ابوعبدالعزيز
17-11-2008, 10:37 AM
جريدة الاقتصادية - الاثنين 19 ذو القعدة 1429هـ الموافق 17 نوفمبر 2008م العدد 5516
التحكيم: أيسر طرق التقاضي وفض المنازعات!
محمد بن عبد الله الشريف يبحث هذا المقال والمقال الذي يليه في موضوع التحكيم, إسهاما في التعريف به ورفع درجة الوعي بأهميته كمساند للقضاء العام, ومساعد للخصوم على إنهاء نزاعاتهم, مع حفظ أواصر الود بينهم. التحكيم لغة هو أن يحكم شخص شخصا آخر في مسألة تخصه, أي يكل إليه الحكم فيها, والحكم هنا يعني القضاء, والتحكيم شرعا أن يتفق طرفان متنازعان على أن يتولى الفصل في نزاعهما محكم أو أكثر, يتم اختياره من قبلهما بحرية, ليكون بمثابة قاض يقبلان حكمه.
والتحكيم من هذا المفهوم نوع من القضاء يقوم على مبدأ حرية المتخاصمين في اختيار من يقضي بينهما, بعكس ما يحدث في القضاء العام, حيث لا يتحكمان في اختيار القاضي. وقد عرف العرب التحكيم قبل البعثة النبوية وعملوا به فيما شجر بينهم من خلافات وكانوا يتجاوبون معه ويقبلونه, لأنهم لا يلجأون فيه إلا إلى حكيم أو صاحب رأي, ولما جاء الإسلام أصّل مبدأ التحكيم وأقره كما ورد في الآية الكريمة "وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما" سورة النساء: الآية 35. وورد في السنة, مما أخرج النسائي (أن وفدا فيهم رجل يكنى أبا الحكم أتى إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال له النبي ـ صلى الله عليه وسلم: إن الله هو الحكم وإليه الحكم, فلماذا تكنى أبا الحكم؟ فقال الرجل: إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم فيرضى كلا الفريقين, فقال له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما أحسن هذا). وقد كان الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ يأخذون بالتحكيم في عدد من الوقائع والأحداث التي جرت في عهدهم, وأقره الفقهاء من بعدهم ووضعوا له قواعد وشروطا وأحكاما وإجراءات.
وفي الزمن الحديث أقرت المملكة العربية السعودية مبدأ التحكيم منذ تأسيسها وكونت له تنظيمات كانت بداياتها هيئات النظر التي ألحقتها بالمحاكم والإمارات, وكانت مهمتها تتلخص في النظر في الخلافات التي تنشأ بين الناس, بخاصة في النزاعات المتعلقة بالأملاك الزراعية والعقارية, وتعطي رأيها فيها, وكان لها دور كبير في الفصل في الخلافات, أو إجراء الصلح بين المتخاصمين ومساعدة القضاة على تحري العدالة فيما يصدر عنهم من أحكام, وغني عن البيان أن أعضاء تلك الهيئات يتم اختيارهم من أفراد المجتمع المشهود لهم بالاستقامة والأمانة وبعد النظر, وهي الصفات التي ينبغي توافرها في المحكّم.
نظام التحكيم في المملكة
صدر نظام التحكيم في المملكة بالمرسوم الملكي رقم م/46 وتاريخ 12/7/1403هـ مكونا من 25 مادة, ونص النظام على الأحكام والقواعد الأساسية للتحكيم والمحكمين, وأهم ما ينبغي التذكير به منها هو:
1 ـ لا يجوز التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح, أو القضايا التي فيها حدود.
2 ـ يشترط في المحكّم أن يكون من ذوي الخبرة, حسن السيرة والسلوك, وكامل الأهلية.
3 ـ يجوز أن يكون المحكم واحدا أو أكثر, بشرط أن يكون العدد وترا حتى يكون هناك صوت مرجح في حالة التعادل في الآراء.
4 ـ يجوز الاتفاق على التحكيم ابتداء عند تحرير العقود, كما يجوز اللجوء إليه عند نشوء النزاع حتى لو لم يكن منصوصا عليه في العقد.
5 ـ لا يجوز للجهات الحكومية اللجوء إلى التحكيم لفض منازعاتها مع المتعاقد معهم إلا بعد موافقة رئيس مجلس الوزراء, ذلك أن نزاعات الجهات الحكومية مع المتعاقد معها يختص بالنظر فيها ديوان المظالم بموجب نظامه.
6 ـ يجوز الاعتراض على نتيجة التحكيم من الخصوم خلال 15 يوما من تاريخ إبلاغهم به, وفي حالة الاعتراض تتولى الجهة المختصة أصلا بنظر النزاع الفصل فيه إما بالقبول وإما بالرفض.
