د. ناصر بن زيد بن داود
17-10-2011, 12:42 PM
تقييم بعض أحكام الحبس وتحويلها إلى «غرامة مالية» مفيد للمجتمع
الحارثي: «العقوبات البديلة» خيار العدالة نحو الإصلاح وتهذيب النفوس
http://s.alriyadh.com/2011/10/16/img/678513852062.jpg
الشيخ عبداللطيف الحارثي
الريــاض، حـوار - أسامة الجمـعان
أكد وكيل وزارة العدل الشيخ عبداللطيف الحارثي على أن في أروقة محاكم المملكة تجارب في تطبيق العقوبات البديلة والأخذ بها، ولاقت كل الترحيب من ولاة الأمر فوجهوا باعتماد البدائل كخيار واسع للقضاة عند إصدارهم لأحكامهم الجزائية، موضحاً أن التعزيرات تتمايز عن الحدود في الشريعة الإسلامية بأمور: فهي غير محددة شرعاً بمقدار ولا بنوع معين، وتختلف بحسب الناس، كما أنها لا تسقط بالشبهات.
وقال في حديث ل «الرياض» إن في عالمنا اليوم؛ تتجه الأنظمة العدلية في الكثير من دول العالم إلى تطبيق العقوبات البديلة أو ما يعرف بعقوبة النفع العام لأسباب إنسانية واجتماعية ووطنية واقتصادية، مؤكداً على أنّ للغرامة المالية أهمية في تخليص نوع من المدانين الذين وجدوا في السجن دون أن تكون لديهم ميول إجرامية، وفيما يلي نص الحوار:
سلبيات السجن
* في البدء حدثونا عن أهم سلبيات السجن؟
- عَرفت العقوبات السالبة للحرية معارضةً دائمة من المفكرين منذ القدم، إذ تكاثرت الانتقادات الموجهة لها؛ نظرًا لما يشوبها من مساوئ، منها: أن العقوبة السالبة للحرية هي في ذاتها عقوبة جسدية؛ وتعميمها لا يشكل في الحقيقة تطورًا ملحوظاً في رد فعل المجتمع على الفعل الإجرامي، وأنها تشكل وصمة عار على جبين المحكوم عليه، وأنها تتعدى الجاني بآثارها السلبية إلى عائلته، إلى جانب أنها ليست مناسبة للقيام بالدور التأهيلي المنشود.
الأخذ بيد الجناة والأحداث من «زلّة الضياع» وفتح «باب الأمل» أمامهم للعودة إلى الحياة وبناء مستقبلهم
العقوبات البديلة
* وهل تدخل العقوبات البديلة في الحدود الشرعية؟
- يجب التفريق بين نوعين من العقوبات لتحديد نطاق تطبيق العقوبات البديلة: النوع الأول: عقوبات مقدرة كالحدود، وهي العقوبات المحددة من الشارع الحكيم، وهذه لا تدخل في حديثنا البتة؛ فلا يجوز الاستعاضة عن هذه الحدود ببدائل تصادم النص، لئلا تدخل في تغيير حكم الله القاطع. والنوع الثاني: عقوبات غير محددة تسمى التعزيرات، وهي أُولى مَواطن تطبيق العقوبات البديلة، فالتعزير، وهو التأديب على ذنوب لم تشرع فيها الحدود، ليس بواجب على الإطلاق، ولا يُتْرك على الإطلاق، والعقوبة فيه دائرة واسعة متروكة لاجتهاد ولي الأمر على وفق أركان وشروط متروكة للحاكم؛ شريطة أن يكون منسجماً مع الإطار المرجعي الثري بالفهم المقاصدي للعقوبات في الفقه الإسلامي الذي له ملامحه الفقهية العامة.
مشروعية التطبيق
* إلام يستند القول بمشروعية تطبيق العقوبات البديلة في الشريعة الإسلامية؟
- هناك أدلة متكاثرة منها: ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مع بعض أسرى بدر عندما طلب منهم تعليم أبناء المسلمين الكتابة بدلاً من دفع الفداء المالي، وقياساً على الكفارات: فقد استعملت كعقوبات أصلية في القتل الخطأ على سبيل المثال، فهي بمثابة جزاءات ذات طابع مالي؛ وقد تكون مصاحبة لعقوبة مقدرة كالدية في القتل الخطأ؛ وقد تكون مصاحبة لعقوبة غير مقدرة وهي التعزير.
الاتجاهات الحديثة
* ما الاتجاهات الحديثة في تطبيق العقوبات البديلة؟
- في عالمنا اليوم؛ تتجه الأنظمة العدلية في الكثير من دول العالم إلى تطبيق العقوبات البديلة أو ما يعرف بعقوبة النفع العام لأسباب إنسانية واجتماعية ووطنية واقتصادية؛ خاصة في الجرائم والمخالفات التي تقع أول مرة، أو من الفئات العمرية الصغيرة التي تعاني من مشكلات نتيجة ضعف التنشئة وسوء التكّيف الاجتماعي وقلة الوعي، من خلال فتح نافذة نحو المستقبل أمامهم للخروج من دائرة الضياع؛ وذلك بالتوسع في الأخذ ببدائل العقوبات البدنية؛ والسالبة للحرية، وإعطاء القضاء سلطات أوسع؛ في تطبيق العقوبات البديلة؛ لتحقيق النفع العام، وإصلاح الفرد والمجتمع.
تطبيق البدائل
* وهل هذا الاتجاه مأخوذ به في المملكة؟
- في أروقة محاكم مملكتنا تجارب في تطبيق البدائل والأخذ بها، لاقت كل الترحيب من ولاة الأمر فوجهوا باعتماد البدائل كخيار واسع للقضاة عند إصدارهم لأحكامهم الجزائية، وفي هذا السياق يأتي الأمر السامي الكريم ذو الرقم 2523/م ب في 19/3/1430ه بتشجيع الأخذ ببدائل عقوبة السجن، المالية والبدنية والاجتماعية، والتدابير المقيدة للحرية، الواردة بوثيقة الرياض، وغيرها مما يمكن تطبيقه من بدائل، فضلاً عن ورود نصوص نظامية خاصة بتدابير بديلة، كالإلزام بالعلاج في المصحات كما في نظام مكافحة المخدرات، وسلطة تقديرات الدواعي المعتبرة لتخفيف الحد الأدنى من العقوبة عن طريق لجان العفو من عمل تنفيذي بدائلي.
نقل تجربة البدائل
* هل يتعارض الأخذ ببدائل السجن مع مبدأ (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص)؟
- لا يصح مطلقاً التحجج بمنع نقل تجربة البدائل؛ والإلزام ببدائل السجن في القضاء الجزائي بحجة مبدأ الشرعية الذي يقضي بألا جريمة ولا عقوبة إلا بنص شرعي أو نظامي، لعدم التعارض بالأصل، إذ لا يمكن تقيد سلطة القضاة إلا بوضع نصوص مكتوبة محددة في النظام تنص على الأفعال المجرّمة والعقوبات المقررة لها، ولا توجد حتى هذه الساعة مدونة أو لوائح خاصة بهذا الأمر، فالنظام الجزائي في القضاء السعودي غير مقنن عموماً باستثناء ما ورد في بعض الأنظمة من تعزيرات منظمة لجرائم المخدرات، والرشوة، والتزوير، والجرائم المعلوماتية، وغسل الأموال، ونحوها.
