سيادة القانون
03-08-2010, 05:32 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
مهارات تفسير النصوص القانونية.
أعده من مصادر خاصة ونقحه وأضاف إليه : سيادة القانون.
يرجى عند النقل ذكر المصدر.
كنت قد وعدت الزملاء الافاضل في هذا المنتدى الكريم بتقديم عمل يختص بتفسير النصوص القانونية ، وهذا أنا أضعه بين أيديكم ، على شكل أجزاء متعاقبة ، وأرجو أن يجد القارىء الكريم الفائدة المرجوة.
في الجزء الأول :
1-يقصد بالتفسير : هو الاستدلال على الحكم القانوني وعلى الحالة النموذجية التي وضع لها هذا الحكم من واقع الألفاظ التي عبر بها المشرع في ذلك.
أو هو : استجلاء الحكمة التشريعية المقصودة من النص من خلال ألفاظه ومعانيه.
2- أنواع التفسير : للتفسير ثلاثة أنواع هي :
أ- تفسير تشريعي : هو التفسير الذي يضعه المشرع بنفسه ليبين به حقيقة ما قصده أما في داخل التشريع الحاليّ أو من تشريع سابق أو في حالة إذا ظهر له أن المحاكم لم تهتد إلى مقصود النص.
ومن أمثلة التفسير التشريعي : بعض المقدمات التيّ تحتل بعض القوانين وهي ما تعرف بالتعاريف –هذا الأمر منتقد من قبل الفقه إذ يرى أنه ليس من اختصاص المشرع أن يضع التعريف وإن هذا من عمل الفقه- ، أو كحالة صدور قانون يفسر آخر سابق عنه بحيث يكشف من خلاله المشرع عن حقيقة المراد بالنص الوارد في القانون المفسر.
- جهات التفسير التشريعي : يصدر من السلطة التي وضعت التشريع "السلطة التشريعية" أو أن تفوض السلطة التشريعية جهة أخرى لتفسير التشريع الرئيسي ومثاله : مجلس الشورى في السعودية بموجب نصّ المادة 15 /3 من نظامه.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن التفسير التشريعي هو تفسير ملزمّ وله قوة القانون نفسه ولكن السؤال المطروح : هل يجوز لسلطة أدنى أن تفسر نصوص أو قرارات أو لوائح صدرت من سلطة أعلى ؟
الملاحظ على اللوائح والتي تصدرها السلطة التنفيذية في المملكة العربية السعودية أنها خليط مابين التفسير ومابين قوة القانون نفسه ، بل تحمل بعض نصوصها ما يخالف نصوص القانون "النظام" ومن أمثلتها نص المادة 239/1 من اللائحة التنفيذية لنظام المرافعات الشرعية والتي عرفت الحراسة بأنها : وضع الأموال المتنازع عليها تحت يد أمين يعينه القاضي إن لم يتفق تعيينه ذو الشأن "هنا أضطلعت اللائحة بالتفسير" ومثاله أيضاً مادة 250 من نظام المرافعات الشرعية والتي أجازت نقل الوقف بعد استئذان القاضي في بلد الوقف ومصادقة محكمة التمييز إلا أن اللائحة التنفيذية قد جاءت في المادة 250/ 1بحكمّ يحظر نقل الوقف إلى خارج المملكة؟!! وهذا تشريعّ من قبل الجهة التنفيذية لا يدخل في اختصاصها وعلى هذا استقر القضاء المقارن على أنه لا يجوز لسلطة أدنى أن تفسر القانون الصادر من السلطة الأعلى إلا بتفويض خاص بالتفسير كأن يصدر النص في القانون بهذه الصياغة " سلطة تفسير أحكام هذا القانون للجهة التنفيذية كذا " وعموم القول إن فعلت السلطة الأدنى وفسرت نصاً قانونياً صادراً من سلطة أعلى بدون تفويض أصبح عملها باطلاً لخروجه عن مدار اختصاصها .. كما يجب أن لا يغيب عن الذهن اشتراط عدم مخالفة النص اللائحي لنصوص القانون "النظام" .
ب- التفسير الفقهي والقضائي :
يتجه التفسير القضائي والفقهي نحو المعنى الذي ينطوي عليه النص وما قصده المشرع من عبارته ، وإن كان التفسير لدى القاضي ما هو إلا وسيلة يستعين بها بهدف الفصل في الواقعة المعروضة أمامه بينما نجد التفسير لدى الفقيه القانوني ما هو إلا غاية لتحصيل الحكم القانوني الذي قصده المشرع .
