ابوعبدالعزيز
16-01-2009, 04:01 PM
جريدة الاقتصادية - الخميس 15 محرم 1430 هـ. الموافق 15 يناير 2009 العدد 5575
مهنة المحاماة بين الواقع والطموح
لا شك أن المهن بشكل عام لها دور مهم وفاعل في حياة الأمم، لهذا حرصت الأمم على الخروج بها من دائرة المحاولة والخطأ أو العمل دون علم والدخول بها في دائرة العلم، أي التنظيم، لتصبح عملا يسبقه علم كما هو الحال في مهنة الطب والهندسة والتعليم والمحاماة، وبهذا الخروج أصبح هناك فرق كبير واضح وجلي في الفهم والممارسة بين العمل دون علم والعمل على أساس العلم، حيث إن العمل دون علم سمته الخطأ عند الممارسة والعمل على أساس العلم سمته الصواب. هذا المفهوم المتمثل في أن المهن علم يسبق العمل قاد البلاد الأكثر تقدماً إلى رفع كفاءة هذه المهن وإلى الثقة بالقائمين بها، وقد تلقفته أنظمة المحاماة والاستشارات بصفتها من أهم المهن التي تقوم على أساس العلم والهادفة إلى حفظ الحقوق وتحقيق العدالة وانتقل منها إلى بعض الدول الإسلامية والعربية منذ زمن طويل، حيث نظمت مهنة المحاماة باعتبارها قضاء واقفاً يقوم على العلم قبل العمل، وباعتبار الممارس لها يعمل جنبا إلى جنب مع القضاء الجالس، بل حرصت كل الحرص على إبعاد الوكلاء غير المهنيين عن هذه المهنة، وليس هذا فحسب، بل أصبحت مهنة المحاماة من المهن الوطنية ذات الشأن التي لا يمارسها إلا الوطنيون من ذوي العلم بها أو من في حكمهم من مواطني الدول الأخرى على أساس المعاملة بالمثل.
وكان إعمال مفهوم أن المحاماة مهنة يشترط لها العلم قبل وعند العمل وليست عملا بلا علم, حلماً طالما راود المحامين المهنيين على أرض هذا الوطن الغالي، إلا أن هذا الحلم تحطم على صخرة الواقع، فنظام المحاماة الصادر بالمرسوم الملكي الكريم رقم م/38 وتاريخ 28/7/1422 بعد أن افترض أن هذه المهنة علم يسبق العمل، اشترط لمن أراد ممارستها في المادة الثالثة أن يكون سعوديا، وأن يكون حائزا على شهادة كلية الشريعة أو شهادة البكالوريوس تخصص أنظمة أو دبلوم دراسات الأنظمة، كما اشترط أن تكون لديه خبرة في طبيعة المهنة لا تقل عن ثلاث سنوات لحملة البكالوريوس وسنتين لحملة الماجستير في الشريعة أو الأنظمة، وأعفي من شرط الخبرة حملة شهادات الدكتوراة في التخصص نفسه، ولكن النظام ابتعد عن هذا الافتراض كثيرا عندما عاد وأعطى بموجب المادة الـ 18 فقرة (أ) الحق للوكيل غير المهني بالترافع، حيث أفرز الواقع أن الوكيل المهني )المحامي) مكبل بالكثير من الشروط والضوابط وعلى رأسها مسؤوليته المهنية أمام موكله، بينما الوكيل غير المهني الذي يمارس هذه المهنة لا يعنيه هذا النظام لا من قريب ولا من بعيد. كما أن مراقبة تطبيق المادة 18 فقرة (أ) من الصعوبة بمكان في ظل عدم ربط المحاكم واللجان بمختلف درجاتها ومواقعها في شبكة الحاسب الآلي.
