المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بين الشريعة والقانون.



ابو محمد 2
15-07-2011, 01:50 PM
بين الشريعة والقانون .. علاقة المؤثر والمتأثر


من المبادئ المسلم فيها في عقيدتنا كمسلمين أن الشريعة الإسلامية هي من عند الله تعالى ، وأنها كاملة ولا ينقصها شيء كما قال تعالى ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )
ومن خلال دراستي للأنظمة والقانون واطلاعي الشغوف حيالها ، تبين لي بجلاء أن مختلف الأنظمة والقوانين العالمية قد استفادت وغرفت من نهر الشريعة الإسلامية ، وذلك باعتراف أهلها من فقهاء القانون بذلك .
فمما استفادوا منه مثلاً في القوانين والأنظمة مبدأ " الحوالة " و " الوكالة " ووضعت المسألتين في مسألة واحدة تسمى Agency.
ووما استفادوا منه أيضاً " الوقف " Trust وإن كان هذا الباب يشمل عندهم مسائل أخرى إلا أن أصله هو مفهوم الوقف .
وقد تطورت هاتان المسألتان و جلبتا لانجلترا من فلسطين أيام الحروب الصليبية .

ومما هو جدير بالذكر أن الهولندي هوجو جروشيوس أبو القانون الدولي درس في الأندلس على يد أستاذ في أحد الجوامع ، وقرأ كتاب قانون الجهاد فأخذ منه ووضع كتاباً سماه " قانون الحرب والسلام " وفكرة هذا الكتاب مستنسخ من كتاب "السير الكبير" للإمام محمد بن الحسن الشيباني الذي يعد أول من ألف في القانون الدولي العام ولذلك يقام في جامعة السوربون في باريس احتفالاً سنوياً في يوم مولد محمد بن الحسن اعترافاً منهم بفضل هذا العالم المسلم في التأليف بالقانون الدولي العام .
ولقد سمعت من نقل لي أنه استمع مباشرة لأستاذ في جمعية الصليب الأحمر ، والهلال الأحمر ذكر أن هناك رسالة دكتوراه في سويسرا تتحدث عن القانون الدولي الإنساني المأخوذ من الفقه المالكي .
يقول ديسانتيالانا : من الأمور الإيجابية التي اكتسبناها من التشريع العربي - يقصد الإسلامي - هذه الأنظمة القانونية العديدة من مثل الشركات المحدودة المسؤولية (القراض) ، وهذه الأساليب المتصلة بالقانون التجاري، وحتى لو نحينا هذا كله جانبا فمما لا شك فيه أن المعايير الخلقية الراقية لجوانب معينة من هذا التشريع قد ساعدت على إحداث التطوير المناسب لكثير من مفاهيمنا الحديثة . وفي هذا تكمن العظمة الدائمة لهذا التشريع .
ومن ضمن النظريات القانونية المتأثرة بالشريعة الإسلامية " نظرية التعسف في استعمال الحق " فقد أخذها القانون الفرنسي من الشريعة الإسلامية وهذا ما نجده في المادة 527 من قانون نابليون " لكل مالك التصرف في ملكه بشرط مراعاة الأصول والأحكام التي تضبط ذلك " ، وهو نفس رأي الإمام أبي حنيفة وابن حزم ( التصرف في ملكه كما يشاء ولا ضرر أعظم من منع شخص من التصرف في مال نفسه على عكس جمهور الفقهاء الذين قيدوا التصرف الإنسان في ملكه بعدم الإضرار بالغير ضررا فاحشا أو ضررا لا يتناسب مع المصلحة المنشودة من تصرف المالك .
وكذلك أيضاً نظرية " تقييد الحق في التبرع بالوصية " فالوصية لا تتجاوز الثلث 1/3 اخذ بها القانون الفرنسي في المادة 913 مدني فرنسي ، فإذا كان للميت ولدان أخذا ¼ ، وإذا كان له ولد اخذ 1/3 بينما حمت الشريعة مصلحة الورثة حمى القانون الوضعي الأولاد دون الورثة .
والمتأمل في آية الدين في سورة البقرة يرى أنها اشتملت على العديد من المبادئ التشريعية والنظريات الفقهية والقانونية أهمها :
1- رضت الشريعة الإسلامية الكتابة وسيلة لإثبات الدين المؤجل سواء كبرت قيمة الدين أو صغرت، ويدخل تحت لفظ الدين كل التزام أيا كان نوعه، لأن الالتزام ليس إلا ديناً في ذمة الملتزم له، فيدخل تحت لفظ الدين القرض والرهن والبيع بثمن مؤجل والتعهد بعمل وغير ذلك ، أما التصرفات التي تتم بالحال الحال فليس من الواجب كتابتها ما دام كل متعاقد قد وفى بالتزاماته واستوفى حقوقه .
2- استثنت الشريعة من المبدأ العام بأن الكتابة وسيلة لإثبات الدين" الدين التجاري " والعلة في استثناء الديون التجارية من شرط الكتابة أن الصفقات التجارية تقتضي السرعة ولا تحتمل الانتظار، ولأن المعاملات التجارية أكثر عدداً وتكراراً وتنوعاً، فاشتراط الكتابة فيها يؤدي إلى الحرج وقد يضيع فرصة الكسب على المشتري أو يعرض البائع للخسارة، ومن أجل هذا لم تقيد الشريعة المعاملات التجارية بما قيدت به المعاملات المدنية من اشتراط الكتابة .