وعليه فالتفسير الفقهي تغلب عليه الصبغة النظرية بينما التفسير القضائي يتأثر بالاعتبارات العملية وإن لم يكن هذا الأمر في عصرنا الحديث إذ اتجه الفقه بعد ثورة نشر الإحكام القضائية إلى دراسة هذه الأحكام ونقدها ومراجعة تطبيقها للتشريع وعليه يمكن القول بأن الفقيه القانوني قد أصبح أكثر ارتباطاً مع الاعتبارات العملية التي تتأثر بها المحاكم وأصبح مؤثراً فيها.
كما تجدر الإشارة إلى أن التفسير الفقهي والقضائي تنتفي عنهما الصفة الإلزامية وهم بذلك على عكس التفسير التشريعيّ.
2- طرائق التفسير :
أ*- في حالة النص السليم : متى ما كان النص سليماً أيّ لا عيب فيه –سنتطرق إلى عيوب النص فيما بعد- فأنه لا يجوز للقاضيّ الخروج عنه أو تأويله بدعوى الاستهداء إلى قصد المشرع منه ، فالقاعدة الأصولية تنص على أن " لا مساغ للاجتهاد فيما ورد فيه نص صريح وقطعيّ" ، ومعنى ذلك : إذا كانت الواقعة المعروضة لها حكم واضح ومعروف من النص فأنه لا يجوز البحث عن حكم آخر لهذه الواقعة عن طريق الاستنباط من نصوص أخرى متعلقة بغيرها من الوقائع.
واستخلاص المعنى من النص يكون "أولاً وقبل كل شيء" من طريق عباراته وألفاظه ، وإن كان النص في بعض الأحوال لا يقتصر معناه على ما يفهم مباشرة من صيغته وعبارته بل قد يدل على معنى آخر بطريق الإشارة أو الدلالة –وغيرها من طرق التفسير- وعلى ذلك تذهب بعض التشريعات ومثالها نص المادة الثانية في فقرتها الأولى من القانون المدني الأردني على أنه" تسري نصوص هذا القانون على المسائل التي تتناولها هذه النصوص بألفاظها ومعانيها ولا مساغ للاجتهاد مع مورد النص" ، وكذلك ما نصت عليه المادة الأولى من القانون المدني المصري " تسري النصوص التشريعية على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها أو في فحواها" وإن كان المشرع المدني الأردني قد أهدا المفسر " الفقيه والقاضي" وسائل التفسير المعروفة لدى فقهاء الأصول إذ ربط فهم النص وتأويله بهذه الوسائل وعلى ذلك نصت المادة الثالثة من القانون المدني الأردني " يرجع في فهم النص وتفسيره وتأويله ودلالته إلى قواعد أصول الفقه الإسلامي" وإن كان الفقه القانوني العربي وعلى وجه الخصوص المصريّ قد استعملوا في مؤلفاتهم كل طرق التفسير كما جاء بها فقهاء الأصول " الشرعيين" وقواعد علم المنطق وذلك قبل صدور النص الأردني بسنوات طويلة ولا غرابة أن يستعين المفسر في القانون المدني الأردني بقواعد أصول الفقه الإسلامي إذ أن الغالب من أحكام القانون المدني الأردني مستوحاة من الشريعة الإسلامية بل تعتبر مجلة الأحكام العدلية على المذهب الحنفيّ هي المصدر التاريخيّ للقانون المدني الأردني .
وطرائق التفسير في حالة النص السليم يمكن تقسيمها إلى :
أولاً : استخلاص المعنى المقصود بالنص عن طريق عبارته :
يقصد بعبارة النص أي صيغته المكونة من مفرداته وجمله ، فلكل نص عبارة يفهم من خلالها المعنى المقصود من سياقه ، ويسمى "المعنى الحرفي للنص أو منطوقه" .
ومثاله ما نصت عليه المادة 444 من القانون المدني الأردني" إذا أبرأ الدائن مدينه مختاراً من حق له عليه سقط الحق وانقضى الالتزام".
مع ملاحظة : أن لبعض الألفاظ معنى لغوي وآخر اصطلاحيّ ، فالأصل أن نحمل النص على معناه الاصطلاحيّ إلا إذا كان سياق النص يفيد أن المشرع استعمل لفظاً معيناً في معناه اللغويّ لا في معناه الاصطلاحيّ.
