الزغيبي
12-01-2011, 08:12 PM
قضايا وأحكام
( 3 )
تطبيق قاعدتي المباشرة والتسبب، والتعدي والتفريط في حادث صدم
المقدمة :
إن الحمد لله نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمد عبده ورسوله – صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً – أما بعد :
فتشكل قضايا حوادث السيارات نسبة غير قليلة من القضايا التي تنظرها المحاكم الشرعية ، ويستغرق نظرها في الغالب وقتاً غير يسير . أما السبب في عدم قلتها ، فكثرة حوادث السيارات ، والسبب في استغراقها وقتاً غير يسير ليس سبباً واحداً ؛ بل هو مجموعة من الأسباب :
الأول : عدم العناية بالتحقيق في كثير من حوادث السيارات، ممّا يؤدي إلى ضياع أدلة وقرائن هامة قد يتوقف الفصل في القضية عليها ؛ فضلاً على أن هناك تجاهلاً شبه تام لأخذ أقوال شهود الحادث وعناوينهم لسماع ما لديهم عند توقف الفصل في القضية على ذلك . يضاف إلى ذلك عدم العمل في حالات كثيرة بتعميم وزير الداخلية رقم16/66946، وتاريخ 13/10/1418هـ المتضمن تقدير قيمة السيارة قبل الصدم وبعده بواسطة أهل الخبرة لمعرفة مقدار النقص، تمشياً مع ما هو مقرر شرعا (1) .
الثاني : عدم تسمية الإصابات الواردة بالتقارير الطبية ، والناتجة عن حوادث السيارات بأسمائها الشرعية ممّا يؤدي إلى الأخذ والرد فيها رغم تكليف الأطباء الذين يكتبون تقارير طبية أن يسموا الجراح والشجاج بأسمائها الفقهية (2) .
الثالث : قلة المراجع الفقهية المتخصصة في حوادث السيارات ، حيث تقتصر المصادر التي يرجع إليها القضاة في حوادث السيارات - في الأغلب على حد علمي – على ثلاثة :
1- كتب الفقهاء السابقين ، والتي ذُكر فيها بعض أحكام حوادث آلات النقل والمواصلات في وقتهم، ورغم محدودية الصور، واختلاف وسائل النقل ؛ إلا أن الفائدة ممّا سطروه ظاهرة، وذلك بتخريج حوادث الوسائل الجديدة على نظائرها من حوادث وسائل النقل القديمة ، وتطبيق ما قرروه من أصول وقواعد على الصور المستجدة .
2- بحث حوادث السيارات ، وبيان ما يترتب عليها بالنسبة لحق الله وحق عباده . إعداد : اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (3) ، والذي ذكر فيه بعض صور حوادث السيارات .
3- مجموع فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم – رحمه الله- (4) ، والتي ذُكر فيها بعض صور حوادث اصطدام السيارات ؛ إذا كان التلف في المال لا في النفس ، وقليل من صور دعس الحيوان في كتاب الغصب ، وقليل من صور الدعس والانقلاب والسقوط في كتاب الجنايات ، وبعض صور قضايا الدعس والانقلاب والسقوط في كتاب الديات .
وفيما يلي استعرض قضية صدم نظرتها في المحكمة العامة بمحافظة الزلفي متحدثاً عن مراحلها ومشيراً إلى أهم مسائلها.
المرحلة الأولى : الدعوى والإجابة .
أولاً : الدعوى .
في حوالي الساعة الثانية ظهراً ، وأثناء عبور ابني البالغ من العمر عشر سنوات للطريق العام شمال المدينة متجهاً من الشمال إلى الجنوب قام المدعى عليه ، والذي كان يقود سيارة بسرعة جنونية ، وعدم انتباه قادماً من الغرب إلى الشرق بصدمه ؛ حيث ضربت المرآة اليسرى للسيارة رأس ابني ، وقد نتج عن الحادث إصابة ابني بشجة دامغة ، وضمور دماغي عام أدى إلى فقدان ابني للحواس والمنافع التالية :
1- العقل . 2 - البصر . 3- السمع .
4- الشم . 5 - الذوق . 6- الكلام .
7- استمساك البول . 8 - استمساك الغائط . 9- القدرة على المشي .