اللائحة التنفيذية للنظام
صدرت اللائحة التنفيذية للنظام بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 7/2021/م وتاريخ 8/9/1405هـ مكونة من 48 مادة, وقد اعتنت بتفصيل ما ورد في النظام من أحكام وشروط, وبينت كيفية تطبيقه وسير إجراءات التحكيم ووثائقه, ومدته, ومن أهم ما نصت عليه اللائحة ما يلي:
1 ـ لا يجوز أن يكون محكّما من كانت له مصلحة في النزاع, أو صدر عليه حكم بحد مخل بالشرف, أو صدر بحقه قرار تأديبي بالفصل من وظيفة عامة, أو حكم بشهر إفلاسه, وذلك ما لم يكن قد رد إليه اعتباره.
2 ـ تعد قائمة بأسماء المحكمين الذين تنطبق عليهم الشروط بالاتفاق بين وزير العدل ووزير التجارة ورئيس ديوان المظالم وتخطر بها الجهات ذات الشأن مثل المحاكم والغرف التجارية.
3 ـ تقوم الجهة المختصة أصلا بنظر النزاع بتوفير مقر لهيئة التحكيم ومن يقوم بأمانة سرها, وإنشاء السجلات اللازمة لها.
4 ـ تكون جلسات هيئة التحكيم علنية إلا إذا رأت الهيئة أن تكون الجلسات أو إحداها سرية, أو طلب ذلك أحد المحكمين لأسباب تقدرها الهيئة.
5 ـ لا يجوز, بغير عذر مقبول, تأجيل نظر الدعوى أكثر من مرة, لسبب واحد يرجع إلى أحد الخصوم.
6 ـ يجوز لهيئة التحكيم الاستعانة برأي خبير أو أكثر, أو تقرير جهة متخصصة في موضوع التحكيم, كما يجوز لها الانتقال من مقرها لمعاينة بعض الوقائع والأدلة ذات الصلة بالدعوى.
واجبات المحتكمين (المتنازعين)
1 ـ أن تكون لديهما الرغبة الصادقة في اختيار التحكيم للفصل فيما حدث بينهما من خلاف, وأن تتوافر لديهما القناعة التامة بأن التحكيم كفيل بالوصول إلى الحكم العادل بينهما.
2 ـ اختيار المحكمين من بين المرخص لهم في قائمة المحكمين, مع مراعاة الأقرب في التخصص والخبرة إلى موضوع النزاع.
3 ـ الالتزام بتوفير كل الوثائق والمعلومات التي توضح موضوع النزاع, وتساعد المحكمين على الإلمام به, والإحاطة بتفاصيله, ومن ثم الفصل فيه في أقصر مدة ممكنة.
4 ـ الثقة التامة بالمحكمين.
وسنستكمل الحديث في بقية الجوانب المهمة في الموضوع في المقال القادم.
التحكيم: أيسر طرق التقاضي وفض المنازعات!
محمد بن عبد الله الشريف يبحث هذا المقال والمقال الذي يليه في موضوع التحكيم, إسهاما في التعريف به ورفع درجة الوعي بأهميته كمساند للقضاء العام, ومساعد للخصوم على إنهاء نزاعاتهم, مع حفظ أواصر الود بينهم. التحكيم لغة هو أن يحكم شخص شخصا آخر في مسألة تخصه, أي يكل إليه الحكم فيها, والحكم هنا يعني القضاء, والتحكيم شرعا أن يتفق طرفان متنازعان على أن يتولى الفصل في نزاعهما محكم أو أكثر, يتم اختياره من قبلهما بحرية, ليكون بمثابة قاض يقبلان حكمه.
والتحكيم من هذا المفهوم نوع من القضاء يقوم على مبدأ حرية المتخاصمين في اختيار من يقضي بينهما, بعكس ما يحدث في القضاء العام, حيث لا يتحكمان في اختيار القاضي. وقد عرف العرب التحكيم قبل البعثة النبوية وعملوا به فيما شجر بينهم من خلافات وكانوا يتجاوبون معه ويقبلونه, لأنهم لا يلجأون فيه إلا إلى حكيم أو صاحب رأي, ولما جاء الإسلام أصّل مبدأ التحكيم وأقره كما ورد في الآية الكريمة "وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما" سورة النساء: الآية 35. وورد في السنة, مما أخرج النسائي (أن وفدا فيهم رجل يكنى أبا الحكم أتى إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال له النبي ـ صلى الله عليه وسلم: إن الله هو الحكم وإليه الحكم, فلماذا تكنى أبا الحكم؟ فقال الرجل: إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم فيرضى كلا الفريقين, فقال له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما أحسن هذا). وقد كان الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ يأخذون بالتحكيم في عدد من الوقائع والأحداث التي جرت في عهدهم, وأقره الفقهاء من بعدهم ووضعوا له قواعد وشروطا وأحكاما وإجراءات.
