الزغيبي
28-07-2011, 04:57 PM
مسائل قضائية
( 75 )
فـي مـكـان إقـامــة الـدعــوى عـنـد الـفـقـهـــــاء
أولا : إذا كان المدعي والمدعى عليه يقيمان في بلد واحد فيها قاض واحد .
إذا كان المدعي والمدعى عليه يقيمان في بلد واحد اختص قاض البلد بنظر الدعوى ؛ إذا لم يكن في البلد سواه ، فإذا كان المدعى عليه خارج عمل القاضي لم يحضره ؛ لخروجه عن ولايته (12) .
ثانيا : إذا كان المدعي والمدعى عليه يقيمان في بلد واحد فيها قاضيان .
إذا كان المدعي والمدعى عليه يقيمان في بلد واحد فيها قاضيان، فلا يخلو الأمر من أربع حالات :
الحالة الأولى : أن يـرد إلـى أحدهـمـا نـوع مـن الأحكـام ، وإلى الآخـر غـيـره ، كـرد المـداينـات إلى أحـدهمـا ، والمناكـح إلـى الآخـر ، فيصـح لعـدم المنـازعـة بينهمـا ، ويقتصر كل واحد منهما على النظر فيما خصص له من أحكام في البلد كله .
الحالة الثانية : أن ترد الأحكام إلى أحدهما في زمن معين ، وإلى الآخر في زمن غيره ، فيصـح لعـدم المنازعة بينهما ، ويقتصر كل واحد منهما على النظر في الأحكام في الزمن المعين له .
الحالة الثالثة : أن يـرد إلى أحدهمـا موضع ، أو محلـة من البلـد ، وإلـى الآخـر غيـره ، فيصح (13) .
فإن تنازع طرفا النزاع عند أي القاضيين تقام الدعوى ، فعند أيهما تقام ؟
اخُتلف في ذلك على ثلاثة أقوال :
القول الأول : تقـام الـدعـوى فـي محـل إقـامــة المدعـى عـليـه، وإليـه ذهـب الشـافعـيــة والحنابلة (14).
القول الثاني : أن الدعوى ترفع إلى القاضي الذي يختاره المدعى عليه ، وإلى هذا ذهب محمـد بن الحسـن من الحنفيـة ، وهـو المفتى به عند الحنفية . وهذا القول متفق في جملته مع القول الأول .
القول الثالث : أن الدعـوى ترفـع إلى القاضي الذي يختاره المدعي ، وبه قال أبو يوسف من الحنفية (15) .
وقد ذكر د.محمد نعيم ياسين في كتابه ( نظرية الدعوى ) (16) ما نصه : (( أما إذا تعدد القضاة واستقل كل بمحلة يختص بالقضاء بين أهلها ، ولا يتعداها إلى غيرها ، فقد اختلف الفقهاء في تحديد من هو المختص منهم على الآراء التالية : الرأي الأول : فقد ذهب جماعة إلى أن الدعوى ترفع إلى القاضي الذي يختاره المدعي وإلى هذا ذهب الإمام أبو يوسف من الحنفية ومعظم الفقهاء من الشافعية والحنبلية ، وهو قول المالكية )) أ . هـ . وقد نقلت الموسوعة الفقهية عنه هذا القول مع تغيير بسيط في بعض الألفاظ دون إشارة إلى المرجع (17).
وبالرجوع إلى معظم مراجعه تبين لي ـ حسب فهمي ـ أن أقوالهم إنما هي في مسألة : إذا ردت الأحكام إلى قاضيين في بلد واحد دون تخصيص ، وسترد هذه المسألة في الحالة الرابعة .
الأدلة :
استدل أصحاب القول الأول والثاني بما يلي :
1 ـ أن الأصل براءة ذمة المدعى عليه، فلا يكلف مشقة الانتقال إلى محل إقامة المدعي، وإنما تقام الدعوى على المدعى عليه في محل إقامته (18) .
2 ـ أن قول المدعى عليه مقدم على قول المدعي عند عدم البينة ، فيكون مقدما في مكان الدعوى .
واستدل أبو يوسف بما يلي :
1ـ أن المدعي هو المنشئ للخصومة ، فينشئها عند القاضي الذي يختار(19) .
2 ـ أن الحق في إقامة الدعوى للمدعي ، فيكون له الحق في تعين القاضي .