10- القدرة على تحريك اليدين . 11- القدرة على الأكل .
كما أدت الإصابة إلى عدم تمكن ابني من التنفس بصورة طبيعية ، ودعت الحاجة إلى إحداث فتحة في القصبة الهوائية يتنفس منها بصورة دائمة .
اطلب إلزام المدعى عليه بدية الحواس والمنافع المذكورة، وبالمقدر شرعاً في الشجة الدامغة، وبأرش الفتحة بالقصبة الهوائية ، وأرش نقص منفعة التنفس .
س :- .....................................؟ .
ج :- لا أدري صفة عبور ابني للطريق ؛ هل كان يمشي ، أو يركض.
ثانياً : الإجابة .
ما ذكره المدعي بخصوص الحادث المذكور في دعواه فصحيح زماناً ومكاناً ، وقد خرج ابن المدعي فجاءة من بين شجر ونخل كانت على الرصيف الأوسط للطريق يعدو بشدة باتجاه الجنوب دون أن يلحق به أحد ، فحاولت تفاديه بالاتجاه لليمين ، فاصطدم جسده بجانب السيارة الأيسر ، واصطدمت مرآة السيارة اليسرى ، التي تحت قيادتي برأسه ، وقد أصيب ابن المدعي في رأسه ، ولا أعلم نوع الإصابة التي لحقت به ، ولا أعلم هل نتج عنها شيء ممّا ذكر المدعي ، أم لا ؟ وكنت قبيل الحادث منتبهاً وأقود السيارة بسرعة معتدلة ، ولا أوافق على ما طلبه المدعي ولاية.
س :- .....................................؟ .
ج :- قمت باستخدام المكابح ؛ إلا أن المسافة كانت قصيرة ، وخروجه كان مفاجئاً.
س :- .....................................؟ .
ج :- نعم لدي رخصة قيادة .
س :- .....................................؟ .
ج :- كانت سرعتي عند الحادث ثمانين كيلاً في الساعة .
المرحلة الثانية : البينات .
سألت المدعي ولاية ألديك بينة على ما ذكرته من أن المدعى عليه كان يقود السيارة عند الحادث بسرعة جنونية ، وعدم انتباه ؟ .
فأجاب بقوله : لا بينة لدي .
فسألته : ألديك بينة على ما ذكرته من إصابة ابنك بشجة دامغة ، وفقده للحواس والمنافع المذكورة في دعواك ؟ ونقص منفعة التنفس ؟ .
فأجاب بقوله : نعم لدي التقارير الطبية المرفقة بالمعاملة , واطلب الرجوع إليها .
فسألت المدعى عليه ألديك بينة على ما ذكرته من خروج ابن المدعي فجأة يعدو بشدة عابراً للطريق؟
فأجاب بقوله : لا بينة لدي .
وبدراسة المعاملة وجدت فذلكة التحقيق المتضمنة إدانة السائق بنسبة 50./0 خمسين بالمائة للسرعة التي كان يقود بها السيارة ، وعدم أخذ الحيطة والحذر . وإدانة الآخر بالنسبة المتبقية لعدم الانتباه أثناء عبوره الطريق ، والتطامه بالجانب الأيسر من السيارة .
ثم وردت إفادة جهة التحقيق المتضمنة أن السرعة القصوى للطريق الذي وقع فيه الحادث تبلغ خمسين كيلاً في الساعة .
كما وجدت في المعاملة صوراً للسيارة ، ومكان وقوع الحادث صورت بعد حجز السيارة لدى جهة التحقيق ، ونقل المصاب إلى المستشفى تظهر بقعتي دم على الإسفلت ، ونخل وأشجار على الجزيرة الوسطى للطريق ، كما تظهر المرآة اليسرى للسيارة ، وقد انكسرت من قاعدتها ممّا يدل على شدة الصدمة ؛ إلا أنه لم يظهر في الصور أي أثر على الإسفلت يدل على استخدام الكوابح .
وقد جرى الوقوف على موقع الحادث ، وتحديد مكان استقرار ابن المدعي على الطريق بعد الحادث بتحديد موضع بقعتي الدم ، وأوجد ذلك شعوراً قوياً بأن هناك محاولة جادة لتفادي الحادث .