البدائل الجنائية
* وماذا عن البدائل الجنائية للعقوبات السالبة للحرية قصيرة الأمد؟ وهل تم الأخذ بالعقوبات المالية كبديل عن العقوبة السالبة للحرية؟ وكيف يتم استيفاء العقوبات المالية؟
- إن عملية إعادة تأهيل الجاني من أجل إدماجه في المجتمع تحتاج إلى مساحة زمنية شاسعة، وهذا مطلب لا تكفله العقوبة السالبة للحرية قصيرة المدة، لهذا جاءت فكرة تعويضها ببدائل تدخل في إطار النظام الجنائي، مالية، أو غير مالية، ويرى بعض الباحثين بأن هذا الصنف من البدائل أكد فاعليته في تحصين الأشخاص من الآثار المترتبة على ولوج السجن، لذا تبناها العديد من الأنظمة الحديثة كعقوبة أصلية إلى جانب العقوبة السالبة للحرية أو كبديل لها إذا كانت الخطورة الإجرامية للجاني غير بالغة من الحدة درجة تقتضي إيداعه السجن، والبدائل المالية نوعان: غرامات مالية تقليدية تعتبر من الأصناف العقابية العريقة، وغرامات مالية يومية.
نظام الدية
* هل يدخل نظام الدية في نطاق الغرامات المالية التقليدية؟
- ينحدر أصل عقوبة الغرامة من نظام الدية الذي كان معمولاً به في القوانين الوضعية القديمة، وكذلك في الشرائع السماوية، أما الأنظمة الحديثة فقد أخذت بهذا النوع من العقوبة، وميزت في إطارها بين الغرامة العادية وبين الغرامة النسبية؛ فالغرامة العادية هي: تلك التي يكون مقدارها محدداً ومعروفاً في حدّيه الأقصى والأدنى بنص نظامي، أما الغرامة النسبية فهي: التي لا يكون مقدارها محددًا، وإنما يبقى ذلك من اختصاص القضاء؛ على أساس الفائدة التي حققها الجاني؛ أو أراد؛ من الجريمة، لذا؛ فإن هذا النوع من الغرامات يحتكم دائمًا لظروف وملابسات كل قضية على حدة، أي حسب ما تنتجه من أضرار، وما تحققه من مزايا.
الشريحة المستهدفة
* ومن هي الشريحة المستهدفة بالغرامة المالية كبديل عن الحبس؟ وما فوائدها الأخرى؟
يرى معظم الباحثين أن للغرامة المالية أهمية في تخليص نوع من المدانين الذين وجدوا في السجن دون أن تكون لديهم ميول إجرامية، كالمجرم بالصدفة، كأثر من الآثار السلبية للسجن، وتُجنب الشخص الوصمة الناتجة عن دخوله السجن، والدور الوقائي الفردي والجماعي الذي تقوم به من خلال إبعاد الجناة عن ارتكاب الجرائم التي يعلمون بأنها ستكلفهم من الناحية المالية، كما أن هذا النوع من الجزاءات قد يدر على خزينة الدولة عوائد مالية، بدلاً من استنزافها بسبب ما تتطلبه الإقامة بالسجن من نفقات.
المساواة في المجازاة
* وهل تُخل الغرامات بمبدأ المساواة في المجازاة؟
- إذا كنت تقصد أن الغرامات لا تكرس مبدأ المساواة في تطبيق السياسة الجنائية فلا يستطيع النجاة من قضبان السجن إلا الشخص القادر مادياً على دفع مبلغ الغرامة وأن المعسر فيتعرض للسجن بالنظر لعدم قدرته على الأداء؛ فقد دفعت هذه الجوانب السلبية التي تتسم بها الجزاءات المالية التقليدية إلى ابتكار صورة جزائية مالية أكثر إيجابية من جهة تقدير الغرامة وكيفية تنفيذها، تأخذ في الاعتبار أحوال الجاني الاجتماعية والاقتصادية، وهذا ما يسمى بالغرامة اليومية.
الغرامة اليومية
* ما معنى الغرامة اليومية؟ وما الدول التي أخذت بهذا النظام؟
- هي: نظام يقوم على أساس إعطاء القاضي إمكانية الحكم أولاً على المتهم بمدة معينة من الحبس، ثم بعد ذلك يتم تقييم هذه المدة مالياً وتحويلها إلى غرامة، والدول التي أخذت بهذا النظام، فنلندا سنة 1921م، حيث كانت الغرامة المالية تحسب بناءً على سقف الدخل اليومي، وتبعتها السويد سنة 1931م، والدانمارك سنة 1939م.
المزايا
* وما أبرز مزاياه؟
- كان له انعكاسات إيجابية على المجتمع والأفراد، منها ترسيخ مبدأ المساواة الفعلية بين المواطنين، ودفع بعض النظم إلى التخلي عن عقوبة الحبس قصير المدة، خاصة في ألمانيا الذي ألغى عقوبة الحبس لأقل من شهر باستثناء الجرائم العسكرية سنة 1975م، كما أعطى للقاضي الحق بإصدار حكم غير نافذ بالغرامة إذا كان عدد الأيام الذي يناسب درجة الخطورة الاجتماعية للفعل الإجرامي لا يتعدى 180 يوماً، أما نظام العقوبات في فرنسا فلم يأخذ بهذا التوجه إلا في سنة 1981م وبشروط معينة، منها ألا يتجاوز عدد أيام الغرامة 360 يوماً، وألا يتجاوز مبلغ كل يوم 200 فرنك فرنسي، وأجاز إمكان الدفع بالتقسيط.
العيوب
* وهل يخلو نظام الغرامات اليومية من العيوب؟ وكيف تُتجاوز هذه السلبيات؟
- بالرغم من إيجابياته؛ فإنه لا يخلو من سلبيات تجلت في الحكم بالحبس مدة تساوي نصف مدة أيام الغرامة لغير القادر على تسديد الغرامة عند حلول استيفائها، وهذا يهدد بالسقوط مرة أخرى في شرك الحبس قصير المدة الذي ثبت عدم جدواه، وبالنسبة لكيف تُتجاوز هذه السلبيات فقد أنتجت الأنظمة الجنائية المعاصرة بعدد من الدول بدائل جزائية غير العقوبات السالبة للحرية، والعقوبات المالية، ومكّنت القاضي الجنائي من اعتمادها حسب ظروف وملابسات كل قضية.
البدائل غير المالية
* تعنون بقولكم هذا: البدائل غير المالية؟
- بالتأكيد، ويمكن التفريق، في إطار هذا النوع من البدائل، بين البدائل الرامية إلى تغيير طريقة تنفيذ العقوبة وبين البدائل التي تستبعد الحبس كجزاء سالب للحرية في البدائل التي ترمي إلى تغيير طريقة تنفيذ عقوبة الحبس قصيرة المدة، ويكون إعمال هذا الصنف من البدائل إما عن طريق إشراف عام، أو مراقبة مباشرة، كالاختبار القضائي، والمراقبة الإلكترونية، أو بمعزل تام عن أي تدخل يراقب حرية المعنيّ بالأمر كمؤسسة وقف التنفيذ.
الاختبار القضائي
*وكيف ينفذ الاختبار القضائي وما أساليبه؟
- يعتبر الاختبار القضائي من التدابير التي تنفذ تحت المراقبة، وذلك تبعاً لعدة أساليب: فإما أن يتم الوضع تحت الاختبار قبل صدور الحكم بالإدانة، فيقرر القاضي تعليق النطق بالإدانة عبر إيقاف سير الدعوى فترةً يحددها، ويقرر خلالها إيداع الجاني تحت رعاية نظام الاختبار القضائي، ليفرض عليه الالتزام بعدد من القواعد تحت إشراف ورقابة هيئة ذات تخصصات اجتماعية وتربوية وإصلاحية؛ فإذا أمضى الاختبار دون إخلال بالتزاماته يتم وضع حد للمتابعة وتسقط الدعوى العامة تماماً، أما إذا أخل بتلك الالتزامات فإن المحكمة تقرر استمرار الدعوى وتقضي بالإدانة الجزائية المناسبة، إلا أن هذا الأسلوب يؤخذ عليه أنه يمس بمبدأ الشرعية، إذ يفرض التزامات على متهم لم تثبت إدانته بعد.
النطق بالعقوبة
* ومتى يكون المتهم تحت هذا الاختبار؟ وهل يُنْطقُ في هذه الحالة بالعقوبة؟
- بعد صدور حكم بالإدانة؛ إذ يقتضي النطق بالعقوبة مع إيقاف تنفيذها؛ وبهذا يخضع الجاني لمقتضيات الاختبار القضائي طيلة فترة إيقاف التنفيذ، وعند خرق ضوابطه تطبق عليه وبشكل تلقائي العقوبة التي صدرت بحقه، ولا يتم النْطقُ في هذه الحالة بالعقوبة إلا بعد مرور فترة زمنية محددة لا تتعدى سنة؛ يطلب خلالها من المتهم أن يراعي بعض الشروط، وأن يمتثل لبعض الأوامر، وألا يقترف فعلاً أو امتناعاً إجرامياً آخر، فإن استجاب لذلك؛ أصبح بعد انتهاء المدة المحددة بريئاً من كل متابعة، أما إذا أخل بشرط ما؛ فإن للمحكمة كامل الصلاحية في متابعته.
وقف تنفيذ العقوبة
* في هذا السياق: ماذا عن إيقاف تنفيذ عقوبة الحبس؟ وما صورته؟
- وقف تنفيذ العقوبة يعتبر من أنظمة السياسات الجنائية التقليدية، ويقصد به تعليق تنفيذ العقوبة على شرط واقف يحدد خلال مدة يحددها النظام، ويتوخى هذا النظام تجنيب المذنب قضاء عقوبته داخل السجن، حداً من الآثار السلبية الناتجة عنه والتي تعوق السجين بعد خروجه من المؤسسة العقابية عن الاندماج في الحياة والمجتمع، وتتخذ مؤسسة إيقاف تنفيذ العقوبة صورتين، إحداهما: ترى أنه إذا مضت الفترة المحكوم بها دون أن يطرأ خلالها ما يدعو إلى إلغاء إيقاف تنفيذ العقوبة اعتبر الحكم كأن لم يكن، وبهذا يكون وضع المحكوم عليه موضع الذي رد إليه اعتباره، فيرفع الحكم من صحيفته الجنائية، ولا يعد عائداً إذا ارتكب جريمته بعد انتهاء المدة العقابية الموقوفة التنفيذ، وهذا الاتجاه هو المعمول به في فرنسا والمغرب ومصر.
الأنموذج الجرماني
* هذه هي الصورة اللاتينية، فما هو الأنموذج الجرماني إذن؟ وبرأيكم هل يكفي ما سبق كبدائل للعقوبات السالبة للحرية؟
- يرى أنّ العقوبة قد نفذت متى انقضت فترة التجربة دون إلغاء الإيقاف، لكن حكم الإدانة يبقى قائماً بكل ما يترتب عن ذلك من آثار سلب الاعتبار، واحتساب الجريمة المعاقب عليها بهذه العقوبة من ضمن السوابق الإجرامية المعتد بها حال العود، ويؤخذ بهذا في ألمانيا مثلاً، وهذه بعض صور البدائل التي تستهدف تغيير طريقة تنفيذ العقوبة السالبة للحرية، إلا أنها وكما يبدو ليست كافية وحدها كبدائل إيجابية للعقوبات السالبة للحرية قصيرة الأمد، الأمر الذي دفع إلى ابتكار بدائل أخرى لا علاقة لها أبداً بسلب الحرية.
البدائل
* مثل ماذا هذا النوع من البدائل؟ وبم يتميز؟
- البدائل التي تستبعد الحبس كجزاء سالب للحرية: مثل البدائل غير الاحتجازية، كجزاءات تحمل مضامين تربوية تتجاوز الحبس، وتخفف من أعباء خزينة الدولة، وتتيح فرصاً جديدة بمشاركة المجتمع في الكفاح ضد الجريمة بشكل إيجابي، وهي من أهم الإبداعات التي يتمايز بها علم العقاب كتخصص يتّبع منهج التحليل والتدخل متعدد الأبعاد؛ انطلاقاً من الأنساق الدولية والوطنية لمكافحة الجريمة في نطاق التنمية المستدامة، ويتميز بتمكين القاضي الجنائي من توسع مجالات اختياراته، فقد يحكم بالحرمان من بعض الحقوق السياسية أو المدنية، أو الحكم بإلزام الجانح بعض الواجبات لفائدة المصلحة العامة.
دول تبنت ذلك
* أي الدول تتبنى ذلك؟
- أخذت النظم الأوروبية بهذا التوجه منذ عقود، باستثناء فرنسا فلم تأخذ بها إلا في العقد الأخير من القرن الماضي وتحديداً في 1975م فأضحى بإمكان القاضي الجنائي أن يحكم بمصادرة الأشياء المستعملة في الجرائم لفائدة الدولة عوض النطق بالعقوبة السالبة للحرية، أو بإغلاق المحال التجارية، أو بالمنع من قيادة بعض السيارات، وإما بحجز سيارة أو أكثر، أو سحب رخصة السياقة بالكلية أو حجزها خمس سنوات.
الجريمة المرتكبة
* هل ترتبط هذه البدائل بنوع الجريمة المرتكبة؟ لكن ما هو أفضل تلك البدائل؟
- كلا، بل يمكن للقاضي الحكم بها بغض النظر عن ارتباطها من عدمه بالفعل المرتكب، إلا أن هذا قد ساهم بشكل كبير في ضعف مردود هذه البدائل؛ ما دفع إلى صياغة بدائل جزائية أخرى، ويعتبر العمل لفائدة المصلحة العامة أنجع هذه البدائل، ويقصد به الحكم على الجاني عندما يرتكب جنحة تستحق عقوبة الحبس بالقيام بعمل لفائدة المجتمع.