3 ـ أن المدعي لا يجبر على الخصومة ، فلا يجبر على إقامتها عند قاض معين .
الراجح ، ووجه الترجيح :
يترجح لي القول الأول ؛ لأن الأصل براءة ذمة المدعى عليه ، فلا يكلف مشقة الانتقال إلى محل إقامة المدعي . أما ما ذكره أصحاب القول الثالث من تعليلات ، فلا تكفي لرفع هذا الأصل .
الحالة الرابعة : أن يرد إلى كل واحد منهما جميع الأحكام ـ عموم النظر ـ في جميع البلد في زمن واحد .
اختلف الفقهاء في هذه الحالة على قولين :
القول الأول : جـواز ذلك ، وهـو قـول أصحـاب الإمام أبي حنيفة (20) ، والمالكية (21) ، وأكثر الشافعية (22) ، وهو المذهب عند الحنابلة (23) .
القول الثاني : المنع من ذلك ، وهذا أحد الوجهين عند الشافعية (24) ، ووجه عند الحنابلة اختاره أبو الخطاب منهم (25) . وتبطل ولايتهما إن اجتمعت ، وتصح ولاية الأول منهما إن افترقت .
استدل أصحاب القول الأول بما يلي :
1ـ قياس ولايـة القـضاء على الوكالة ونحوها ، فكما أن للموكل أن يوكل شخصين فأكثر على أمـر واحـد ، فلولي الأمـر أن يولي قاضيين فأكثر عموم النظر في بلد واحد ؛
بجامع الاستنابة في كل (26) .
2 ـ إن الغـرض مـن توليـة القاضـي فصـل الخصـومات ، وإيصال الحق إلى مستحقه ، وهو حاصل بذلك (27) .
3 ـ قيـاس توليـة قاضيين عمـوم النظر في بلد واحد على استخلاف القاضي غيره ، فكما يجـوز للقاضـي أن يسـتخلف في البلـد التي هو فيـها ، فيكون فيها قاضيان ، جاز أن يكـون فيهـا قاضيـان أصليـان يوليهمـا الإمـام ؛ بل تولية الإمام أولى ، وأقوى ؛ لأنه الأصل (28).
واستدل أصحاب القول الثاني بما يلي :
1 ـ أن توليـة قاضييـن في بلـد واحـد جميـع الأحكـام فيه ، يؤدي إلى التنازع والتشاجر ، وتجاذب الخصوم وتدافعهم (29) .
ــ وأجيـب عـن ذلك بـأن التنـازع يـزول بالقواعـد التي سيرد ذكرها بعد قليل ، والتي تحدد القاضي المختص عند حصول تنازع بين الخصمين .
2 ـ قيـاس ولايـة القضاء على الإمامة العظمى التي لا يجوز فيها التعدد بالنص والإجماع ، بجامع الولاية في كل (30) .
ــ وأجيب عـن ذلك بأن القياس قياس مع الفارق ؛ لأن القاضيين إذا اختلفا قطع الإمام اختلافهما لأنهما نائبان عنه ، بخلاف الإمامين (31) .
الراجح ، ووجه الترجيح :
يترجح لي القول الأول لقوة أدلته ، وللإجابة الواردة على أدلة القول الثاني .
مسألة : إذا اختلف الخصمان عند أي القاضيين تقام الدعوى ، فعند أيهما تقام ؟
ذكر أصحاب القول الأول قواعد في تحديد القاضي المختص بنظر الدعوى إذا اختلف الخصمان في ذلك ، وهي كما يلي :
1 ـ أن القول قول الطالب ـ أي المدعي ـ ؛ لأن الدعوى حق له (32) .
2 ـ فإن تسـاويا في الطلب اعتبر أقرب القاضيين إليهما ؛ لأنه لا حاجة إلى كلفة المضي للأبعد (33) .
3 ـ فـإن اســـتويـا فـي الطـلـب والقـرب ، قـدم مـن ســبق فـي رفـع الدعـوى ؛ لترجحـه بالسبق (34) .
4 ـ فإن اســتويا في ذلك أقـرع بينهمـا ، وقـدم من قرع ـ أي خرجت له القرعة ـ ؛ لأنها تعين المستحق .
وقيل يمنعان من التحاكم ؛ حتى يتفقا على أحدهما (35) .