وفي الزمن الحديث أقرت المملكة العربية السعودية مبدأ التحكيم منذ تأسيسها وكونت له تنظيمات كانت بداياتها هيئات النظر التي ألحقتها بالمحاكم والإمارات, وكانت مهمتها تتلخص في النظر في الخلافات التي تنشأ بين الناس, بخاصة في النزاعات المتعلقة بالأملاك الزراعية والعقارية, وتعطي رأيها فيها, وكان لها دور كبير في الفصل في الخلافات, أو إجراء الصلح بين المتخاصمين ومساعدة القضاة على تحري العدالة فيما يصدر عنهم من أحكام, وغني عن البيان أن أعضاء تلك الهيئات يتم اختيارهم من أفراد المجتمع المشهود لهم بالاستقامة والأمانة وبعد النظر, وهي الصفات التي ينبغي توافرها في المحكّم.
نظام التحكيم في المملكة
صدر نظام التحكيم في المملكة بالمرسوم الملكي رقم م/46 وتاريخ 12/7/1403هـ مكونا من 25 مادة, ونص النظام على الأحكام والقواعد الأساسية للتحكيم والمحكمين, وأهم ما ينبغي التذكير به منها هو:
1 ـ لا يجوز التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح, أو القضايا التي فيها حدود.
2 ـ يشترط في المحكّم أن يكون من ذوي الخبرة, حسن السيرة والسلوك, وكامل الأهلية.
3 ـ يجوز أن يكون المحكم واحدا أو أكثر, بشرط أن يكون العدد وترا حتى يكون هناك صوت مرجح في حالة التعادل في الآراء.
4 ـ يجوز الاتفاق على التحكيم ابتداء عند تحرير العقود, كما يجوز اللجوء إليه عند نشوء النزاع حتى لو لم يكن منصوصا عليه في العقد.
5 ـ لا يجوز للجهات الحكومية اللجوء إلى التحكيم لفض منازعاتها مع المتعاقد معهم إلا بعد موافقة رئيس مجلس الوزراء, ذلك أن نزاعات الجهات الحكومية مع المتعاقد معها يختص بالنظر فيها ديوان المظالم بموجب نظامه.
6 ـ يجوز الاعتراض على نتيجة التحكيم من الخصوم خلال 15 يوما من تاريخ إبلاغهم به, وفي حالة الاعتراض تتولى الجهة المختصة أصلا بنظر النزاع الفصل فيه إما بالقبول وإما بالرفض.
اللائحة التنفيذية للنظام
صدرت اللائحة التنفيذية للنظام بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 7/2021/م وتاريخ 8/9/1405هـ مكونة من 48 مادة, وقد اعتنت بتفصيل ما ورد في النظام من أحكام وشروط, وبينت كيفية تطبيقه وسير إجراءات التحكيم ووثائقه, ومدته, ومن أهم ما نصت عليه اللائحة ما يلي:
1 ـ لا يجوز أن يكون محكّما من كانت له مصلحة في النزاع, أو صدر عليه حكم بحد مخل بالشرف, أو صدر بحقه قرار تأديبي بالفصل من وظيفة عامة, أو حكم بشهر إفلاسه, وذلك ما لم يكن قد رد إليه اعتباره.
2 ـ تعد قائمة بأسماء المحكمين الذين تنطبق عليهم الشروط بالاتفاق بين وزير العدل ووزير التجارة ورئيس ديوان المظالم وتخطر بها الجهات ذات الشأن مثل المحاكم والغرف التجارية.
3 ـ تقوم الجهة المختصة أصلا بنظر النزاع بتوفير مقر لهيئة التحكيم ومن يقوم بأمانة سرها, وإنشاء السجلات اللازمة لها.
4 ـ تكون جلسات هيئة التحكيم علنية إلا إذا رأت الهيئة أن تكون الجلسات أو إحداها سرية, أو طلب ذلك أحد المحكمين لأسباب تقدرها الهيئة.
5 ـ لا يجوز, بغير عذر مقبول, تأجيل نظر الدعوى أكثر من مرة, لسبب واحد يرجع إلى أحد الخصوم.
6 ـ يجوز لهيئة التحكيم الاستعانة برأي خبير أو أكثر, أو تقرير جهة متخصصة في موضوع التحكيم, كما يجوز لها الانتقال من مقرها لمعاينة بعض الوقائع والأدلة ذات الصلة بالدعوى.
واجبات المحتكمين (المتنازعين)
1 ـ أن تكون لديهما الرغبة الصادقة في اختيار التحكيم للفصل فيما حدث بينهما من خلاف, وأن تتوافر لديهما القناعة التامة بأن التحكيم كفيل بالوصول إلى الحكم العادل بينهما.
2 ـ اختيار المحكمين من بين المرخص لهم في قائمة المحكمين, مع مراعاة الأقرب في التخصص والخبرة إلى موضوع النزاع.
3 ـ الالتزام بتوفير كل الوثائق والمعلومات التي توضح موضوع النزاع, وتساعد المحكمين على الإلمام به, والإحاطة بتفاصيله, ومن ثم الفصل فيه في أقصر مدة ممكنة.
4 ـ الثقة التامة بالمحكمين.
وسنستكمل الحديث في بقية الجوانب المهمة في الموضوع في المقال القادم.