ومثاله : ما نصت عليه المادة 752 من قانون المرافعات المصريّ –السابق- " ما يبقى من ثمن العقار المرهون بعد توفية الديون الممتازة بحسب مراتبها في التوزيع يجري قاضي التوزيع تقسيمه بين الدائنين غير الممتازين" . نلاحظ في هذا النص ورود عبارات : الامتياز ، الديون الممتازة ، الدائنين غير الممتازين.
هذه العبارات معناه الاصطلاحي : يفيد أن الديون المضمونة بنوع معين من الحقوق العينية التبعية هو حق وحيد" حق الامتياز دون غيره".
ولكن سياق النص : يجعل هذا المعنى مستبعداً ويحمل على الأخذ بالمعنى اللغوي لهذه العبارات وهو الذي يقصد به الديون التي تتقدم على غيرها في التوزيع بحسب ترتيب معين ، فيشمل جميع الديون المضمونة بامتياز أو برهن رسمي أو برهن حيازيّ أو بحق اختصاص.
ثانياً : استخلاص المعنى المقصود بالنص عن طريق الإشارة :
يتبع
السلام عليكم ورحمة الله ..
نبارك لكم مقدم الشهر الكريم ونسأل الله أن يبلغنا صيامه وقيامه ..وكل عام وأنتم بخير.
أعتذر عن التأخير ..لظروف مقدمات الشهر الكريم وإلتزاماته..كم أنني حاولت جاهداً إضافة هذا الجزء مع سابقه وتنسيق الردود ولم استطع لجهليّ التقنيّ لذا أفردته في موضوع مستقل،ونأمل من فضيلة الدكتور -مشكوراً- مساعدتي في ذلك .
في الجزء الثاني
ثانياً : استخلاص المعنى المقصود بالنص عن طريق الإشارة :
يقصد به : هو دلالة اللفظ على معنى غير مقصود من سياقه ولكنه لازم للمعنى الذي سيق الكلام من أجله ، أي عندما نتأمل في عبارة النص وصياغته نجد أنه لا يدل على المعنى وإنما يشير إليه بطريق الالتزام ، وبتالي تكون دلالة اللفظ عليه بطريق الإشارة لا العبارة ، وقد يكون وجه التلازم بين المعنيين ظاهراً فلا يحتاج تحصيله إلى عناء وقد يكون خفياً فيحتاج تحصيل هذا المعنى إلى جهد وتفكير.
ومن أمثلته ما نصت عليه المادة السابعة من قانون العقوبات الأردني "تسري أحكام هذا القانون على كل من يرتكب داخل المملكة جريمة من الجرائم المنصوص عليها فيه " .
فتدل هذه المادة بعباراتها على : وجوب تطبيق أحكام قانون العقوبات الأردني على جميع مرتكبيّ الجرائم الواقعة في الأردن بغض النظر عن جنسياتهم.
ودلت بإشارتها على : أن لا امتياز للأجانب في الأردن من جهة خضوعهم لقانون العقوبات الأردني ، فهم كالأردنيين في الخضوع لأحكامه.
ومن الأمثلة كذلك ما نصت عليه المادة 838 من القانون المدني المصري"تفضل المحكمة الجزئية في المنازعات التي تتعلق بتكوين الحصص ، وفي تلك المنازعات الأخرى التي تدخل في اختصاصها".
فتدل هذا المادة بعباراتها على : أن المحكمة الجزئية هي صاحبة الاختصاص في دعاوى القسمة بين الشركاء أياً كانت قيمتها وكذلك تفصل في المنازعات التي يتوقف عليها إجراء القسمة كالمنازعات المتعلقة بملكية بعض الشركاء أو مقدار أنصبتهم إذا كانت هذه المنازعات تدخل في اختصاصاتها وفقاً للقواعد العامة وإلا فإنها لا تفصل فيها.
وتدل بإشارتها على : أن على المحكمة الجزئية أن توقف إجراءات القسمة إذا أثير لديها نزاع يتعلق في إجراءات القسمة ولكنه يدخل بطبيعته في اختصاص المحكمة الابتدائية إلى أن تفصل هذه المحكمة الأخيرة في هذا النزاع .