وأثناء إعدادي هذا المقال كانت لديّ قضية منظورة أمام إحدى المحا كم العامة، وكان يمثل المدعي وكيل غير مهني أو وكيل غير مؤهل علميا، وكان أثناء محاولة تحديد موعد آخر لقضيتنا يقول للمحكمة هذا التاريخ لا يتناسب معي لوجود جلسة لديّ في منطقة أخرى، وكذلك أثناء جلوسنا في المحكمة يتنقل بين أكثر من مكتب قاض، فقادني الفضول إلى سؤاله: كم لديك من قضية منظورة أمام هذه المحكمة لم يحكم فيها بعد؟ فقال لديّ 12 قضية، ولله الحمد، ولديّ الكثير من القضايا في المناطق الأخرى في المملكة وأمام مختلف الجهات القضائية، ولكي أقوم بالمقارنة اتصلت بزميل لديه مكتب محاماة مرخص في المدينة نفسها التي تقع فيها المحكمة وسألته كم لديك من قضية منظورة أمام هذه المحكمة؟ فأفاد أن لديه أربع قضايا، وهذا الوضع لم يفاجئني كثيرا، حيث جاء نتيجة طبيعية لعدم إمكانية إحكام الرقابة بموجب المادة الـ 18 لنظام المحاماة، ولأن بعض القضاة والمحققين وأعضاء اللجان لا يكترثون بسؤال الوكيل هل هو محام أم لا؟ ولا يكلفون أنفسهم العناء لمعرفة أن الوكيل هو ممن يحق لهم الترافع استثناء حسب نظام المحاماة، وما ضوابط ذلك، والعبرة عندهم فقط بوجود وكالة شرعية تخول الوكيل المهني أو غير المهني مباشرة الترافع والاشتراك في التحقيق، لهذا ترى من بين كل عشرة وكلاء في المحكمة أو جهات التحقيق أو اللجان محامين والبقية وكلاء غير مهنيين أو مؤهلين علميا، ولو قدر لوزارة العدل واللجان القضائية الأخرى أن تقوم بمسح شامل لمعرفة مَن أكثر مَن يباشر الترافع أمام المحاكم واللجان وجهات التحقيق لاكتشفت أن عدد الوكلاء غير المهنيين يفوق عدد المحامين على مستوى كل محكمة وكل لجنة وكل جهة تحقيق، وليس هذا فحسب، بل إن ميدان هذه المهنة أصبح مستباحا من فئات أخرى بعضها استباحة في العلن كمكاتب المراجعين القانونيين أو مكاتب التخليص الجمركي أو مكاتب العقار أو المكاتب الهندسية والاستشارية أو مكاتب الاستقدام ومكاتب الخدمات العامة إلخ، وبعضها الآخر يتم في الخفاء، حيث أصبح الوافد الأجنبي سواء كانت شركات أم أشخاصا يقوم بدور كبير في هذه التجاوزات، فالشركات الأجنبية التي تؤسس شراكة مع أحد الشركاء السعوديين داخل الوطن تستعين بمحاميها الخارجي سواء كان أحد موظفيها أو أحد المكاتب الخارجية المتعاملة معها للقيام بجميع العقود والاستشارات القانونية، بل إن الأمر يصل إلى كتابة مذكرات للترافع إن كان محامي هذه الشركة يتحدث العربية ليقوم موظف العلاقات الحكومية في هذه الشركة بتقديم هذه المذكرة إلى جهة التقاضي. كما أن بعض الشركات الوطنية التي كان يعمل فيها مستشار قانوني أجنبي لمدة طويلة وتركها عائدا إلى بلده تقوم بالتعاون معه عن طريق مكتبه الذي فتحه في بلده ليقوم بجميع الأعمال التي كان يقوم بها عندما كان موظفا في هذه الشركات. كما أن إخواننا العرب المتخصصين في الشريعة أو القانون والمقيمين في هذا الوطن لا يألون جهدا في ذلك، فهم يقومون بإعداد وصياغة ومراجعة جميع العقود وتقديم الاستشارات الشرعية والقانونية وإعداد مذكرات الترافع من خلف أبواب الشقق التي يقطنونها وبثمن بخس.
