ابن حزم
07-02-2009, 06:37 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
منقولات في
حـــــــــبس المديــــــن
1. اختلاف الإقرار عن الإنكار مع ثبوته بالبينة في التعجيل بحبسه .
قال في "العناية" : ( وإذا ثبت الحق عند القاضي وطلب صاحب الحق حبس غريمه لم يعجل بحبسه وأمره بدفع ما عليه ) لأن الحبس جزاء المماطلة فلا بد من ظهورها , وهذا إذا ثبت الحق بإقراره لأنه لم يعرف كونه مماطلا في أول الوهلة فلعله طمع في الإمهال فلم يستصحب المال , فإذا امتنع بعد ذلك حبسه لظهور مطله , أما إذا ثبت بالبينة حبسه كما ثبت لظهور المطل بإنكاره ) .
2. مشروعية ضرب المدين .
قال الإمام ابن تيمية : ( .. ومن كان قادراً على وفاء دينه وامتنع أجبر على وفائه بالضرب والحبس، ونص على ذلك الأئمة من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم .. ).
قال في حاشية قليوبي وعميرة (2/356) : ( .. للحاكم تعزير الممتنع من أداء دين عليه , بعد طلب مستحقه بحبس أو ضرب , وإن زاد على التعزير بل وإن أدى إلى موته لأنه بحق ولا ضمان عليه فيه ) .
3. الحد من حركة المدين بمنعه من السفر أو لزوم بيته .
قال الإمام ابن تيمية في "الكبرى" (5/398) : (.. ولا يجب حبسه بمكان معين فيجوز حبسه في دار نفسه , بحيث لا يمكن من الخروج ) .
4. جواز حرمان المدين من بعض احتياجاته حملاً له على سداد ما عليه:
قال الإمام ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى" (5/398) : (.. ولو كان قادرا على أداء الدين وامتنع ورأى الحاكم منعه من فضول الأكل والنكاح فله ذلك , إذ التعزير لا يختص بنوع معين , وإنما يرجع فيه إلى اجتهاد الحاكم في نوعه وقدره إذا لم يتعد حدود الله .. ) .
5. إذا كان المال قليلاً عادة يُستنفد في نفقته المعتادة لم يحبس .
قال في الإنصاف (5/279) : (..قوله : فإن لم يكن كذلك : حلف وخلي سبيله ) . أي وإن ادعى الإعسار , ولم يعرف له مال سابق , ودينه عن غير عوض , لم يقر بالملاءة به , أو عرف له مال سابق والغالب ذهابه . ) .
وقال عز الدين ابن عبدالسلام في القواعد (1/118) : ( .. فإن قيل : إذا طالت المدة وكان ضعيفا عن الكسب فالظاهر أنه ينفق مما عهدناه على نفسه وعياله , فإذا مضت مدة تستوعب نفقتها الغنى الذي عهدناه فينبغي أن لا يحبس لمضارعة هذا الظاهر لاستمرار غناه ؟ قلنا جواب هذا السؤال مشكل جدا ولعل الله أن ييسر حله , فإن ما ذكروه ظاهر فيمن قرب عهده بالغنى دون من مضت عليه مدة تستوعب نفقتها أضعاف غناه , مع أن الأصل عدم اكتساب غير ما في يده , وليس تقدير الإنفاق من كسبه بأولى من تقديره مما في يده ) .
6. إذا كان دينه عن غير عوض كالديات وقيم المتلفات وأروش الجنايات والضمانات المالية والمهور ونفقات الأقارب جاز سماع دعواه الإعسار فوراً لأن الأصل في الناس عدم الغنى مع ما ينضم إلى ذلك من البينة المعدلة .
وهناك من يفرق بين ما لزمه بغير التزامه وما لزمه بالتزامه كالضمان والمهر وما لزمه بغير ذلك كقيم المتلفات :
قال الإمام ابن تيمية في "الكبرى" (5/398) : (وإذا لزم الإنسان الدين بغير معاوضة كالضمان ونحوه , ولم يعرف له مال فالقول قوله مع يمينه في الإعسار وهو مذهب أحمد وغيره .. ) .
وفي "الفتاوى الهندية" (3/412) (.. فإن قال الطالب : هو موسر قادر على القضاء . وقال المديون : أنا معسر تكلموا فيه قال بعضهم : القول قول المديون أنه معسر , وقال بعضهم : إن كان الدين واجبا بدلا عما هو مال كالقرض وثمن المبيع فالقول قول مدعي اليسار مروي ذلك عن أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - وعليه الفتوى ; لأن قدرته كانت ثابتة بالمبدل فلا يقبل قوله في زوال تلك القدرة , وإن لم يكن الدين بدلا عما هو مال كان القول قول المديون .. ) .
وقال في الإنصاف (5/279) : (..قوله : فإن لم يكن كذلك : حلف وخلي سبيله ) . أي وإن ادعى الإعسار , ولم يعرف له مال سابق , ودينه عن غير عوض , لم يقر بالملاءة به , أو عرف له مال سابق والغالب ذهابه . وهذا الصحيح من المذهب . وعليه جماهير الأصحاب . قال الزركشي : هذا المعروف في المذهب . وجزم به في الهداية , والمذهب , والخلاصة , والتلخيص , والمحرر , والنظم , والوجيز , وغيرهم . وقدمه في الفروع , وغيره ) .