ومع ملاحظة أنه في حالة إذا تعارض المعنى المستفاد من طريق الإشارة في أحد النصوص مع معنى مستفاد من طريق عبارة نص أخر ، وجب تغليب معنى العبارة على معنى الإشارة .
ثالثاً : استخلاص المعنى المقصود بالنص عن طريق دلالته :
يقصد به : المعنى الذي يفهم من روح ومعقول النص ويكون ذلك عن طريقين ، طريق مفهوم الموافقة وطريق مفهوم المخالفة .
أ*-طريق مفهوم الموافقة : هذا الطريق يفترض وجود نص تدل عبارته على حكم في واقعة "لعله" اقتضت هذا الحكم ، وجود واقعة أخرى تساوي هذه الواقعة في علة الحكم ، فيثبت حكم النص لمنطوقه ولمفهومه الموافق له في العلة.
ويسمى هذا الطريق "مفهوم الموافقة" من طرق الاستدلال "بالقياس الجلي" إذ يمكن تحصيله بمجرد الوقوف على المعاني التي ينطوي عليها النص دون اجتهاد واستنباط وهو بذلك على عكس "القياس الخفي" والذي سوف نتحدث عنه لاحقاً .
ومن أمثلته :
ما جاء في المادة 1141/ 1من القانون المدني المصري " يكون للحقوق التالية امتياز على جميع أموال المدين من منقول وعقار :
أ).....ب)....ج) النفقة المستحقة في ذمة المدين لأقاربه..
هذا النص يقرر حق امتياز عام للنفقة المستحقة في ذمة المدين لأقاربه وبمفهوم الموافقة تدخل الزوجة ضمن ذلك مع أنها لا تدخل في مدلول لفظ "الأقارب" بمعناه الاصطلاحي وعليه تكون مضمونة بامتياز عام على جميع أموال زوجها لأن نفقة الزوجة أولى بالامتياز من نفقة الأقارب.
ب*-طريق مفهوم المخالفة :
يفترض هذا الطريق وجود نص على حكم في محل مقيّد بقيد ، فيكون المحل الذي تحقق فيه القيّد هو "منطوق النص" والذي أنتفى عنه القيد هو " مفهومه المخالف" وتكون للنص دلالتان : دلالة على حكمه في منطوقه ، ودلالة على خلاف هذا الحكم في مفهومه المخالف .
ومثال ذلك : ما نصته عليه المادة 98 من القانون المدني الأردني " إذا عينّ ميعاد للقبول التزم الموجب بالبقاء على ايجابه الى أن ينقضي هذا الميعاد ".
فالحكم المستفاد من عبارة النص : هو عدم جواز العدول عن الايجاب. ، ومحله الايجاب مقيداً بأن يكون محدداً فيه ميعاد للقبول ، وعليه اذا انتفى هذا القيد ؟ كان مفهوم المخالفة : وهو الايجاب الذي لم يعين فيه ميعاد للقبول ، يكون حكمه : جواز العدول عنه.
وتجدر الاشارة الى أن الاستدلال بطريق مفهوم المخالفة كثير الخطورة وذلك لأن حكم المنطوق قد يكون وارداً على سبيل المثال أو الى حكمة خاصة لا يتوافر عكسها في مفهوم المخالف فلا يصح الاخذ به .
ومثال ذلك : مانصت عليه المادة 421 من القانون المدني المصري في فقرتها الثانية" ويعتبر البيع بشرط التجربة معلقاً على شرط واقف وهو قبول المبيع" هذا النص لا يصح أن يفهم منه أن البيع المعلق على شرط آخر كشرط المذاق أو الرؤية يكون بيعاً باتاً ولا يعتبر معلقاً على شرط واقف.
ولذلك كان الشراح دائماً ينبهون الى وجوب الاحتراس الشديد في الاستدلال بطريقة المخالفة.
ملاحظة : المعنى الذي يستخلص من النص بطريق دلالته سواء أكان بمفهوم المخالفة أو الموافقة يعتبر أضعف من المعنى الذي يستخلص من إشارة النص وعليه يكون من باب أولى أضعف من المعنى الذي يستخلص من عبارة النص وعلى ذلك نصت المادة 215 من القانون المدني الأردني " لا عبرة بالدلالة في مقابلة التصريح" ، وهذه المادة تقابل نص المادة 13 من مجلة الأحكام العدلية.
رابعاً : حالة النص المعيب .