3- جاءت الشريعة الإسلامية بمبدأ عام أوجبته في كتابة العقود وهو أن يملي العقد الشخص الذي عليه الحق أو بمعنى آخر أضعف الطرفين ، والمقصود من هذا المبدأ العام هو حماية الضعيف من القوي الذي يستغل مركزه فيشترط على الضعيف شروطاً قاسية " نظرية حق الملتزم في إملاء العقد " .

وقد حاولت القوانين الوضعية أن تحل هذا المشكل، فاستطاعت أن تحله بين المنتج والمستهلك بفرض شروط تحمي المستهلك من المنتج، وبتعيين سعر السلعة، ولكنها لم تستطع أن تحل إلا بعض نواحي المشكلة بين أصحاب العمل والعمال، لأن التدخل بين صاحب العمل والعامل في كل شروط العمل مما يضر بسير العمل ولإنتاج، وبقيت من المشكلة نواح هامة كأجر العامل وساعات العمل ومدة الإجازات وغيرها، يحاول العمال من ناحيتهم حلها بتأليف النقابات والاتحادات وتنظيم الإضرابات، ويرى العمال أن حل مشاكلهم لن يتأتى إلا إذا كان لهم حق إملاء شروط عقد العمل، فهذا الحق الذي يطالب به العمال في كل أنحاء العالم والذي أضرب العمال من أجله وهددوا السلم والنظام في دول كثيرة في سبيل تحقيقه، هذا الحق الذي حقق القانون الوضعي بعضه ولم يحقق بعضه الآخر والذي يأمل العمال أن يتحقق كله إن قريباً أو بعيداً، هذا الحق كفلته الشريعة الإسلامية .
4- حرمت الشريعة على الإنسان أن يدعى للشهادة فيمتنع عنها، أو أن يشهد واقعة فيكتمها، أو يذكرها على غير حقيقتها . والقوانين الوضعية اليوم تأخذ بنظرية الشريعة في تحريم شهادات الزور أو كتمان الشهادة، ولكنها لم تصل بعد إلى تحريم الامتناع عن تحمل الشهادة. ولا شك أن الشريعة تتفوق على القوانين الوضعية من هذه الوجهة، فإن المصلحة العامة تقضي بالتعاون على حفظ الحقوق وبتسهيل المعاملات بين الناس، والامتناع عن تحمل الشهادة يقضي إلى تضييع الحقوق، ويؤدي إلى تعقيد المعاملات وبطئها، وهناك عقود لابد فيها من حضور الشهود كعقد الزواج.
وهذه أربع نظريات جاءت بها آية واحدة من القرآن هي آيه الدين؛ أخذت القوانين الوضعية الحديثة باثنتين منها وبدأت تأخذ بالثالثة ولم تأخذ بعد بالرابعة، وليست هذه النظريات الأربع هي كل أحكام آية الدين، وإنما هي بعض أحكامها، فالآية تشترط أن يكون الكاتب محايداً عدلاً عالماً بأحكام الشريعة فيما يكتبه، وتوجب عليه أن لا يمتنع عن الكتابة، وتشترط أن يشهد على سند الدين رجلان أو رجل وامرأتان، وتوجب عدم الإضرار بالكاتب أو الشاهد .
ومن ضمن المبادئ القانونية مبدأ " الارتباط الشرطي بين الأجر و العمل " فهو مبدأ مكرس في الشريعة الإسلامية والدليل قوله صلى الله عليه وسلم " أعطوا الأجير حقه قبل أن يجف عرقه " .
ومن المؤثر ذكره أن مجلة الأحكام العدلية هي القانون الثاني المطبق في فرنسا .
وأن القوانين اللاتينية تأخذ بأحكام الشريعة الإسلامية .
وأن فكرة العقد القابل للإبطال مستوحاة من فكرة العقد الموقوف والمعروف في الفقه الإسلامي " الحنفي " .

