الزغيبي
12-05-2011, 07:49 PM
مسائل قضائية
(6)
الرجوع عن الإقرار
الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين , أما بعد :
فالرجوع عن الإقرار لا يخلو من حالتين :
الحالة الأولى : أن يكون في حق من حقوق المخلوقين ؛ سواء كان قصاصاً ، أو حداً ، أو تعزيراً ، أو حقاً مالياً ، فلا يؤثر الرجوع على الإقرار ، ويلزم المقر بما جاء في إقراره ؛ لأن حقوق المخلوقين مبنية على المشاحة ، ولتعلق حق المقر له بالمقر به (18) ، ولا عذر لمن أقر ؛ لذا لا تقبل دعوى المقر الخطأ والنسيان في إقراره ؛ ما لم يثبت ذلك ، أو يصدقه الآخر .
الحالة الثانية : أن يكون الرجوع عن الإقرار في حق من حقوق الله ، فلا يخلو الأمر من ثلاثة أحوال :
الحال الأول : أن يكون الإقرار يجب فيه حد لله ، كإقراره باستعمال الحشيش المخدر ، ونحوه ، فيكون للرجوع عن الإقرار بالحد ، أو عن شرط من شروط إقامته أثر على الحد ، ويدرء الحدّ به ؛ لأن الرجوع شبهة ، والحدود تدرأ بالشبهات (19) ؛ ما لم يكن الحد ثابت أيضا بطريق آخر من طرق الإثبات .
ودرء الحدود بالشبهات إحدى القواعد الفقهية المقررة (20) ، ودليلها قوله صلى الله عليه وسلم : (( أدرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم )) (21)(22) . وقد حكى الإجماع على ذلك ابن قدامه عن ابن المنذر فقال : (( قال ابن المنذر أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم أن الحدود تدرء بالشبهات )) (23) .
ومعنى الشبهة ، قال الكاساني الحنفي : (( الشبهة : اسم لما يشبه الثابت وليس بثابت )) (24)
والدرء لغة : الدفع (25) .
ومن الشبه التي تدرء بها الحدود شبهة الملك في سرقة المال المشترك ، وشبهة عدم الثبوت في الرجوع عن الإقرار فيما يوجب حداً (26) .
ودرء الحد بالشبهة لا يسقط التعزير ، فيعزر من أقر بحد لله ، ورجع عنه بعقوبة دون الحد (27) .
الحال الثانية : أن يكون الإقرار يجب فيه تعزير لحق الله تعالى كإقراره بحيازة حشيش مخدر لقصد الاستعمال ، فلا يكون للرجوع أثر، ولا يدرء التعزير بالرجوع ، لأن الرجوع عن الإقرار فيما يجب فيه حد يدرء الحد ، ولا يدرء التعزير ، فيعزر بما دون الحد (28) كما سبق(29) ، ولأنه يعزر على التهمة .
الحال الثالثة : أن يكون الإقرار بما يجب فيه كفارة لله جل وعلا كالإقرار بالوطء في نهار رمضان ، فلا يكون للرجوع أثر على وجوب الكفارة (30) .
وكتبه: إبراهيم بن صالح الزغيبي
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ
(18) ـ انظر : كشاف القناع ، للبهوتي ، ج6 ، ص475 ؛ مجموع فتاوى ورسائل سماحة الشيخ / محمد بن إبراهيم ، ج13 ، ص77 ، م4421 ، ج12 ، ص47ـ50 ، م3682 ؛ تعميم (ر) ذو الرقم 700 ، في 8/2/1375هـ ، التصنيف الموضوعي ، ط2 ، ج2، ص159ـ161 .
(19) وهو قول الجمهور أبو حنيفة والشافعي وأحمد وقول للإمام مالك ؛ سواء كان الرجوع قبل الحكم أو بعده ، أو حال التنفيذ بالقول أو الفعل . أثر الرجوع عن الإقرار بحد ، معالي د.بكر بن عبدالله أبو زيد ، وزارة العدل ، ط1 ،1412هـ ؛ انظر : مجموع فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم ، ج12 ، ص50 ، م3683 .
(20) انظر : الأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية ، جلال الدين عبدالرحمن السيوطي ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط1 ، 1413هـ ، ص122 .
(21) أخرجه الترمذي في سننه عن عائشة رضي الله عنها ، كتاب الحدود ، باب ما جاء في درء الحدود ، حديث رقم1344 ، وروى ابن ماجة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ادفعوا الحدود ما وجدتم له مدفعاً )) . سنن ابن ماجة كتاب الحدود ، باب الستر على المؤمن ودفع الحدود بالشبهات ، حديث رقم2535 .
(22) قال سماحة الشيخ / عبدالعزيز بن باز ـ رحمه الله ـ : (( الحديث له طرق فيها ضعف لكن مجموعها يشد بعضه بعضاً ويكون من باب الحسن لغيره ولهذا احتج به العلماء على درء الحدود بالشبهات )) . مجموع فتاوى ومقالات متنوعة ، عبدالعزيز بن عبدالله بن باز ، جمع وترتيب د.محمد الشويعر ، رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء ، ط1 ،1425هـ ، ج25 ، ص263 ، س112 .
(23) انظر : المغني ، موفق الدين عبدالله بن قدامه ، ج9 ، ص55 .
(24) بدائع الصنائع ، للكاساني ، ج2 ،ص64 . وانظر : البحر الرائق شرح كنز الدقائق ، لزين الدين بن إبراهيم (ابن نجيم ) ، دار الكتاب الاسلامي ، ج5 ، ص12 .
(25) انظر : معجم مقاييس اللغة ، أحمد بن فارس بن زكريا ، تحقيق وضبط : عبدالسلام محمد هارون ، دار الجيل ، بيروت ، ج2 ، ص272 ، مادة : درى .
(26) انظر : التشريع الجنائي الإسلامي ، عبدالقادر عوده ، ج1 ، ص209 .
(27) انظر : مجموع فتاوى ورسائل سماحة الشيخ / محمد بن إبراهيم ، ج12 ، ص51 ، م3683 ؛ تعميم (ك) ذو الرقم12/90/ ت ، في 24/5/1404هـ ، التصنيف الموضوعي ، ط2 ، ج3 ، ص361ـ362؛ مجموع فتاوى ومقالات متنوعة ، سماحة الشيخ / عبدالعزيز بن باز ، جمع وترتيب وإشراف د.محمد بن سعد الشويعر ، رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء ، الرياض ، ط1 ، 1425هـ ، ج25 ، ص265 ، س113 .
(28) انظر : كشاف القناع ، للبهوتي ، ج6 ، ص475 .
(29) انظر : الحال الأولى .
(30) انظر : كشاف القناع ، للبهوتي ، ج6 ، ص 475 .
(6)
الرجوع عن الإقرار
الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين , أما بعد :
فالرجوع عن الإقرار لا يخلو من حالتين :
الحالة الأولى : أن يكون في حق من حقوق المخلوقين ؛ سواء كان قصاصاً ، أو حداً ، أو تعزيراً ، أو حقاً مالياً ، فلا يؤثر الرجوع على الإقرار ، ويلزم المقر بما جاء في إقراره ؛ لأن حقوق المخلوقين مبنية على المشاحة ، ولتعلق حق المقر له بالمقر به (18) ، ولا عذر لمن أقر ؛ لذا لا تقبل دعوى المقر الخطأ والنسيان في إقراره ؛ ما لم يثبت ذلك ، أو يصدقه الآخر .
الحالة الثانية : أن يكون الرجوع عن الإقرار في حق من حقوق الله ، فلا يخلو الأمر من ثلاثة أحوال :
الحال الأول : أن يكون الإقرار يجب فيه حد لله ، كإقراره باستعمال الحشيش المخدر ، ونحوه ، فيكون للرجوع عن الإقرار بالحد ، أو عن شرط من شروط إقامته أثر على الحد ، ويدرء الحدّ به ؛ لأن الرجوع شبهة ، والحدود تدرأ بالشبهات (19) ؛ ما لم يكن الحد ثابت أيضا بطريق آخر من طرق الإثبات .
ودرء الحدود بالشبهات إحدى القواعد الفقهية المقررة (20) ، ودليلها قوله صلى الله عليه وسلم : (( أدرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم )) (21)(22) . وقد حكى الإجماع على ذلك ابن قدامه عن ابن المنذر فقال : (( قال ابن المنذر أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم أن الحدود تدرء بالشبهات )) (23) .
ومعنى الشبهة ، قال الكاساني الحنفي : (( الشبهة : اسم لما يشبه الثابت وليس بثابت )) (24)
والدرء لغة : الدفع (25) .
ومن الشبه التي تدرء بها الحدود شبهة الملك في سرقة المال المشترك ، وشبهة عدم الثبوت في الرجوع عن الإقرار فيما يوجب حداً (26) .