وفي "الجوهرة النيرة" (1/246) : ( ولم يحبسه فيما سوى ذلك كأرش الجنايات إذا قال أنا فقير ; لأن الأصل الفقر فمن ادعى الغنى يدعي معنى حادثا فلا يقبل إلا ببينة . قوله : ( إلا أن يقيم غريمه بينة أن له مالا ) فحينئذ يحبسه ; لأن البينة أولى من دعواه الفقر ) .
وفي مطالب أولي النهى 3/373 ( .. وإلا يكن دينه عن عوض ; كصداق , ولم يعرف له مال الأصل بقاؤه , ولم يقر أنه مليء , ولم يحلف مدعي طلب يمينه أنه لا يعلم عسرته ; ( حلف مدين ) أنه لا مال له , ( وخلي ) سبيله ; لأن الحبس عقوبة , ولا يعلم له ذنب يعاقب به ) .
7. أن هناك من السلف والعلماء المحققين من لا يرى الحبس سواء وجد العوض المالي عند المدين أو لم يوجد والعبرة بما يظهر من غناه فإن لم يظهر ذلك لم يجز حبسه استظهارا ولا عقوبة .
قال ابن القيم في الطرق الحكمية ص 56 :
( وكان علي رضي الله عنه لا يحبس في الدين , ويقول : " إنه ظلم " . قال علي : " حبس الرجل في السجن بعد معرفة ما عليه من الحق ظلم " .وكان علي إذا جاءه الرجل بغريمه , قال : لي عليه كذا . يقول : اقضه فيقول : ما عندي ما أقضيه , فيقول : غريمه : إنه كاذب , وإنه غيب ماله . فيقول : هلم بينة على ماله يقضى لك عليه . فيقول : إنه غيبه . فيقول : استحلفه بالله ما غيب منه شيئا . قال : لا أرضى بيمينه . فيقول : فما تريد ؟ قال : أريد أن تحبسه لي , فيقول : لا أعينك على ظلمه , ولا أحبسه , قال : إذن ألزمه , فيقول : إن لزمته كنت ظالما له , وأنا حائل بينك وبينه" . قلت : هذا الحكم عليه جمهور الأئمة فيما إذا كان عليه دين عن غير عوض مالي , كالإتلاف والضمان والمهر ونحوه فإن القول قوله مع يمينه ولا يحل حبسه بمجرد قول الغريم : إنه مليء , وإنه غيب ماله . قالوا : وكيف يقبل قول غريمه عليه , ولا أصل هناك يستصحبه ولا عوض هذا الذي ذكره أصحاب الشافعي ومالك وأحمد . وأما أصحاب أبي حنيفة : فإنهم قسموا الدين إلى ثلاثة أقسام : قسم عن عوض مالي , كالقرض , وثمن المبيع ونحوهما . وقسم لزمه بالتزامه , كالكفالة والمهر وعوض الخلع ونحوه , وقسم لزمه بغير التزامه , وليس في مقابلة عوض , كبدل المتلف وأرش الجناية , ونفقة الأقارب والزوجات , وإعتاق العبد المشترك ونحوه . ففي القسمين الأولين : يسأل المدعي عن إعسار غريمه , فإن أقر بإعساره لم يحبس له , وإن أنكر إعساره , وسأل حبسه : حبس , لأن الأصل بقاء عوض الدين عنده , والتزامه للقسم الآخر باختياره : يدل على قدرته على الوفاء . وهل تسمع بينة بالإعسار قبل الحبس أو بعده ؟ على قولين عندهم . وإذا قيل : لا تسمع إلا بعد الحبس , فقال بعضهم : تكون مدة الحبس شهرا , وقيل : اثنان , وقيل : ثلاثة , وقيل : أربعة , وقيل : ستة , والصحيح : أنه لا حد له , وأنه مفوض إلى رأي الحاكم . والذي يدل عليه الكتاب والسنة , وقواعد الشرع : أنه لا يحبس في شيء من ذلك , إلا أن يظهر بقرينة أنه قادر مماطل , سواء كان دينه عن عوض أو عن غير عوض , وسواء لزمه باختياره أو بغير اختياره . فإن الحبس عقوبة , والعقوبة إنما تسوغ بعد تحقق سببها , وهي من جنس الحدود , فلا يجوز إيقاعها بالشبهة , بل يتثبت الحاكم , ويتأمل حال الخصم , ويسأل عنه , فإن تبين له مطله وظلمه ضربه إلى أن يوفي أو يحبسه , وإن تبين له بالقرائن والأمارات عجزه لم يحل له أن يحبسه ولو أنكر غريمه إعساره , فإن عقوبة المعذور شرعا ظلم . وإن لم يتبين له من حاله شيء أخره حتى يتبين له حاله . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لغرماء المفلس الذي لم يكن له ما يوفي دينه : "خذوا ما وجدتم , وليس لكم إلا ذلك" وهذا صريح في أنه ليس لهم إذا أخذوا ما وجدوه إلا ذلك , وليس لهم حبسه ولا ملازمته ولا ريب أن الحبس من جنس الضرب , بل قد يكون أشد منه , ولو قال الغريم للحاكم : اضربه إلى أن يحضر المال , لم يجبه إلى ذلك فكيف يجيبه إلى الحبس الذي هو مثله أو أشد . ولم يحبس الرسول صلى الله عليه وسلم طول مدته أحدا في دين قط , ولا أبو بكر بعده ولا عمر ولا عثمان رضي الله عنهم ; وقد ذكرنا قول علي رضي الله عنه . قال شيخنا رحمه الله : وكذلك لم يحبس رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الخلفاء الراشدين زوجا في صداق امرأته أصلا . وفي رسالة الليث إلى مالك - التي رواها يعقوب بن سفيان الفسوي الحافظ في تاريخه " عن أيوب عن يحيى بن عبيد الله بن أبي بكر المخزومي , قال : هذه رسالة الليث بن سعد إلى مالك فذكرها إلى أن قال : " ومن ذلك : أن أهل المدينة يقضون في صدقات النساء , أنها متى شاءت أن تكلم في مؤخر صداقها تكلمت , فيدفع إليها . وقد وافق أهل العراق أهل المدينة على ذلك , وأهل الشام وأهل مصر ولم يقض أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من بعده لامرأة بصداقها .. والمقصود : أن الحبس في الدين من جنس الضرب بالسياط والعصي فيه , وذلك عقوبة لا تسوغ إلا عند تحقق السبب الموجب ولا تسوغ بالشبهة , بل سقوطها بالشبهة أقرب إلى قواعد الشريعة من ثبوتها بالشبهة , والله أعلم . أهـ كلام ابن القيم .
الخلاصة :
1. أن العلماء مختلفون اختلافاً كبيراً في أصل حبس المدين أو عقوبته لعدم نص من الكتاب أو السنة ؛ فهي من موارد الاجتهاد .
2. أن الأصل أن من دفع بالإعسار وكان له بينه وثبتت عند الحاكم لم يجز التعدي عليه بأي نوع من التعزير أو الإلجاء بحبس أو ضرب أو حرمان من حركة أو حاجة وذلك بنص الكتاب : "وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة" ونص السنة : "خذوا ما وجدتم , وليس لكم إلا ذلك".
وما ذكره العلماء من جواز حبسه قبل سماع بينة الإعسار إنما هو استثناء من النص والقواعد الشرعية منعاً للماطلة والتلاعب ، وهو نوع من إعمال السياسة الشرعية ؛ فلا ينبغي أن تتحول القاعدة إلى استثناء بحيث يكون الأصل هو حبس المدين أو ضربه .
3. أن امتناع المدين عن السداد من جنس الصيال الذي ينبغي دفعه بالأسهل فالأسهل بل هو أولى من الصائل ؛ لأن هذا غاصب معتد والمدين أخذ المال برضا صاحبه .
4. أن المتأمل في أكثر أحوال الناس في هذه الأزمنة هي العجز عن السداد فينبغي أن يراعى هذا في اتخاذ أي إجراء فالشريعة تراعي في أحكامها
الأحوال الغالبة . كما أن الغالب أن من ليس له أموال ظاهرة وحركة تجارية بينة الغالب أنه ليس بغني إذْ لا يستطيع الإنسان إخفاء ذلك ، وإذا استطاع إخفاءه فهو نادر والنادر لا حكم له .
5. أن عبء الاستيثاق وكذلك حمل الناس على السداد ـ في الأصل ـ إنما هو من مهمات صاحب الدين ، والأصل في هذا ما ذكره العلماء من الملازمة وهذا عبء على الدائن ، وينبغي أن يكون الحبس والعقوبة من الحاكم في ذلك استثنائياً لا أصلياً .
إن هناك فرقاً بين الديون الناتجة عن سرقة واختلاس والناتجة عن عقود تمت بين الطرفين بالتراضي فالأولى يجب على الحاكم اتخاذ الإجراءات الصارمة للمحافظة على الأمن المالي وأن لا يمكن المختلسون من الاستفادة من جرائمهم . وما في ذلك أيضاً من صعوبة الاحتراز من السرقة والاختلاس . أما عقود التراضي فينبغي أن يكلف العاقد عبء الاستيثاق لدينه بالكفيل والضمين والرهن وغيرها لا أن تُكلف الدولة والقضاء بذلك .
وأما ما يقال من أن المحافظة على حقوق الدائن سبب للاستقرار الاقتصادي فهو غير صحيح فالدول المستقرة اقتصاديا لا تحبس في الدين إلا في حدود ضيقة وهي التأكد من وجود المال مع عدم إمكانية التنفيذ على هذا المال إلا من خلال المدين فيُلجأ حينئذ إلى حبسه ، ولهذا يلجأ العاقد عندهم إلى التأكد من ملاءة المدين قبل العقد .
6. أن التوسط والحكمة في ذلك هما الطريق الرشد فتعطى كل حالة حكمها المناسب لها فلا يستعجل في الحبس ولا يحبس في كل دين ولا يعطى من ظهرت مماطلته وتلاعبه كغيره من الناس ومن ذلك مراعاة قواعد سد ذرائع التلاعب باعتدال .
