الزغيبي
14-05-2011, 04:42 PM
مسائل قضائية
(17)
تعديل الشهود
الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين , أما بعد :
فقد اتفق الفقهاء على اشتراط العدالة في الشاهد (87) ، لقوله تعالى : (( واشهدوا ذوي عدل منكم )) (88) .
والعدالة عند جمهور الحنابلة : (( استواء أحواله في دينه واعتدال أقواله وأفعاله ... ، ويعتبر لها ... شيئان : الصلاح في الدين وهو أداء الفرائض ، واجتناب المحارم .... فلا يرتكب كبيرة ولا يصر على صغيرة .... الثاني : .... استعمال المرؤة .... وهي فعل ما يجمله ويزينه وترك ما يدنسه ويشينه عادة )) (89) .
والصحيح من المذهب اعتبار العدالة في الشاهد ظاهراً وباطناً (90) .
وعدالة الظاهر: أن لا يظهر على الشاهد قادح ، ويظهر حسن سيرته وديانته ، والعلم بها مشترك بين كل من لهم به اتصال .
وعدالة الباطن هي : ما يخبره من يلابسونه في مثل هذه الأمور ، ويعرفون نزاهته من السوء أما العقائد الباطنة فأمرها إلى الله (91) .
وتعتبر العدالة في الشاهد حسب الإمكان ، والعدل في كل زمان ومكان وطائفة بحسبها لقوله تعالى : (( ممّن ترضون من الشهداء )) (92) ، والحليق وشارب الدخان في هذا الوقت ممّن يرضى الناس شهادتهم ، ولو اعتبـر في العـدالة ما ذكر في تعريفها لبطلت جلّ الشهادات ، ولضاعت الحقوق (93) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ : (( والعدل في كل زمان ومكان وفي كل طائفة بحسبها ، فيكون الشهيد في كل قوم من كان ذا عدل فيهم ، وإن كان لو كان في غيرهم لكان عدل على وجه آخر ))(94) .
وقال سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم ـ رحمه الله ـ (( .... والصحيح أن الشروط تعتبر حسب الإمكان في الشاهد .... ويصير عدل كل قوم هو خيرهم ، فلا تكون العدالة المعتبرة الملغى ما سواها هي العدالة في زمن الصحابة )) (95) .
وتثبت عدالة الشاهد بإحدى طرق ثلاث :
الطريقة الأولى :
تعديل المشهود عليه للشاهد ، فإذا عدل المشهود عليه الشاهد لم يبحث عن عدالة الشاهد ؛ لأن البحث عن عدالته لحق المشهود عليه ، وقد اعترف بها ؛ لكن لا تثبت عدالة الشاهد في حق غير المشهود عليه ؛ لأن عدالته لم تثبت بإطلاق(96) .
الطريقة الثانية :
علم القاضي بعدالة الشاهد ، فإذا علم القاضي أن الشاهد عدل حكم بشهادته ، وإن علم فسقه لم يحكم بها (97) ، وليس هذا من حكم القاضي بعلمه .
الطريقة الثالثة :
شهادة رجلين بعدالة الشاهد (98) ، ويكفى في الشهادة على العدالة أن يقول : هو عدل ، أو عدل رضا ، أو عدل مقبول الشهادة (99) .
والتعديل حق لله تعالى ؛ لذا يطلبه الحاكم ، وإن سكت عنه الخصم ؛ لتوقف صحة الحكم عليه (100) ، ولا يحتاج في الشهادة على العدالة حضور الخصمين ولا الشاهد ، ويجب فيها المشافهة ، ويكفى غلبة الظن فيها بخلاف الجرح فلا يجرحه إلا بما رآه أو سمعه منه ، أو استفاض عنه (101) .
وكما تشترط العدالة في شاهد الأصل ، فإنها تشترط في الشاهد على العدالة (102) .