يتبع .
وبه نستعين
مهارات تفسير النصوص القانونية.
أعده من مصادر خاصة ونقحه وأضاف إليه : سيادة القانون.
يرجى عند النقل ذكر المصدر.
كنت قد وعدت الزملاء الافاضل في هذا المنتدى الكريم بتقديم عمل يختص بتفسير النصوص القانونية ، وهذا أنا أضعه بين أيديكم ، على شكل أجزاء متعاقبة ، وأرجو أن يجد القارىء الكريم الفائدة المرجوة.
في الجزء الأول :
1-يقصد بالتفسير : هو الاستدلال على الحكم القانوني وعلى الحالة النموذجية التي وضع لها هذا الحكم من واقع الألفاظ التي عبر بها المشرع في ذلك.
أو هو : استجلاء الحكمة التشريعية المقصودة من النص من خلال ألفاظه ومعانيه.
2- أنواع التفسير : للتفسير ثلاثة أنواع هي :
أ- تفسير تشريعي : هو التفسير الذي يضعه المشرع بنفسه ليبين به حقيقة ما قصده أما في داخل التشريع الحاليّ أو من تشريع سابق أو في حالة إذا ظهر له أن المحاكم لم تهتد إلى مقصود النص.
ومن أمثلة التفسير التشريعي : بعض المقدمات التيّ تحتل بعض القوانين وهي ما تعرف بالتعاريف –هذا الأمر منتقد من قبل الفقه إذ يرى أنه ليس من اختصاص المشرع أن يضع التعريف وإن هذا من عمل الفقه- ، أو كحالة صدور قانون يفسر آخر سابق عنه بحيث يكشف من خلاله المشرع عن حقيقة المراد بالنص الوارد في القانون المفسر.
- جهات التفسير التشريعي : يصدر من السلطة التي وضعت التشريع "السلطة التشريعية" أو أن تفوض السلطة التشريعية جهة أخرى لتفسير التشريع الرئيسي ومثاله : مجلس الشورى في السعودية بموجب نصّ المادة 15 /3 من نظامه.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن التفسير التشريعي هو تفسير ملزمّ وله قوة القانون نفسه ولكن السؤال المطروح : هل يجوز لسلطة أدنى أن تفسر نصوص أو قرارات أو لوائح صدرت من سلطة أعلى ؟
الملاحظ على اللوائح والتي تصدرها السلطة التنفيذية في المملكة العربية السعودية أنها خليط مابين التفسير ومابين قوة القانون نفسه ، بل تحمل بعض نصوصها ما يخالف نصوص القانون "النظام" ومن أمثلتها نص المادة 239/1 من اللائحة التنفيذية لنظام المرافعات الشرعية والتي عرفت الحراسة بأنها : وضع الأموال المتنازع عليها تحت يد أمين يعينه القاضي إن لم يتفق تعيينه ذو الشأن "هنا أضطلعت اللائحة بالتفسير" ومثاله أيضاً مادة 250 من نظام المرافعات الشرعية والتي أجازت نقل الوقف بعد استئذان القاضي في بلد الوقف ومصادقة محكمة التمييز إلا أن اللائحة التنفيذية قد جاءت في المادة 250/ 1بحكمّ يحظر نقل الوقف إلى خارج المملكة؟!! وهذا تشريعّ من قبل الجهة التنفيذية لا يدخل في اختصاصها وعلى هذا استقر القضاء المقارن على أنه لا يجوز لسلطة أدنى أن تفسر القانون الصادر من السلطة الأعلى إلا بتفويض خاص بالتفسير كأن يصدر النص في القانون بهذه الصياغة " سلطة تفسير أحكام هذا القانون للجهة التنفيذية كذا " وعموم القول إن فعلت السلطة الأدنى وفسرت نصاً قانونياً صادراً من سلطة أعلى بدون تفويض أصبح عملها باطلاً لخروجه عن مدار اختصاصها .. كما يجب أن لا يغيب عن الذهن اشتراط عدم مخالفة النص اللائحي لنصوص القانون "النظام" .
ب- التفسير الفقهي والقضائي :
يتجه التفسير القضائي والفقهي نحو المعنى الذي ينطوي عليه النص وما قصده المشرع من عبارته ، وإن كان التفسير لدى القاضي ما هو إلا وسيلة يستعين بها بهدف الفصل في الواقعة المعروضة أمامه بينما نجد التفسير لدى الفقيه القانوني ما هو إلا غاية لتحصيل الحكم القانوني الذي قصده المشرع .