7. أن طرق حمل المدين على السداد التي ذكرها الفقهاء كثيرة منها :
1. الزجر والتهديد .
2. التشهير .
3. بيع ماله إن وجد له مال .
4. إيقاف راتبه أو جزء منه .
5. إجباره على لزوم منزله .
6. الملازمة .
7. قطع بعض الاحتياجات المهمة .
8. الحبس .
9. الضرب .
ونظير حرمانه من بعض احتياجاته قطع اتصالاته الثابتة أو المتحركة ، أو من كفلهم في هذه الاتصالات ممن تلزمه نفقتهم كزوجة أو ابن .
ومنها : قطع خدمة الكهرباء .
وهذه بعض الأمور الإجرائية المهمة في إلزام المدين في إطار القواعد التي ذكرها أهل العلم :
1. الديون التي نتجت عن اختلاس أو سرقة أو غصب :
للقاضي اتخاذ جميع طرق حمله على السداد والأصل في مثل هذا حبسه استظهاراً لحاله وعقوبة له على اختلاسه ومطله .
وكما ذكر ابن عبدالسلام والمرداوي آنفاً فإن المال إذا كان يستنفد في نفقة مثله عادة جاز سماع دعوى إعساره أي لا يبقى محبوساً حتى يسدد كما يقوله بعض الفقهاء .
2. الدين الذي لم ينتج عن معاوضة ولا التزام من المدين كالديات وأروش الجنايات وقيم المتلفات :
1. أن يُبتدأ بالسؤال عن أمواله من خلال مدينه ومن خلال المؤسسات المالية كالغرفة التجارية والبنوك وكتابات العدل وإدارة المرور .
2. أن يؤخذ إقرار الدائن بطلب حبسه لأنه شرط لجواز ذلك عند أكثر الققهاء .
3. أن يتخذ ما يراه القاضي من الإجراءات الضامنة كمنعه من السفر أو كفيل على بدنه .
4. أن يُمهل فترة كافية للسداد يقدرها القاضي وذلك عند عودة المعاملة له من التنفيذ .
فإن ظهر له مال نفذ القاضي عليه أو حبسه ليسدد منه إذا تعذر التنفيذ عليه .
وإذا لم يظهر له مال لم يجز حبسه وقد حكى ابن تيمية هذا عن جماهير العلماء .
وإذا راجع الدائن وطالب بحبسه جاز سماع دعوى المدين الإعسار فوراً دون حبس .
3. الدين الذي لم ينتج عن معاوضة ولكنه كان بالتزام من المدين كأجرة الدار والمهر والضمان والكفالة :
1. أن تُتخذ الإجراءات المذكورة للتحري عن أمواله .
2. للقاضي النظر في إعساره قبل حبسه أو استعمال وسائل أخرى
كقطع الراتب أو الحسم منه أو قطع الخدمات أو بعضها وإذا رأى حبسه استظهاراً فتكون المدة قليلة كشهر .
4. الدين الذي نتج عن معاوضة :
1. أن تُتخذ الإجراءات المذكورة للتحري عن أمواله والضمانات المذكورة .
2. للقاضي حبسه فترة للاستظهار أو استعمال وسائل أخرى كقطع الراتب أو الحسم منه أو قطع الخدمات أو بعضها .
ويكون الحبس بما يغلب على الظن أنه يحمل مثله على السداد .
ومن المهم وجود قاعدة إذْ لا يمكن أن يكون المبلغ الكثير كالقليل .
فالقاضي ـ في الواقع ـ يلتفت بوضوح إلى تأثير قدر الدين في مدة الحبس فهو مثلاً يحبس شهرين في 30000ريال ولكنه يحبس في ظروف مماثلة ستة أشهر في 100000 ريال وهذا يدل أن لقدر الدين تأثيراً في اختيار فترة الحبس .
والمقترح في هذا أن يُجعل مقابل كل شهر من الحبس مبلغ من المال يراعى عند تقديره حال المدين ودخله في بلده على أن لا يتجاوز مجموع السجن مدة معينة يكون القضاة قريبين من بعض في تحديدها .
وبهذا يمكن أن لا يكون هناك تفاوت كبير .
مع مراعاة أشياء قد يرى القاضي أنها تؤثر في تحديد المدة زيادة ونقصا منها :
1. وجود قرائن على وجود المال أو المماطلة . ذكر ذلك ابن تيمية وغيره .
2. كثرة الاستدانة والتساهل في ذلك أو عدمه .
3. كون المال قيمة لضرورات كزواج وسيارة المثل أو عدم ذلك .
4. كون المال يُستنفد عادة كالمال القليل لمن ليس له دخل ظاهر فالغالب صرفه في نفقاته وأشار إلى ذلك في "الإنصاف" وابن عبدالسلام في "القواعد" .
5. تفريق الفقهاء بين ما نتج عن معاوضة فالأصل بقاء العوض وما نتج عن غير معاوضة فيقال إن الأصل الفقر وعدم الملاءة .
6. تفريق الفقهاء بين ما نتج عن التزامٍ من المدين كالمهر والكفالة والضمان وذلك لأن التزامه دليل منه هو على قدرته على السداد بخلاف ما كان بغير التزام . ذكر ذلك أكثر الفقهاء كما تقدم في النقولات .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
منقولات في
حـــــــــبس المديــــــن
1. اختلاف الإقرار عن الإنكار مع ثبوته بالبينة في التعجيل بحبسه .
