عزيز الهمة
24-10-2010, 06:53 AM
قال رئيس ديوان المظالم الشيخ إبراهيم بن شايع الحقيل، إن عدد الشكاوى التي وصلت الديوان ضد القضاة بلغت 12 شكوى على مدى عشرين شهرا، مشيرا إلى أنه عدد "متدن" مقارنة بعدد القضاة والفترة الزمنية التي شهدت تلك الشكاوى.
وأكد الشيخ الحقيل، إن الإعلان عن تأديب القضاة "خط أحمر" ويتم عبر التفتيش القضائي، مشيرا إلى أن القضاء شرف وعرض الدولة فيجب أن يكون نظيفا نزيها، وأن القاضي الذي يتعدى الحدود سيعرض للجزاء.
وعبر الشيخ الحقيل عن عزمه على إعادة غربلة الفكر الإداري للقضاء من خلال إخضاع قضاة وموظفي "المظالم" لخطته التدريبية، خاصة مع رصد قيادة الديوان لزيادة في معدل إنجاز القضاة لهذا العام يقدر فيما بين 10-15% مقارنة بالعام الماضي بعد اجتيازهم لعدة برامج تدريبية، لافتا إلى توجهه بمعية قيادات "الديوان" لتحويل ثقافة التعامل مع مستفيدي المحاكم الإدارية من مفهوم خدمة بيروقراطية لـ"المراجع" إلى خدمة تلبي احتياجات "العميل".
جاء ذلك في حديث أدلى به الشيخ الحقيل لـ"الوطن"، أجاب خلاله على العديد من التساؤلات التي تشغل المهتمين بالميدان القضائي والمواطنين. كما تطرق إلى جدلية تنفيذ أحكام القضاء الإداري في الوقت الذي يباشر القضاء العام تنفيذ أحكامه بنفسه، وهل هنالك إخلال بهيبة القضاء الإداري إن لم تُنفذ الأحكام ضد الجهات الحكومية خاصة، مرورا بإيضاح حقيقة اتهام القضاة بالانحياز وعدم قدرتهم على ذلك حاليا لمرور القضية بدرجات التقاضي الثلاث.
وفيما يلي نص الحديث:
كم تُقدر نسبة الأحكام المُنفذة؟
تتجاوز نسبتها 99.5% من إجمالي الأحكام النهائية بعدما حكمت بها الدوائر القضائية بديوان المظالم، فالأصل هو تنفيذ الأحكام النهائية بالجملة، وما لم ينفذ منها قليل لا يكاد يذكر مقارنة بما تم تنفيذه، وعلى المتضرر أن يلجأ للمقام الكريم إذا لم تنفذ الجهة الإدارية للتحقق من أسباب عدم التنفيذ ومعالجته.
وهل يجوز قضائيا أن يتدخل ديوان المظالم في تنفيذ الأحكام التي تصدرها دوائره القضائية ضد الجهات الحكومية أو غيرها؟
لا يجوز لديوان المظالم التدخل في تنفيذ الأحكام التي تصدرها محاكمه، لأن مهمة القضاء تتمثل في فصل الخصومات أما القضاء التجاري فهناك قضاء التنفيذ بالمحاكم العامة الذي يتولى تنفيذ هذه الأحكام حالياً.
وإلامَ ترجع أسباب الضجة التي تثور حول عدد من القضايا غير المنفذة؟
يمكن إرجاعها في حال وجودها إلى الاستغراب من عدم التنفيذ للأحكام النهائية واجبة النفاذ لأن الأصل والواجب هو تنفيذها، في الوقت الذي لا يُعلم فيه شيء عن الأحكام الكثيرة المنفذة، لعدم وجود أي شكوى حولها.
إن لم يُمكِّن "المظالم" المحكوم لصالحه من تنفيذ الحكم، فمن مرجعه في التنفيذ؟
وفقاً للنظام الأساسي للحكم فالملك أو من ينيبه معنيون بتنفيذ الأحكام النهائية واجبة النفاذ، وفيما يتعلق بالأحكام الإدارية فإن الجهة الإدارية خصم شريف ولا يتصور عدم تنفيذها لهذه الأحكام.
وماذا عن إضرار عدم تنفيذ الأحكام ضد الجهات الحكومية - تحديداً- بهيبة القضاء الإداري في "ديوان المظالم"؟
لاشك أن عدم تنفيذ الأحكام القضائية يمس هيبة القضاء في الدولة؛ لأنه لا ثمرة لقضاء لا نفاذ لأحكامه, إلا أن القضاء الإداري وفقاً لنظامه تنتهي ولايته بعد النطق بالحكم.
وإلام ترجع مباشرة القضاء العام لتنفيذ أحكامه عبر "قضاة تنفيذ" والقضاء الإداري لا يباشر التنفيذ؟
يمكنني أن أوضح أن هنالك لبسا عند الناس بين طبيعة القضاء الإداري والقضاء العام، فيمكن للقضاء العام تولي مهمة تنفيذ الأحكام لكونه قضاءً مدنياً يمكنه إحضار الفرد المحكوم ضده بالقوة الجبرية، وإلزامه بالحكم، حتى لو لزم الأمر سجن المحكوم ضده أو حتى إغلاق مؤسسته، أو الحجز على أرصدته لصالح المحكوم له، لكن هذه الصورة لا تنطبق في القضاء الإداري، إذ لا يُتصوّر أن يُحضر الوزير أو رئيس المؤسسة العامة بالقوة الجبرية، أو تغلق الوزارة أو المؤسسة العامة، أو يحجز على أموالهما لتنفيذ حكم صادر ضدهما من القضاء الإداري. وربما يرجع هذا اللبس لدى الناس إلى تولّي ديوان المظالم للقضاء التجاري وبعض اختصاصات القضاء الجزائي رغم أنهما أصلاً يقعان ضمن القضاء المدني (العام)، إلا أن اللبس سيزول بعد نقل هذه الاختصاصات للقضاء العام.