ومن المهم ذكره في هذا السياق أن اتفاقية جنيف لعام 1864م قد أرست أُسس القانون الدولي الإنساني المعاصر. و كان أهم ما اتسمت به :
ـ قواعد عامة من أجل حماية الضحايا.
ـ تعددية الأطراف, أي فتحها أمام جميع الدول.
ـ عدم التمييز في تقديم الرعاية للجرحى و المرضى.
ـ احترام مختلف الطواقم الطبية من أفراد إلى معدات إلى وسائل نقل.
حيث نصت المادة 48 من البروتوكول الأول لعام 1977: " يجب على أطراف النزاع أن تميز في جميع الأوقات بين السكان المدنيين و المقاتلين و بين الأعيان المدنية و الأهداف العسكرية, و من ثم توجه عملياتها ضد الأهداف العسكرية دون غيرها".
وهو نفس الأمر الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل 14 قرنا ،وعن هذه الشمائل للفروسية الإسلامية كما يقول المفكر الإسلامي الدكتور محمد عمارة تحدثت وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووصايا الخلفاء الراشدين وقادة المسلمين للجيوش والسرايا والبعوث القتالية: "لا تقتلوا شيخا ولا امرأة ولا صبيا، ولا عابدا أو راهبا في صومعته" بل تحدثت هذه الشمائل وآداب الفروسية الإسلامية عن الاحترام والرفق والحفاظ على الحيوانات والنباتات، فدعت إلى عدم قطع الأشجار أو ذبح الحيوانات إلا لضرورة الطعام.. وفي هذه الشمائل سبق الإسلام المعاهدات الدولية مثل معاهدة "جنيف" لسنة 1949 التي تحرم قتل المدنيين، بمن فيهم النساء والأطفال أثناء الحروب.
وإذا كانت اتفاقية جنيف الثالثة الخاصة بمعاملة أسرى الحرب والصادرة سنة 1949 قد قررت حقوقا للأسرى من بينها توفير أماكن الإقامة الآمنة والملابس والأغذية والعناية الصحية والطبية لهم وممارسة الشعائر والواجبات الدينية.. فإن الشريعة الإسلامية قد كفلت لأسرى الحرب كل هذا وزيادة منذ أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان، ولذلك كانت حروب المسلمين الدفاعية سجلا حافلا بكل ما هو مشرف وكريم في معاملة أسرى الحرب .
ومن الأمثلة التطبيقية على مدى التأثر القانوني بالشريعة الإسلامية القانون المسنون في تكساس في الولايات المتحدة الأمريكية إذ لو تنازل أولياء الدم عن القصاص فلا تقام عقوبة الإعدام على القاتل .
وفي فرنسا استقي مبدأ التقادم في العقوبة أول ما استقي من رأي عند الحنفية ثم طور بعد ذلك .
وينادي المستشار ROBERT H.JACKSON قاضي المحكمة العظمى SUPREME COURT في الولايات المتحدة بضرورة أن يتجه طلاب الدراسات القانونية في الغرب إلى بذل جهد أوفر في الاهتمام بالتشريع الإسلامي؛ نظرا لتزايد العلاقات التجارية والسياسية القائمة بين البلاد الإسلامية والبلاد الغربية. وانتهت محكمة العدل الدولية الدائمة في حكمها الصادر في 23/8/1958 إلى الإشادة بأحكام الشريعة الإسلامية والإشارة إلى أنها أحد الأنظمة القانونية الراقية في العالم الحديث. ومن قبل ذلك انتهى مؤتمر الفقه الإسلامي الذي انعقد في كلية الحقوق جامعة باريس عام 1951 على أن مبادئ الفقه الإسلامي لها قيمة تشريعية لا يمارى فيها، وأن اختلاف المذاهب الفقهية في هذا النظام القانوني العظيم ينطوي على ثروة من المفاهيم الفقهية ، وصناعة هي مناط الإعجاب، يتيحان لهذا التشريع الاستجابة لمطالب الحياة الحديثة والتلاؤم مع حاجتها .
وفي هذا الصدد يقول الدكتور السنهوري رحمه الله :
( إن هذا القانون بدأ عادات .. ونما وازدهر عن طريق الدعوى والإجراءات الشكلية. أما الشريعة الإسلامية فقد بدأت كتاباً منزلاً من عند الله، ونمت وازدهرت عن طريق القياس المنطقي والأحكام الموضوعية .. إلا أن فقهاء المسلمين امتازوا عن فقهاء الرومان، بل امتازوا عن فقهاء العالم باستخلاصهم أصولاً ومبادئ عامة من نوع آخر هي أصول استنباط الأحكام من مصادرها ، وهذا ما سموه بعلم أصول الفقه )


طلال بن أحمد المشاري
قاضي بوزارة العدل السعودي



نفع الله بعلمه وعمله منقول للفائدة

سيادة القانون
16-07-2011, 02:25 AM
بارك الله فيك أخي الكريم ابومحمد على هذا النقل المفيد وشكر الله لكاتب الموضوع ..وسعيد برؤيتك في هذا منتدى القانون.