قال في "العناية" : ( وإذا ثبت الحق عند القاضي وطلب صاحب الحق حبس غريمه لم يعجل بحبسه وأمره بدفع ما عليه ) لأن الحبس جزاء المماطلة فلا بد من ظهورها , وهذا إذا ثبت الحق بإقراره لأنه لم يعرف كونه مماطلا في أول الوهلة فلعله طمع في الإمهال فلم يستصحب المال , فإذا امتنع بعد ذلك حبسه لظهور مطله , أما إذا ثبت بالبينة حبسه كما ثبت لظهور المطل بإنكاره ) .
2. مشروعية ضرب المدين .
قال الإمام ابن تيمية : ( .. ومن كان قادراً على وفاء دينه وامتنع أجبر على وفائه بالضرب والحبس، ونص على ذلك الأئمة من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم .. ).
قال في حاشية قليوبي وعميرة (2/356) : ( .. للحاكم تعزير الممتنع من أداء دين عليه , بعد طلب مستحقه بحبس أو ضرب , وإن زاد على التعزير بل وإن أدى إلى موته لأنه بحق ولا ضمان عليه فيه ) .
3. الحد من حركة المدين بمنعه من السفر أو لزوم بيته .
قال الإمام ابن تيمية في "الكبرى" (5/398) : (.. ولا يجب حبسه بمكان معين فيجوز حبسه في دار نفسه , بحيث لا يمكن من الخروج ) .
4. جواز حرمان المدين من بعض احتياجاته حملاً له على سداد ما عليه:
قال الإمام ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى" (5/398) : (.. ولو كان قادرا على أداء الدين وامتنع ورأى الحاكم منعه من فضول الأكل والنكاح فله ذلك , إذ التعزير لا يختص بنوع معين , وإنما يرجع فيه إلى اجتهاد الحاكم في نوعه وقدره إذا لم يتعد حدود الله .. ) .
5. إذا كان المال قليلاً عادة يُستنفد في نفقته المعتادة لم يحبس .
قال في الإنصاف (5/279) : (..قوله : فإن لم يكن كذلك : حلف وخلي سبيله ) . أي وإن ادعى الإعسار , ولم يعرف له مال سابق , ودينه عن غير عوض , لم يقر بالملاءة به , أو عرف له مال سابق والغالب ذهابه . ) .
وقال عز الدين ابن عبدالسلام في القواعد (1/118) : ( .. فإن قيل : إذا طالت المدة وكان ضعيفا عن الكسب فالظاهر أنه ينفق مما عهدناه على نفسه وعياله , فإذا مضت مدة تستوعب نفقتها الغنى الذي عهدناه فينبغي أن لا يحبس لمضارعة هذا الظاهر لاستمرار غناه ؟ قلنا جواب هذا السؤال مشكل جدا ولعل الله أن ييسر حله , فإن ما ذكروه ظاهر فيمن قرب عهده بالغنى دون من مضت عليه مدة تستوعب نفقتها أضعاف غناه , مع أن الأصل عدم اكتساب غير ما في يده , وليس تقدير الإنفاق من كسبه بأولى من تقديره مما في يده ) .
6. إذا كان دينه عن غير عوض كالديات وقيم المتلفات وأروش الجنايات والضمانات المالية والمهور ونفقات الأقارب جاز سماع دعواه الإعسار فوراً لأن الأصل في الناس عدم الغنى مع ما ينضم إلى ذلك من البينة المعدلة .
وهناك من يفرق بين ما لزمه بغير التزامه وما لزمه بالتزامه كالضمان والمهر وما لزمه بغير ذلك كقيم المتلفات :
قال الإمام ابن تيمية في "الكبرى" (5/398) : (وإذا لزم الإنسان الدين بغير معاوضة كالضمان ونحوه , ولم يعرف له مال فالقول قوله مع يمينه في الإعسار وهو مذهب أحمد وغيره .. ) .
وفي "الفتاوى الهندية" (3/412) (.. فإن قال الطالب : هو موسر قادر على القضاء . وقال المديون : أنا معسر تكلموا فيه قال بعضهم : القول قول المديون أنه معسر , وقال بعضهم : إن كان الدين واجبا بدلا عما هو مال كالقرض وثمن المبيع فالقول قول مدعي اليسار مروي ذلك عن أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - وعليه الفتوى ; لأن قدرته كانت ثابتة بالمبدل فلا يقبل قوله في زوال تلك القدرة , وإن لم يكن الدين بدلا عما هو مال كان القول قول المديون .. ) .
وقال في الإنصاف (5/279) : (..قوله : فإن لم يكن كذلك : حلف وخلي سبيله ) . أي وإن ادعى الإعسار , ولم يعرف له مال سابق , ودينه عن غير عوض , لم يقر بالملاءة به , أو عرف له مال سابق والغالب ذهابه . وهذا الصحيح من المذهب . وعليه جماهير الأصحاب . قال الزركشي : هذا المعروف في المذهب . وجزم به في الهداية , والمذهب , والخلاصة , والتلخيص , والمحرر , والنظم , والوجيز , وغيرهم . وقدمه في الفروع , وغيره ) .