وعليه فالتفسير الفقهي تغلب عليه الصبغة النظرية بينما التفسير القضائي يتأثر بالاعتبارات العملية وإن لم يكن هذا الأمر في عصرنا الحديث إذ اتجه الفقه بعد ثورة نشر الإحكام القضائية إلى دراسة هذه الأحكام ونقدها ومراجعة تطبيقها للتشريع وعليه يمكن القول بأن الفقيه القانوني قد أصبح أكثر ارتباطاً مع الاعتبارات العملية التي تتأثر بها المحاكم وأصبح مؤثراً فيها.
كما تجدر الإشارة إلى أن التفسير الفقهي والقضائي تنتفي عنهما الصفة الإلزامية وهم بذلك على عكس التفسير التشريعيّ.
2- طرائق التفسير :
أ*- في حالة النص السليم : متى ما كان النص سليماً أيّ لا عيب فيه –سنتطرق إلى عيوب النص فيما بعد- فأنه لا يجوز للقاضيّ الخروج عنه أو تأويله بدعوى الاستهداء إلى قصد المشرع منه ، فالقاعدة الأصولية تنص على أن " لا مساغ للاجتهاد فيما ورد فيه نص صريح وقطعيّ" ، ومعنى ذلك : إذا كانت الواقعة المعروضة لها حكم واضح ومعروف من النص فأنه لا يجوز البحث عن حكم آخر لهذه الواقعة عن طريق الاستنباط من نصوص أخرى متعلقة بغيرها من الوقائع.
واستخلاص المعنى من النص يكون "أولاً وقبل كل شيء" من طريق عباراته وألفاظه ، وإن كان النص في بعض الأحوال لا يقتصر معناه على ما يفهم مباشرة من صيغته وعبارته بل قد يدل على معنى آخر بطريق الإشارة أو الدلالة –وغيرها من طرق التفسير- وعلى ذلك تذهب بعض التشريعات ومثالها نص المادة الثانية في فقرتها الأولى من القانون المدني الأردني على أنه" تسري نصوص هذا القانون على المسائل التي تتناولها هذه النصوص بألفاظها ومعانيها ولا مساغ للاجتهاد مع مورد النص" ، وكذلك ما نصت عليه المادة الأولى من القانون المدني المصري " تسري النصوص التشريعية على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها أو في فحواها" وإن كان المشرع المدني الأردني قد أهدا المفسر " الفقيه والقاضي" وسائل التفسير المعروفة لدى فقهاء الأصول إذ ربط فهم النص وتأويله بهذه الوسائل وعلى ذلك نصت المادة الثالثة من القانون المدني الأردني " يرجع في فهم النص وتفسيره وتأويله ودلالته إلى قواعد أصول الفقه الإسلامي" وإن كان الفقه القانوني العربي وعلى وجه الخصوص المصريّ قد استعملوا في مؤلفاتهم كل طرق التفسير كما جاء بها فقهاء الأصول " الشرعيين" وقواعد علم المنطق وذلك قبل صدور النص الأردني بسنوات طويلة ولا غرابة أن يستعين المفسر في القانون المدني الأردني بقواعد أصول الفقه الإسلامي إذ أن الغالب من أحكام القانون المدني الأردني مستوحاة من الشريعة الإسلامية بل تعتبر مجلة الأحكام العدلية على المذهب الحنفيّ هي المصدر التاريخيّ للقانون المدني الأردني .
وطرائق التفسير في حالة النص السليم يمكن تقسيمها إلى :
أولاً : استخلاص المعنى المقصود بالنص عن طريق عبارته :
يقصد بعبارة النص أي صيغته المكونة من مفرداته وجمله ، فلكل نص عبارة يفهم من خلالها المعنى المقصود من سياقه ، ويسمى "المعنى الحرفي للنص أو منطوقه" .
ومثاله ما نصت عليه المادة 444 من القانون المدني الأردني" إذا أبرأ الدائن مدينه مختاراً من حق له عليه سقط الحق وانقضى الالتزام".
مع ملاحظة : أن لبعض الألفاظ معنى لغوي وآخر اصطلاحيّ ، فالأصل أن نحمل النص على معناه الاصطلاحيّ إلا إذا كان سياق النص يفيد أن المشرع استعمل لفظاً معيناً في معناه اللغويّ لا في معناه الاصطلاحيّ.