ودرء الحد بالشبهة لا يسقط التعزير ، فيعزر من أقر بحد لله ، ورجع عنه بعقوبة دون الحد (27) .
الحال الثانية : أن يكون الإقرار يجب فيه تعزير لحق الله تعالى كإقراره بحيازة حشيش مخدر لقصد الاستعمال ، فلا يكون للرجوع أثر، ولا يدرء التعزير بالرجوع ، لأن الرجوع عن الإقرار فيما يجب فيه حد يدرء الحد ، ولا يدرء التعزير ، فيعزر بما دون الحد (28) كما سبق(29) ، ولأنه يعزر على التهمة .
الحال الثالثة : أن يكون الإقرار بما يجب فيه كفارة لله جل وعلا كالإقرار بالوطء في نهار رمضان ، فلا يكون للرجوع أثر على وجوب الكفارة (30) .
وكتبه: إبراهيم بن صالح الزغيبي
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ
(18) ـ انظر : كشاف القناع ، للبهوتي ، ج6 ، ص475 ؛ مجموع فتاوى ورسائل سماحة الشيخ / محمد بن إبراهيم ، ج13 ، ص77 ، م4421 ، ج12 ، ص47ـ50 ، م3682 ؛ تعميم (ر) ذو الرقم 700 ، في 8/2/1375هـ ، التصنيف الموضوعي ، ط2 ، ج2، ص159ـ161 .
(19) وهو قول الجمهور أبو حنيفة والشافعي وأحمد وقول للإمام مالك ؛ سواء كان الرجوع قبل الحكم أو بعده ، أو حال التنفيذ بالقول أو الفعل . أثر الرجوع عن الإقرار بحد ، معالي د.بكر بن عبدالله أبو زيد ، وزارة العدل ، ط1 ،1412هـ ؛ انظر : مجموع فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم ، ج12 ، ص50 ، م3683 .
(20) انظر : الأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية ، جلال الدين عبدالرحمن السيوطي ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط1 ، 1413هـ ، ص122 .
(21) أخرجه الترمذي في سننه عن عائشة رضي الله عنها ، كتاب الحدود ، باب ما جاء في درء الحدود ، حديث رقم1344 ، وروى ابن ماجة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ادفعوا الحدود ما وجدتم له مدفعاً )) . سنن ابن ماجة كتاب الحدود ، باب الستر على المؤمن ودفع الحدود بالشبهات ، حديث رقم2535 .
(22) قال سماحة الشيخ / عبدالعزيز بن باز ـ رحمه الله ـ : (( الحديث له طرق فيها ضعف لكن مجموعها يشد بعضه بعضاً ويكون من باب الحسن لغيره ولهذا احتج به العلماء على درء الحدود بالشبهات )) . مجموع فتاوى ومقالات متنوعة ، عبدالعزيز بن عبدالله بن باز ، جمع وترتيب د.محمد الشويعر ، رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء ، ط1 ،1425هـ ، ج25 ، ص263 ، س112 .
(23) انظر : المغني ، موفق الدين عبدالله بن قدامه ، ج9 ، ص55 .
(24) بدائع الصنائع ، للكاساني ، ج2 ،ص64 . وانظر : البحر الرائق شرح كنز الدقائق ، لزين الدين بن إبراهيم (ابن نجيم ) ، دار الكتاب الاسلامي ، ج5 ، ص12 .
(25) انظر : معجم مقاييس اللغة ، أحمد بن فارس بن زكريا ، تحقيق وضبط : عبدالسلام محمد هارون ، دار الجيل ، بيروت ، ج2 ، ص272 ، مادة : درى .
(26) انظر : التشريع الجنائي الإسلامي ، عبدالقادر عوده ، ج1 ، ص209 .
(27) انظر : مجموع فتاوى ورسائل سماحة الشيخ / محمد بن إبراهيم ، ج12 ، ص51 ، م3683 ؛ تعميم (ك) ذو الرقم12/90/ ت ، في 24/5/1404هـ ، التصنيف الموضوعي ، ط2 ، ج3 ، ص361ـ362؛ مجموع فتاوى ومقالات متنوعة ، سماحة الشيخ / عبدالعزيز بن باز ، جمع وترتيب وإشراف د.محمد بن سعد الشويعر ، رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء ، الرياض ، ط1 ، 1425هـ ، ج25 ، ص265 ، س113 .
(28) انظر : كشاف القناع ، للبهوتي ، ج6 ، ص475 .
(29) انظر : الحال الأولى .
(30) انظر : كشاف القناع ، للبهوتي ، ج6 ، ص 475 .