كما ظهر أن الشجر والنخل تمنع الرؤية إلى حدّ ما ؛ لكن بعد قيادة السيارة بسرعة ثمانين كيلاً أصبح من المتعذر تمييز أحد يقف بين النخل والشجر.
كما وجدت في المعاملة عدداً من التقارير الطبية التي تتفق بمجموعها مع ما ذكره المدعي ، وتضمن بعضها أن حالة ابن المدعي مستقرة ، وأن إصابته دائمة ، وأن إمكانية الشفاء منعدمة ، وجاء في بعضها تقدير نقص منفعة التنفس بالنصف .
المرحلة الثالثة : تسبيب الحكم .
تقدم الحكم في هذه القضية تسبيباً له اشتمل على ملخص للدعوى ، والطلبات ، والإجابة ، والوقائع المؤثرة ، والأدلة ، وتقرير عدد من المسائل ، التي يتوقف الحكم عليها ، وفيما يلي إشارة لهذه المسائل ، ومسائل أخرى تقتضيها الحال .
المسألة الأولى :
ماذا نسمي الحادث المذكور في الدعوى ؟ هل نسميه ، حادث صدم ، أم حادث دعس ، أم حادث دهس؟
أولاً :- الصدم :
قال ابن فارس : (( الصاد والدال والميم كلمة واحدة ، وهي الصَّدم ، وهو ضرب الشيء الصلب بمثله)) (5) .
وقال ابن منظور : (( الصدم ضرب الشيء الصلب بشيء مثله، وصدمه صدماً ضربه بجسده))(6) .
ثانياً : الدعس :
قال ابن فارس : (( الدال والعين والسين أصيل . وهو يدل على دفْع وتأثير ))(7) .
فالمداعسة : المطاعنة ؛ لأن الطاعن يدفع المطعون ، والدَّعس : النكاح ، والدعس : الأثر ، والمدعوس من الأرض : الذي كثر به الناس ، ورعاه المال حتى أفسده(8) .
ثالثاً : الدهس :
قال ابن فارس : (( الدال والهاء والسين أصل واحد يدل على لين في مكان ))(9) ،فالدهس المكان اللين ، والدهس الأرض السهلة يثقل فيها الشيء(10) .
المسألة الثانية :
بين التفريط والتعدي .
أولاً : التفريط .
التفريط لغة :
(( الفاء والراء والطاء أصل صحيح يدل على إزالة شيء عن مكانه ، وتنحيته عنه ))(11) . يقال : أفرط : إذا تجاوز الحدّ في الأمر . وإيّاك والفرط : أي لا تجاوز القدر . وأفرط في الأمر أسرف . والإفراط : الزيادة على ما أمرت . والتفريط : التقصير (12).
. وقد وضع البهوتي ضابطاً للتفريط في حـادث اصطـدام سفينتين فقال : (( التفريـط أن يكون قـادراً
على ضبطها ، أو ردها عن الأخرى فلم يفعل ، أو أمكنه أن يعدلها إلى ناحية أخرى لا صدم معها فلم يفعل ، أو لم يكمِّل القيِّم آلتها))(13).
ثانياً : التعدي .
التعدي لغة :
قال ابن فارس : (( العين والدال والحرف المعتل أصل واحدٌ صحيح يرجع إليه الفروع كلها ، وهو يدل على تجاوز في الشيء )) (14).
والتَّعَدِّ : مجاوزة الشيء إلى غيره . وقال الخليل : التعدي : تجاوز ما ينبغي أن يقتصر عليه. والمعتدي : المجاوز ما أمر به(15).
والتعدي اصطلاحاً : أن يفعل ما ليس له فعله (16) .
وعرفه د0 محمد بوساق بأنه : (( تجاوز الحق ، أو ما يسمح به الشرع ))(17).
إذا تقرر هذا فإن المدعى عليه متعدي بسرعته البالغة ثمانين كيلاً في الساعة في طريق حددت السرعة القصوى فيه بخمسين .
كما أن ابن المدعي ، والذي جاوز حدّ التمييز مفرط لخروجه إلى الطريق العام دون التثبت من خلوه من السيارات احتياطاً لنفسه وغيره .