علاقة "المظالم" بالأجهزة
كيف يضبط "المظالم" ميزان العدالة بين مصالحه المالية والوظيفية مع جهات حكومية أخرى كوزارتي المالية والخدمة المدنية، في حال كانت هذه الجهات طرفاً في إحدى القضايا الماثلة أمام القضاء الإداري بالديوان؟
قطعاً فإن التعاملات الإدارية والبنود المالية لا يمكن أن تمسّ الشأن القضائي أبداً، هنالك فصل تامْ، فقضاة الدوائر الإدارية يتهيؤون ويُهَّيؤون للفصل في أي دعوى ضد أي جهة، دون النظر لأي اعتبار آخر. وهم بعيدون نهائياً عن الشأن الإداري والتعامل مع الوزارات المعنية بالشأن المالي والوظيفي للديوان، وقد صدرت أحكام ضد وزارتي المالية والخدمة المدنية، حتى وإن كان ترتيب ميزانية الديوان من قبل المالية، وتربطه مصالح وظيفية مع وزارة الخدمة المدنية، فذلك شأنٌ آخر يختلف عن الشأن القضائي.
وإن كانت الدعاوى ضد الديوان؟
هنالك قضايا تنظر في محاكم الديوان ضد رئاسة الديوان، وسبق أن صدر ضد الديوان أكثر من حكم قبل وبعد رئاستي للديوان ونفذها الديوان فور تبلغه بها، ذلك أن الحق والعدل ضالة المؤمن أنّى وجدها أخذها، ومتى صدر حكمٌ نهائي فلا مناص من التنفيذ، إذا أدركنا في رئاسة الديوان، أو في الجهات الحكومية الأخرى يجب أن نتمتع بشرف الخصومة مع المدعين، فنحن رئاسة ترعى مصالح القضاة وتهيئ لهم الأمر ليقضوا بعدل، لكن لا تتدخل في قضائهم أبداً. فنحن ننفذ الأحكام الصادرة ضد الديوان ولا يمكن أسمح لنفسي بالتحدث مع قاض ينظر قضية ضد جهازنا لإخلاله بالواجب النظامي واستغلاله للسلطة.
وهل تُشكل عملية التقاضي فرقا إن كان الحكم صادرا لصالح أو ضد جهة حكومية ما؟
لا يختلف الأمر في قضاء الديوان أن يكون الحكم لصالح الأجهزة الحكومية أو ضدها، فمهمة القضاء الإداري التحقق من مشروعية تصرف الجهة الإدارية المدعى عليها والحكم على ضوء القواعد المقررة في هذا الخصوص بما لا يخرج عن نطاق الدعوى وإذا تضمن الحكم إلى ما يشير إلى حدوث فعل يشكل حدوث جريمة جنائية أو تأديبية تبلغ جهة التحقيق المختصة بصورة من الحكم لاتخاذ ما يلزم نظاماً.
انحياز القاضي
ماذا عن اتهامات القضاة بالانحياز إلى أحد طرفي الدعوى؟
هذا الأمر لا يتصور وجوده في الوقت الحاضر؛ لأن القضاء أصبح قضاء مؤسسياً يجوز فيه الطعن في الأحكام أمام الدرجة القضائية الأعلى، والحقيقة أن هذا الكلام يتناقله الناس منذ القدم، حيث كان القاضي هو الحاكم وحده في النزاع، ولا رقيب عليه سوى الله سبحانه وتعالى. ولأن أغلب الناس لا يقتنعون بما يصدر ضدهم من أحكام، ويعتقدون أن القاضي انحاز ضدهم بمجرد النطق بحكمه لغير صالحهم.
أما الآن فالمجال لا يسمح بأن ينحاز القاضي مع أحد طرفي الدعوى، فالقضاء على درجتين "ابتدائية، استئناف"، وفوقهما المحكمة العليا، وبالتالي فإن عملية النظر في القضية ليست محصورة على قاضٍ بعينه، إذ هنالك من يعقّب على حكمه ويفحصه، وإن تبيّن فيه ميل، مقصود أو غير مقصود، أُعيد له التوازن وفق أحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة المرعية. فضلاً عن أن الأحكام في محاكم درجة الاستئناف والمحكمة العليا تنسب إلى دوائر مشكلة من أكثر من قاضٍ وليس لقاضٍ بعينه, وفي محاكم الدرجة الابتدائية سيكون القضاء كذلك في أغلبه. كما أن التفتيش القضائي يتحقق من مدى كفاية القضاة في أدائهم الوظيفية من خلال ما يصدرونه من أحكام؛ لأن كتابة الحكم تستلزم تحرير واقعة الدعوى وبيان الأسباب الشرعية والنظامية بطريقة منطقية تؤدي إلى الوصول إلى منطوق الحكم.
وإن كنتُ لا أقول بعصمة القضاة، فهم مثل غيرهم بشر، يخطئون ويصيبون, لكن الرقابة عليهم لا تسمح بأي انحياز، خاصة مع وجود معايير منضبطة تؤدي إلى اختيار أصحاب التأهيل العلمي والكفاءة والجدارة المهارية؛ بالإضافة إلى الورع والتقوى والبعد عن الشبهات لتولي القضاء.
تأديب القضاة
وهل وصلت إلى طاولة الرئيس شكاوى ضد القضاة منذ قيادتكم للقضاء الإداري؟
لا تنسَ أن لدينا حوالي 400 قاضٍ، ومع ذلك لم تبلغ الشكاوى التي وصلتني ضدهم سوى 12 شكوى خلال ما يقارب العشرين شهراً، وهذا عددٌ متدنٍ في فترة كهذه، ويتم التعامل مع الشكاوى بالتحقق من مما نسب للقضاة وكونه مخالفات، واتخاذ اللازم فيها نظاماً، وغالبية الشكاوى تنتج عن سوء فهم، أما التي تمسْ نزاهة القضاء فيتم التعامل معها عن طريق التفتيش، فالقضاء وفقاً للتنظيمات الحديثة ينظّف نفسه بنفسه، والقضاء شرف وعرض الدولة فيجب أن يكون دائما نظيفاً نزيهاً، ومما يُروى عن الزعيم البريطاني تشرشل أنه بعد الحرب العالمية الثانية واستشراء الفساد في أجهزة الدولة، سأل عن القضاء، فلما قيل له: إنه سليم، تنفس الصعداء وقال: إذاً بريطانيا بخير!!.
