سيف بن سعيد العزري
17-12-2021, 10:21 AM
رضتْ عليّ دعوى مدنيةٌ حينما كنت قاضياً في المحكمة الابتدائية بنزوى بسلطنة عُمانَ، كان موضوعها طلب إثبات الشفعة في مبيعٍ، فأصدرتُ الحكمَ بناءً على بحثٍ في أسباب الشفعة، وكان ملخّص البحث "أنّه من المعلوم فقها أنّ الشفعة هي تملّك قهري يثبت للشريك القديم على الحادث فيما مُلِّك بعوض، وعرّفتها المادة (903) من قانون المعاملات المدنية أنّها: "حق تملك المبيع أو بعضه الذي تجري فيه الشفعة جبراً على المشتري بما قام عليه من الثمن والنفقات"، ومن المعلوم أنّ لها أركاناً وهي الشفيع وهو المطالِب بالشفعة، والمشفوع عليه وهو المشتري، والمشفوع فيه وهو المبيع الذي يريد الشفيع تملّكه بالشفعة، والمشفوع به وهو العقار الذي بسببه تُطلب الشفعة، ولكلٍّ منها شروط، ومن المقرّر أنّ للشفعة أسباباً، وقد اختلف أهل العلم فيها؛ فالجمهور على أنّ الشفعة إنّما تكون للشريك فقط، واستدلوا بما ثبت عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: "لا شفعة إلا لشريك"، وبحديث جابر: "قضى رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - بالشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة"، وذهب الحنفية إلى أنّ الشفعة تكون للشريك وتكون للجار بهذا الترتيب الخليط في نفس المبيع ثم للخليط في حق المبيع كالشرب والطريق ثم للجار، واستدلوا بأحاديث منها حديث: "الجار أحقّ بسقبه" و"جار الدار أحقّ بالدار" ونحوها، والمحكمة ترتضي القول بأن لا شفعة للجار؛ لحديث ابن عباس، وحديث جابر وإن اختلف أهل الحديث في العبارة "فإذا وقعت الحدود ..... فلا شفعة"؛ هل هي مرفوعة من قول الرسول - صلّى الله عليه وسلّم - أو موقوفة من قول جابر؟ كما في "علل الحديث" لابن أبي حاتم؛ إذ النص "قضى رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فيما لم يقسم" صريح بأنّ الشفعة تثبت للشريك ما لم يقاسم، فمفهوم المخالفة أنّه إن قاسم فلا شفعة له، ولكون الشفعة إنّما هي استثناء من الأصل الذي يقضي بأن لا يخرج ملك أحد من يده إلا برضاه وأنّ من اشترى شيئا فلا يخرج من يده إلا برضاه، فجاء الدليل مستثنياً الشريك من ذلك للضرر الذي يلحقه من دخول أجنبي عليه في ملكه، وفي إيجابها للجار ضرر على صاحب الملك؛ إذ يٌقعده ذلك عن التصرف في ملكه حتى يبذل له الجار أبخس الثمن لعلمه بأنّ غيره لا يقدم على الشراء مع علمه بشفعته، وما استدلّ به الآخرون من الأحاديث إما فيه مقال لأهل الصناعة الحديثية أو مؤول بما يتوافق مع الحديث المذكور كالتأويل بأنّ ذلك في حقّ الجار من الإحسان أو أنّه الجار المخالط وهو الشريك في ملك أو حقّ وليس الجار الملاصق، ففيها الاحتمال في المعنى، وما يدخله الاحتمال يسقط به الاستدلال، فكيف لو عارض ما هو أقوى منه في الموضوع، وعلى نحو هذا جرى المبدأ الصادر من الهيئة العامة لتوحيد المبادئ بالمحكمة العليا (طعن 280/2005م - بجلسة 17/5/2006م) حيث نصّ على أن "لا شفعة إلا لشريك في أصل العقار أو خليط في حق الارتفاق للعقار، ولا شفة بمجرد الجوار إلا بالخلطة"، وعلى نحو هذا جرى قانون المعاملات المدنية طبقاً للمادة (904) التي نصّت على أنّه: "يثبت الحق في الشفعة: 1-للشريك في نفس المبيع، 2-للخليط في حق المبيع"، فلما كانَ ذلك وكان قد ثبت بناءً على معاينة موضع النزاع وجود الخلطة بين الأرض المبيعة المشفوع فيها والأرض المشفوعِ بها صدرَ الحكمُ بإثبات الشفعة، كما تضمّنَ الحكمُ مواضيع أخرى تتعلق بالشفعة، يمكن الاطلاع عليها في الملف المرفق بهذا المقال:
https://portal.arid.my/ar-LY/Posts/Details/a22c7549-715c-4ac2-aa9c-d5b198bae246
https://portal.arid.my/ar-LY/Posts/Details/a22c7549-715c-4ac2-aa9c-d5b198bae246