1/2
وكتبه :
إبراهيم بن صالح الزغيبي
( 75 )
فـي مـكـان إقـامــة الـدعــوى عـنـد الـفـقـهـــــاء
أولا : إذا كان المدعي والمدعى عليه يقيمان في بلد واحد فيها قاض واحد .
إذا كان المدعي والمدعى عليه يقيمان في بلد واحد اختص قاض البلد بنظر الدعوى ؛ إذا لم يكن في البلد سواه ، فإذا كان المدعى عليه خارج عمل القاضي لم يحضره ؛ لخروجه عن ولايته (12) .
ثانيا : إذا كان المدعي والمدعى عليه يقيمان في بلد واحد فيها قاضيان .
إذا كان المدعي والمدعى عليه يقيمان في بلد واحد فيها قاضيان، فلا يخلو الأمر من أربع حالات :
الحالة الأولى : أن يـرد إلـى أحدهـمـا نـوع مـن الأحكـام ، وإلى الآخـر غـيـره ، كـرد المـداينـات إلى أحـدهمـا ، والمناكـح إلـى الآخـر ، فيصـح لعـدم المنـازعـة بينهمـا ، ويقتصر كل واحد منهما على النظر فيما خصص له من أحكام في البلد كله .
الحالة الثانية : أن ترد الأحكام إلى أحدهما في زمن معين ، وإلى الآخر في زمن غيره ، فيصـح لعـدم المنازعة بينهما ، ويقتصر كل واحد منهما على النظر في الأحكام في الزمن المعين له .
الحالة الثالثة : أن يـرد إلى أحدهمـا موضع ، أو محلـة من البلـد ، وإلـى الآخـر غيـره ، فيصح (13) .
فإن تنازع طرفا النزاع عند أي القاضيين تقام الدعوى ، فعند أيهما تقام ؟
اخُتلف في ذلك على ثلاثة أقوال :
القول الأول : تقـام الـدعـوى فـي محـل إقـامــة المدعـى عـليـه، وإليـه ذهـب الشـافعـيــة والحنابلة (14).
القول الثاني : أن الدعوى ترفع إلى القاضي الذي يختاره المدعى عليه ، وإلى هذا ذهب محمـد بن الحسـن من الحنفيـة ، وهـو المفتى به عند الحنفية . وهذا القول متفق في جملته مع القول الأول .
القول الثالث : أن الدعـوى ترفـع إلى القاضي الذي يختاره المدعي ، وبه قال أبو يوسف من الحنفية (15) .
وقد ذكر د.محمد نعيم ياسين في كتابه ( نظرية الدعوى ) (16) ما نصه : (( أما إذا تعدد القضاة واستقل كل بمحلة يختص بالقضاء بين أهلها ، ولا يتعداها إلى غيرها ، فقد اختلف الفقهاء في تحديد من هو المختص منهم على الآراء التالية : الرأي الأول : فقد ذهب جماعة إلى أن الدعوى ترفع إلى القاضي الذي يختاره المدعي وإلى هذا ذهب الإمام أبو يوسف من الحنفية ومعظم الفقهاء من الشافعية والحنبلية ، وهو قول المالكية )) أ . هـ . وقد نقلت الموسوعة الفقهية عنه هذا القول مع تغيير بسيط في بعض الألفاظ دون إشارة إلى المرجع (17).
وبالرجوع إلى معظم مراجعه تبين لي ـ حسب فهمي ـ أن أقوالهم إنما هي في مسألة : إذا ردت الأحكام إلى قاضيين في بلد واحد دون تخصيص ، وسترد هذه المسألة في الحالة الرابعة .
الأدلة :
استدل أصحاب القول الأول والثاني بما يلي :
1 ـ أن الأصل براءة ذمة المدعى عليه، فلا يكلف مشقة الانتقال إلى محل إقامة المدعي، وإنما تقام الدعوى على المدعى عليه في محل إقامته (18) .
2 ـ أن قول المدعى عليه مقدم على قول المدعي عند عدم البينة ، فيكون مقدما في مكان الدعوى .
واستدل أبو يوسف بما يلي :
1ـ أن المدعي هو المنشئ للخصومة ، فينشئها عند القاضي الذي يختار(19) .
2 ـ أن الحق في إقامة الدعوى للمدعي ، فيكون له الحق في تعين القاضي .