وكتبه :
إبراهيم بن صالح الزغيبي
1/3
( 3 )
تطبيق قاعدتي المباشرة والتسبب، والتعدي والتفريط في حادث صدم
المقدمة :
إن الحمد لله نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمد عبده ورسوله – صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً – أما بعد :
فتشكل قضايا حوادث السيارات نسبة غير قليلة من القضايا التي تنظرها المحاكم الشرعية ، ويستغرق نظرها في الغالب وقتاً غير يسير . أما السبب في عدم قلتها ، فكثرة حوادث السيارات ، والسبب في استغراقها وقتاً غير يسير ليس سبباً واحداً ؛ بل هو مجموعة من الأسباب :
الأول : عدم العناية بالتحقيق في كثير من حوادث السيارات، ممّا يؤدي إلى ضياع أدلة وقرائن هامة قد يتوقف الفصل في القضية عليها ؛ فضلاً على أن هناك تجاهلاً شبه تام لأخذ أقوال شهود الحادث وعناوينهم لسماع ما لديهم عند توقف الفصل في القضية على ذلك . يضاف إلى ذلك عدم العمل في حالات كثيرة بتعميم وزير الداخلية رقم16/66946، وتاريخ 13/10/1418هـ المتضمن تقدير قيمة السيارة قبل الصدم وبعده بواسطة أهل الخبرة لمعرفة مقدار النقص، تمشياً مع ما هو مقرر شرعا (1) .
الثاني : عدم تسمية الإصابات الواردة بالتقارير الطبية ، والناتجة عن حوادث السيارات بأسمائها الشرعية ممّا يؤدي إلى الأخذ والرد فيها رغم تكليف الأطباء الذين يكتبون تقارير طبية أن يسموا الجراح والشجاج بأسمائها الفقهية (2) .
الثالث : قلة المراجع الفقهية المتخصصة في حوادث السيارات ، حيث تقتصر المصادر التي يرجع إليها القضاة في حوادث السيارات - في الأغلب على حد علمي – على ثلاثة :
1- كتب الفقهاء السابقين ، والتي ذُكر فيها بعض أحكام حوادث آلات النقل والمواصلات في وقتهم، ورغم محدودية الصور، واختلاف وسائل النقل ؛ إلا أن الفائدة ممّا سطروه ظاهرة، وذلك بتخريج حوادث الوسائل الجديدة على نظائرها من حوادث وسائل النقل القديمة ، وتطبيق ما قرروه من أصول وقواعد على الصور المستجدة .
2- بحث حوادث السيارات ، وبيان ما يترتب عليها بالنسبة لحق الله وحق عباده . إعداد : اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (3) ، والذي ذكر فيه بعض صور حوادث السيارات .
3- مجموع فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم – رحمه الله- (4) ، والتي ذُكر فيها بعض صور حوادث اصطدام السيارات ؛ إذا كان التلف في المال لا في النفس ، وقليل من صور دعس الحيوان في كتاب الغصب ، وقليل من صور الدعس والانقلاب والسقوط في كتاب الجنايات ، وبعض صور قضايا الدعس والانقلاب والسقوط في كتاب الديات .
وفيما يلي استعرض قضية صدم نظرتها في المحكمة العامة بمحافظة الزلفي متحدثاً عن مراحلها ومشيراً إلى أهم مسائلها.
المرحلة الأولى : الدعوى والإجابة .
أولاً : الدعوى .
في حوالي الساعة الثانية ظهراً ، وأثناء عبور ابني البالغ من العمر عشر سنوات للطريق العام شمال المدينة متجهاً من الشمال إلى الجنوب قام المدعى عليه ، والذي كان يقود سيارة بسرعة جنونية ، وعدم انتباه قادماً من الغرب إلى الشرق بصدمه ؛ حيث ضربت المرآة اليسرى للسيارة رأس ابني ، وقد نتج عن الحادث إصابة ابني بشجة دامغة ، وضمور دماغي عام أدى إلى فقدان ابني للحواس والمنافع التالية :
1- العقل . 2 - البصر . 3- السمع .
4- الشم . 5 - الذوق . 6- الكلام .
7- استمساك البول . 8 - استمساك الغائط . 9- القدرة على المشي .
