الزغيبي
13-05-2011, 02:18 PM
مسائل قضائية
(12)
التحليل المخبري ، ودوره في إثبات الإدانة في قضايا المخدرات
الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين , أمابعد :
فقد عرفت المادة الأولى من نظام مكافحة المخدرات ، والمؤثرات العقلية الدليل المادي بأنه : (( إجراء التحليل المخبري في المختبر المعتمد للكشف عن كنه المادة المضبوطة وإثبات إيجابيتها للمادة المخدرة ، أو المؤثر العقلي من عدمها )) .
وأشارت المادة آنفة الذكر إلى ما يندرج في المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية .
ونصت المادة الثامنة والثلاثون من النظام الأساسي للحكم على أنه : (( لا جريمة ولا عقوبة إلا بناءً على نص شرعي ، أو نص نظامي )) (54) .
وأكدت المادة الثالثة من نظام الإجراءات الجزائية ذلك ، فنصت على أنه : (( لا يجوز توقيع عقوبة جزائية على أي شخص إلا على أمر محظور ، ومعاقب عليه شرعاً أو نظاماً ، وبعد ثبوت إدانته )) .
فـإذا تقـرر ذلك فـإن إثبـات الإدانـة بحيـازة المخـدرات ، أو المؤثرات العقلية ، ونحوها متوقف على ثبوت ايجابية عينة المادة التي تم تحريزها لإحدى المواد المخدرة ، أو المؤثرات العقلية ، أو السلائف الكيميائية المدرجة في نظام مكافحة المخدرات ، ولا يكفي إقرار المدعى عليه بكنه المادة المضبوطة عن إجراء التحليل المخبري في المختبر المعتمد لاثبات الإدانة .
وهنا سؤالان ؛ السؤال الأول :
إذا تبين بعد إجراء التحليل المخبري أن المادة التي تم تحريزها ، والتي حازها المدعى عليه على أنها مادة محظورة ليست من المواد المحظورة المنصوص عليها في نظام مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية ، فهل يجازى على حيازتها ؟
بعرض ذلك على بعض أصحاب الفضيلة القضاة وجدت اختلافاً بينهم ، فيرى بعضهم عدم مجازاته ؛ لأنه لا عقوبة إلا بنص ، ولأن المادة التي وجدت بحوزته ليست من المواد المحظورة بموجب نظام مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية ، ولأن العبرة بما في الواقع ونفس الأمر لا بما في ظن المكلف ، ولأن الأصل في الأشياء الإباحة .
ويرى بعضهم أنه ومع عدم استحقاقه للعقوبة المنصوص عليه في نظام مكافحة المخدرات ، إلا أنه يستحق التعزير ؛ لأنه وجد لديه استعداد لحيازة المخدرات سواء لقصد الاستعمال الشخصي أو الترويج ، وبالوقوف على بعض قرارات محكمة التمييز بالرياض أجد أن الخلاف موجود لديهم (55) .
والأظهر لي هو الرأي الثاني ، وهو ما يتفق مع قرار الهيئة القضائية العليا (56) ذي الرقم 324 ، والتأريخ 18/11/1393هـ والذي جاء فيه ما نصه : (( أولاً : إن إدانة محمد .... بحيازة الجنزفوري المخدر غير صحيحة ما دام أن التحليل المخبري قد أثبت أن المادة التي وجدت في حوزته ـ وقيل إنها جنزفوري ـ غير مخدره ، ولو أن المتهم يعتقد أن ما وجد في حوزته جنزفوري ؛ إذ العبرة بما في الواقع ونفس الأمر لا بما في ظن المكلف . ثانياً: بالنسبة إلى عباس .... وحسن .... وحيث إن المادة التي وجدت في حوزة محمد .... قد أظهر التحليل سلبيتها من المادة المخدرة ، ولم يثبت أن عيسى وعباس قد أحضرا غيرها ، فإن إدانتهما بالتوسط في جلب المخدرات غير صحيحة . ثالثاً : إن عدم إدانتهم بالحيازة أو التوسط لا يعني عدم استحقاقهم للتعزير لأن وقائع هذه القضية قد أظهرت استعداد هؤلاء الثلاثة لاستعمال المخدرات أو التوسط في بيعها ، فهم يستحقون التعزير لقاء ذلك ، ولكنهم لا يستحقون العقوبة المقررة لمحرز المخدرات أو من يتوسط في بيعها )) .
