يضيف ص 167 ( ويرى البعض أنه ليس وصية لأنه إسقاط ناجز والوصية معلقة بحالة الموت والرأي الأخير هو الراجح ) ولذلك فالرأي عندي أن العفو ليس بوصية.

ثانياً: أتفق مع الزميلين في أن العفو يجب إثباته لأن القصاص وما يتعلق به هو من المسائل الجنائية فإن المرجع في إثباتها هو قانون الإثبات لسنة 1994م والذي جعل إثبات جريمة القتل العمد نفسها جائز بكافة طرق الإثبات ولا نصاب محدد بعدد من الشهود وبالتالي طالما الجريمة نفسها تثبت بالبينة المقنعة للمحكمة ولو كانت شاهداً واحداً فإن العفو كذلك يجوز إثباته بالطريقة ذاتها وبالتالي ما ورد في نص المادة 156(3) معاملات المادة 84 من ضرورة (الشهود العدول) يجب تفسيره بأنه البينة المقبولة قانوناً لأن قانون الإثبات 1994م قانون لاحق لقانون المعاملات وهو القانون الخاص ببيان وسائل الإثبات فوجب أن تسود أحكام قانون الإثبات عملاً بالمادة 6(3) من قانون تفسير القوانين والنصوص العامة 1974م ( تسود أحكام القانون اللاحق على القانـون السابق بالقدر الذي يزيل التعارض بينهما ) هذا فضلاً عن أن هذه المسائل والأحكام المتعلقة بها مكانها القانون الجنائي لا قانون المعاملات حتى وإن كانت الدية ( تعويض) لأنها تأتي كأثر وتبعاً لمحاكمة جنائية ولا يتصور صدور حكم بالدية من محكمة مدنية وإنما تصدر من محكمة جنائية عند نظرها الجريمة المتعلقة بها لأن قرار الإدانة قرار جنائي.

ثالثاً: أتفق مع الزميلين ومن قبلهم محكمة الموضوع بعدم الاعتماد على ما أورده المتحري شاهد الاتهام الأول عما ذكره بما يفهم بأنه عفو عن المتهم الأول لأن شاهد الاتهام الثاني والذي كان مرافقاً للمرحوم يوم الحادث ( جلال أحمد محمد) ذكر أن المرحوم في العملية قد قال له ألا يتناقش مع الناس ديل ذي ما غدروا بي أنا بيغدروا بيك أنت ) فالمرحوم يعني تماماً أنه مطعون من الخلف وهذا غدر ولا يتصور وهو يقول ذلك لهذا الشاهد أن تكون نفسه قد اتجهت على العفو والسماح لهؤلاء الغادرين . وعليه أتفق مع الزميلين في النتيجة النهائية.
منــــــــــــــقول

سيادة القانون
22-05-2010, 11:55 PM
هبْ إن شخصاً طلب من آخر قتله فقتله ، الطلب غير صحيح وهو حرام إذن الطلب بلا حق .


بعد حدوث القتل نشأ حق إسقاطه للورثة دون القتيل؛ لأنه استعجل شيئاً قبل أوانه فعوقب بحرمانه فسقط حقه في الإسقاط وبقي حق الورثة فلهم القود أو العفو بناء على الأصل .
وفقكم الله .


بارك الله فيك ..هذا الكلام متفقين معك حول صحته ولا ننازعك فيه ، المنازعة في حق المجني عليه في اسقاط العقوبة هل يملك الحقّ أو لا يملكه شرعاً ، وإذا كان يملكه هل يعتد برضاه وهو في سكرات الموت أو ينازعه قياساً علىّ المريض مرض الموت وهل رضاه في هذا الحالة معلق على اجازة الورثة .

سيادة القانون
23-05-2010, 12:24 AM
نمرة القضية: أ س ج/ /256 /1999م
المحكمة: محكمة الإستئناف
العدد: 2001

المبادئ:

القانون الجنائي 1991م – عفو المجني عليه - عن القصاص– شروطه – أثره – إسقاط القصاص في حالة الوفاة - المادة 26/130 ف.ج – المنشور الجنائي رقم 88/83. قانون الإثبات لسنة 1994م – عبء إثبات ظهور علامات البلوغ – يقع على الاتهام. القانون الجنائي 1991م – تدابير الرعاية والإصلاح ليست عقوبة– لا تدون في الاستمارة الخاصة بالعقوبة.
- يجوز الأخذ بعفو المجني عليه عن القصاص وهو متأثر بجراحة قبل موته ، ويسقط ذلك القصاص شريطة أن يثبت ذلك العفو ، ويكون صريحاً شفاهة أو كتابة ، مسجـلاً في أي جهاز تسجيل مسموعاً أو مرئياً ، ولا يشترط كتابته وأن يشهد على ذلك شهود مشهود لهم بالصدق والأمانة كما يجب التحقق من إرادة المجني عليه ومن أن عفوه يشمل عفوه عن القصاص إذا مات.
2- يقع على الاتهام عبء إثبات ظهور إمارات البلوغ إذ ليس على المتهم تقديم دليل ضد نفسه . وهو واجب الاتهام منذ مرحلة بداية التحري لأن العبرة في تحديد البلوغ هو وقت ارتكاب الحادث والفعل وليس وقت المحاكمة.
3- التدبير بموجب المادة 47 من القانون الجنائي ليس عقوبة لذا لا يدون في الاستمارة الخاصة بالعقوبة.




بارك الله فيك على هذا النقلّ ...

هذه المبادىء القانونية التي ذكرتها هي تأييد لما ذكره فضيلة الدكتور ناصر بأن هناك أجماعاً فقهياً على أن رضا المجني عليه سبباً لإسقاط العقوبة ، وهذا الأمر لا أنازع حول وجوده فقد أصبح من المعلوم لديّ بأن الرضا سبباً لإسقاط العقوبة من قبل المجني عليّه في الفقه الاسلاميّ. ولكن لا أرى فيها جواباً على كل ماطرحته من اسئلة لازالت تدور في ذهنيّ . لذا احتاج الى قراءة لهذا الموضوع وسأبحث عنه بإذن الله تعالى .

شكراً لك و للجميع.

المدعي العام
23-05-2010, 05:37 PM
بارك الله فيك ..هذا الكلام متفقين معك حول صحته ولا ننازعك فيه ، المنازعة في حق المجني عليه في اسقاط العقوبة هل يملك الحقّ أو لا يملكه شرعاً ، وإذا كان يملكه هل يعتد برضاه وهو في سكرات الموت أو ينازعه قياساً علىّ المريض مرض الموت وهل رضاه في هذا الحالة معلق على اجازة الورثة .


أخي الفاضل لا يجوز قياس الأصل على الأصل .
وبالمثال يَبرز المعقول في صورة المحسوس فأقول :

النص

يقول الله تبارك وتعالى :" وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ "
هذا نص يتمسك به من يُجوز ذلك وأن الله كتب في القرآن أن للمقتول-بهلاك نفسه - والمفقوء عينه والمجدوع أنفه والمجروح جسمه له العفو بالتصدق في ذلك وهو كفارة له ومن لم يحكم به فهو الظلم .

والنص

ومارواه ابن حزم وغيره من حديث قتاة :" أن عروة بن مسعود الثقفي دعا قومه إلى الله ورسوله فرماه رجل منهم بسهم فمات فعفا عنه فدُفِعَ ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجاز عفوه وقال هو كصاحب ياسين"

والإمام ابن حزم يخالف من يتمسك بهذا الأثر ؛لكنه لا يضعفه بل هو صحيح مروياته وخرج من الإشكال بذكاء، واستنتج أن القاتل حربي فأسلم .


لا يقاس

على نصوص الفَـارِ بتصرفاته في مرض الموت بقصد الإضرار ونحوها من نصوص مشابه


لأن الأصل لا يقاس على الأصل


وفقك الله

د. ناصر بن زيد بن داود
23-05-2010, 08:21 PM
أخي الكريم : سيادة القانون .
قد علمت أنك ستقول بعضاً مما ذكرته في تعقيبك ، ولعلي أرى أن الداعي لذلك : بُعدُ تخصصك عن الفقه الإسلامي بُعداً يستوجب معه : أن يكون على ولاة الأمر إعادة النظر في مقررات الدراسة في كلٍ من كليات الشريعة ، وكليات القانون ؛ بحيث لا يُترك الدارس - في أيٍ من التخصصين - خلواً من إدراك التخصص الآخر ؛ لما لهما من ترابط وتداخل .


أخي الكريم :
إليك هذه المقتطفات لعلها تسهم في تجلية الموقف القضائي تجاه هذا الحكم :

= القتل العمد في الديانة اليهودية موجب للقصاص ، ولا ذكر للدية في ديانتهم ، واختلف في العفو : هل لهم ذلك ، أم لا ، والصحيح : أن ذلك لهم .
- والقتل العمد في الديانة النصرانية موجب للعفو ، فلا قصاص ولا دية .
- أما في الإسلام فجمع الله للمسلمين الحقوق الثلاثة ؛ القصاص ، الدية ، العفو .


= أوجب الله في القتل ثلاثة حقوق : حق للمقتول ، وحق لأوليائه ، وحق لله .
- فحق الله إليه جل جلاله ؛ إن شاء عذب القاتل بقدر ذنوبه في الدنيا ، أو ادخر له العذاب الأليم في الآخرة ، أو عفى عنه بفضله .
- وحق الأولياء في الأمور الثلاثة : القصاص أو الدية أو العفو ، وهو موروث عن القتيل .
- وحق المقتول - بحسب عمله - غير أن الله قد يجعل قتله سبباً في نجاته من النار ؛ إن لم يكن قتله تسليطاً من الله للقاتل عليه .


= اختلف أهل العلم : في موقف القتيل من قاتله في العفو ، أو طلب القصاص .
- فأجمعوا : على أن عفوه عن القصاص لازم لورثته ، فلاحق لهم في طلب القصاص بعد عفوه .
- أما حق الأولياء في طلب الدية بعد عفو القتيل : فينظر في قول القتيل ؛ إن كان عفوه عاماً ؛ كما في هذه القضية : فلا حق للورثة في طلب الدية .
- وإن كان عفوه عن القصاص فقط : فللورثة طلب الدية حينئذٍ .


= واختلف العلماء في طلب القتيل القصاص من قاتله قبل موته :
- فالأكثر على : أن للورثة أن ينفذوا طلبه القصاص ، ولهم العفو إلى الدية ، أو مجاناً ؛ لأن الحق صار إليهم ، فلهم طلب ما أرادوا .
- وذهب المالكية وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية إلى : أن طلب القتيل القصاص - قبل موته - يُحَتِّم على الورثة إمضاءه ، ولا حق لهم في العفو ، ولا في طلب الدية .


= تعرض أهل العلم لمسألة العفو عن القاتل قبل القتل ؛ كما لو طلب شخص من آخر أن يقتله ولا شيء عليه .
- فقال جمهور أهل العلم : لا صحة للعفو ؛ لأن العفو لم يوافق محلاً ، فالعفو لا يتقدم بل يتأخر عما يقع عليه .
- ومثل هذا في عفو الولي قبل موت مورثه ، فعفو الولي قبل الموت لا يوافق محلاً ، إذ إن استحقاق الولي لا يكون بالإصابة ، بل بخروج الروح نتيجة الفعل .


= مما تقدم يتبين : أن الروح ليست محلاً لجواز التصرف فيها من صاحبها ؛ لأنها من أمر ربي كما جاء في الكتاب العزيز ، ولأنها أمانة عند صاحبها ، كتب الله لها أجلها الذي لا يعلمه إلا هو جل جلاله ، فلا يسوغ لمن ائتمن عليها أن يزهقها بفعله الاختياري في غير ما شرع الله ؛ خلافاً لمسائل التعرض للشهادة في سبيل الله في الجهاد والدفاع عن النفس والمال والعرض .
- ولستَ بحاجةٍ لاستعراض ما أعده الله لمن ينتحر من العذاب ، ويكفيك هذان الحديثان الصحيحان :
1/ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ) متفق عليه
2/ روى جُنْدَبٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : كَانَ بِرَجُلٍ جِرَاحٌ ، فَقَتَلَ نَفْسَهُ ، فَقَالَ اللَّهُ ( بَدَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ) رواه البخاري


= الحق المكفول للآدمي ليس لجواز التصرف المطلق في حياته ، بل حق إسقاط المسؤولية الجنائية الخاصة هو المكفول لكل مجنيٍ عليه غير فاقد للأهلية .
- والغاية من هذا التجويز للإسقاط أمور :
أ- طلب الثواب من الله تعالى بالتقرب إليه بالعفو الذي رغب الله فيه في عدد من آيات الكتاب العزيز .
ب- قطع طرق إمداد الاختلاف والتنازع بين أولياء القاتل والقتيل ؛ استغلالاً لهذا الحدث الآثم .
ج- إفساح المجال لتصفية الخلافات بين ذوي القتيل وقاتله ؛ ببركة هذا العفو .
د- حسم أمر الحق في الاقتصاص من الجاني ؛ لئلا تدخله المساومات ، فتؤجج الصراع ، وتطيل أمده .
هـ- الستر على أمور - في بعض حالات القتل - لولا إجازة العفو لاضطر القاتل إلى كشفها ، وهو ما لا يرضاه القتيل ، فيهون عليه قتله أمام انكشافها وافتضاح أمرها .


= ومن هنا يتبين الفرق بين الحق الابتدائي للتصرف ، والحق الطارئ ( التبعي ) المترتب على فعلٍ خارج ، وهو ما يُعبر عنه علماء الأصول والقواعد الفقهية : يجوز تبعاً ما لا يجوز استقلالاً .


= كيف لنا - يا سيادة القانون - أن نتصور جواز العفو من الورثة دون المجني عليه ؛ والضرر اللاحق بهم لا يساوي الضرر المباشر اللاحق بالقتيل .
- ولو قلنا : بإسقاط حق المجني عليه في العفو عن قاتله ، لجاز لنا - من باب أولى - أن نقول بتعليق عفوه في ما دون ذلك على إجازة أوليائه ، بل وجاز لنا : أن نعلق إجازة الأولياء على رضا أوليائهم ، وهكذا دواليك ؛ مما يُفضي إلى التسلسل ، ومثل هذا ممنوع في الشرع ، وغير متصور في العقل .


= لا وجه لقياس رضا المرء بقتله ابتداء على عفو القتيل عن قاتله في الحق الخاص .
- ولا يمكن تسمية العفو بالرضا ؛ فمقتضيات اللغة العربية لا تقبله ؛ لأن العفو لا يكون إلا مما يُسخط ويُغضب ، فهو حالة نفسية أعقبت ألماً وغضباً وسخطاً ، ونشأت على خلاف الطبع ابتغاء ما هو أحب وأفضل وأكمل ( الثواب ) .
- أي : إن العفو رضىً بما سيؤول إليه القتل، وليس رضىً بالقتل


= أما الاعتداد بإرادة المجني عليه فلا ينازع فيها شرع ولا قانون ، وتقييد فقهاء الشريعة لتصرفات المريض مرض الموت ؛ إنما هو في الأمور المالية - الزائدة عن ثلث المال - والتي قد ينساق إليها المريض مكرهاً من وارث متسلط ، أو من غلبة شفقته على بعض ورثته دون بعض ، أو من رغبةٍ في حرمان بعض ورثته أو كلهم انتقاماً أو كمداً من أيلولة ما شقي بجمعه لمن لم ينفعه في حياته مثلاً .
- ويكفي في إبطال تلك التصرفات : أنَّ الله قدر مقادير المواريث في كتابه ، ثم قال تعالى { لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا } .
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ ) .
- أي : إن إرادة المريض ليست منعدمة ، ولا ناقصة ؛ إلا في حال التهمة ، أو في حال مخالفة حكم شرعي ثابت ؛ مثل الوصية بما يزيد عن الثلث .
- أما إقراره بالدين لغير الوارث ، أو بإسقاط حقوقه على غير ورثته لغير تهمة ، فهي مما يُعتد به ، ولو لم تُقبل منه في آخر لحظات حياته لتعلقت بذمته حقوق الناس وله ما يكفي للوفاء بها من ماله في الدنيا ، ولضاعت حقوق الناس الذين يأتمنونه عليها أو يطالبونه بها .


فظهر من كل ما تقدم : سلامة كون المجني عليه صاحب حق في إسقاط العقوبة عن قاتله ، وأن إرادته صحيحة وغير معيبة في مثل هذه الأمور . والله أعلم

د. ناصر بن زيد بن داود
24-05-2010, 05:13 AM
أشكر للإخوة : سيادة القانون ، المدعي العام . على الإضافات الجميلة والتفاعل الشائق .

وأشكر الأخ : محب القسط . على الإضافة الرائدة من أحكام محكمة الاستئناف السودانية .

سيادة القانون
24-05-2010, 06:36 PM
أشكر للإخوة : سيادة القانون ، المدعي العام . على الإضافات الجميلة والتفاعل الشائق .

وأشكر الأخ : محب القسط . على الإضافة الرائدة من أحكام محكمة الاستئناف السودانية .


بارك الله فيك فضيلة الدكتور

وشكراً لك على الاضافة وعلى التعليق والتوضيح ، فجميعنا منك نستفيد.

تحياتي لك .

المدعي العام
24-05-2010, 08:11 PM
الموقف القضائي تجاه هذا الحكم :

= القتل العمد في الديانة اليهودية موجب للقصاص ، ولا ذكر للدية في ديانتهم ، واختلف في العفو : هل لهم ذلك ، أم لا ، والصحيح : أن ذلك لهم .
- والقتل العمد في الديانة النصرانية موجب للعفو ، فلا قصاص ولا دية .
- أما في الإسلام فجمع الله للمسلمين الحقوق الثلاثة ؛ القصاص ، الدية ، العفو .


= أوجب الله في القتل ثلاثة حقوق : حق للمقتول ، وحق لأوليائه ، وحق لله .
- فحق الله إليه جل جلاله ؛ إن شاء عذب القاتل بقدر ذنوبه في الدنيا ، أو ادخر له العذاب الأليم في الآخرة ، أو عفى عنه بفضله .
- وحق الأولياء في الأمور الثلاثة : القصاص أو الدية أو العفو ، وهو موروث عن القتيل .
- وحق المقتول - بحسب عمله - غير أن الله قد يجعل قتله سبباً في نجاته من النار ؛ إن لم يكن قتله تسليطاً من الله للقاتل عليه .


= اختلف أهل العلم : في موقف القتيل من قاتله في العفو ، أو طلب القصاص .
- فأجمعوا : على أن عفوه عن القصاص لازم لورثته ، فلاحق لهم في طلب القصاص بعد عفوه .
- أما حق الأولياء في طلب الدية بعد عفو القتيل : فينظر في قول القتيل ؛ إن كان عفوه عاماً ؛ كما في هذه القضية : فلا حق للورثة في طلب الدية .
- وإن كان عفوه عن القصاص فقط : فللورثة طلب الدية حينئذٍ .


= واختلف العلماء في طلب القتيل القصاص من قاتله قبل موته :
- فالأكثر على : أن للورثة أن ينفذوا طلبه القصاص ، ولهم العفو إلى الدية ، أو مجاناً ؛ لأن الحق صار إليهم ، فلهم طلب ما أرادوا .
- وذهب المالكية وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية إلى : أن طلب القتيل القصاص - قبل موته - يُحَتِّم على الورثة إمضاءه ، ولا حق لهم في العفو ، ولا في طلب الدية .


= تعرض أهل العلم لمسألة العفو عن القاتل قبل القتل ؛ كما لو طلب شخص من آخر أن يقتله ولا شيء عليه .
- فقال جمهور أهل العلم : لا صحة للعفو ؛ لأن العفو لم يوافق محلاً ، فالعفو لا يتقدم بل يتأخر عما يقع عليه .
- ومثل هذا في عفو الولي قبل موت مورثه ، فعفو الولي قبل الموت لا يوافق محلاً ، إذ إن استحقاق الولي لا يكون بالإصابة ، بل بخروج الروح نتيجة الفعل .


= مما تقدم يتبين : أن الروح ليست محلاً لجواز التصرف فيها من صاحبها ؛ لأنها من أمر ربي كما جاء في الكتاب العزيز ، ولأنها أمانة عند صاحبها ، كتب الله لها أجلها الذي لا يعلمه إلا هو جل جلاله ، فلا يسوغ لمن ائتمن عليها أن يزهقها بفعله الاختياري في غير ما شرع الله ؛ خلافاً لمسائل التعرض للشهادة في سبيل الله في الجهاد والدفاع عن النفس والمال والعرض .
- ولستَ بحاجةٍ لاستعراض ما أعده الله لمن ينتحر من العذاب ، ويكفيك هذان الحديثان الصحيحان :
1/ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ) متفق عليه
2/ روى جُنْدَبٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : كَانَ بِرَجُلٍ جِرَاحٌ ، فَقَتَلَ نَفْسَهُ ، فَقَالَ اللَّهُ ( بَدَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ) رواه البخاري


= الحق المكفول للآدمي ليس لجواز التصرف المطلق في حياته ، بل حق إسقاط المسؤولية الجنائية الخاصة هو المكفول لكل مجنيٍ عليه غير فاقد للأهلية .
- والغاية من هذا التجويز للإسقاط أمور :
أ- طلب الثواب من الله تعالى بالتقرب إليه بالعفو الذي رغب الله فيه في عدد من آيات الكتاب العزيز .
ب- قطع طرق إمداد الاختلاف والتنازع بين أولياء القاتل والقتيل ؛ استغلالاً لهذا الحدث الآثم .
ج- إفساح المجال لتصفية الخلافات بين ذوي القتيل وقاتله ؛ ببركة هذا العفو .
د- حسم أمر الحق في الاقتصاص من الجاني ؛ لئلا تدخله المساومات ، فتؤجج الصراع ، وتطيل أمده .
هـ- الستر على أمور - في بعض حالات القتل - لولا إجازة العفو لاضطر القاتل إلى كشفها ، وهو ما لا يرضاه القتيل ، فيهون عليه قتله أمام انكشافها وافتضاح أمرها .


= ومن هنا يتبين الفرق بين الحق الابتدائي للتصرف ، والحق الطارئ ( التبعي ) المترتب على فعلٍ خارج ، وهو ما يُعبر عنه علماء الأصول والقواعد الفقهية : يجوز تبعاً ما لا يجوز استقلالاً .


= كيف لنا - يا سيادة القانون - أن نتصور جواز العفو من الورثة دون المجني عليه ؛ والضرر اللاحق بهم لا يساوي الضرر المباشر اللاحق بالقتيل .
- ولو قلنا : بإسقاط حق المجني عليه في العفو عن قاتله ، لجاز لنا - من باب أولى - أن نقول بتعليق عفوه في ما دون ذلك على إجازة أوليائه ، بل وجاز لنا : أن نعلق إجازة الأولياء على رضا أوليائهم ، وهكذا دواليك ؛ مما يُفضي إلى التسلسل ، ومثل هذا ممنوع في الشرع ، وغير متصور في العقل .


= لا وجه لقياس رضا المرء بقتله ابتداء على عفو القتيل عن قاتله في الحق الخاص .
- ولا يمكن تسمية العفو بالرضا ؛ فمقتضيات اللغة العربية لا تقبله ؛ لأن العفو لا يكون إلا مما يُسخط ويُغضب ، فهو حالة نفسية أعقبت ألماً وغضباً وسخطاً ، ونشأت على خلاف الطبع ابتغاء ما هو أحب وأفضل وأكمل ( الثواب ) .
- أي : إن العفو رضىً بما سيؤول إليه القتل، وليس رضىً بالقتل


= أما الاعتداد بإرادة المجني عليه فلا ينازع فيها شرع ولا قانون ، وتقييد فقهاء الشريعة لتصرفات المريض مرض الموت ؛ إنما هو في الأمور المالية - الزائدة عن ثلث المال - والتي قد ينساق إليها المريض مكرهاً من وارث متسلط ، أو من غلبة شفقته على بعض ورثته دون بعض ، أو من رغبةٍ في حرمان بعض ورثته أو كلهم انتقاماً أو كمداً من أيلولة ما شقي بجمعه لمن لم ينفعه في حياته مثلاً .
- ويكفي في إبطال تلك التصرفات : أنَّ الله قدر مقادير المواريث في كتابه ، ثم قال تعالى { لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا } .
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ ) .
- أي : إن إرادة المريض ليست منعدمة ، ولا ناقصة ؛ إلا في حال التهمة ، أو في حال مخالفة حكم شرعي ثابت ؛ مثل الوصية بما يزيد عن الثلث .
- أما إقراره بالدين لغير الوارث ، أو بإسقاط حقوقه على غير ورثته لغير تهمة ، فهي مما يُعتد به ، ولو لم تُقبل منه في آخر لحظات حياته لتعلقت بذمته حقوق الناس وله ما يكفي للوفاء بها من ماله في الدنيا ، ولضاعت حقوق الناس الذين يأتمنونه عليها أو يطالبونه بها .


فظهر من كل ما تقدم : سلامة كون المجني عليه صاحب حق في إسقاط العقوبة عن قاتله ، وأن إرادته صحيحة وغير معيبة في مثل هذه الأمور . والله أعلم



ما شاء الله لا قوة إلا بالله .

صار حقاً علينا واجباً أن ندعوَ لك في ظهر الغيب بالصحة والعافية ، والرحمة والمغفرة وأن تتبوأ في مقام العلم والقضاء الدرجة الأسنى وأن تبلغ القمة الأسمى .

محب القسط
24-05-2010, 08:19 PM
كما نتقدم بالشكر الجزيل لفضيتكم على جهودكم البازة والمؤصلة تأصيلاً شرعياً موفقاً - بأذن الله - وعلى إثراء هذا الموضوع خاصة والمنتدى بصفة عامة ،،،،
وفقكم الله وسددكم وأثابكم وبارك في جهودكم ونفع بكم ،،،،