ومثاله : ما نصت عليه المادة 752 من قانون المرافعات المصريّ –السابق- " ما يبقى من ثمن العقار المرهون بعد توفية الديون الممتازة بحسب مراتبها في التوزيع يجري قاضي التوزيع تقسيمه بين الدائنين غير الممتازين" . نلاحظ في هذا النص ورود عبارات : الامتياز ، الديون الممتازة ، الدائنين غير الممتازين.
هذه العبارات معناه الاصطلاحي : يفيد أن الديون المضمونة بنوع معين من الحقوق العينية التبعية هو حق وحيد" حق الامتياز دون غيره".
ولكن سياق النص : يجعل هذا المعنى مستبعداً ويحمل على الأخذ بالمعنى اللغوي لهذه العبارات وهو الذي يقصد به الديون التي تتقدم على غيرها في التوزيع بحسب ترتيب معين ، فيشمل جميع الديون المضمونة بامتياز أو برهن رسمي أو برهن حيازيّ أو بحق اختصاص.
ثانياً : استخلاص المعنى المقصود بالنص عن طريق الإشارة :
يتبع
السلام عليكم ورحمة الله ..
نبارك لكم مقدم الشهر الكريم ونسأل الله أن يبلغنا صيامه وقيامه ..وكل عام وأنتم بخير.
أعتذر عن التأخير ..لظروف مقدمات الشهر الكريم وإلتزاماته..كم أنني حاولت جاهداً إضافة هذا الجزء مع سابقه وتنسيق الردود ولم استطع لجهليّ التقنيّ لذا أفردته في موضوع مستقل،ونأمل من فضيلة الدكتور -مشكوراً- مساعدتي في ذلك .
في الجزء الثاني
ثانياً : استخلاص المعنى المقصود بالنص عن طريق الإشارة :
يقصد به : هو دلالة اللفظ على معنى غير مقصود من سياقه ولكنه لازم للمعنى الذي سيق الكلام من أجله ، أي عندما نتأمل في عبارة النص وصياغته نجد أنه لا يدل على المعنى وإنما يشير إليه بطريق الالتزام ، وبتالي تكون دلالة اللفظ عليه بطريق الإشارة لا العبارة ، وقد يكون وجه التلازم بين المعنيين ظاهراً فلا يحتاج تحصيله إلى عناء وقد يكون خفياً فيحتاج تحصيل هذا المعنى إلى جهد وتفكير.
ومن أمثلته ما نصت عليه المادة السابعة من قانون العقوبات الأردني "تسري أحكام هذا القانون على كل من يرتكب داخل المملكة جريمة من الجرائم المنصوص عليها فيه " .
فتدل هذه المادة بعباراتها على : وجوب تطبيق أحكام قانون العقوبات الأردني على جميع مرتكبيّ الجرائم الواقعة في الأردن بغض النظر عن جنسياتهم.
ودلت بإشارتها على : أن لا امتياز للأجانب في الأردن من جهة خضوعهم لقانون العقوبات الأردني ، فهم كالأردنيين في الخضوع لأحكامه.
ومن الأمثلة كذلك ما نصت عليه المادة 838 من القانون المدني المصري"تفضل المحكمة الجزئية في المنازعات التي تتعلق بتكوين الحصص ، وفي تلك المنازعات الأخرى التي تدخل في اختصاصها".
فتدل هذا المادة بعباراتها على : أن المحكمة الجزئية هي صاحبة الاختصاص في دعاوى القسمة بين الشركاء أياً كانت قيمتها وكذلك تفصل في المنازعات التي يتوقف عليها إجراء القسمة كالمنازعات المتعلقة بملكية بعض الشركاء أو مقدار أنصبتهم إذا كانت هذه المنازعات تدخل في اختصاصاتها وفقاً للقواعد العامة وإلا فإنها لا تفصل فيها.
وتدل بإشارتها على : أن على المحكمة الجزئية أن توقف إجراءات القسمة إذا أثير لديها نزاع يتعلق في إجراءات القسمة ولكنه يدخل بطبيعته في اختصاص المحكمة الابتدائية إلى أن تفصل هذه المحكمة الأخيرة في هذا النزاع .