بالإضافة إلى ذلك كله، وفي شأن الشكاوى التي تقدم من عملاء الديوان ضد القضاة في مسائل تتعلق بما يدور في الجلسات القضائية، فبإذن الله لن يستطيع أحد مستقبلاً الزعم أو الادعاء على القضاة أنهم خالفوا إجراء أو يتهمهم بالغلظة معه أو طرده من مجلس القضاء أو الانشغال عنه إذ اعتمد مجلس القضاء الإداري استعمال التقنية الحديثة في تصوير الجلسات في محاكم الديوان "صوت وصورة" لقطع دابر مثل هذه الادعاءات، وبذلك نستطيع التحقق من صحة هذه الشكاوى، والجميل في الأمر أن قضاتنا الأجلاء قد رحّبوا بذلك لتحقيقه لمبدأ علانية الجلسات، والشفافية التي ينتهجها الديوان في أعماله، مع أن الأصل في إجراء التصوير هو توثيق الجلسات صوتاً وصورة؛ تحقيقاً للاستفادة المثلى من التقنيات الحديثة في هذا المجال.
وهل صدر حتى الآن عقوبات من أي نوع ضد أي قاض؟
لم يصدر خلال رئاستي لديوان المظالم أي عقوبات تأديبية على القضاة حتى الآن، وأتمنى ألا يصدر أي عقوبة. وحتى في حال الصدور؛ فإنه لا يتم الإعلان عنها؛ لأن نظام القضاء نص على أن تتم الإجراءات التأديبية؛ بما في ذلك القرارات الصادرة بالعقوبة بسرية. وهذا لا يعني عدم الجدية في محاسبة المقصر واتخاذ الإجراءات عندما يقتضي الأمر ذلك وفق ما نص عليه النظام. ولا شك أن قصد المنظم من ذلك هو عدم التأثير سلباً على صورة القضاء في أعين الناس، وألا يفقدهم ذلك الثقة في الركن الركين الذي يلجؤون إليه عند وقوع الظلم عليهم، وهي ثقة موجودة الآن ولله الحمد ويجب أن تبقى كذلك وأفضل.
هل تعني أنكم بذلك تتجنبون أي بلبلة أو شكوك يُمكن أن تثار حول قاض معين بالإعلان عن تأديبه؟
بالطبع، فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته، خاصة أن ذلك يُحدثُ شكوكاً تجاه القاضي، وقد يرميه في سلوكياته، مما يؤثر سلباً عليه عند نظره أي قضية، ومن الممكن أن يشكّك في صحة وعدالة أحكامه أيضاً، ثم إنه قد يتبين فيما بعد أن التهم التي رُمي بها باطلة وليس لها أساس.
تسرب القضاة واستقطابهم
وماذا عن تسرب القضاة من السلك القضائي الإداري، وتحولهم إلى مهن أخرى كالمحاماة وغيرها، إلام ترجع ذلك؟
تسرب القضاة قليل جدا لدينا، ويعود ذلك ـ وفق ما رصدناه في الواقع ـ إلى الظروف الشخصية لكل واحد.
بالمقابل، كيف يستقطب القضاء الإداري القضاة الأكفاء؟
عملية الاختيار تتم من خلال لجنة مشكلة من عدد من القضاة في ديوان المظالم، تمت تهيئتهم لمقابلة المتقدمين شخصيا، وأخضعوا لبرامج تدريب عديدة في فن المقابلة الشخصية ومعايير الاختيار، نتج عنها وضع معايير صارمة لاختيار الأكفأ والأجدر علمياً ومهارياً ونفسياً، والتأكد من أهلية المتقدم للانضمام للسلك القضائي، كما يخضع المتقدم أولاً لاختبار عملي في واقعة من الناحية القضائية قبل الدخول للمقابلة الشخصية، فالقضاء ولاية عظيمة يجب بذل الوسْع في اختيار من يتولاها براءة للذمة أمام الله سبحانه وتعالى، وأمام ولاة الأمر حفظهم الله، فلا يبتلى القضاء بمن ليس أهلاً له، ولا يبتلى الشخص الذي لا يحسن بالقضاء، فنكون بذلك ألحقنا الضرر بالقضاء والعدل، وبذممنا وما تولّيناه من أمانة، وألحقنا الضرر كذلك بالرجل وحمّلناه فوق طاقته، إذاً المسألة قدرة وتأهيل وكفاءة وجدارة وحاجة ماسّة للأكفاء الجديرين فقط.
وهل هنالك أولوية لخريجي الشريعة من جامعة معينة على أخرى؟
ليس لدى الديوان أولوية لخريجي كلية شريعة في جامعة معينة على غيرها، ولا يعنيه انتماء الخريج المتقدم أو منطقته أو قبيلته أو أسرته. فقط المهم هو اختيار الصالح الكفء من الأشخاص؛ بغض النظر عن أصله وأسرته ومنطقته.
ولكن مستوى خريجي الجامعات يختلف؛ إذ توجد جامعات أو كليات لديها أساليب عملية متقدمة أو كفاءات علمية رائدة تجعل خريجيها أفضل من غيرهم، وبذلك يتم اختيارهم مع أنهم من مناطق مختلفة ويقبلهم القضاء دون تفريق، إذا الضابط هو الكفاءة والجدارة.
وإذا كان يقال: من الإحصائيات ينبغي أن يكون لكل 26 ألف مواطن ومقيم على مستوى الدولة قاضٍ واحد، فأنا أقول: يجب أن يكون القاضي هو أعلى النخبة المُنتقى من 26 ألف مواطن، فإذا لم يستطع الصبر على الناس وتحملهم ومراعاتهم فهو في نظري "غير كفؤ لتولي القضاء".