وقد ذكر كثير من فقهاء المذهب وغيرهم أن القاضي يتخذ أصحاب مسائل تتوفر فيهم شروط الشهادة يكتب إليهم باسم ونسب وصفة من يشهد عنده ممّن يجهل عدالته ليسألوا عنه ، فإن رجعوا بتعديله قبله من اثنين منهم (103) .
وعند النظر في عمل المحاكم أجد أن القاضي يجهل في كثير من الحالات عدالة المعدلين ، بل قد يكون ظاهر بعض الشهود أفضل من ظاهر بعض معدليهم ، وطلب معدلين للمعدلين يلزم منه الدور ، فما هو المستند في قبول شهادة من جهل القاضي عدالته من المعدلين ؟
يمكن القول بأن : العدل من لم تظهر منه ريبة ، وهو رواية عن الإمام أحمد اختارها الخرقي وغيره (104) فقبلت شهادته بناء على ذلك .
لكن على القول بذلك ، فلماذا لم يؤخذ بهذا القول في عدالة الشاهد الذي طلب تعديله ؟
وما المانع من اتخاذ أصحاب مسائل كما ذكر كثير من فقهاء المذهب وغيرهم ؛ لاسيما في القضايا المهمة ذات الأثر ؟
وكتبه :
إبراهيم بن صالح الزغيبي
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ
(87) انظر : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ، أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني ، دار الكتب العلمية ، ج6 ، ص268 ؛ مواهب الجليل في شرح مختصر خليل ، محمد بن محمد بن عبدالرحمن الخطاب ، دار الفكر ، ج6 ، ص151 ؛ مغني المحتاج إلى معرفة الفاظ المنهاج ، محمد بن أحمد الشربيني ، دار الكتب العلمية ، ج6 ، ص341 ؛ كشاف القناع ، للبهوتي ، ج6 ، ص418 .
(88) سورة الطلاق أية رقم 2 .
(89) كشاف القناع ، للبهوتي ، ج6 ، ص418ـ 422 . وانظر : الإنصاف للمرداوي ، ج11 ، ص43ـ 51 .
(90) انظر : الإنصاف ، للمرداوي ، ج11 ، ص43 ؛ شرح منتهى الإرادات ، للبهوتي ، ج3 ، ص488 ؛ فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم ، ج12 ، ص423 ، م4223 .
(91) انظر : فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم ، ج12 ، ص425 ، م4224 .
(92) سورة البقرة آية رقم 282 .
(93) انظر : كشاف القناع ، للبهوتي ، ج6 ، ص419 .
(94) الإختبارات الفقهية من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ، للبعلي ، ص357 .
(95) فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم ، ج13 ، ص23 ، م4323 .
(96) انظر: أدب القضاء ، لابن أبي الدم ، ص148 ؛ كشاف القناع ، للبهوتي ، ج6 ، ص351 ؛ فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم ، ج12 ، ص426 ، م4226 .
(97) انظر : شرح مختصر خليل ، للخرشي ، دار الفكر ، ج7 ، ص169 ؛ أدب القضاء ، لابن أبي الدم ، ص157 ، كشاف القناع ، للبهوتي ، ج6 ، ص348 .
(98) انظر : كشاف القناع ، للبهوتي ، ج6 ، ص350ـ 351 .
(99) انظر : كشاف القناع ، للبهوتي ، ج6 ، ص351 .
(100) انظر : أدب القضاء ، لابن أبي الدم ، ص148 ؛ كشاف القناع ، للبهوتي ، ج6 ، ص351 .
(101) انظر : كشاف القناع ، للبهوتي ، ج6 ، ص351 .
(102) انظر : كشاف القناع ، للبهوتي ، ج6 ، ص351 ؛ فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم ، ج12 ، ص429 ، ص4231 .
(103) انظر : كشاف القناع ، للبهوتي ، ج6 ، ص353 .
(104) انظر : الإنصاف ، للمرداوي ، ج11 ، ص43 .
(17)
تعديل الشهود
الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين , أما بعد :
فقد اتفق الفقهاء على اشتراط العدالة في الشاهد (87) ، لقوله تعالى : (( واشهدوا ذوي عدل منكم )) (88) .
والعدالة عند جمهور الحنابلة : (( استواء أحواله في دينه واعتدال أقواله وأفعاله ... ، ويعتبر لها ... شيئان : الصلاح في الدين وهو أداء الفرائض ، واجتناب المحارم .... فلا يرتكب كبيرة ولا يصر على صغيرة .... الثاني : .... استعمال المرؤة .... وهي فعل ما يجمله ويزينه وترك ما يدنسه ويشينه عادة )) (89) .
والصحيح من المذهب اعتبار العدالة في الشاهد ظاهراً وباطناً (90) .
وعدالة الظاهر: أن لا يظهر على الشاهد قادح ، ويظهر حسن سيرته وديانته ، والعلم بها مشترك بين كل من لهم به اتصال .
وعدالة الباطن هي : ما يخبره من يلابسونه في مثل هذه الأمور ، ويعرفون نزاهته من السوء أما العقائد الباطنة فأمرها إلى الله (91) .
وتعتبر العدالة في الشاهد حسب الإمكان ، والعدل في كل زمان ومكان وطائفة بحسبها لقوله تعالى : (( ممّن ترضون من الشهداء )) (92) ، والحليق وشارب الدخان في هذا الوقت ممّن يرضى الناس شهادتهم ، ولو اعتبـر في العـدالة ما ذكر في تعريفها لبطلت جلّ الشهادات ، ولضاعت الحقوق (93) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ : (( والعدل في كل زمان ومكان وفي كل طائفة بحسبها ، فيكون الشهيد في كل قوم من كان ذا عدل فيهم ، وإن كان لو كان في غيرهم لكان عدل على وجه آخر ))(94) .
وقال سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم ـ رحمه الله ـ (( .... والصحيح أن الشروط تعتبر حسب الإمكان في الشاهد .... ويصير عدل كل قوم هو خيرهم ، فلا تكون العدالة المعتبرة الملغى ما سواها هي العدالة في زمن الصحابة )) (95) .
وتثبت عدالة الشاهد بإحدى طرق ثلاث :
الطريقة الأولى :
تعديل المشهود عليه للشاهد ، فإذا عدل المشهود عليه الشاهد لم يبحث عن عدالة الشاهد ؛ لأن البحث عن عدالته لحق المشهود عليه ، وقد اعترف بها ؛ لكن لا تثبت عدالة الشاهد في حق غير المشهود عليه ؛ لأن عدالته لم تثبت بإطلاق(96) .
الطريقة الثانية :
علم القاضي بعدالة الشاهد ، فإذا علم القاضي أن الشاهد عدل حكم بشهادته ، وإن علم فسقه لم يحكم بها (97) ، وليس هذا من حكم القاضي بعلمه .
الطريقة الثالثة :
شهادة رجلين بعدالة الشاهد (98) ، ويكفى في الشهادة على العدالة أن يقول : هو عدل ، أو عدل رضا ، أو عدل مقبول الشهادة (99) .
والتعديل حق لله تعالى ؛ لذا يطلبه الحاكم ، وإن سكت عنه الخصم ؛ لتوقف صحة الحكم عليه (100) ، ولا يحتاج في الشهادة على العدالة حضور الخصمين ولا الشاهد ، ويجب فيها المشافهة ، ويكفى غلبة الظن فيها بخلاف الجرح فلا يجرحه إلا بما رآه أو سمعه منه ، أو استفاض عنه (101) .
وكما تشترط العدالة في شاهد الأصل ، فإنها تشترط في الشاهد على العدالة (102) .