وفي "الجوهرة النيرة" (1/246) : ( ولم يحبسه فيما سوى ذلك كأرش الجنايات إذا قال أنا فقير ; لأن الأصل الفقر فمن ادعى الغنى يدعي معنى حادثا فلا يقبل إلا ببينة . قوله : ( إلا أن يقيم غريمه بينة أن له مالا ) فحينئذ يحبسه ; لأن البينة أولى من دعواه الفقر ) .
وفي مطالب أولي النهى 3/373 ( .. وإلا يكن دينه عن عوض ; كصداق , ولم يعرف له مال الأصل بقاؤه , ولم يقر أنه مليء , ولم يحلف مدعي طلب يمينه أنه لا يعلم عسرته ; ( حلف مدين ) أنه لا مال له , ( وخلي ) سبيله ; لأن الحبس عقوبة , ولا يعلم له ذنب يعاقب به ) .
7. أن هناك من السلف والعلماء المحققين من لا يرى الحبس سواء وجد العوض المالي عند المدين أو لم يوجد والعبرة بما يظهر من غناه فإن لم يظهر ذلك لم يجز حبسه استظهارا ولا عقوبة .
قال ابن القيم في الطرق الحكمية ص 56 :
( وكان علي رضي الله عنه لا يحبس في الدين , ويقول : " إنه ظلم " . قال علي : " حبس الرجل في السجن بعد معرفة ما عليه من الحق ظلم " .وكان علي إذا جاءه الرجل بغريمه , قال : لي عليه كذا . يقول : اقضه فيقول : ما عندي ما أقضيه , فيقول : غريمه : إنه كاذب , وإنه غيب ماله . فيقول : هلم بينة على ماله يقضى لك عليه . فيقول : إنه غيبه . فيقول : استحلفه بالله ما غيب منه شيئا . قال : لا أرضى بيمينه . فيقول : فما تريد ؟ قال : أريد أن تحبسه لي , فيقول : لا أعينك على ظلمه , ولا أحبسه , قال : إذن ألزمه , فيقول : إن لزمته كنت ظالما له , وأنا حائل بينك وبينه" . قلت : هذا الحكم عليه جمهور الأئمة فيما إذا كان عليه دين عن غير عوض مالي , كالإتلاف والضمان والمهر ونحوه فإن القول قوله مع يمينه ولا يحل حبسه بمجرد قول الغريم : إنه مليء , وإنه غيب ماله . قالوا : وكيف يقبل قول غريمه عليه , ولا أصل هناك يستصحبه ولا عوض هذا الذي ذكره أصحاب الشافعي ومالك وأحمد . وأما أصحاب أبي حنيفة : فإنهم قسموا الدين إلى ثلاثة أقسام : قسم عن عوض مالي , كالقرض , وثمن المبيع ونحوهما . وقسم لزمه بالتزامه , كالكفالة والمهر وعوض الخلع ونحوه , وقسم لزمه بغير التزامه , وليس في مقابلة عوض , كبدل المتلف وأرش الجناية , ونفقة الأقارب والزوجات , وإعتاق العبد المشترك ونحوه . ففي القسمين الأولين : يسأل المدعي عن إعسار غريمه , فإن أقر بإعساره لم يحبس له , وإن أنكر إعساره , وسأل حبسه : حبس , لأن الأصل بقاء عوض الدين عنده , والتزامه للقسم الآخر باختياره : يدل على قدرته على الوفاء . وهل تسمع بينة بالإعسار قبل الحبس أو بعده ؟ على قولين عندهم . وإذا قيل : لا تسمع إلا بعد الحبس , فقال بعضهم : تكون مدة الحبس شهرا , وقيل : اثنان , وقيل : ثلاثة , وقيل : أربعة , وقيل : ستة , والصحيح : أنه لا حد له , وأنه مفوض إلى رأي الحاكم . والذي يدل عليه الكتاب والسنة , وقواعد الشرع : أنه لا يحبس في شيء من ذلك , إلا أن يظهر بقرينة أنه قادر مماطل , سواء كان دينه عن عوض أو عن غير عوض , وسواء لزمه باختياره أو بغير اختياره . فإن الحبس عقوبة , والعقوبة إنما تسوغ بعد تحقق سببها , وهي من جنس الحدود , فلا يجوز إيقاعها بالشبهة , بل يتثبت الحاكم , ويتأمل حال الخصم , ويسأل عنه , فإن تبين له مطله وظلمه ضربه إلى أن يوفي أو يحبسه , وإن تبين له بالقرائن والأمارات عجزه لم يحل له أن يحبسه ولو أنكر غريمه إعساره , فإن عقوبة المعذور شرعا ظلم . وإن لم يتبين له من حاله شيء أخره حتى يتبين له حاله . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لغرماء المفلس الذي لم يكن له ما يوفي دينه : "خذوا ما وجدتم , وليس لكم إلا ذلك" وهذا صريح في أنه ليس لهم إذا أخذوا ما وجدوه إلا ذلك , وليس لهم حبسه ولا ملازمته ولا ريب أن الحبس من جنس الضرب , بل قد يكون أشد منه , ولو قال الغريم للحاكم : اضربه إلى أن يحضر المال , لم يجبه إلى ذلك فكيف يجيبه إلى الحبس الذي هو مثله أو أشد . ولم يحبس الرسول صلى الله عليه وسلم طول مدته أحدا في دين قط , ولا أبو بكر بعده ولا عمر ولا عثمان رضي الله عنهم ; وقد ذكرنا قول علي رضي الله عنه . قال شيخنا رحمه الله : وكذلك لم يحبس رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الخلفاء الراشدين زوجا في صداق امرأته أصلا . وفي رسالة الليث إلى مالك - التي رواها يعقوب بن سفيان الفسوي الحافظ في تاريخه " عن أيوب عن يحيى بن عبيد الله بن أبي بكر المخزومي , قال : هذه رسالة الليث بن سعد إلى مالك فذكرها إلى أن قال : " ومن ذلك : أن أهل المدينة يقضون في صدقات النساء , أنها متى شاءت أن تكلم في مؤخر صداقها تكلمت , فيدفع إليها . وقد وافق أهل العراق أهل المدينة على ذلك , وأهل الشام وأهل مصر ولم يقض أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من بعده لامرأة بصداقها .. والمقصود : أن الحبس في الدين من جنس الضرب بالسياط والعصي فيه , وذلك عقوبة لا تسوغ إلا عند تحقق السبب الموجب ولا تسوغ بالشبهة , بل سقوطها بالشبهة أقرب إلى قواعد الشريعة من ثبوتها بالشبهة , والله أعلم . أهـ كلام ابن القيم .
الخلاصة :
1. أن العلماء مختلفون اختلافاً كبيراً في أصل حبس المدين أو عقوبته لعدم نص من الكتاب أو السنة ؛ فهي من موارد الاجتهاد .
2. أن الأصل أن من دفع بالإعسار وكان له بينه وثبتت عند الحاكم لم يجز التعدي عليه بأي نوع من التعزير أو الإلجاء بحبس أو ضرب أو حرمان من حركة أو حاجة وذلك بنص الكتاب : "وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة" ونص السنة : "خذوا ما وجدتم , وليس لكم إلا ذلك".
وما ذكره العلماء من جواز حبسه قبل سماع بينة الإعسار إنما هو استثناء من النص والقواعد الشرعية منعاً للماطلة والتلاعب ، وهو نوع من إعمال السياسة الشرعية ؛ فلا ينبغي أن تتحول القاعدة إلى استثناء بحيث يكون الأصل هو حبس المدين أو ضربه .
3. أن امتناع المدين عن السداد من جنس الصيال الذي ينبغي دفعه بالأسهل فالأسهل بل هو أولى من الصائل ؛ لأن هذا غاصب معتد والمدين أخذ المال برضا صاحبه .
4. أن المتأمل في أكثر أحوال الناس في هذه الأزمنة هي العجز عن السداد فينبغي أن يراعى هذا في اتخاذ أي إجراء فالشريعة تراعي في أحكامها
الأحوال الغالبة . كما أن الغالب أن من ليس له أموال ظاهرة وحركة تجارية بينة الغالب أنه ليس بغني إذْ لا يستطيع الإنسان إخفاء ذلك ، وإذا استطاع إخفاءه فهو نادر والنادر لا حكم له .
5. أن عبء الاستيثاق وكذلك حمل الناس على السداد ـ في الأصل ـ إنما هو من مهمات صاحب الدين ، والأصل في هذا ما ذكره العلماء من الملازمة وهذا عبء على الدائن ، وينبغي أن يكون الحبس والعقوبة من الحاكم في ذلك استثنائياً لا أصلياً .
إن هناك فرقاً بين الديون الناتجة عن سرقة واختلاس والناتجة عن عقود تمت بين الطرفين بالتراضي فالأولى يجب على الحاكم اتخاذ الإجراءات الصارمة للمحافظة على الأمن المالي وأن لا يمكن المختلسون من الاستفادة من جرائمهم . وما في ذلك أيضاً من صعوبة الاحتراز من السرقة والاختلاس . أما عقود التراضي فينبغي أن يكلف العاقد عبء الاستيثاق لدينه بالكفيل والضمين والرهن وغيرها لا أن تُكلف الدولة والقضاء بذلك .
وأما ما يقال من أن المحافظة على حقوق الدائن سبب للاستقرار الاقتصادي فهو غير صحيح فالدول المستقرة اقتصاديا لا تحبس في الدين إلا في حدود ضيقة وهي التأكد من وجود المال مع عدم إمكانية التنفيذ على هذا المال إلا من خلال المدين فيُلجأ حينئذ إلى حبسه ، ولهذا يلجأ العاقد عندهم إلى التأكد من ملاءة المدين قبل العقد .
6. أن التوسط والحكمة في ذلك هما الطريق الرشد فتعطى كل حالة حكمها المناسب لها فلا يستعجل في الحبس ولا يحبس في كل دين ولا يعطى من ظهرت مماطلته وتلاعبه كغيره من الناس ومن ذلك مراعاة قواعد سد ذرائع التلاعب باعتدال .