تأجيل القضايا
تأجيل القضايا وتأخيرها.. من الذي يقف خلف هذه المشكلة؟
يشكّل أطراف الدعاوى 60% من أسباب التأجيل، فكل واحد يؤجل من باب العجز عن تقديم البينة، أو المماطلة لطلب الصلح أو غيره، أو المماطلة لمكايدة خصمه، ولدينا أناس يتفننون في المماطلة بالقضايا وتعذيب خصومهم فلا يأتي للقضاء حتى تأتي به الشرطة جبراً.
والقضاة هنا يتحملون الخطأ إذا استجابوا لطلبات التأجيل، لكن دورهم في هذه المشكلة محدود، ويشاركهم في التسبب بالتأخير أيضاً دور الخبرة أو الخبراء، وكذلك الموظفون وما يصدر عنهم من تصرفات نتيجة التعامل البيروقراطي "راجعنا بكرة"، إلى جانب ظروف خارجية مختلفة للقضية.
وكيف عالجتم ذلك؟
بدأنا بمتابعة قضايا لم تنجز قبل عام 1425 والتعقيب عليها لإنجازها دون انتظار أصحابها ليطالبوا بالإنجاز؛ بينها تصفية شركات، ووجدنا أن الخصوم أنفسهم غير مهتمين بطول بقائها. كما طالبتُ القضاة في أكثر من مناسبة بعدم منح أطراف النزاع فترة للصلح في القضية أكثر من أسبوع أو عشرة أيام وبعدها يحفظ الملف؛ حتى لا يُحمّل ناظر القضية عبء تأخير القضية.
كما كان للديوان موقف من تأجيل القضايا قبل خمس سنوات بإلزام الخصم بالحضور في القضاء التجاري من خلال: منعه من السفر، أو إيقاف معاملاته بالحاسب الآلي، أو الحجز على أرصدته في البنوك، وبتنفيذ ذلك يحضر الطرف المماطل بنفسه مجبراً. ولكل قاضٍ صلاحية مثل ذلك، لكن بعض القضاة لديهم ملاحظات وأسلوب آخر بسبب قناعتهم بوجود إجراءات نظامية بديلة بإصدار حكم غيابي حتى يأتي الطرف المماطل، ولا تهمني الطريقة بقدر أن المهم أن يعمل الجميع لإنجاز ما لديهم من قضايا.
قصور الوعي الحقوقي
وما تأثير قصور الوعي الحقوقي عند الناس على تعطيل إجراءات التقاضي أو زيادة أعداد القضايا؟
نعاني من هذه المسألة بنسبة كبيرة جدا، ونعوّل على جامعاتنا الكثير، وعلى أجهزتنا الإعلامية لنشر هذه الثقافة والوعي لتقل القضايا والمنازعات.
فيما يتعلق بتدريب القضاة.. علام تستهدفون من خلال تدريبهم؟
البرامج التدريبية التي أقامها الديوان لمنسوبيه تهدف إلى تهيئتهم لتقبل التغيير وإيجاد بيئة فكرية خلاقة تتفاعل مع التغيير والتطوير دون المساس بالثوابت.
وما نسبة تطور أداء القضاة بعد اجتيازهم للبرامج التدريبية؟
زاد معدل إنجاز القضاة بعد تدريبهم هذا العام بنسبة تتراوح ما بين 10- 15% مقارنة بالعام الماضي، رغم زيادة عدد القضايا، ورغم ارتباط القضاة والموظفين ببرامج تدريبية. وحاليا نسعى إلى تدريب 96 قاضياً شاباً تدريباً عالياً بعد تعيينهم هذا العام، ومن أهم ميزات هذا التدريب اختصار سنوات الخبرة، وملء الشواغر لدينا، إلا أننا لا نستغني بأي حال من الأحوال عن قضاتنا الكبار الذين نعتبرهم السند الحقيقي والعمق الكبير والمصدر الخبير لقضاة الديوان وقضائه.
وهل ارتباط القضاة بجدولة البرامج التدريبية التي وصلت إلى 120 برنامجا خلال عام واحد يعيق العمل القضائي؟
أبداً لا يعيقه بل يدفعه للأمام، فهنالك برمجة لمواعيد الجلسات القضائية تبعاً لمواعيد البرامج التدريبية للقضاة؛ بحيث لا تؤثر على سير القضايا. وما يقال أحياناً عن حضور البعض للمحكمة الإدارية وعدم وجود القاضي فهو ناتج عن الحضور في غير المواعيد المحددة للجلسات, والتي لا يجوز الحضور في غيرها, أو يكون التبليغ بالموعد الجديد لم يصل لأحد أطراف الدعوى.
تغيير ثقافة العمل القضائي
هنالك رصد لخطوات متسارعة وجريئة في إجراءات العمل داخل أروقة "المظالم"، هل سنشهد خطوات أجرأ في تغيير مفهوم العمل القضائي من خلالكم؟
لا يوجد لدينا جرأة على الثوابت، بل لدينا جرأة على ما دون الثوابت وهي الإجراءات، وسنكون في ديوان المظالم أجرأ وأجرأ ولن نتردد في ذلك. والدعم لنا في هذا المسار واضح من لدن خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين والنائب الثاني حفظهم الله جميعاً، فتوجيهات ولاة الأمر أيدهم الله ـ هي تقديم الخدمة بأيسر وأرقى الطرق للعملاء.
نقاط مضيئة
• استقبل رئيس ديوان المظالم "الوطن" ببساطة تعاملٍ ومظهرٍ عمليّ، فيما عكس مظهر مكتبه الزجاجي شفافية الثقافة الإدارية التي يقود بها الديوان، فهو يتابع ما يحدث حوله بوضوح، كما يظهر للآخرين بنفس الشفافية.
• أجري الحوار بحضور رئيس تحرير "الوطن" المكلف جاسر الجاسر.