3 ـ أن المدعي لا يجبر على الخصومة ، فلا يجبر على إقامتها عند قاض معين .
الراجح ، ووجه الترجيح :
يترجح لي القول الأول ؛ لأن الأصل براءة ذمة المدعى عليه ، فلا يكلف مشقة الانتقال إلى محل إقامة المدعي . أما ما ذكره أصحاب القول الثالث من تعليلات ، فلا تكفي لرفع هذا الأصل .
الحالة الرابعة : أن يرد إلى كل واحد منهما جميع الأحكام ـ عموم النظر ـ في جميع البلد في زمن واحد .
اختلف الفقهاء في هذه الحالة على قولين :
القول الأول : جـواز ذلك ، وهـو قـول أصحـاب الإمام أبي حنيفة (20) ، والمالكية (21) ، وأكثر الشافعية (22) ، وهو المذهب عند الحنابلة (23) .
القول الثاني : المنع من ذلك ، وهذا أحد الوجهين عند الشافعية (24) ، ووجه عند الحنابلة اختاره أبو الخطاب منهم (25) . وتبطل ولايتهما إن اجتمعت ، وتصح ولاية الأول منهما إن افترقت .
استدل أصحاب القول الأول بما يلي :
1ـ قياس ولايـة القـضاء على الوكالة ونحوها ، فكما أن للموكل أن يوكل شخصين فأكثر على أمـر واحـد ، فلولي الأمـر أن يولي قاضيين فأكثر عموم النظر في بلد واحد ؛
بجامع الاستنابة في كل (26) .
2 ـ إن الغـرض مـن توليـة القاضـي فصـل الخصـومات ، وإيصال الحق إلى مستحقه ، وهو حاصل بذلك (27) .
3 ـ قيـاس توليـة قاضيين عمـوم النظر في بلد واحد على استخلاف القاضي غيره ، فكما يجـوز للقاضـي أن يسـتخلف في البلـد التي هو فيـها ، فيكون فيها قاضيان ، جاز أن يكـون فيهـا قاضيـان أصليـان يوليهمـا الإمـام ؛ بل تولية الإمام أولى ، وأقوى ؛ لأنه الأصل (28).
واستدل أصحاب القول الثاني بما يلي :
1 ـ أن توليـة قاضييـن في بلـد واحـد جميـع الأحكـام فيه ، يؤدي إلى التنازع والتشاجر ، وتجاذب الخصوم وتدافعهم (29) .
ــ وأجيـب عـن ذلك بـأن التنـازع يـزول بالقواعـد التي سيرد ذكرها بعد قليل ، والتي تحدد القاضي المختص عند حصول تنازع بين الخصمين .
2 ـ قيـاس ولايـة القضاء على الإمامة العظمى التي لا يجوز فيها التعدد بالنص والإجماع ، بجامع الولاية في كل (30) .
ــ وأجيب عـن ذلك بأن القياس قياس مع الفارق ؛ لأن القاضيين إذا اختلفا قطع الإمام اختلافهما لأنهما نائبان عنه ، بخلاف الإمامين (31) .
الراجح ، ووجه الترجيح :
يترجح لي القول الأول لقوة أدلته ، وللإجابة الواردة على أدلة القول الثاني .
مسألة : إذا اختلف الخصمان عند أي القاضيين تقام الدعوى ، فعند أيهما تقام ؟
ذكر أصحاب القول الأول قواعد في تحديد القاضي المختص بنظر الدعوى إذا اختلف الخصمان في ذلك ، وهي كما يلي :
1 ـ أن القول قول الطالب ـ أي المدعي ـ ؛ لأن الدعوى حق له (32) .
2 ـ فإن تسـاويا في الطلب اعتبر أقرب القاضيين إليهما ؛ لأنه لا حاجة إلى كلفة المضي للأبعد (33) .
3 ـ فـإن اســـتويـا فـي الطـلـب والقـرب ، قـدم مـن ســبق فـي رفـع الدعـوى ؛ لترجحـه بالسبق (34) .
4 ـ فإن اســتويا في ذلك أقـرع بينهمـا ، وقـدم من قرع ـ أي خرجت له القرعة ـ ؛ لأنها تعين المستحق .
وقيل يمنعان من التحاكم ؛ حتى يتفقا على أحدهما (35) .
1/2
وكتبه :
إبراهيم بن صالح الزغيبي