وبهذا الوضع القائم نرى أن نظام مهنة المحاماة لم يغير كثيرا من حيث الممارسة والمفهوم وظل أقرب إلى غير المهنية منه للمهنية المبنية على أساس علمي ووطني لا يمارسه إلا المؤهلون علميا ومن حملة جنسية هذا الوطن أو من يسمح لهم النظام بذلك، بعد أن يكونوا مؤهلين علميا في بلادهم (مبدأ المعاملة بالمثل)، ولكي نصل إلى ما نصبو إليه من إتقان في هذه المهنة يجب علينا أن نتبنى بعض الأفكار ونتخلص من الأخرى التي تبنيناها عن طريق الاعتقاد بمنطقيتها، ويقع في المعنى الأول إيماننا أن هذه المهنة هي علم قبل أن تكون عملا, وليس عملا بلا علم, كما يقع في المعنى الثاني أنه باستطاعتنا التقدم بهذه المهنة إلى مصاف مهن المحاماة في الدول الأخرى ولا مجال للقول إننا دولة مترامية الأطراف ولدينا فقراء لا يستطيعون تحمل أتعاب المحامي المؤهل علميا وقرى عديدة، فكل دول العالم فيها فقراء ولها حدود قد تكون مترامية الأطراف وقد لا تكون، وفيها قرى عديدة، ومع هذا تغلبت على مشكلة فقرائها وترامي حدودها وتعدد قراها، وأصبحت مهنة المحاماة لديهم ينظر إليها المواطن والأجنبي بإجلال واحترام، ولم يعد هناك من يستبيح ساحتها لتجذر هذه المهنة كعلم في نفوس القائمين عليها والمستفيدين منها ولوجود العقوبات الرادعة لمن يمارسها دون أن يكون من المنصوص عليهم في أنظمة المحاماة. كما يجب علينا تصنيف المحامين تبعا لسنوات الخبرة والدورات التدريبية والمحاكم التي يحق لهم الترافع أمامها. كما أن الحاجة تبدو ماسة لردم الهوة بين المحامين من حيث الجودة والأتعاب، حيث إن الكفاءة نسبية، فقد يوجد مكتب محام ذو كفاءة عالية وأتعابه في متناول العملاء، بينما هناك بعض مكاتب المحاماة قد تكون أقل كفاءة، ولكن خدمتها الظروف وهي تتقاضى أتعابا مبالغا فيها كثيرا، وهذه المبالغة تؤثر في سمعة المهنة وتجعلها أقرب للتجارة منها للمهنة، لهذا يستحسن إصدار جدول استرشادي بأتعاب المحامين وفقا لخبراتهم ودرجات المحاكم التي يترافعون أمامها ليستنير به العملاء ويراعيه المحامون عند تقدير أتعابهم، كما أن الحاجة ماسة وقائمة إلى الدفع بالمحامي إلى الاحتكاك بالخبرات القانونية الدولية وكذلك التوعية بدور وأهمية المحامي المرخص وخطورة الوكيل غير المهني على سير العدالة وضياع وقت وجهد المحكمة، وكذلك جهد ووقت ومال موكله، إضافة إلى ضياع حقه في مطالبته. كما أن الحاجة أيضا قائمة لإيجاد هيئة متخصصة تشرف على شؤون هذه المهنة كما هو معمول به في المهن الأخرى داخل الوطن، كما أنه من الأهمية بمكان إجبار الشركات على تعيين مستشار قانوني سعودي كموظف أو التعاقد مع مكتب محاماة مرخص له في حالة عدم وجود مستشار سعودي داخلي في كل شركة، وكذلك اشتراط أن يكون أحد أعضاء هيئات التحكيم محاميا على أقل تقدير إن لم يكن المرجح، بصفة أن التحكيم قضاء خاص اجتز من الولاية العامة للقضاء، ومن ثم يجب أن يكون من بين أعضاء هيئة التحكيم عضو لديه المعرفة بالقواعد الإجرائية والموضوعية المتعلقة بالدعوى وطريقة صياغة الأحكام، وأن ترتب عقوبات صارمة على من يمارس التحكيم دون أن يكون من المسجلين لدى الوزارة، وهذا كله لن يتحقق إلا وفق استراتيجية واضحة وجهود جبارة للجهة المعنية بأمر مهنة المحاماة ونحن على ثقة كاملة أن وزارة العدل بصفتها الراعية لهذه المهنة لن تألو جهدا في الوصول بها إلى مصاف المهن الأخرى سواء على المستوى الوطني أو الدولي.
ختاما قال تعالى (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى? عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).
مهنة المحاماة بين الواقع والطموح
لا شك أن المهن بشكل عام لها دور مهم وفاعل في حياة الأمم، لهذا حرصت الأمم على الخروج بها من دائرة المحاولة والخطأ أو العمل دون علم والدخول بها في دائرة العلم، أي التنظيم، لتصبح عملا يسبقه علم كما هو الحال في مهنة الطب والهندسة والتعليم والمحاماة، وبهذا الخروج أصبح هناك فرق كبير واضح وجلي في الفهم والممارسة بين العمل دون علم والعمل على أساس العلم، حيث إن العمل دون علم سمته الخطأ عند الممارسة والعمل على أساس العلم سمته الصواب. هذا المفهوم المتمثل في أن المهن علم يسبق العمل قاد البلاد الأكثر تقدماً إلى رفع كفاءة هذه المهن وإلى الثقة بالقائمين بها، وقد تلقفته أنظمة المحاماة والاستشارات بصفتها من أهم المهن التي تقوم على أساس العلم والهادفة إلى حفظ الحقوق وتحقيق العدالة وانتقل منها إلى بعض الدول الإسلامية والعربية منذ زمن طويل، حيث نظمت مهنة المحاماة باعتبارها قضاء واقفاً يقوم على العلم قبل العمل، وباعتبار الممارس لها يعمل جنبا إلى جنب مع القضاء الجالس، بل حرصت كل الحرص على إبعاد الوكلاء غير المهنيين عن هذه المهنة، وليس هذا فحسب، بل أصبحت مهنة المحاماة من المهن الوطنية ذات الشأن التي لا يمارسها إلا الوطنيون من ذوي العلم بها أو من في حكمهم من مواطني الدول الأخرى على أساس المعاملة بالمثل.
وكان إعمال مفهوم أن المحاماة مهنة يشترط لها العلم قبل وعند العمل وليست عملا بلا علم, حلماً طالما راود المحامين المهنيين على أرض هذا الوطن الغالي، إلا أن هذا الحلم تحطم على صخرة الواقع، فنظام المحاماة الصادر بالمرسوم الملكي الكريم رقم م/38 وتاريخ 28/7/1422 بعد أن افترض أن هذه المهنة علم يسبق العمل، اشترط لمن أراد ممارستها في المادة الثالثة أن يكون سعوديا، وأن يكون حائزا على شهادة كلية الشريعة أو شهادة البكالوريوس تخصص أنظمة أو دبلوم دراسات الأنظمة، كما اشترط أن تكون لديه خبرة في طبيعة المهنة لا تقل عن ثلاث سنوات لحملة البكالوريوس وسنتين لحملة الماجستير في الشريعة أو الأنظمة، وأعفي من شرط الخبرة حملة شهادات الدكتوراة في التخصص نفسه، ولكن النظام ابتعد عن هذا الافتراض كثيرا عندما عاد وأعطى بموجب المادة الـ 18 فقرة (أ) الحق للوكيل غير المهني بالترافع، حيث أفرز الواقع أن الوكيل المهني )المحامي) مكبل بالكثير من الشروط والضوابط وعلى رأسها مسؤوليته المهنية أمام موكله، بينما الوكيل غير المهني الذي يمارس هذه المهنة لا يعنيه هذا النظام لا من قريب ولا من بعيد. كما أن مراقبة تطبيق المادة 18 فقرة (أ) من الصعوبة بمكان في ظل عدم ربط المحاكم واللجان بمختلف درجاتها ومواقعها في شبكة الحاسب الآلي.