• استمر حديث رئيس ديوان المظالم إلى "الوطن" أكثر من ساعتين، لم يتردد خلالهما في الرد على أسئلة الزميلة فداء البديوي و"استفزازاتها" أحيانا، كما تميز حديثه بـ " الأخوية والبساطة".
المصدر : جريدة الوطن
وأكد الشيخ الحقيل، إن الإعلان عن تأديب القضاة "خط أحمر" ويتم عبر التفتيش القضائي، مشيرا إلى أن القضاء شرف وعرض الدولة فيجب أن يكون نظيفا نزيها، وأن القاضي الذي يتعدى الحدود سيعرض للجزاء.
وعبر الشيخ الحقيل عن عزمه على إعادة غربلة الفكر الإداري للقضاء من خلال إخضاع قضاة وموظفي "المظالم" لخطته التدريبية، خاصة مع رصد قيادة الديوان لزيادة في معدل إنجاز القضاة لهذا العام يقدر فيما بين 10-15% مقارنة بالعام الماضي بعد اجتيازهم لعدة برامج تدريبية، لافتا إلى توجهه بمعية قيادات "الديوان" لتحويل ثقافة التعامل مع مستفيدي المحاكم الإدارية من مفهوم خدمة بيروقراطية لـ"المراجع" إلى خدمة تلبي احتياجات "العميل".
جاء ذلك في حديث أدلى به الشيخ الحقيل لـ"الوطن"، أجاب خلاله على العديد من التساؤلات التي تشغل المهتمين بالميدان القضائي والمواطنين. كما تطرق إلى جدلية تنفيذ أحكام القضاء الإداري في الوقت الذي يباشر القضاء العام تنفيذ أحكامه بنفسه، وهل هنالك إخلال بهيبة القضاء الإداري إن لم تُنفذ الأحكام ضد الجهات الحكومية خاصة، مرورا بإيضاح حقيقة اتهام القضاة بالانحياز وعدم قدرتهم على ذلك حاليا لمرور القضية بدرجات التقاضي الثلاث.
وفيما يلي نص الحديث:
كم تُقدر نسبة الأحكام المُنفذة؟
تتجاوز نسبتها 99.5% من إجمالي الأحكام النهائية بعدما حكمت بها الدوائر القضائية بديوان المظالم، فالأصل هو تنفيذ الأحكام النهائية بالجملة، وما لم ينفذ منها قليل لا يكاد يذكر مقارنة بما تم تنفيذه، وعلى المتضرر أن يلجأ للمقام الكريم إذا لم تنفذ الجهة الإدارية للتحقق من أسباب عدم التنفيذ ومعالجته.
وهل يجوز قضائيا أن يتدخل ديوان المظالم في تنفيذ الأحكام التي تصدرها دوائره القضائية ضد الجهات الحكومية أو غيرها؟
لا يجوز لديوان المظالم التدخل في تنفيذ الأحكام التي تصدرها محاكمه، لأن مهمة القضاء تتمثل في فصل الخصومات أما القضاء التجاري فهناك قضاء التنفيذ بالمحاكم العامة الذي يتولى تنفيذ هذه الأحكام حالياً.
وإلامَ ترجع أسباب الضجة التي تثور حول عدد من القضايا غير المنفذة؟
يمكن إرجاعها في حال وجودها إلى الاستغراب من عدم التنفيذ للأحكام النهائية واجبة النفاذ لأن الأصل والواجب هو تنفيذها، في الوقت الذي لا يُعلم فيه شيء عن الأحكام الكثيرة المنفذة، لعدم وجود أي شكوى حولها.
إن لم يُمكِّن "المظالم" المحكوم لصالحه من تنفيذ الحكم، فمن مرجعه في التنفيذ؟
وفقاً للنظام الأساسي للحكم فالملك أو من ينيبه معنيون بتنفيذ الأحكام النهائية واجبة النفاذ، وفيما يتعلق بالأحكام الإدارية فإن الجهة الإدارية خصم شريف ولا يتصور عدم تنفيذها لهذه الأحكام.
وماذا عن إضرار عدم تنفيذ الأحكام ضد الجهات الحكومية - تحديداً- بهيبة القضاء الإداري في "ديوان المظالم"؟
لاشك أن عدم تنفيذ الأحكام القضائية يمس هيبة القضاء في الدولة؛ لأنه لا ثمرة لقضاء لا نفاذ لأحكامه, إلا أن القضاء الإداري وفقاً لنظامه تنتهي ولايته بعد النطق بالحكم.
وإلام ترجع مباشرة القضاء العام لتنفيذ أحكامه عبر "قضاة تنفيذ" والقضاء الإداري لا يباشر التنفيذ؟
يمكنني أن أوضح أن هنالك لبسا عند الناس بين طبيعة القضاء الإداري والقضاء العام، فيمكن للقضاء العام تولي مهمة تنفيذ الأحكام لكونه قضاءً مدنياً يمكنه إحضار الفرد المحكوم ضده بالقوة الجبرية، وإلزامه بالحكم، حتى لو لزم الأمر سجن المحكوم ضده أو حتى إغلاق مؤسسته، أو الحجز على أرصدته لصالح المحكوم له، لكن هذه الصورة لا تنطبق في القضاء الإداري، إذ لا يُتصوّر أن يُحضر الوزير أو رئيس المؤسسة العامة بالقوة الجبرية، أو تغلق الوزارة أو المؤسسة العامة، أو يحجز على أموالهما لتنفيذ حكم صادر ضدهما من القضاء الإداري. وربما يرجع هذا اللبس لدى الناس إلى تولّي ديوان المظالم للقضاء التجاري وبعض اختصاصات القضاء الجزائي رغم أنهما أصلاً يقعان ضمن القضاء المدني (العام)، إلا أن اللبس سيزول بعد نقل هذه الاختصاصات للقضاء العام.