ومع ملاحظة أنه في حالة إذا تعارض المعنى المستفاد من طريق الإشارة في أحد النصوص مع معنى مستفاد من طريق عبارة نص أخر ، وجب تغليب معنى العبارة على معنى الإشارة .
ثالثاً : استخلاص المعنى المقصود بالنص عن طريق دلالته :
يقصد به : المعنى الذي يفهم من روح ومعقول النص ويكون ذلك عن طريقين ، طريق مفهوم الموافقة وطريق مفهوم المخالفة .
أ*-طريق مفهوم الموافقة : هذا الطريق يفترض وجود نص تدل عبارته على حكم في واقعة "لعله" اقتضت هذا الحكم ، وجود واقعة أخرى تساوي هذه الواقعة في علة الحكم ، فيثبت حكم النص لمنطوقه ولمفهومه الموافق له في العلة.
ويسمى هذا الطريق "مفهوم الموافقة" من طرق الاستدلال "بالقياس الجلي" إذ يمكن تحصيله بمجرد الوقوف على المعاني التي ينطوي عليها النص دون اجتهاد واستنباط وهو بذلك على عكس "القياس الخفي" والذي سوف نتحدث عنه لاحقاً .
ومن أمثلته :
ما جاء في المادة 1141/ 1من القانون المدني المصري " يكون للحقوق التالية امتياز على جميع أموال المدين من منقول وعقار :
أ).....ب)....ج) النفقة المستحقة في ذمة المدين لأقاربه..
هذا النص يقرر حق امتياز عام للنفقة المستحقة في ذمة المدين لأقاربه وبمفهوم الموافقة تدخل الزوجة ضمن ذلك مع أنها لا تدخل في مدلول لفظ "الأقارب" بمعناه الاصطلاحي وعليه تكون مضمونة بامتياز عام على جميع أموال زوجها لأن نفقة الزوجة أولى بالامتياز من نفقة الأقارب.
ب*-طريق مفهوم المخالفة :
يفترض هذا الطريق وجود نص على حكم في محل مقيّد بقيد ، فيكون المحل الذي تحقق فيه القيّد هو "منطوق النص" والذي أنتفى عنه القيد هو " مفهومه المخالف" وتكون للنص دلالتان : دلالة على حكمه في منطوقه ، ودلالة على خلاف هذا الحكم في مفهومه المخالف .
ومثال ذلك : ما نصته عليه المادة 98 من القانون المدني الأردني " إذا عينّ ميعاد للقبول التزم الموجب بالبقاء على ايجابه الى أن ينقضي هذا الميعاد ".
فالحكم المستفاد من عبارة النص : هو عدم جواز العدول عن الايجاب. ، ومحله الايجاب مقيداً بأن يكون محدداً فيه ميعاد للقبول ، وعليه اذا انتفى هذا القيد ؟ كان مفهوم المخالفة : وهو الايجاب الذي لم يعين فيه ميعاد للقبول ، يكون حكمه : جواز العدول عنه.
وتجدر الاشارة الى أن الاستدلال بطريق مفهوم المخالفة كثير الخطورة وذلك لأن حكم المنطوق قد يكون وارداً على سبيل المثال أو الى حكمة خاصة لا يتوافر عكسها في مفهوم المخالف فلا يصح الاخذ به .
ومثال ذلك : مانصت عليه المادة 421 من القانون المدني المصري في فقرتها الثانية" ويعتبر البيع بشرط التجربة معلقاً على شرط واقف وهو قبول المبيع" هذا النص لا يصح أن يفهم منه أن البيع المعلق على شرط آخر كشرط المذاق أو الرؤية يكون بيعاً باتاً ولا يعتبر معلقاً على شرط واقف.
ولذلك كان الشراح دائماً ينبهون الى وجوب الاحتراس الشديد في الاستدلال بطريقة المخالفة.
ملاحظة : المعنى الذي يستخلص من النص بطريق دلالته سواء أكان بمفهوم المخالفة أو الموافقة يعتبر أضعف من المعنى الذي يستخلص من إشارة النص وعليه يكون من باب أولى أضعف من المعنى الذي يستخلص من عبارة النص وعلى ذلك نصت المادة 215 من القانون المدني الأردني " لا عبرة بالدلالة في مقابلة التصريح" ، وهذه المادة تقابل نص المادة 13 من مجلة الأحكام العدلية.
رابعاً : حالة النص المعيب .
يتبع .