وأثناء إعدادي هذا المقال كانت لديّ قضية منظورة أمام إحدى المحا كم العامة، وكان يمثل المدعي وكيل غير مهني أو وكيل غير مؤهل علميا، وكان أثناء محاولة تحديد موعد آخر لقضيتنا يقول للمحكمة هذا التاريخ لا يتناسب معي لوجود جلسة لديّ في منطقة أخرى، وكذلك أثناء جلوسنا في المحكمة يتنقل بين أكثر من مكتب قاض، فقادني الفضول إلى سؤاله: كم لديك من قضية منظورة أمام هذه المحكمة لم يحكم فيها بعد؟ فقال لديّ 12 قضية، ولله الحمد، ولديّ الكثير من القضايا في المناطق الأخرى في المملكة وأمام مختلف الجهات القضائية، ولكي أقوم بالمقارنة اتصلت بزميل لديه مكتب محاماة مرخص في المدينة نفسها التي تقع فيها المحكمة وسألته كم لديك من قضية منظورة أمام هذه المحكمة؟ فأفاد أن لديه أربع قضايا، وهذا الوضع لم يفاجئني كثيرا، حيث جاء نتيجة طبيعية لعدم إمكانية إحكام الرقابة بموجب المادة الـ 18 لنظام المحاماة، ولأن بعض القضاة والمحققين وأعضاء اللجان لا يكترثون بسؤال الوكيل هل هو محام أم لا؟ ولا يكلفون أنفسهم العناء لمعرفة أن الوكيل هو ممن يحق لهم الترافع استثناء حسب نظام المحاماة، وما ضوابط ذلك، والعبرة عندهم فقط بوجود وكالة شرعية تخول الوكيل المهني أو غير المهني مباشرة الترافع والاشتراك في التحقيق، لهذا ترى من بين كل عشرة وكلاء في المحكمة أو جهات التحقيق أو اللجان محامين والبقية وكلاء غير مهنيين أو مؤهلين علميا، ولو قدر لوزارة العدل واللجان القضائية الأخرى أن تقوم بمسح شامل لمعرفة مَن أكثر مَن يباشر الترافع أمام المحاكم واللجان وجهات التحقيق لاكتشفت أن عدد الوكلاء غير المهنيين يفوق عدد المحامين على مستوى كل محكمة وكل لجنة وكل جهة تحقيق، وليس هذا فحسب، بل إن ميدان هذه المهنة أصبح مستباحا من فئات أخرى بعضها استباحة في العلن كمكاتب المراجعين القانونيين أو مكاتب التخليص الجمركي أو مكاتب العقار أو المكاتب الهندسية والاستشارية أو مكاتب الاستقدام ومكاتب الخدمات العامة إلخ، وبعضها الآخر يتم في الخفاء، حيث أصبح الوافد الأجنبي سواء كانت شركات أم أشخاصا يقوم بدور كبير في هذه التجاوزات، فالشركات الأجنبية التي تؤسس شراكة مع أحد الشركاء السعوديين داخل الوطن تستعين بمحاميها الخارجي سواء كان أحد موظفيها أو أحد المكاتب الخارجية المتعاملة معها للقيام بجميع العقود والاستشارات القانونية، بل إن الأمر يصل إلى كتابة مذكرات للترافع إن كان محامي هذه الشركة يتحدث العربية ليقوم موظف العلاقات الحكومية في هذه الشركة بتقديم هذه المذكرة إلى جهة التقاضي. كما أن بعض الشركات الوطنية التي كان يعمل فيها مستشار قانوني أجنبي لمدة طويلة وتركها عائدا إلى بلده تقوم بالتعاون معه عن طريق مكتبه الذي فتحه في بلده ليقوم بجميع الأعمال التي كان يقوم بها عندما كان موظفا في هذه الشركات. كما أن إخواننا العرب المتخصصين في الشريعة أو القانون والمقيمين في هذا الوطن لا يألون جهدا في ذلك، فهم يقومون بإعداد وصياغة ومراجعة جميع العقود وتقديم الاستشارات الشرعية والقانونية وإعداد مذكرات الترافع من خلف أبواب الشقق التي يقطنونها وبثمن بخس.