علاقة "المظالم" بالأجهزة
كيف يضبط "المظالم" ميزان العدالة بين مصالحه المالية والوظيفية مع جهات حكومية أخرى كوزارتي المالية والخدمة المدنية، في حال كانت هذه الجهات طرفاً في إحدى القضايا الماثلة أمام القضاء الإداري بالديوان؟
قطعاً فإن التعاملات الإدارية والبنود المالية لا يمكن أن تمسّ الشأن القضائي أبداً، هنالك فصل تامْ، فقضاة الدوائر الإدارية يتهيؤون ويُهَّيؤون للفصل في أي دعوى ضد أي جهة، دون النظر لأي اعتبار آخر. وهم بعيدون نهائياً عن الشأن الإداري والتعامل مع الوزارات المعنية بالشأن المالي والوظيفي للديوان، وقد صدرت أحكام ضد وزارتي المالية والخدمة المدنية، حتى وإن كان ترتيب ميزانية الديوان من قبل المالية، وتربطه مصالح وظيفية مع وزارة الخدمة المدنية، فذلك شأنٌ آخر يختلف عن الشأن القضائي.
وإن كانت الدعاوى ضد الديوان؟
هنالك قضايا تنظر في محاكم الديوان ضد رئاسة الديوان، وسبق أن صدر ضد الديوان أكثر من حكم قبل وبعد رئاستي للديوان ونفذها الديوان فور تبلغه بها، ذلك أن الحق والعدل ضالة المؤمن أنّى وجدها أخذها، ومتى صدر حكمٌ نهائي فلا مناص من التنفيذ، إذا أدركنا في رئاسة الديوان، أو في الجهات الحكومية الأخرى يجب أن نتمتع بشرف الخصومة مع المدعين، فنحن رئاسة ترعى مصالح القضاة وتهيئ لهم الأمر ليقضوا بعدل، لكن لا تتدخل في قضائهم أبداً. فنحن ننفذ الأحكام الصادرة ضد الديوان ولا يمكن أسمح لنفسي بالتحدث مع قاض ينظر قضية ضد جهازنا لإخلاله بالواجب النظامي واستغلاله للسلطة.
وهل تُشكل عملية التقاضي فرقا إن كان الحكم صادرا لصالح أو ضد جهة حكومية ما؟
لا يختلف الأمر في قضاء الديوان أن يكون الحكم لصالح الأجهزة الحكومية أو ضدها، فمهمة القضاء الإداري التحقق من مشروعية تصرف الجهة الإدارية المدعى عليها والحكم على ضوء القواعد المقررة في هذا الخصوص بما لا يخرج عن نطاق الدعوى وإذا تضمن الحكم إلى ما يشير إلى حدوث فعل يشكل حدوث جريمة جنائية أو تأديبية تبلغ جهة التحقيق المختصة بصورة من الحكم لاتخاذ ما يلزم نظاماً.
انحياز القاضي
ماذا عن اتهامات القضاة بالانحياز إلى أحد طرفي الدعوى؟
هذا الأمر لا يتصور وجوده في الوقت الحاضر؛ لأن القضاء أصبح قضاء مؤسسياً يجوز فيه الطعن في الأحكام أمام الدرجة القضائية الأعلى، والحقيقة أن هذا الكلام يتناقله الناس منذ القدم، حيث كان القاضي هو الحاكم وحده في النزاع، ولا رقيب عليه سوى الله سبحانه وتعالى. ولأن أغلب الناس لا يقتنعون بما يصدر ضدهم من أحكام، ويعتقدون أن القاضي انحاز ضدهم بمجرد النطق بحكمه لغير صالحهم.
أما الآن فالمجال لا يسمح بأن ينحاز القاضي مع أحد طرفي الدعوى، فالقضاء على درجتين "ابتدائية، استئناف"، وفوقهما المحكمة العليا، وبالتالي فإن عملية النظر في القضية ليست محصورة على قاضٍ بعينه، إذ هنالك من يعقّب على حكمه ويفحصه، وإن تبيّن فيه ميل، مقصود أو غير مقصود، أُعيد له التوازن وفق أحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة المرعية. فضلاً عن أن الأحكام في محاكم درجة الاستئناف والمحكمة العليا تنسب إلى دوائر مشكلة من أكثر من قاضٍ وليس لقاضٍ بعينه, وفي محاكم الدرجة الابتدائية سيكون القضاء كذلك في أغلبه. كما أن التفتيش القضائي يتحقق من مدى كفاية القضاة في أدائهم الوظيفية من خلال ما يصدرونه من أحكام؛ لأن كتابة الحكم تستلزم تحرير واقعة الدعوى وبيان الأسباب الشرعية والنظامية بطريقة منطقية تؤدي إلى الوصول إلى منطوق الحكم.
وإن كنتُ لا أقول بعصمة القضاة، فهم مثل غيرهم بشر، يخطئون ويصيبون, لكن الرقابة عليهم لا تسمح بأي انحياز، خاصة مع وجود معايير منضبطة تؤدي إلى اختيار أصحاب التأهيل العلمي والكفاءة والجدارة المهارية؛ بالإضافة إلى الورع والتقوى والبعد عن الشبهات لتولي القضاء.
تأديب القضاة
وهل وصلت إلى طاولة الرئيس شكاوى ضد القضاة منذ قيادتكم للقضاء الإداري؟
لا تنسَ أن لدينا حوالي 400 قاضٍ، ومع ذلك لم تبلغ الشكاوى التي وصلتني ضدهم سوى 12 شكوى خلال ما يقارب العشرين شهراً، وهذا عددٌ متدنٍ في فترة كهذه، ويتم التعامل مع الشكاوى بالتحقق من مما نسب للقضاة وكونه مخالفات، واتخاذ اللازم فيها نظاماً، وغالبية الشكاوى تنتج عن سوء فهم، أما التي تمسْ نزاهة القضاء فيتم التعامل معها عن طريق التفتيش، فالقضاء وفقاً للتنظيمات الحديثة ينظّف نفسه بنفسه، والقضاء شرف وعرض الدولة فيجب أن يكون دائما نظيفاً نزيهاً، ومما يُروى عن الزعيم البريطاني تشرشل أنه بعد الحرب العالمية الثانية واستشراء الفساد في أجهزة الدولة، سأل عن القضاء، فلما قيل له: إنه سليم، تنفس الصعداء وقال: إذاً بريطانيا بخير!!.