10- القدرة على تحريك اليدين . 11- القدرة على الأكل .
كما أدت الإصابة إلى عدم تمكن ابني من التنفس بصورة طبيعية ، ودعت الحاجة إلى إحداث فتحة في القصبة الهوائية يتنفس منها بصورة دائمة .
اطلب إلزام المدعى عليه بدية الحواس والمنافع المذكورة، وبالمقدر شرعاً في الشجة الدامغة، وبأرش الفتحة بالقصبة الهوائية ، وأرش نقص منفعة التنفس .
س :- .....................................؟ .
ج :- لا أدري صفة عبور ابني للطريق ؛ هل كان يمشي ، أو يركض.
ثانياً : الإجابة .
ما ذكره المدعي بخصوص الحادث المذكور في دعواه فصحيح زماناً ومكاناً ، وقد خرج ابن المدعي فجاءة من بين شجر ونخل كانت على الرصيف الأوسط للطريق يعدو بشدة باتجاه الجنوب دون أن يلحق به أحد ، فحاولت تفاديه بالاتجاه لليمين ، فاصطدم جسده بجانب السيارة الأيسر ، واصطدمت مرآة السيارة اليسرى ، التي تحت قيادتي برأسه ، وقد أصيب ابن المدعي في رأسه ، ولا أعلم نوع الإصابة التي لحقت به ، ولا أعلم هل نتج عنها شيء ممّا ذكر المدعي ، أم لا ؟ وكنت قبيل الحادث منتبهاً وأقود السيارة بسرعة معتدلة ، ولا أوافق على ما طلبه المدعي ولاية.
س :- .....................................؟ .
ج :- قمت باستخدام المكابح ؛ إلا أن المسافة كانت قصيرة ، وخروجه كان مفاجئاً.
س :- .....................................؟ .
ج :- نعم لدي رخصة قيادة .
س :- .....................................؟ .
ج :- كانت سرعتي عند الحادث ثمانين كيلاً في الساعة .
المرحلة الثانية : البينات .
سألت المدعي ولاية ألديك بينة على ما ذكرته من أن المدعى عليه كان يقود السيارة عند الحادث بسرعة جنونية ، وعدم انتباه ؟ .
فأجاب بقوله : لا بينة لدي .
فسألته : ألديك بينة على ما ذكرته من إصابة ابنك بشجة دامغة ، وفقده للحواس والمنافع المذكورة في دعواك ؟ ونقص منفعة التنفس ؟ .
فأجاب بقوله : نعم لدي التقارير الطبية المرفقة بالمعاملة , واطلب الرجوع إليها .
فسألت المدعى عليه ألديك بينة على ما ذكرته من خروج ابن المدعي فجأة يعدو بشدة عابراً للطريق؟
فأجاب بقوله : لا بينة لدي .
وبدراسة المعاملة وجدت فذلكة التحقيق المتضمنة إدانة السائق بنسبة 50./0 خمسين بالمائة للسرعة التي كان يقود بها السيارة ، وعدم أخذ الحيطة والحذر . وإدانة الآخر بالنسبة المتبقية لعدم الانتباه أثناء عبوره الطريق ، والتطامه بالجانب الأيسر من السيارة .
ثم وردت إفادة جهة التحقيق المتضمنة أن السرعة القصوى للطريق الذي وقع فيه الحادث تبلغ خمسين كيلاً في الساعة .
كما وجدت في المعاملة صوراً للسيارة ، ومكان وقوع الحادث صورت بعد حجز السيارة لدى جهة التحقيق ، ونقل المصاب إلى المستشفى تظهر بقعتي دم على الإسفلت ، ونخل وأشجار على الجزيرة الوسطى للطريق ، كما تظهر المرآة اليسرى للسيارة ، وقد انكسرت من قاعدتها ممّا يدل على شدة الصدمة ؛ إلا أنه لم يظهر في الصور أي أثر على الإسفلت يدل على استخدام الكوابح .
وقد جرى الوقوف على موقع الحادث ، وتحديد مكان استقرار ابن المدعي على الطريق بعد الحادث بتحديد موضع بقعتي الدم ، وأوجد ذلك شعوراً قوياً بأن هناك محاولة جادة لتفادي الحادث .