ولدي تعقيب:

بخصوص ما ورد في الفقرة 3 من وجهة نظري ان القوانين العمالية قد أسست مبدأ الحق الأفضل للعامل والذي من خلاله يستطيع أن يحصل على ما هو اكثر فائدة له سواء أستمدت من العقد أو من قانون العمل او من القانون المدني على اعتباره الشريعة العامة أو من المعاهدات الدولية أو من السابقة القضائية بالإضافة الى أن هذه القوانين تدخلت في الحد من إرادة رب العمل وقيدته في أكثر من مواضع ..وتجدر الإشارة إلى أن الحق الأفضل للعامل كان في قانون العمل السعودي القديم أكثر صراحة بالنص عليه عن الجديد. والذي استبقى على بطلان إي شرط لا يعود بفائدة للعامل.

أما بخصوص تأثر القوانين مع الفقه الإسلامي وعلى وجه الخصوص الفقه الحنفي فهذا الأمر واضح وجلي ولمسته في دراستي للقانون المدني الأردني والذي تعد مجلة الأحكام العدلية على المذهب الحنفي هي المصدر التاريخي له ونظرية العقد الموقوف يتشابه -بصورة معكوسة- مع" العقد القابل للابطال" ، فالعقد الموقف لدى الأحناف والقانون المدني الأردني هو عقد غير نافذ " بالرغم من كونه صحيحاً" بينما العقد القابل للابطال هو صحيح "نافذ" يعني وجه الشبه من حيث الصحة ولكن وجهة الاختلاف من حيث النفاذ والإستقرار فيعتمد نفاذ العقد الموقوف على إجازته ممن يملك الإجارة بينما العقد القابل للابطال يعتمد إستقراره " والا هو نافذ" على " عدم إبطاله" ممن يملك حق الإبطال.

كما أنني تمنيت لو كان عنوان مقالة الكاتب بين الفقه الإسلامي والقانون بدل من الشريعة الإسلامية حتى تكون المقارنة أكثر دقة.

ولكن السؤال : لماذا تأثرت القوانين الوضعية بفقه السادة الأحناف دون غيرهم هل لأن مدرسة أهل الرأي أكثر ديناميكية من البقية؟!

(محمد)
16-07-2011, 04:56 AM
ولكن السؤال : لماذا تأثرت القوانين الوضعية بفقه السادة الأحناف دون غيرهم هل لأن مدرسة أهل الرأي أكثر ديناميكية من البقية؟!
ليس لذات الآراء دور، وإلا لسبق المذهب الحنبلي غيرَه وتصدّر في باب المعاملات والبيوع، فهو أوسع المذاهب فيها وأكثرهم انفتاحاً.

أعتقد أن للسياسة ، ولذات حَمَلة الرأي = دور.
فالدولة العثمانية كانت حنفية، والعلماء الأحناف كان لهم حضور، ولذلك كانت مجلة الأحكام العدلية على فقه السادة الأحناف .
ولو انتقلنا لأوربا ، وبالذات فرنسا، لوجدنا أن كثيراً من القوانين الوضعية لديهم على ذات تفريعات السادة المالكية، وهذا ظهر لي لما كنتُ أقارن بين الوسيط للسنهوري حين كان ينقل من القوانين الفرنسية وأقضية محكمة النقض الفرنسية وبين ما عليه الفقه المالكي.

وبالمناسبة، فمن الكتب الجميلة في هذا الباب: المقارنات التشريعية، لسيد عبدالله حسن، وأنصح بالاطلاع عليه.

ابو محمد 2
16-07-2011, 01:19 PM
أحسنتم أثابكم الله وأتفق مع الأخ (محمد) حفظه الله فيما ذكره في مداخلته القيمة. التي أصلها تاريخياً.
شكر الله لكم ونفع بكم

حامد الحامد
24-07-2011, 01:29 AM
3- جاءت الشريعة الإسلامية بمبدأ عام أوجبته في كتابة العقود وهو أن يملي العقد الشخص الذي عليه الحق أو بمعنى آخر أضعف الطرفين ، والمقصود من هذا المبدأ العام هو حماية الضعيف من القوي الذي يستغل مركزه فيشترط على الضعيف شروطاً قاسية " نظرية حق الملتزم في إملاء العقد " .


فضيلة الشيخ ؛ وربما لأن فيه الأقــرار بالحـق "الدين" وهـو واجب على من بذمته
الديــن !!

ألا يرى فضيلتكم ذلك أيضاً