بالإضافة إلى ذلك كله، وفي شأن الشكاوى التي تقدم من عملاء الديوان ضد القضاة في مسائل تتعلق بما يدور في الجلسات القضائية، فبإذن الله لن يستطيع أحد مستقبلاً الزعم أو الادعاء على القضاة أنهم خالفوا إجراء أو يتهمهم بالغلظة معه أو طرده من مجلس القضاء أو الانشغال عنه إذ اعتمد مجلس القضاء الإداري استعمال التقنية الحديثة في تصوير الجلسات في محاكم الديوان "صوت وصورة" لقطع دابر مثل هذه الادعاءات، وبذلك نستطيع التحقق من صحة هذه الشكاوى، والجميل في الأمر أن قضاتنا الأجلاء قد رحّبوا بذلك لتحقيقه لمبدأ علانية الجلسات، والشفافية التي ينتهجها الديوان في أعماله، مع أن الأصل في إجراء التصوير هو توثيق الجلسات صوتاً وصورة؛ تحقيقاً للاستفادة المثلى من التقنيات الحديثة في هذا المجال.
وهل صدر حتى الآن عقوبات من أي نوع ضد أي قاض؟
لم يصدر خلال رئاستي لديوان المظالم أي عقوبات تأديبية على القضاة حتى الآن، وأتمنى ألا يصدر أي عقوبة. وحتى في حال الصدور؛ فإنه لا يتم الإعلان عنها؛ لأن نظام القضاء نص على أن تتم الإجراءات التأديبية؛ بما في ذلك القرارات الصادرة بالعقوبة بسرية. وهذا لا يعني عدم الجدية في محاسبة المقصر واتخاذ الإجراءات عندما يقتضي الأمر ذلك وفق ما نص عليه النظام. ولا شك أن قصد المنظم من ذلك هو عدم التأثير سلباً على صورة القضاء في أعين الناس، وألا يفقدهم ذلك الثقة في الركن الركين الذي يلجؤون إليه عند وقوع الظلم عليهم، وهي ثقة موجودة الآن ولله الحمد ويجب أن تبقى كذلك وأفضل.
هل تعني أنكم بذلك تتجنبون أي بلبلة أو شكوك يُمكن أن تثار حول قاض معين بالإعلان عن تأديبه؟
بالطبع، فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته، خاصة أن ذلك يُحدثُ شكوكاً تجاه القاضي، وقد يرميه في سلوكياته، مما يؤثر سلباً عليه عند نظره أي قضية، ومن الممكن أن يشكّك في صحة وعدالة أحكامه أيضاً، ثم إنه قد يتبين فيما بعد أن التهم التي رُمي بها باطلة وليس لها أساس.
تسرب القضاة واستقطابهم
وماذا عن تسرب القضاة من السلك القضائي الإداري، وتحولهم إلى مهن أخرى كالمحاماة وغيرها، إلام ترجع ذلك؟
تسرب القضاة قليل جدا لدينا، ويعود ذلك ـ وفق ما رصدناه في الواقع ـ إلى الظروف الشخصية لكل واحد.
بالمقابل، كيف يستقطب القضاء الإداري القضاة الأكفاء؟
عملية الاختيار تتم من خلال لجنة مشكلة من عدد من القضاة في ديوان المظالم، تمت تهيئتهم لمقابلة المتقدمين شخصيا، وأخضعوا لبرامج تدريب عديدة في فن المقابلة الشخصية ومعايير الاختيار، نتج عنها وضع معايير صارمة لاختيار الأكفأ والأجدر علمياً ومهارياً ونفسياً، والتأكد من أهلية المتقدم للانضمام للسلك القضائي، كما يخضع المتقدم أولاً لاختبار عملي في واقعة من الناحية القضائية قبل الدخول للمقابلة الشخصية، فالقضاء ولاية عظيمة يجب بذل الوسْع في اختيار من يتولاها براءة للذمة أمام الله سبحانه وتعالى، وأمام ولاة الأمر حفظهم الله، فلا يبتلى القضاء بمن ليس أهلاً له، ولا يبتلى الشخص الذي لا يحسن بالقضاء، فنكون بذلك ألحقنا الضرر بالقضاء والعدل، وبذممنا وما تولّيناه من أمانة، وألحقنا الضرر كذلك بالرجل وحمّلناه فوق طاقته، إذاً المسألة قدرة وتأهيل وكفاءة وجدارة وحاجة ماسّة للأكفاء الجديرين فقط.
وهل هنالك أولوية لخريجي الشريعة من جامعة معينة على أخرى؟
ليس لدى الديوان أولوية لخريجي كلية شريعة في جامعة معينة على غيرها، ولا يعنيه انتماء الخريج المتقدم أو منطقته أو قبيلته أو أسرته. فقط المهم هو اختيار الصالح الكفء من الأشخاص؛ بغض النظر عن أصله وأسرته ومنطقته.
ولكن مستوى خريجي الجامعات يختلف؛ إذ توجد جامعات أو كليات لديها أساليب عملية متقدمة أو كفاءات علمية رائدة تجعل خريجيها أفضل من غيرهم، وبذلك يتم اختيارهم مع أنهم من مناطق مختلفة ويقبلهم القضاء دون تفريق، إذا الضابط هو الكفاءة والجدارة.
وإذا كان يقال: من الإحصائيات ينبغي أن يكون لكل 26 ألف مواطن ومقيم على مستوى الدولة قاضٍ واحد، فأنا أقول: يجب أن يكون القاضي هو أعلى النخبة المُنتقى من 26 ألف مواطن، فإذا لم يستطع الصبر على الناس وتحملهم ومراعاتهم فهو في نظري "غير كفؤ لتولي القضاء".
تأجيل القضايا
تأجيل القضايا وتأخيرها.. من الذي يقف خلف هذه المشكلة؟
يشكّل أطراف الدعاوى 60% من أسباب التأجيل، فكل واحد يؤجل من باب العجز عن تقديم البينة، أو المماطلة لطلب الصلح أو غيره، أو المماطلة لمكايدة خصمه، ولدينا أناس يتفننون في المماطلة بالقضايا وتعذيب خصومهم فلا يأتي للقضاء حتى تأتي به الشرطة جبراً.
والقضاة هنا يتحملون الخطأ إذا استجابوا لطلبات التأجيل، لكن دورهم في هذه المشكلة محدود، ويشاركهم في التسبب بالتأخير أيضاً دور الخبرة أو الخبراء، وكذلك الموظفون وما يصدر عنهم من تصرفات نتيجة التعامل البيروقراطي "راجعنا بكرة"، إلى جانب ظروف خارجية مختلفة للقضية.
وكيف عالجتم ذلك؟
بدأنا بمتابعة قضايا لم تنجز قبل عام 1425 والتعقيب عليها لإنجازها دون انتظار أصحابها ليطالبوا بالإنجاز؛ بينها تصفية شركات، ووجدنا أن الخصوم أنفسهم غير مهتمين بطول بقائها. كما طالبتُ القضاة في أكثر من مناسبة بعدم منح أطراف النزاع فترة للصلح في القضية أكثر من أسبوع أو عشرة أيام وبعدها يحفظ الملف؛ حتى لا يُحمّل ناظر القضية عبء تأخير القضية.
كما كان للديوان موقف من تأجيل القضايا قبل خمس سنوات بإلزام الخصم بالحضور في القضاء التجاري من خلال: منعه من السفر، أو إيقاف معاملاته بالحاسب الآلي، أو الحجز على أرصدته في البنوك، وبتنفيذ ذلك يحضر الطرف المماطل بنفسه مجبراً. ولكل قاضٍ صلاحية مثل ذلك، لكن بعض القضاة لديهم ملاحظات وأسلوب آخر بسبب قناعتهم بوجود إجراءات نظامية بديلة بإصدار حكم غيابي حتى يأتي الطرف المماطل، ولا تهمني الطريقة بقدر أن المهم أن يعمل الجميع لإنجاز ما لديهم من قضايا.
قصور الوعي الحقوقي
وما تأثير قصور الوعي الحقوقي عند الناس على تعطيل إجراءات التقاضي أو زيادة أعداد القضايا؟
نعاني من هذه المسألة بنسبة كبيرة جدا، ونعوّل على جامعاتنا الكثير، وعلى أجهزتنا الإعلامية لنشر هذه الثقافة والوعي لتقل القضايا والمنازعات.
فيما يتعلق بتدريب القضاة.. علام تستهدفون من خلال تدريبهم؟
البرامج التدريبية التي أقامها الديوان لمنسوبيه تهدف إلى تهيئتهم لتقبل التغيير وإيجاد بيئة فكرية خلاقة تتفاعل مع التغيير والتطوير دون المساس بالثوابت.
وما نسبة تطور أداء القضاة بعد اجتيازهم للبرامج التدريبية؟
زاد معدل إنجاز القضاة بعد تدريبهم هذا العام بنسبة تتراوح ما بين 10- 15% مقارنة بالعام الماضي، رغم زيادة عدد القضايا، ورغم ارتباط القضاة والموظفين ببرامج تدريبية. وحاليا نسعى إلى تدريب 96 قاضياً شاباً تدريباً عالياً بعد تعيينهم هذا العام، ومن أهم ميزات هذا التدريب اختصار سنوات الخبرة، وملء الشواغر لدينا، إلا أننا لا نستغني بأي حال من الأحوال عن قضاتنا الكبار الذين نعتبرهم السند الحقيقي والعمق الكبير والمصدر الخبير لقضاة الديوان وقضائه.
وهل ارتباط القضاة بجدولة البرامج التدريبية التي وصلت إلى 120 برنامجا خلال عام واحد يعيق العمل القضائي؟
أبداً لا يعيقه بل يدفعه للأمام، فهنالك برمجة لمواعيد الجلسات القضائية تبعاً لمواعيد البرامج التدريبية للقضاة؛ بحيث لا تؤثر على سير القضايا. وما يقال أحياناً عن حضور البعض للمحكمة الإدارية وعدم وجود القاضي فهو ناتج عن الحضور في غير المواعيد المحددة للجلسات, والتي لا يجوز الحضور في غيرها, أو يكون التبليغ بالموعد الجديد لم يصل لأحد أطراف الدعوى.
تغيير ثقافة العمل القضائي
هنالك رصد لخطوات متسارعة وجريئة في إجراءات العمل داخل أروقة "المظالم"، هل سنشهد خطوات أجرأ في تغيير مفهوم العمل القضائي من خلالكم؟
لا يوجد لدينا جرأة على الثوابت، بل لدينا جرأة على ما دون الثوابت وهي الإجراءات، وسنكون في ديوان المظالم أجرأ وأجرأ ولن نتردد في ذلك. والدعم لنا في هذا المسار واضح من لدن خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين والنائب الثاني حفظهم الله جميعاً، فتوجيهات ولاة الأمر أيدهم الله ـ هي تقديم الخدمة بأيسر وأرقى الطرق للعملاء.
نقاط مضيئة
• استقبل رئيس ديوان المظالم "الوطن" ببساطة تعاملٍ ومظهرٍ عمليّ، فيما عكس مظهر مكتبه الزجاجي شفافية الثقافة الإدارية التي يقود بها الديوان، فهو يتابع ما يحدث حوله بوضوح، كما يظهر للآخرين بنفس الشفافية.
• أجري الحوار بحضور رئيس تحرير "الوطن" المكلف جاسر الجاسر.
• استمر حديث رئيس ديوان المظالم إلى "الوطن" أكثر من ساعتين، لم يتردد خلالهما في الرد على أسئلة الزميلة فداء البديوي و"استفزازاتها" أحيانا، كما تميز حديثه بـ " الأخوية والبساطة".
المصدر : جريدة الوطن