كما ظهر أن الشجر والنخل تمنع الرؤية إلى حدّ ما ؛ لكن بعد قيادة السيارة بسرعة ثمانين كيلاً أصبح من المتعذر تمييز أحد يقف بين النخل والشجر.
كما وجدت في المعاملة عدداً من التقارير الطبية التي تتفق بمجموعها مع ما ذكره المدعي ، وتضمن بعضها أن حالة ابن المدعي مستقرة ، وأن إصابته دائمة ، وأن إمكانية الشفاء منعدمة ، وجاء في بعضها تقدير نقص منفعة التنفس بالنصف .
المرحلة الثالثة : تسبيب الحكم .
تقدم الحكم في هذه القضية تسبيباً له اشتمل على ملخص للدعوى ، والطلبات ، والإجابة ، والوقائع المؤثرة ، والأدلة ، وتقرير عدد من المسائل ، التي يتوقف الحكم عليها ، وفيما يلي إشارة لهذه المسائل ، ومسائل أخرى تقتضيها الحال .
المسألة الأولى :
ماذا نسمي الحادث المذكور في الدعوى ؟ هل نسميه ، حادث صدم ، أم حادث دعس ، أم حادث دهس؟
أولاً :- الصدم :
قال ابن فارس : (( الصاد والدال والميم كلمة واحدة ، وهي الصَّدم ، وهو ضرب الشيء الصلب بمثله)) (5) .
وقال ابن منظور : (( الصدم ضرب الشيء الصلب بشيء مثله، وصدمه صدماً ضربه بجسده))(6) .
ثانياً : الدعس :
قال ابن فارس : (( الدال والعين والسين أصيل . وهو يدل على دفْع وتأثير ))(7) .
فالمداعسة : المطاعنة ؛ لأن الطاعن يدفع المطعون ، والدَّعس : النكاح ، والدعس : الأثر ، والمدعوس من الأرض : الذي كثر به الناس ، ورعاه المال حتى أفسده(8) .
ثالثاً : الدهس :
قال ابن فارس : (( الدال والهاء والسين أصل واحد يدل على لين في مكان ))(9) ،فالدهس المكان اللين ، والدهس الأرض السهلة يثقل فيها الشيء(10) .
المسألة الثانية :
بين التفريط والتعدي .
أولاً : التفريط .
التفريط لغة :
(( الفاء والراء والطاء أصل صحيح يدل على إزالة شيء عن مكانه ، وتنحيته عنه ))(11) . يقال : أفرط : إذا تجاوز الحدّ في الأمر . وإيّاك والفرط : أي لا تجاوز القدر . وأفرط في الأمر أسرف . والإفراط : الزيادة على ما أمرت . والتفريط : التقصير (12).
. وقد وضع البهوتي ضابطاً للتفريط في حـادث اصطـدام سفينتين فقال : (( التفريـط أن يكون قـادراً
على ضبطها ، أو ردها عن الأخرى فلم يفعل ، أو أمكنه أن يعدلها إلى ناحية أخرى لا صدم معها فلم يفعل ، أو لم يكمِّل القيِّم آلتها))(13).
ثانياً : التعدي .
التعدي لغة :
قال ابن فارس : (( العين والدال والحرف المعتل أصل واحدٌ صحيح يرجع إليه الفروع كلها ، وهو يدل على تجاوز في الشيء )) (14).
والتَّعَدِّ : مجاوزة الشيء إلى غيره . وقال الخليل : التعدي : تجاوز ما ينبغي أن يقتصر عليه. والمعتدي : المجاوز ما أمر به(15).
والتعدي اصطلاحاً : أن يفعل ما ليس له فعله (16) .
وعرفه د0 محمد بوساق بأنه : (( تجاوز الحق ، أو ما يسمح به الشرع ))(17).
إذا تقرر هذا فإن المدعى عليه متعدي بسرعته البالغة ثمانين كيلاً في الساعة في طريق حددت السرعة القصوى فيه بخمسين .
كما أن ابن المدعي ، والذي جاوز حدّ التمييز مفرط لخروجه إلى الطريق العام دون التثبت من خلوه من السيارات احتياطاً لنفسه وغيره .
وكتبه :
إبراهيم بن صالح الزغيبي
1/3