خاصية البديل
* وماهي خاصية هذا البديل؟
- خاصية هذا البديل تكمن في أن الحكم به يتوقف على قبول الجاني والتزامه بقضاء أوقات فراغه في عمله لفائدة المصلحة العامة بالمجان، وخلال مدة يحددها القاضي؛ وتتراوح بين أربعين ومائتين وأربعين ساعة عمل، وفائدة هذه العقوبة تتجلى في كونها إصلاحية تهذيبية بالدرجة الأولى إذ تساعد على إدماج الجاني في المجتمع؛ والوقاية من القطيعة التي تتولد عن العقوبة السالبة للحرية.
مسؤولية الدولة والمجتمع
* وما مسؤولية الدولة والمجتمع في هذا الصدد؟
- إزاحة الصفة الإجرامية عن فعل؛ قد يعني أن الدولة والمجتمع سيتحملان المساوئ الطفيفة الناجمة عنه، وفي هذه الحالة لا حاجة لاقتراح بديل للعقوبات، لكن إذا ظهر أن القيمة المعتدى عليها لا تستحق الحماية الجنائية، ومع ذلك فلا يمكن قبول التطاول عليها، لأن للمنظم في هذه الحالة أن يزيل الطابع الإجرامي عن الفعل، وأن يعتمد إما نُظماً أخرى، كرد ضده، أو أن يذهب أبعد من ذلك؛ فيضع على عاتق المجتمع أمر الاهتمام به.
العقوبات الإدارية
* وهل للعقوبات الإدارية دور وقائي؟
- برهن النظام الإداري أنه قادر على محاصرة العديد من الجرائم، خاصة من خلال الدور الوقائي والزجري الذي تلعبه العقوبات الإدارية مثلاً للجرائم الاقتصادية، كحماية المستهلك، ومراقبة الأسعار، ومحاربة الغش في السلع، وإذا كان هذا الصنف من الجزاءات ممكن الاستعمال كبديل للجزاءات السالبة للحرية قصيرة الأمد، فإنه يحتاج إلى صيانة من جهة التطبيق، ليتحقق الهدف المتوخى منها، مع الحيلولة دون المساس بحريات المواطنين وحقوقهم.
الجزاءات المسلكية
* وماذا عن الجزاءات المسلكية ذات الطابع المهني؟
- قد تغني العقوبات التأديبية بالنظر لفاعليتها عن اللجوء إلى القضاء الجنائي بشرط إحاطتها بكل الضمانات الكفيلة بحماية حقوق الأفراد والجماعات.
البدائل المجتمعية
* ما أهمية البدائل المجتمعية في نظركم؟
- تكمن أهمية هذا البعد الوقائي في أنه يفتح حقلاً تجريبياً فاعلاً ومحتوياً على كل الممارسات التي يمكن للدولة أن تستوحي منها حلولاً لتستثمر ما تراه ناجعاً لتطوير سياستها الجنائية.
دور علاجي
* وهل يكون للمجتمع في هذا الشأن دور علاجي أيضاً؟
_ يجب أن ينصب اهتمام المجتمع على إيجاد الحل الملائم للمشكلات التي أدى إليها الفعل الإجرامي حتى لا يقع اللجوء للمؤسسات العقابية الجنائية، إذ إن هنالك عدة بدائل يمكن العثور عليها في تجارب الدول حالياً.
عقوبة السجن
* أفهم من ذلك كله أن السجن عقوبة أصيلة؟
- لا، إطلاقاً، فالسجن ليس عقوبة أصلية في الشريعة الإسلامية حتى نبحث لها عن بديل، إنما العقوبات البديلة مشروعة للقاضي ليختار من بينها ما يتفق مع مقاصد الشريعة من تطبيق سياسة العقوبات.
مبدأ العقوبات البديلة
* لكنك ترى أهمية تبني العقوبات البديلة؟
- إقرار مبدأ العقوبات البديلة، -سواء- أكان ذلك على المستوى التنظيمي أم على مستوى المؤسسات العقابية، سيكون عونًا لدمج هذه الفئة في المجتمع، وتقديم -كافة- أشكال الرعاية المختلفة للسجين، اجتماعياً، ونفسياً، وطبياً؛ بدلاً عن تأثرهم بالعقلية الإجرامية، وحرمانهم من الوظيفة، أو انقطاعهم عن الدراسة، -إضافة-إلى إهمال الظروف الشخصية الموضوعية لكل جريمة.
أكثر إنسانية
* هل هي بنظركم أفضل من العقوبات الحالية؟
_ في ظني، أن إقرار العقوبات البديلة للعقوبات البدنية والسالبة للحرية، تُعتبر أكثر إنسانية من العقوبات المعمول بها -حالياً- لدعمها فكرة إدماج السجين في المجتمع، عن طريق السماح له بإشراكه في اختيار العقوبة المناسبة له، كتقديم خدمات اجتماعية، أو حضور السجين دورات تدريبية إصلاحية، أو المشاركة في الأعمال الخيرية، أو غير ذلك.
ومن ناحية أخرى، فإنها ستبرز النهج الإنساني، المتمثل في حفظ كرامة الإنسان؛ وهو ما يصب في نهاية المطاف، في منظومة العدالة؛ وليكون خيارًا مهما في التخفيف من اكتظاظ السجون، والتقليل من النفقات التي تتحملها الدولة، والمساهمة في القضاء على عقوبات الحبس قصيرة المدى.
أهمية الملتقى
* كلمة ختامية عن أهمية الملتقى؟
- أريد توضيح التوجه العالمي، ولنجاح التطبيق العملي، واستناداً إلى ما حفلت به كتب الفقه، وانطلاقاً من موجبات العدالة والمسؤولية والمصلحة، وتنفيذاً لمشروع الملك عبدالله لتطوير مرفق القضاء (من خلال مساره العلمي)، فإن وزارة العدل بقيادة وزيرها معالي الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى الذي يصل ليله بالنهار سهراً على الرقي بمرفق العدالة لا يألوا جهداً للنهوض بالقضاء في كافة الاتجاهات؛ وخاصة إيقاد الحراك العلمي؛ لنشر الثقافة الحقوقية وتنمية الموارد البشرية، بجانب إيجاد بيئة عدلية محفزة، ولذلك كانت فكرة إقامة هذا الملتقى المبارك، لتشكيل إضافة علمية موسعة لها طابع تفصيلي؛ لفتح باب الاجتهاد أمام الفقهاء والقضاة، للتباحث والتدارس، بغية الوصول إلى منطلقات واضحة، وقواعد محكمة، وأمثلة مؤصلة، ونماذج تطبيقية رائدة، تسهم في بناء فقهي سديد، ورؤية علمية رائدة، وتقويم منهجي صحيح، ينير السبيل، لإعانة السالكين، ويسْنُد احتياج القضاة في هذا المضمار، وهو حلقة متصلة ضمن سلسلة الملتقيات العلمية المبرمجة التي تنفذها الوزارة.