وهو ما يتماشى مع ما قرره بعض الفقهاء من تعزير شارب المباح ؛ إذ تشبه في شربه له بشراب الخمر في مجلسه وآنيته (57) .
السؤال الثاني :
إذا أقر المدعى عليه ببيع حبوب منبهة محظورة قبل مدة ، ولم يتم ضبطها حتى يعرف حقيقة كنهها بتحليل عينة منها ، فهل يكفى إقرار المدعى عليه لإثبات إدانته بالبيع ؟
الذي يظهر لي مجازاته بمقتضى إقراره دون أن يصل الجزاء إلى العقوبات المقررة في نظام مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية ، ولا يكفي إقراره بأن ما باعه حبوباً منبهة محظورة دون تحليل عينة منها في إثبات الإدانة ببيع الحبوب المنبهة المحظورة .
وكتبه : إبراهيم بن صالح الزغيبي
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
(54) النظام الأساسي للحكم الصادر بالأمر الملكي الكريم ذي الرقم أ / 90 ، والتأريخ 27/8/1412هـ .
(55) نص قـرار محـكمـة التمييـز بالرياض ذو الرقـم 183/ج3/ب ، فـي 5/3/1428هـ إلـى عـدم مجـازاتـه لأنـه إنمـا يظـن أنهـا ( محظورة ) ، والحكم بناء على القصد فقط في غير محله ، ووافقت في قرارها ذي الرقم219/ج3/ب ، في 20/3/1428هـ على التعزير .
(56) في عام 1390هـ انشئت وزارة العدل وعين وزيراً لها ، وحلت محل رئاسة القضاة ، ونيط بها المهمات المالية والإدارية التي كانت تضطلع بمهمات رئاسة القضاة ؛ ما عدا تدقيق الأحكام فقد نيط بهيئة سميت الهيئة القضائية العليا . انظر التنظيم القضائي في المملكة العربية السعودية ، د.سعود بن سعد الدريب ، ط1 ، 1403 ، مطابع حنيفة ، الرياض ، ص336 .
(57) انظر كشاف القناع ، البهوتي ، ج6 ، ص121 .
(12)
التحليل المخبري ، ودوره في إثبات الإدانة في قضايا المخدرات
الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين , أمابعد :
فقد عرفت المادة الأولى من نظام مكافحة المخدرات ، والمؤثرات العقلية الدليل المادي بأنه : (( إجراء التحليل المخبري في المختبر المعتمد للكشف عن كنه المادة المضبوطة وإثبات إيجابيتها للمادة المخدرة ، أو المؤثر العقلي من عدمها )) .
وأشارت المادة آنفة الذكر إلى ما يندرج في المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية .
ونصت المادة الثامنة والثلاثون من النظام الأساسي للحكم على أنه : (( لا جريمة ولا عقوبة إلا بناءً على نص شرعي ، أو نص نظامي )) (54) .
وأكدت المادة الثالثة من نظام الإجراءات الجزائية ذلك ، فنصت على أنه : (( لا يجوز توقيع عقوبة جزائية على أي شخص إلا على أمر محظور ، ومعاقب عليه شرعاً أو نظاماً ، وبعد ثبوت إدانته )) .
فـإذا تقـرر ذلك فـإن إثبـات الإدانـة بحيـازة المخـدرات ، أو المؤثرات العقلية ، ونحوها متوقف على ثبوت ايجابية عينة المادة التي تم تحريزها لإحدى المواد المخدرة ، أو المؤثرات العقلية ، أو السلائف الكيميائية المدرجة في نظام مكافحة المخدرات ، ولا يكفي إقرار المدعى عليه بكنه المادة المضبوطة عن إجراء التحليل المخبري في المختبر المعتمد لاثبات الإدانة .
وهنا سؤالان ؛ السؤال الأول :
إذا تبين بعد إجراء التحليل المخبري أن المادة التي تم تحريزها ، والتي حازها المدعى عليه على أنها مادة محظورة ليست من المواد المحظورة المنصوص عليها في نظام مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية ، فهل يجازى على حيازتها ؟
بعرض ذلك على بعض أصحاب الفضيلة القضاة وجدت اختلافاً بينهم ، فيرى بعضهم عدم مجازاته ؛ لأنه لا عقوبة إلا بنص ، ولأن المادة التي وجدت بحوزته ليست من المواد المحظورة بموجب نظام مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية ، ولأن العبرة بما في الواقع ونفس الأمر لا بما في ظن المكلف ، ولأن الأصل في الأشياء الإباحة .