7. أن طرق حمل المدين على السداد التي ذكرها الفقهاء كثيرة منها :
1. الزجر والتهديد .
2. التشهير .
3. بيع ماله إن وجد له مال .
4. إيقاف راتبه أو جزء منه .
5. إجباره على لزوم منزله .
6. الملازمة .
7. قطع بعض الاحتياجات المهمة .
8. الحبس .
9. الضرب .
ونظير حرمانه من بعض احتياجاته قطع اتصالاته الثابتة أو المتحركة ، أو من كفلهم في هذه الاتصالات ممن تلزمه نفقتهم كزوجة أو ابن .
ومنها : قطع خدمة الكهرباء .
وهذه بعض الأمور الإجرائية المهمة في إلزام المدين في إطار القواعد التي ذكرها أهل العلم :
1. الديون التي نتجت عن اختلاس أو سرقة أو غصب :
للقاضي اتخاذ جميع طرق حمله على السداد والأصل في مثل هذا حبسه استظهاراً لحاله وعقوبة له على اختلاسه ومطله .
وكما ذكر ابن عبدالسلام والمرداوي آنفاً فإن المال إذا كان يستنفد في نفقة مثله عادة جاز سماع دعوى إعساره أي لا يبقى محبوساً حتى يسدد كما يقوله بعض الفقهاء .
2. الدين الذي لم ينتج عن معاوضة ولا التزام من المدين كالديات وأروش الجنايات وقيم المتلفات :
1. أن يُبتدأ بالسؤال عن أمواله من خلال مدينه ومن خلال المؤسسات المالية كالغرفة التجارية والبنوك وكتابات العدل وإدارة المرور .
2. أن يؤخذ إقرار الدائن بطلب حبسه لأنه شرط لجواز ذلك عند أكثر الققهاء .
3. أن يتخذ ما يراه القاضي من الإجراءات الضامنة كمنعه من السفر أو كفيل على بدنه .
4. أن يُمهل فترة كافية للسداد يقدرها القاضي وذلك عند عودة المعاملة له من التنفيذ .
فإن ظهر له مال نفذ القاضي عليه أو حبسه ليسدد منه إذا تعذر التنفيذ عليه .
وإذا لم يظهر له مال لم يجز حبسه وقد حكى ابن تيمية هذا عن جماهير العلماء .
وإذا راجع الدائن وطالب بحبسه جاز سماع دعوى المدين الإعسار فوراً دون حبس .
3. الدين الذي لم ينتج عن معاوضة ولكنه كان بالتزام من المدين كأجرة الدار والمهر والضمان والكفالة :
1. أن تُتخذ الإجراءات المذكورة للتحري عن أمواله .
2. للقاضي النظر في إعساره قبل حبسه أو استعمال وسائل أخرى
كقطع الراتب أو الحسم منه أو قطع الخدمات أو بعضها وإذا رأى حبسه استظهاراً فتكون المدة قليلة كشهر .
4. الدين الذي نتج عن معاوضة :
1. أن تُتخذ الإجراءات المذكورة للتحري عن أمواله والضمانات المذكورة .
2. للقاضي حبسه فترة للاستظهار أو استعمال وسائل أخرى كقطع الراتب أو الحسم منه أو قطع الخدمات أو بعضها .
ويكون الحبس بما يغلب على الظن أنه يحمل مثله على السداد .
ومن المهم وجود قاعدة إذْ لا يمكن أن يكون المبلغ الكثير كالقليل .
فالقاضي ـ في الواقع ـ يلتفت بوضوح إلى تأثير قدر الدين في مدة الحبس فهو مثلاً يحبس شهرين في 30000ريال ولكنه يحبس في ظروف مماثلة ستة أشهر في 100000 ريال وهذا يدل أن لقدر الدين تأثيراً في اختيار فترة الحبس .
والمقترح في هذا أن يُجعل مقابل كل شهر من الحبس مبلغ من المال يراعى عند تقديره حال المدين ودخله في بلده على أن لا يتجاوز مجموع السجن مدة معينة يكون القضاة قريبين من بعض في تحديدها .
وبهذا يمكن أن لا يكون هناك تفاوت كبير .
مع مراعاة أشياء قد يرى القاضي أنها تؤثر في تحديد المدة زيادة ونقصا منها :
1. وجود قرائن على وجود المال أو المماطلة . ذكر ذلك ابن تيمية وغيره .
2. كثرة الاستدانة والتساهل في ذلك أو عدمه .
3. كون المال قيمة لضرورات كزواج وسيارة المثل أو عدم ذلك .
4. كون المال يُستنفد عادة كالمال القليل لمن ليس له دخل ظاهر فالغالب صرفه في نفقاته وأشار إلى ذلك في "الإنصاف" وابن عبدالسلام في "القواعد" .
5. تفريق الفقهاء بين ما نتج عن معاوضة فالأصل بقاء العوض وما نتج عن غير معاوضة فيقال إن الأصل الفقر وعدم الملاءة .
6. تفريق الفقهاء بين ما نتج عن التزامٍ من المدين كالمهر والكفالة والضمان وذلك لأن التزامه دليل منه هو على قدرته على السداد بخلاف ما كان بغير التزام . ذكر ذلك أكثر الفقهاء كما تقدم في النقولات .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد .