قتيبة
27-06-2010, 02:16 AM
الحمدلله ،حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يُحب ربنا ويرضى ،ملْ السموات، وملْ الأرض، وملْ ماشئت من شيءٍ بعد، أهل الثناء والمجد ، أحق ما قال العبد ، وكلنا لك عبد،لامانع لما أعطيت، ولامعطي لما منعت، ولاينفع ذا الجد منك الجد، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وسلم تسليماً كثيراً وبعد :
فإن هذا الموضوع يجمع أصولاً مهمة وحكمةًً عظيمةً بليغةً،ينبغي للعبد المؤمن أن يتأمله ويتدبرحروفه ، ويتفهم معانيه ،بابٌ عظيم (التوفيق و الخذلان) :
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ قاعدة جليلة: النعم كلها من الله /
قد فكرت في هذا الأمر فإذا أصله أن تعلم أن النعم كلها من الله وحده، نعم الطاعات ونعم اللذات ، فترغب إليه أن يلهمك ذكرها ويوزعك شكرها، قال تعالى : ((وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون))( سورة النحل : الآية رقم : (53).) ، وقال ((واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون ))( الأعراف : الآية رقم : (69).) ، وكما أن تلك النعم منه ومن مجرد فضله فذكرها وشكرها لا ينال إلا بتوفيقه.
والذنوب من خذلانه وتخليه عن عبده وتخليته بينه وبين نفسه، وإن لم يكشف ذلك عن عبده فلا سبيل له إلى كشفه عن نفسه فإذا هو مضطر إلى التضرع والابتهال إليه أن يدفع عنه أسبابها حتى لا تصدر منه ، فلا ينفك العبد عن ضرورته إلى هذه الأصول الثلاثة، ولا فلاح له إلا بها: الشكر ، وطلب العافية، والتوبة النصوح.
ثم فكرت فإذا مدار ذلك على الرغبة والرهبة، وليسا بيد العبد بل بيد مقلب القلوب ومصرفها كيف يشاء ، فإن وفق عبده بقلبه إليه وملأه رغبة ورهبة ، وإن خذله تركه ونفسه ولم يأخذ بقلبه إليه ولم يسأله ذلك، وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
[التوفيق والخذلان]
ثم فكرت هل للتوفيق والخذلان سبب أم هما بمجرد المشيئة لا سبب لهما؟ فإذا سببهما أهلية المحل وعدمها، فإذا كان المحل قابلا للنعمة بحيث يعرفها ويعرف قدرها وخطرها ويشكر المنعم بها ويثني عليه بها ويعظمه عليها، ويعلم أنها من محض الجود وعين المنة، من غير أن يكون هو مستحقا لها ولا هي له ولا به، وإنما هي الله وحده وبه وحده. فوحده بنعمته إخلاصا وصرفها في محبته شكرا، وشهدها من محض جوده منه ، وعرف فذلك وتقصيره في شكرها عجزا وضعفا وتفريطا ، وعلم أنه إن أدامها عليه فذلك محض صدقته وفضله وإحسانه ، وإن سلبه إياها فهو أهل لذلك مستحق له.
وكلما زاده من نعمة ازداد ذلا له وانكسارا وخضوعا بين يديه وقياما بشكره وخشية له سبحانه أن يسلبه إياها لعدم توفيته شكرها كما سلب نعمته عمن لم يعرفها ولم يرعها حق رعايتها، فإن لم يشكر نعمته وقابلها بضد ما يليق أن يقابل به سلبه إياها ولا بد، قال تعالى : ((وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء منَّ الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين ))( الأنعام : الآية رقم :(53).) ، وهم الذين عرفوا قدر النعمة وقبلوها وأحبوها وأثنوا على المنعم بها وأحبوه وقاموا بشكره وقال تعالى : ((وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله، الله أعلم حيث يجعل رسالته))( الأنعام : الآية رقم :(124).).
فصل: أسباب الخذلان
وسبب الخذلان عدم صلاحية المحل وأهليته وقبوله للنعمة بحيث لو وافته النعم لقال هذا لي، وإنما أوتيته لأني أهله ومستحقه كما قال تعالى : ((قال إنما أوتيته على علم عندي))( سورة القصص: الآية رقم :(78).) ، أي على علم علمه الله عندي أستحق به ذلك وأستوجبه وأستأهله .
وذكر عبد الله بن الحارث بن نوفل سليمان بن داود فيما أوتي من الملك ، ثم قرأ قوله تعالى : ((هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر))( سورة النمل : الآية رقم : (40).) ولم يقل هذا من كرامتي ، ثم ذكر قارون وقوله: ((إنما أوتيته على علم عندي))( القصص : الآية رقم : (78).) يعني أن سليمان رأى ما أوتيه من فضل الله عليه ومنته وأنه ابتلي به [فـ] شكره، وقارون رأى ذلك من نفسه واستحقاقه وكذلك قوله سبحانه : ((ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي ))( فصلت : الآية رقم : (50).) ، أي أنا أهله وحقيق به فاختصاصي به كاختصاص المالك بملكه.
والمؤمن يرى ذلك ملكا لربه وفضلا منه من به على عبده من غير استحقاق منه بل صدقة تصدق بها على عبده ، وله ألا يتصدق بها. فلو منعه إياها لم يكن قد منعه شيئا هو له يستحقه عليه، فإذا لم يشهد ذلك رأى فيه أهلا ومستحقا فأعجبته نفسه وطغت بالنعمة وعلت بها واستطالت على غيرها ، فكان حظها منها الفرح والفخر ، كما قال تعالى: ((ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليؤوس كفور، ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني إنه لفرح فخور))( سورة هود : الآية رقم :(9- 10)) ، فذمه باليأس والكفر عند الامتحان بالبلاء وبالفرح والفخر عند الابتلاء بالنعماء واستبدل بحمد الله وشكره والثناء عليه إذ كشف عنه البلاء قوله : ((ذهب السيئات عني))، ولو أنه قال : أذهب الله السيئات عني برحمته ومنه لما ذم على ذلك ، بل كان محمودا عليه، ولكنه غفل عن المنعم بكشفها ونسب الذهاب إليها وفرح وافتخر.
فإذا علم الله سبحانه هذا من قلب عبد فذلك من أعظم أسباب خذلانه وتخليه عنه، فإن محله لا تناسبه النعمة المطلقة التامة كما قال تعالى (( إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون ))( الأنفال :22-23.) فأخبر سبحانه أن محلهم غير قابل لنعمته ، ومع عدم القبول ففيهم مانع يمنع آخر يمنع وصولها إليهم وهو توليهم وإعراضهم إذا عرفوها وتحققوها.
ومما ينبغي أن يعلم أن أسباب الخذلان من بقاء النفس على ما خلقت عليه في الأصل وإهمالها وتخليتها ، فأسباب الخذلان منها وفيها وأسباب التوفيق من جعل الله سبحانه لها قابلة للنعمة.
[ آمل من الإخوة طرح مالديهم حول هذا الموضوع لتعمّ الفائدة ويبتهج المنتدى بالموضوعات الهادفة]
فإن هذا الموضوع يجمع أصولاً مهمة وحكمةًً عظيمةً بليغةً،ينبغي للعبد المؤمن أن يتأمله ويتدبرحروفه ، ويتفهم معانيه ،بابٌ عظيم (التوفيق و الخذلان) :
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ قاعدة جليلة: النعم كلها من الله /
قد فكرت في هذا الأمر فإذا أصله أن تعلم أن النعم كلها من الله وحده، نعم الطاعات ونعم اللذات ، فترغب إليه أن يلهمك ذكرها ويوزعك شكرها، قال تعالى : ((وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون))( سورة النحل : الآية رقم : (53).) ، وقال ((واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون ))( الأعراف : الآية رقم : (69).) ، وكما أن تلك النعم منه ومن مجرد فضله فذكرها وشكرها لا ينال إلا بتوفيقه.
والذنوب من خذلانه وتخليه عن عبده وتخليته بينه وبين نفسه، وإن لم يكشف ذلك عن عبده فلا سبيل له إلى كشفه عن نفسه فإذا هو مضطر إلى التضرع والابتهال إليه أن يدفع عنه أسبابها حتى لا تصدر منه ، فلا ينفك العبد عن ضرورته إلى هذه الأصول الثلاثة، ولا فلاح له إلا بها: الشكر ، وطلب العافية، والتوبة النصوح.
ثم فكرت فإذا مدار ذلك على الرغبة والرهبة، وليسا بيد العبد بل بيد مقلب القلوب ومصرفها كيف يشاء ، فإن وفق عبده بقلبه إليه وملأه رغبة ورهبة ، وإن خذله تركه ونفسه ولم يأخذ بقلبه إليه ولم يسأله ذلك، وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
[التوفيق والخذلان]
ثم فكرت هل للتوفيق والخذلان سبب أم هما بمجرد المشيئة لا سبب لهما؟ فإذا سببهما أهلية المحل وعدمها، فإذا كان المحل قابلا للنعمة بحيث يعرفها ويعرف قدرها وخطرها ويشكر المنعم بها ويثني عليه بها ويعظمه عليها، ويعلم أنها من محض الجود وعين المنة، من غير أن يكون هو مستحقا لها ولا هي له ولا به، وإنما هي الله وحده وبه وحده. فوحده بنعمته إخلاصا وصرفها في محبته شكرا، وشهدها من محض جوده منه ، وعرف فذلك وتقصيره في شكرها عجزا وضعفا وتفريطا ، وعلم أنه إن أدامها عليه فذلك محض صدقته وفضله وإحسانه ، وإن سلبه إياها فهو أهل لذلك مستحق له.
وكلما زاده من نعمة ازداد ذلا له وانكسارا وخضوعا بين يديه وقياما بشكره وخشية له سبحانه أن يسلبه إياها لعدم توفيته شكرها كما سلب نعمته عمن لم يعرفها ولم يرعها حق رعايتها، فإن لم يشكر نعمته وقابلها بضد ما يليق أن يقابل به سلبه إياها ولا بد، قال تعالى : ((وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء منَّ الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين ))( الأنعام : الآية رقم :(53).) ، وهم الذين عرفوا قدر النعمة وقبلوها وأحبوها وأثنوا على المنعم بها وأحبوه وقاموا بشكره وقال تعالى : ((وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله، الله أعلم حيث يجعل رسالته))( الأنعام : الآية رقم :(124).).
فصل: أسباب الخذلان
وسبب الخذلان عدم صلاحية المحل وأهليته وقبوله للنعمة بحيث لو وافته النعم لقال هذا لي، وإنما أوتيته لأني أهله ومستحقه كما قال تعالى : ((قال إنما أوتيته على علم عندي))( سورة القصص: الآية رقم :(78).) ، أي على علم علمه الله عندي أستحق به ذلك وأستوجبه وأستأهله .
وذكر عبد الله بن الحارث بن نوفل سليمان بن داود فيما أوتي من الملك ، ثم قرأ قوله تعالى : ((هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر))( سورة النمل : الآية رقم : (40).) ولم يقل هذا من كرامتي ، ثم ذكر قارون وقوله: ((إنما أوتيته على علم عندي))( القصص : الآية رقم : (78).) يعني أن سليمان رأى ما أوتيه من فضل الله عليه ومنته وأنه ابتلي به [فـ] شكره، وقارون رأى ذلك من نفسه واستحقاقه وكذلك قوله سبحانه : ((ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي ))( فصلت : الآية رقم : (50).) ، أي أنا أهله وحقيق به فاختصاصي به كاختصاص المالك بملكه.
والمؤمن يرى ذلك ملكا لربه وفضلا منه من به على عبده من غير استحقاق منه بل صدقة تصدق بها على عبده ، وله ألا يتصدق بها. فلو منعه إياها لم يكن قد منعه شيئا هو له يستحقه عليه، فإذا لم يشهد ذلك رأى فيه أهلا ومستحقا فأعجبته نفسه وطغت بالنعمة وعلت بها واستطالت على غيرها ، فكان حظها منها الفرح والفخر ، كما قال تعالى: ((ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليؤوس كفور، ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني إنه لفرح فخور))( سورة هود : الآية رقم :(9- 10)) ، فذمه باليأس والكفر عند الامتحان بالبلاء وبالفرح والفخر عند الابتلاء بالنعماء واستبدل بحمد الله وشكره والثناء عليه إذ كشف عنه البلاء قوله : ((ذهب السيئات عني))، ولو أنه قال : أذهب الله السيئات عني برحمته ومنه لما ذم على ذلك ، بل كان محمودا عليه، ولكنه غفل عن المنعم بكشفها ونسب الذهاب إليها وفرح وافتخر.
فإذا علم الله سبحانه هذا من قلب عبد فذلك من أعظم أسباب خذلانه وتخليه عنه، فإن محله لا تناسبه النعمة المطلقة التامة كما قال تعالى (( إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون ))( الأنفال :22-23.) فأخبر سبحانه أن محلهم غير قابل لنعمته ، ومع عدم القبول ففيهم مانع يمنع آخر يمنع وصولها إليهم وهو توليهم وإعراضهم إذا عرفوها وتحققوها.
ومما ينبغي أن يعلم أن أسباب الخذلان من بقاء النفس على ما خلقت عليه في الأصل وإهمالها وتخليتها ، فأسباب الخذلان منها وفيها وأسباب التوفيق من جعل الله سبحانه لها قابلة للنعمة.
[ آمل من الإخوة طرح مالديهم حول هذا الموضوع لتعمّ الفائدة ويبتهج المنتدى بالموضوعات الهادفة]