وبهذا الوضع القائم نرى أن نظام مهنة المحاماة لم يغير كثيرا من حيث الممارسة والمفهوم وظل أقرب إلى غير المهنية منه للمهنية المبنية على أساس علمي ووطني لا يمارسه إلا المؤهلون علميا ومن حملة جنسية هذا الوطن أو من يسمح لهم النظام بذلك، بعد أن يكونوا مؤهلين علميا في بلادهم (مبدأ المعاملة بالمثل)، ولكي نصل إلى ما نصبو إليه من إتقان في هذه المهنة يجب علينا أن نتبنى بعض الأفكار ونتخلص من الأخرى التي تبنيناها عن طريق الاعتقاد بمنطقيتها، ويقع في المعنى الأول إيماننا أن هذه المهنة هي علم قبل أن تكون عملا, وليس عملا بلا علم, كما يقع في المعنى الثاني أنه باستطاعتنا التقدم بهذه المهنة إلى مصاف مهن المحاماة في الدول الأخرى ولا مجال للقول إننا دولة مترامية الأطراف ولدينا فقراء لا يستطيعون تحمل أتعاب المحامي المؤهل علميا وقرى عديدة، فكل دول العالم فيها فقراء ولها حدود قد تكون مترامية الأطراف وقد لا تكون، وفيها قرى عديدة، ومع هذا تغلبت على مشكلة فقرائها وترامي حدودها وتعدد قراها، وأصبحت مهنة المحاماة لديهم ينظر إليها المواطن والأجنبي بإجلال واحترام، ولم يعد هناك من يستبيح ساحتها لتجذر هذه المهنة كعلم في نفوس القائمين عليها والمستفيدين منها ولوجود العقوبات الرادعة لمن يمارسها دون أن يكون من المنصوص عليهم في أنظمة المحاماة. كما يجب علينا تصنيف المحامين تبعا لسنوات الخبرة والدورات التدريبية والمحاكم التي يحق لهم الترافع أمامها. كما أن الحاجة تبدو ماسة لردم الهوة بين المحامين من حيث الجودة والأتعاب، حيث إن الكفاءة نسبية، فقد يوجد مكتب محام ذو كفاءة عالية وأتعابه في متناول العملاء، بينما هناك بعض مكاتب المحاماة قد تكون أقل كفاءة، ولكن خدمتها الظروف وهي تتقاضى أتعابا مبالغا فيها كثيرا، وهذه المبالغة تؤثر في سمعة المهنة وتجعلها أقرب للتجارة منها للمهنة، لهذا يستحسن إصدار جدول استرشادي بأتعاب المحامين وفقا لخبراتهم ودرجات المحاكم التي يترافعون أمامها ليستنير به العملاء ويراعيه المحامون عند تقدير أتعابهم، كما أن الحاجة ماسة وقائمة إلى الدفع بالمحامي إلى الاحتكاك بالخبرات القانونية الدولية وكذلك التوعية بدور وأهمية المحامي المرخص وخطورة الوكيل غير المهني على سير العدالة وضياع وقت وجهد المحكمة، وكذلك جهد ووقت ومال موكله، إضافة إلى ضياع حقه في مطالبته. كما أن الحاجة أيضا قائمة لإيجاد هيئة متخصصة تشرف على شؤون هذه المهنة كما هو معمول به في المهن الأخرى داخل الوطن، كما أنه من الأهمية بمكان إجبار الشركات على تعيين مستشار قانوني سعودي كموظف أو التعاقد مع مكتب محاماة مرخص له في حالة عدم وجود مستشار سعودي داخلي في كل شركة، وكذلك اشتراط أن يكون أحد أعضاء هيئات التحكيم محاميا على أقل تقدير إن لم يكن المرجح، بصفة أن التحكيم قضاء خاص اجتز من الولاية العامة للقضاء، ومن ثم يجب أن يكون من بين أعضاء هيئة التحكيم عضو لديه المعرفة بالقواعد الإجرائية والموضوعية المتعلقة بالدعوى وطريقة صياغة الأحكام، وأن ترتب عقوبات صارمة على من يمارس التحكيم دون أن يكون من المسجلين لدى الوزارة، وهذا كله لن يتحقق إلا وفق استراتيجية واضحة وجهود جبارة للجهة المعنية بأمر مهنة المحاماة ونحن على ثقة كاملة أن وزارة العدل بصفتها الراعية لهذه المهنة لن تألو جهدا في الوصول بها إلى مصاف المهن الأخرى سواء على المستوى الوطني أو الدولي.
ختاما قال تعالى (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى? عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).