ويرى بعضهم أنه ومع عدم استحقاقه للعقوبة المنصوص عليه في نظام مكافحة المخدرات ، إلا أنه يستحق التعزير ؛ لأنه وجد لديه استعداد لحيازة المخدرات سواء لقصد الاستعمال الشخصي أو الترويج ، وبالوقوف على بعض قرارات محكمة التمييز بالرياض أجد أن الخلاف موجود لديهم (55) .
والأظهر لي هو الرأي الثاني ، وهو ما يتفق مع قرار الهيئة القضائية العليا (56) ذي الرقم 324 ، والتأريخ 18/11/1393هـ والذي جاء فيه ما نصه : (( أولاً : إن إدانة محمد .... بحيازة الجنزفوري المخدر غير صحيحة ما دام أن التحليل المخبري قد أثبت أن المادة التي وجدت في حوزته ـ وقيل إنها جنزفوري ـ غير مخدره ، ولو أن المتهم يعتقد أن ما وجد في حوزته جنزفوري ؛ إذ العبرة بما في الواقع ونفس الأمر لا بما في ظن المكلف . ثانياً: بالنسبة إلى عباس .... وحسن .... وحيث إن المادة التي وجدت في حوزة محمد .... قد أظهر التحليل سلبيتها من المادة المخدرة ، ولم يثبت أن عيسى وعباس قد أحضرا غيرها ، فإن إدانتهما بالتوسط في جلب المخدرات غير صحيحة . ثالثاً : إن عدم إدانتهم بالحيازة أو التوسط لا يعني عدم استحقاقهم للتعزير لأن وقائع هذه القضية قد أظهرت استعداد هؤلاء الثلاثة لاستعمال المخدرات أو التوسط في بيعها ، فهم يستحقون التعزير لقاء ذلك ، ولكنهم لا يستحقون العقوبة المقررة لمحرز المخدرات أو من يتوسط في بيعها )) .
وهو ما يتماشى مع ما قرره بعض الفقهاء من تعزير شارب المباح ؛ إذ تشبه في شربه له بشراب الخمر في مجلسه وآنيته (57) .
السؤال الثاني :
إذا أقر المدعى عليه ببيع حبوب منبهة محظورة قبل مدة ، ولم يتم ضبطها حتى يعرف حقيقة كنهها بتحليل عينة منها ، فهل يكفى إقرار المدعى عليه لإثبات إدانته بالبيع ؟
الذي يظهر لي مجازاته بمقتضى إقراره دون أن يصل الجزاء إلى العقوبات المقررة في نظام مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية ، ولا يكفي إقراره بأن ما باعه حبوباً منبهة محظورة دون تحليل عينة منها في إثبات الإدانة ببيع الحبوب المنبهة المحظورة .
وكتبه : إبراهيم بن صالح الزغيبي
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
(54) النظام الأساسي للحكم الصادر بالأمر الملكي الكريم ذي الرقم أ / 90 ، والتأريخ 27/8/1412هـ .
(55) نص قـرار محـكمـة التمييـز بالرياض ذو الرقـم 183/ج3/ب ، فـي 5/3/1428هـ إلـى عـدم مجـازاتـه لأنـه إنمـا يظـن أنهـا ( محظورة ) ، والحكم بناء على القصد فقط في غير محله ، ووافقت في قرارها ذي الرقم219/ج3/ب ، في 20/3/1428هـ على التعزير .
(56) في عام 1390هـ انشئت وزارة العدل وعين وزيراً لها ، وحلت محل رئاسة القضاة ، ونيط بها المهمات المالية والإدارية التي كانت تضطلع بمهمات رئاسة القضاة ؛ ما عدا تدقيق الأحكام فقد نيط بهيئة سميت الهيئة القضائية العليا . انظر التنظيم القضائي في المملكة العربية السعودية ، د.سعود بن سعد الدريب ، ط1 ، 1403 ، مطابع حنيفة ، الرياض ، ص336 .
(57) انظر كشاف القناع ، البهوتي ، ج6 ، ص121 .