الحارثي: «العقوبات البديلة» خيار العدالة نحو الإصلاح وتهذيب النفوس
http://s.alriyadh.com/2011/10/16/img/678513852062.jpg
الشيخ عبداللطيف الحارثي
الريــاض، حـوار - أسامة الجمـعان
أكد وكيل وزارة العدل الشيخ عبداللطيف الحارثي على أن في أروقة محاكم المملكة تجارب في تطبيق العقوبات البديلة والأخذ بها، ولاقت كل الترحيب من ولاة الأمر فوجهوا باعتماد البدائل كخيار واسع للقضاة عند إصدارهم لأحكامهم الجزائية، موضحاً أن التعزيرات تتمايز عن الحدود في الشريعة الإسلامية بأمور: فهي غير محددة شرعاً بمقدار ولا بنوع معين، وتختلف بحسب الناس، كما أنها لا تسقط بالشبهات.
وقال في حديث ل «الرياض» إن في عالمنا اليوم؛ تتجه الأنظمة العدلية في الكثير من دول العالم إلى تطبيق العقوبات البديلة أو ما يعرف بعقوبة النفع العام لأسباب إنسانية واجتماعية ووطنية واقتصادية، مؤكداً على أنّ للغرامة المالية أهمية في تخليص نوع من المدانين الذين وجدوا في السجن دون أن تكون لديهم ميول إجرامية، وفيما يلي نص الحوار:
سلبيات السجن
* في البدء حدثونا عن أهم سلبيات السجن؟
- عَرفت العقوبات السالبة للحرية معارضةً دائمة من المفكرين منذ القدم، إذ تكاثرت الانتقادات الموجهة لها؛ نظرًا لما يشوبها من مساوئ، منها: أن العقوبة السالبة للحرية هي في ذاتها عقوبة جسدية؛ وتعميمها لا يشكل في الحقيقة تطورًا ملحوظاً في رد فعل المجتمع على الفعل الإجرامي، وأنها تشكل وصمة عار على جبين المحكوم عليه، وأنها تتعدى الجاني بآثارها السلبية إلى عائلته، إلى جانب أنها ليست مناسبة للقيام بالدور التأهيلي المنشود.
الأخذ بيد الجناة والأحداث من «زلّة الضياع» وفتح «باب الأمل» أمامهم للعودة إلى الحياة وبناء مستقبلهم
العقوبات البديلة
* وهل تدخل العقوبات البديلة في الحدود الشرعية؟
- يجب التفريق بين نوعين من العقوبات لتحديد نطاق تطبيق العقوبات البديلة: النوع الأول: عقوبات مقدرة كالحدود، وهي العقوبات المحددة من الشارع الحكيم، وهذه لا تدخل في حديثنا البتة؛ فلا يجوز الاستعاضة عن هذه الحدود ببدائل تصادم النص، لئلا تدخل في تغيير حكم الله القاطع. والنوع الثاني: عقوبات غير محددة تسمى التعزيرات، وهي أُولى مَواطن تطبيق العقوبات البديلة، فالتعزير، وهو التأديب على ذنوب لم تشرع فيها الحدود، ليس بواجب على الإطلاق، ولا يُتْرك على الإطلاق، والعقوبة فيه دائرة واسعة متروكة لاجتهاد ولي الأمر على وفق أركان وشروط متروكة للحاكم؛ شريطة أن يكون منسجماً مع الإطار المرجعي الثري بالفهم المقاصدي للعقوبات في الفقه الإسلامي الذي له ملامحه الفقهية العامة.
مشروعية التطبيق
* إلام يستند القول بمشروعية تطبيق العقوبات البديلة في الشريعة الإسلامية؟
- هناك أدلة متكاثرة منها: ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مع بعض أسرى بدر عندما طلب منهم تعليم أبناء المسلمين الكتابة بدلاً من دفع الفداء المالي، وقياساً على الكفارات: فقد استعملت كعقوبات أصلية في القتل الخطأ على سبيل المثال، فهي بمثابة جزاءات ذات طابع مالي؛ وقد تكون مصاحبة لعقوبة مقدرة كالدية في القتل الخطأ؛ وقد تكون مصاحبة لعقوبة غير مقدرة وهي التعزير.
الاتجاهات الحديثة
* ما الاتجاهات الحديثة في تطبيق العقوبات البديلة؟
- في عالمنا اليوم؛ تتجه الأنظمة العدلية في الكثير من دول العالم إلى تطبيق العقوبات البديلة أو ما يعرف بعقوبة النفع العام لأسباب إنسانية واجتماعية ووطنية واقتصادية؛ خاصة في الجرائم والمخالفات التي تقع أول مرة، أو من الفئات العمرية الصغيرة التي تعاني من مشكلات نتيجة ضعف التنشئة وسوء التكّيف الاجتماعي وقلة الوعي، من خلال فتح نافذة نحو المستقبل أمامهم للخروج من دائرة الضياع؛ وذلك بالتوسع في الأخذ ببدائل العقوبات البدنية؛ والسالبة للحرية، وإعطاء القضاء سلطات أوسع؛ في تطبيق العقوبات البديلة؛ لتحقيق النفع العام، وإصلاح الفرد والمجتمع.
تطبيق البدائل
* وهل هذا الاتجاه مأخوذ به في المملكة؟
- في أروقة محاكم مملكتنا تجارب في تطبيق البدائل والأخذ بها، لاقت كل الترحيب من ولاة الأمر فوجهوا باعتماد البدائل كخيار واسع للقضاة عند إصدارهم لأحكامهم الجزائية، وفي هذا السياق يأتي الأمر السامي الكريم ذو الرقم 2523/م ب في 19/3/1430ه بتشجيع الأخذ ببدائل عقوبة السجن، المالية والبدنية والاجتماعية، والتدابير المقيدة للحرية، الواردة بوثيقة الرياض، وغيرها مما يمكن تطبيقه من بدائل، فضلاً عن ورود نصوص نظامية خاصة بتدابير بديلة، كالإلزام بالعلاج في المصحات كما في نظام مكافحة المخدرات، وسلطة تقديرات الدواعي المعتبرة لتخفيف الحد الأدنى من العقوبة عن طريق لجان العفو من عمل تنفيذي بدائلي.
نقل تجربة البدائل
* هل يتعارض الأخذ ببدائل السجن مع مبدأ (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص)؟
- لا يصح مطلقاً التحجج بمنع نقل تجربة البدائل؛ والإلزام ببدائل السجن في القضاء الجزائي بحجة مبدأ الشرعية الذي يقضي بألا جريمة ولا عقوبة إلا بنص شرعي أو نظامي، لعدم التعارض بالأصل، إذ لا يمكن تقيد سلطة القضاة إلا بوضع نصوص مكتوبة محددة في النظام تنص على الأفعال المجرّمة والعقوبات المقررة لها، ولا توجد حتى هذه الساعة مدونة أو لوائح خاصة بهذا الأمر، فالنظام الجزائي في القضاء السعودي غير مقنن عموماً باستثناء ما ورد في بعض الأنظمة من تعزيرات منظمة لجرائم المخدرات، والرشوة، والتزوير، والجرائم المعلوماتية، وغسل الأموال، ونحوها.
البدائل الجنائية
* وماذا عن البدائل الجنائية للعقوبات السالبة للحرية قصيرة الأمد؟ وهل تم الأخذ بالعقوبات المالية كبديل عن العقوبة السالبة للحرية؟ وكيف يتم استيفاء العقوبات المالية؟
- إن عملية إعادة تأهيل الجاني من أجل إدماجه في المجتمع تحتاج إلى مساحة زمنية شاسعة، وهذا مطلب لا تكفله العقوبة السالبة للحرية قصيرة المدة، لهذا جاءت فكرة تعويضها ببدائل تدخل في إطار النظام الجنائي، مالية، أو غير مالية، ويرى بعض الباحثين بأن هذا الصنف من البدائل أكد فاعليته في تحصين الأشخاص من الآثار المترتبة على ولوج السجن، لذا تبناها العديد من الأنظمة الحديثة كعقوبة أصلية إلى جانب العقوبة السالبة للحرية أو كبديل لها إذا كانت الخطورة الإجرامية للجاني غير بالغة من الحدة درجة تقتضي إيداعه السجن، والبدائل المالية نوعان: غرامات مالية تقليدية تعتبر من الأصناف العقابية العريقة، وغرامات مالية يومية.
نظام الدية
* هل يدخل نظام الدية في نطاق الغرامات المالية التقليدية؟
- ينحدر أصل عقوبة الغرامة من نظام الدية الذي كان معمولاً به في القوانين الوضعية القديمة، وكذلك في الشرائع السماوية، أما الأنظمة الحديثة فقد أخذت بهذا النوع من العقوبة، وميزت في إطارها بين الغرامة العادية وبين الغرامة النسبية؛ فالغرامة العادية هي: تلك التي يكون مقدارها محدداً ومعروفاً في حدّيه الأقصى والأدنى بنص نظامي، أما الغرامة النسبية فهي: التي لا يكون مقدارها محددًا، وإنما يبقى ذلك من اختصاص القضاء؛ على أساس الفائدة التي حققها الجاني؛ أو أراد؛ من الجريمة، لذا؛ فإن هذا النوع من الغرامات يحتكم دائمًا لظروف وملابسات كل قضية على حدة، أي حسب ما تنتجه من أضرار، وما تحققه من مزايا.
الشريحة المستهدفة
* ومن هي الشريحة المستهدفة بالغرامة المالية كبديل عن الحبس؟ وما فوائدها الأخرى؟
يرى معظم الباحثين أن للغرامة المالية أهمية في تخليص نوع من المدانين الذين وجدوا في السجن دون أن تكون لديهم ميول إجرامية، كالمجرم بالصدفة، كأثر من الآثار السلبية للسجن، وتُجنب الشخص الوصمة الناتجة عن دخوله السجن، والدور الوقائي الفردي والجماعي الذي تقوم به من خلال إبعاد الجناة عن ارتكاب الجرائم التي يعلمون بأنها ستكلفهم من الناحية المالية، كما أن هذا النوع من الجزاءات قد يدر على خزينة الدولة عوائد مالية، بدلاً من استنزافها بسبب ما تتطلبه الإقامة بالسجن من نفقات.
المساواة في المجازاة
* وهل تُخل الغرامات بمبدأ المساواة في المجازاة؟
- إذا كنت تقصد أن الغرامات لا تكرس مبدأ المساواة في تطبيق السياسة الجنائية فلا يستطيع النجاة من قضبان السجن إلا الشخص القادر مادياً على دفع مبلغ الغرامة وأن المعسر فيتعرض للسجن بالنظر لعدم قدرته على الأداء؛ فقد دفعت هذه الجوانب السلبية التي تتسم بها الجزاءات المالية التقليدية إلى ابتكار صورة جزائية مالية أكثر إيجابية من جهة تقدير الغرامة وكيفية تنفيذها، تأخذ في الاعتبار أحوال الجاني الاجتماعية والاقتصادية، وهذا ما يسمى بالغرامة اليومية.
الغرامة اليومية
* ما معنى الغرامة اليومية؟ وما الدول التي أخذت بهذا النظام؟
- هي: نظام يقوم على أساس إعطاء القاضي إمكانية الحكم أولاً على المتهم بمدة معينة من الحبس، ثم بعد ذلك يتم تقييم هذه المدة مالياً وتحويلها إلى غرامة، والدول التي أخذت بهذا النظام، فنلندا سنة 1921م، حيث كانت الغرامة المالية تحسب بناءً على سقف الدخل اليومي، وتبعتها السويد سنة 1931م، والدانمارك سنة 1939م.
المزايا
* وما أبرز مزاياه؟
- كان له انعكاسات إيجابية على المجتمع والأفراد، منها ترسيخ مبدأ المساواة الفعلية بين المواطنين، ودفع بعض النظم إلى التخلي عن عقوبة الحبس قصير المدة، خاصة في ألمانيا الذي ألغى عقوبة الحبس لأقل من شهر باستثناء الجرائم العسكرية سنة 1975م، كما أعطى للقاضي الحق بإصدار حكم غير نافذ بالغرامة إذا كان عدد الأيام الذي يناسب درجة الخطورة الاجتماعية للفعل الإجرامي لا يتعدى 180 يوماً، أما نظام العقوبات في فرنسا فلم يأخذ بهذا التوجه إلا في سنة 1981م وبشروط معينة، منها ألا يتجاوز عدد أيام الغرامة 360 يوماً، وألا يتجاوز مبلغ كل يوم 200 فرنك فرنسي، وأجاز إمكان الدفع بالتقسيط.
العيوب
* وهل يخلو نظام الغرامات اليومية من العيوب؟ وكيف تُتجاوز هذه السلبيات؟
- بالرغم من إيجابياته؛ فإنه لا يخلو من سلبيات تجلت في الحكم بالحبس مدة تساوي نصف مدة أيام الغرامة لغير القادر على تسديد الغرامة عند حلول استيفائها، وهذا يهدد بالسقوط مرة أخرى في شرك الحبس قصير المدة الذي ثبت عدم جدواه، وبالنسبة لكيف تُتجاوز هذه السلبيات فقد أنتجت الأنظمة الجنائية المعاصرة بعدد من الدول بدائل جزائية غير العقوبات السالبة للحرية، والعقوبات المالية، ومكّنت القاضي الجنائي من اعتمادها حسب ظروف وملابسات كل قضية.
البدائل غير المالية
* تعنون بقولكم هذا: البدائل غير المالية؟
- بالتأكيد، ويمكن التفريق، في إطار هذا النوع من البدائل، بين البدائل الرامية إلى تغيير طريقة تنفيذ العقوبة وبين البدائل التي تستبعد الحبس كجزاء سالب للحرية في البدائل التي ترمي إلى تغيير طريقة تنفيذ عقوبة الحبس قصيرة المدة، ويكون إعمال هذا الصنف من البدائل إما عن طريق إشراف عام، أو مراقبة مباشرة، كالاختبار القضائي، والمراقبة الإلكترونية، أو بمعزل تام عن أي تدخل يراقب حرية المعنيّ بالأمر كمؤسسة وقف التنفيذ.
الاختبار القضائي
*وكيف ينفذ الاختبار القضائي وما أساليبه؟
- يعتبر الاختبار القضائي من التدابير التي تنفذ تحت المراقبة، وذلك تبعاً لعدة أساليب: فإما أن يتم الوضع تحت الاختبار قبل صدور الحكم بالإدانة، فيقرر القاضي تعليق النطق بالإدانة عبر إيقاف سير الدعوى فترةً يحددها، ويقرر خلالها إيداع الجاني تحت رعاية نظام الاختبار القضائي، ليفرض عليه الالتزام بعدد من القواعد تحت إشراف ورقابة هيئة ذات تخصصات اجتماعية وتربوية وإصلاحية؛ فإذا أمضى الاختبار دون إخلال بالتزاماته يتم وضع حد للمتابعة وتسقط الدعوى العامة تماماً، أما إذا أخل بتلك الالتزامات فإن المحكمة تقرر استمرار الدعوى وتقضي بالإدانة الجزائية المناسبة، إلا أن هذا الأسلوب يؤخذ عليه أنه يمس بمبدأ الشرعية، إذ يفرض التزامات على متهم لم تثبت إدانته بعد.
النطق بالعقوبة
* ومتى يكون المتهم تحت هذا الاختبار؟ وهل يُنْطقُ في هذه الحالة بالعقوبة؟
- بعد صدور حكم بالإدانة؛ إذ يقتضي النطق بالعقوبة مع إيقاف تنفيذها؛ وبهذا يخضع الجاني لمقتضيات الاختبار القضائي طيلة فترة إيقاف التنفيذ، وعند خرق ضوابطه تطبق عليه وبشكل تلقائي العقوبة التي صدرت بحقه، ولا يتم النْطقُ في هذه الحالة بالعقوبة إلا بعد مرور فترة زمنية محددة لا تتعدى سنة؛ يطلب خلالها من المتهم أن يراعي بعض الشروط، وأن يمتثل لبعض الأوامر، وألا يقترف فعلاً أو امتناعاً إجرامياً آخر، فإن استجاب لذلك؛ أصبح بعد انتهاء المدة المحددة بريئاً من كل متابعة، أما إذا أخل بشرط ما؛ فإن للمحكمة كامل الصلاحية في متابعته.
وقف تنفيذ العقوبة
* في هذا السياق: ماذا عن إيقاف تنفيذ عقوبة الحبس؟ وما صورته؟
- وقف تنفيذ العقوبة يعتبر من أنظمة السياسات الجنائية التقليدية، ويقصد به تعليق تنفيذ العقوبة على شرط واقف يحدد خلال مدة يحددها النظام، ويتوخى هذا النظام تجنيب المذنب قضاء عقوبته داخل السجن، حداً من الآثار السلبية الناتجة عنه والتي تعوق السجين بعد خروجه من المؤسسة العقابية عن الاندماج في الحياة والمجتمع، وتتخذ مؤسسة إيقاف تنفيذ العقوبة صورتين، إحداهما: ترى أنه إذا مضت الفترة المحكوم بها دون أن يطرأ خلالها ما يدعو إلى إلغاء إيقاف تنفيذ العقوبة اعتبر الحكم كأن لم يكن، وبهذا يكون وضع المحكوم عليه موضع الذي رد إليه اعتباره، فيرفع الحكم من صحيفته الجنائية، ولا يعد عائداً إذا ارتكب جريمته بعد انتهاء المدة العقابية الموقوفة التنفيذ، وهذا الاتجاه هو المعمول به في فرنسا والمغرب ومصر.
الأنموذج الجرماني
* هذه هي الصورة اللاتينية، فما هو الأنموذج الجرماني إذن؟ وبرأيكم هل يكفي ما سبق كبدائل للعقوبات السالبة للحرية؟
- يرى أنّ العقوبة قد نفذت متى انقضت فترة التجربة دون إلغاء الإيقاف، لكن حكم الإدانة يبقى قائماً بكل ما يترتب عن ذلك من آثار سلب الاعتبار، واحتساب الجريمة المعاقب عليها بهذه العقوبة من ضمن السوابق الإجرامية المعتد بها حال العود، ويؤخذ بهذا في ألمانيا مثلاً، وهذه بعض صور البدائل التي تستهدف تغيير طريقة تنفيذ العقوبة السالبة للحرية، إلا أنها وكما يبدو ليست كافية وحدها كبدائل إيجابية للعقوبات السالبة للحرية قصيرة الأمد، الأمر الذي دفع إلى ابتكار بدائل أخرى لا علاقة لها أبداً بسلب الحرية.
البدائل
* مثل ماذا هذا النوع من البدائل؟ وبم يتميز؟
- البدائل التي تستبعد الحبس كجزاء سالب للحرية: مثل البدائل غير الاحتجازية، كجزاءات تحمل مضامين تربوية تتجاوز الحبس، وتخفف من أعباء خزينة الدولة، وتتيح فرصاً جديدة بمشاركة المجتمع في الكفاح ضد الجريمة بشكل إيجابي، وهي من أهم الإبداعات التي يتمايز بها علم العقاب كتخصص يتّبع منهج التحليل والتدخل متعدد الأبعاد؛ انطلاقاً من الأنساق الدولية والوطنية لمكافحة الجريمة في نطاق التنمية المستدامة، ويتميز بتمكين القاضي الجنائي من توسع مجالات اختياراته، فقد يحكم بالحرمان من بعض الحقوق السياسية أو المدنية، أو الحكم بإلزام الجانح بعض الواجبات لفائدة المصلحة العامة.
دول تبنت ذلك
* أي الدول تتبنى ذلك؟
- أخذت النظم الأوروبية بهذا التوجه منذ عقود، باستثناء فرنسا فلم تأخذ بها إلا في العقد الأخير من القرن الماضي وتحديداً في 1975م فأضحى بإمكان القاضي الجنائي أن يحكم بمصادرة الأشياء المستعملة في الجرائم لفائدة الدولة عوض النطق بالعقوبة السالبة للحرية، أو بإغلاق المحال التجارية، أو بالمنع من قيادة بعض السيارات، وإما بحجز سيارة أو أكثر، أو سحب رخصة السياقة بالكلية أو حجزها خمس سنوات.
الجريمة المرتكبة
* هل ترتبط هذه البدائل بنوع الجريمة المرتكبة؟ لكن ما هو أفضل تلك البدائل؟
- كلا، بل يمكن للقاضي الحكم بها بغض النظر عن ارتباطها من عدمه بالفعل المرتكب، إلا أن هذا قد ساهم بشكل كبير في ضعف مردود هذه البدائل؛ ما دفع إلى صياغة بدائل جزائية أخرى، ويعتبر العمل لفائدة المصلحة العامة أنجع هذه البدائل، ويقصد به الحكم على الجاني عندما يرتكب جنحة تستحق عقوبة الحبس بالقيام بعمل لفائدة المجتمع.
خاصية البديل
* وماهي خاصية هذا البديل؟
- خاصية هذا البديل تكمن في أن الحكم به يتوقف على قبول الجاني والتزامه بقضاء أوقات فراغه في عمله لفائدة المصلحة العامة بالمجان، وخلال مدة يحددها القاضي؛ وتتراوح بين أربعين ومائتين وأربعين ساعة عمل، وفائدة هذه العقوبة تتجلى في كونها إصلاحية تهذيبية بالدرجة الأولى إذ تساعد على إدماج الجاني في المجتمع؛ والوقاية من القطيعة التي تتولد عن العقوبة السالبة للحرية.
مسؤولية الدولة والمجتمع
* وما مسؤولية الدولة والمجتمع في هذا الصدد؟
- إزاحة الصفة الإجرامية عن فعل؛ قد يعني أن الدولة والمجتمع سيتحملان المساوئ الطفيفة الناجمة عنه، وفي هذه الحالة لا حاجة لاقتراح بديل للعقوبات، لكن إذا ظهر أن القيمة المعتدى عليها لا تستحق الحماية الجنائية، ومع ذلك فلا يمكن قبول التطاول عليها، لأن للمنظم في هذه الحالة أن يزيل الطابع الإجرامي عن الفعل، وأن يعتمد إما نُظماً أخرى، كرد ضده، أو أن يذهب أبعد من ذلك؛ فيضع على عاتق المجتمع أمر الاهتمام به.
العقوبات الإدارية
* وهل للعقوبات الإدارية دور وقائي؟
- برهن النظام الإداري أنه قادر على محاصرة العديد من الجرائم، خاصة من خلال الدور الوقائي والزجري الذي تلعبه العقوبات الإدارية مثلاً للجرائم الاقتصادية، كحماية المستهلك، ومراقبة الأسعار، ومحاربة الغش في السلع، وإذا كان هذا الصنف من الجزاءات ممكن الاستعمال كبديل للجزاءات السالبة للحرية قصيرة الأمد، فإنه يحتاج إلى صيانة من جهة التطبيق، ليتحقق الهدف المتوخى منها، مع الحيلولة دون المساس بحريات المواطنين وحقوقهم.
الجزاءات المسلكية
* وماذا عن الجزاءات المسلكية ذات الطابع المهني؟
- قد تغني العقوبات التأديبية بالنظر لفاعليتها عن اللجوء إلى القضاء الجنائي بشرط إحاطتها بكل الضمانات الكفيلة بحماية حقوق الأفراد والجماعات.
البدائل المجتمعية
* ما أهمية البدائل المجتمعية في نظركم؟
- تكمن أهمية هذا البعد الوقائي في أنه يفتح حقلاً تجريبياً فاعلاً ومحتوياً على كل الممارسات التي يمكن للدولة أن تستوحي منها حلولاً لتستثمر ما تراه ناجعاً لتطوير سياستها الجنائية.
دور علاجي
* وهل يكون للمجتمع في هذا الشأن دور علاجي أيضاً؟
_ يجب أن ينصب اهتمام المجتمع على إيجاد الحل الملائم للمشكلات التي أدى إليها الفعل الإجرامي حتى لا يقع اللجوء للمؤسسات العقابية الجنائية، إذ إن هنالك عدة بدائل يمكن العثور عليها في تجارب الدول حالياً.
عقوبة السجن
* أفهم من ذلك كله أن السجن عقوبة أصيلة؟
- لا، إطلاقاً، فالسجن ليس عقوبة أصلية في الشريعة الإسلامية حتى نبحث لها عن بديل، إنما العقوبات البديلة مشروعة للقاضي ليختار من بينها ما يتفق مع مقاصد الشريعة من تطبيق سياسة العقوبات.
مبدأ العقوبات البديلة
* لكنك ترى أهمية تبني العقوبات البديلة؟
- إقرار مبدأ العقوبات البديلة، -سواء- أكان ذلك على المستوى التنظيمي أم على مستوى المؤسسات العقابية، سيكون عونًا لدمج هذه الفئة في المجتمع، وتقديم -كافة- أشكال الرعاية المختلفة للسجين، اجتماعياً، ونفسياً، وطبياً؛ بدلاً عن تأثرهم بالعقلية الإجرامية، وحرمانهم من الوظيفة، أو انقطاعهم عن الدراسة، -إضافة-إلى إهمال الظروف الشخصية الموضوعية لكل جريمة.
أكثر إنسانية
* هل هي بنظركم أفضل من العقوبات الحالية؟
_ في ظني، أن إقرار العقوبات البديلة للعقوبات البدنية والسالبة للحرية، تُعتبر أكثر إنسانية من العقوبات المعمول بها -حالياً- لدعمها فكرة إدماج السجين في المجتمع، عن طريق السماح له بإشراكه في اختيار العقوبة المناسبة له، كتقديم خدمات اجتماعية، أو حضور السجين دورات تدريبية إصلاحية، أو المشاركة في الأعمال الخيرية، أو غير ذلك.
ومن ناحية أخرى، فإنها ستبرز النهج الإنساني، المتمثل في حفظ كرامة الإنسان؛ وهو ما يصب في نهاية المطاف، في منظومة العدالة؛ وليكون خيارًا مهما في التخفيف من اكتظاظ السجون، والتقليل من النفقات التي تتحملها الدولة، والمساهمة في القضاء على عقوبات الحبس قصيرة المدى.
أهمية الملتقى
* كلمة ختامية عن أهمية الملتقى؟
- أريد توضيح التوجه العالمي، ولنجاح التطبيق العملي، واستناداً إلى ما حفلت به كتب الفقه، وانطلاقاً من موجبات العدالة والمسؤولية والمصلحة، وتنفيذاً لمشروع الملك عبدالله لتطوير مرفق القضاء (من خلال مساره العلمي)، فإن وزارة العدل بقيادة وزيرها معالي الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى الذي يصل ليله بالنهار سهراً على الرقي بمرفق العدالة لا يألوا جهداً للنهوض بالقضاء في كافة الاتجاهات؛ وخاصة إيقاد الحراك العلمي؛ لنشر الثقافة الحقوقية وتنمية الموارد البشرية، بجانب إيجاد بيئة عدلية محفزة، ولذلك كانت فكرة إقامة هذا الملتقى المبارك، لتشكيل إضافة علمية موسعة لها طابع تفصيلي؛ لفتح باب الاجتهاد أمام الفقهاء والقضاة، للتباحث والتدارس، بغية الوصول إلى منطلقات واضحة، وقواعد محكمة، وأمثلة مؤصلة، ونماذج تطبيقية رائدة، تسهم في بناء فقهي سديد، ورؤية علمية رائدة، وتقويم منهجي صحيح، ينير السبيل، لإعانة السالكين، ويسْنُد احتياج القضاة في هذا المضمار، وهو حلقة متصلة ضمن سلسلة الملتقيات العلمية المبرمجة التي تنفذها الوزارة.