وقد ذكر كثير من فقهاء المذهب وغيرهم أن القاضي يتخذ أصحاب مسائل تتوفر فيهم شروط الشهادة يكتب إليهم باسم ونسب وصفة من يشهد عنده ممّن يجهل عدالته ليسألوا عنه ، فإن رجعوا بتعديله قبله من اثنين منهم (103) .
وعند النظر في عمل المحاكم أجد أن القاضي يجهل في كثير من الحالات عدالة المعدلين ، بل قد يكون ظاهر بعض الشهود أفضل من ظاهر بعض معدليهم ، وطلب معدلين للمعدلين يلزم منه الدور ، فما هو المستند في قبول شهادة من جهل القاضي عدالته من المعدلين ؟
يمكن القول بأن : العدل من لم تظهر منه ريبة ، وهو رواية عن الإمام أحمد اختارها الخرقي وغيره (104) فقبلت شهادته بناء على ذلك .
لكن على القول بذلك ، فلماذا لم يؤخذ بهذا القول في عدالة الشاهد الذي طلب تعديله ؟
وما المانع من اتخاذ أصحاب مسائل كما ذكر كثير من فقهاء المذهب وغيرهم ؛ لاسيما في القضايا المهمة ذات الأثر ؟
وكتبه :
إبراهيم بن صالح الزغيبي
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ
(87) انظر : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ، أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني ، دار الكتب العلمية ، ج6 ، ص268 ؛ مواهب الجليل في شرح مختصر خليل ، محمد بن محمد بن عبدالرحمن الخطاب ، دار الفكر ، ج6 ، ص151 ؛ مغني المحتاج إلى معرفة الفاظ المنهاج ، محمد بن أحمد الشربيني ، دار الكتب العلمية ، ج6 ، ص341 ؛ كشاف القناع ، للبهوتي ، ج6 ، ص418 .
(88) سورة الطلاق أية رقم 2 .
(89) كشاف القناع ، للبهوتي ، ج6 ، ص418ـ 422 . وانظر : الإنصاف للمرداوي ، ج11 ، ص43ـ 51 .
(90) انظر : الإنصاف ، للمرداوي ، ج11 ، ص43 ؛ شرح منتهى الإرادات ، للبهوتي ، ج3 ، ص488 ؛ فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم ، ج12 ، ص423 ، م4223 .
(91) انظر : فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم ، ج12 ، ص425 ، م4224 .
(92) سورة البقرة آية رقم 282 .
(93) انظر : كشاف القناع ، للبهوتي ، ج6 ، ص419 .
(94) الإختبارات الفقهية من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ، للبعلي ، ص357 .
(95) فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم ، ج13 ، ص23 ، م4323 .
(96) انظر: أدب القضاء ، لابن أبي الدم ، ص148 ؛ كشاف القناع ، للبهوتي ، ج6 ، ص351 ؛ فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم ، ج12 ، ص426 ، م4226 .
(97) انظر : شرح مختصر خليل ، للخرشي ، دار الفكر ، ج7 ، ص169 ؛ أدب القضاء ، لابن أبي الدم ، ص157 ، كشاف القناع ، للبهوتي ، ج6 ، ص348 .
(98) انظر : كشاف القناع ، للبهوتي ، ج6 ، ص350ـ 351 .
(99) انظر : كشاف القناع ، للبهوتي ، ج6 ، ص351 .
(100) انظر : أدب القضاء ، لابن أبي الدم ، ص148 ؛ كشاف القناع ، للبهوتي ، ج6 ، ص351 .
(101) انظر : كشاف القناع ، للبهوتي ، ج6 ، ص351 .
(102) انظر : كشاف القناع ، للبهوتي ، ج6 ، ص351 ؛ فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم ، ج12 ، ص429 ، ص4231 .
(103) انظر : كشاف القناع ، للبهوتي ، ج6 ، ص353 .
(104) انظر : الإنصاف ، للمرداوي ، ج11 ، ص43 .