ابوعبدالعزيز
02-05-2009, 10:51 AM
جريدة الحياة الطبعة السعودية - الخميس 5 جمادى الأول 1430هـ الموافق 30 إبريل 2009م
أكدوا أن العلاقة بين الجانبين تحتاج إصلاحاً جذرياً... خبراء: الفجوة بين القضاة والخصوم في اتساع يضر بـ «العدالة»
اعتبر محاميان متابعان للشأن العدلي في السعودية، أن العلاقة بين القضاة والمترافعين تحتاج إلى تدارك ومعالجة لواقعها الراهن، قبل أن تتطور إلى ما هو أسوأ. وأقرا بأن التعامل بين القضاة والمراجعين يختلف باختلاف الأشخاص، إلا أن «الممارسات الصادرة عن القضاة أو من المتقاضين تجعل من يسعى للوصول إلى حقه أو لرفع الظلم عنه، يتعرض أحياناً إلى مظالم أخرى داخل المحاكم»!
وأكد المحامي محمد سعود الجذلاني، أن هناك فجوة كبيرة وواسعة في علاقة القضاة والخصوم، داعياً إلى إصلاح جذري ومعالجة تحفظ حسن سير العدالة، فيما اعتبر المحامي محمد السنيدي، أن هذه العلاقة، التي تحتاج إلى ترميم، تختلف باختلاف القاضي نفسه واختلاف الجهاز القضائي أيضاً، موضحاً أن القضاة ممن هم تحت مظلة ديوان المظالم سواء كان القضاء الإداري أم التجاري أم الجزائي أم التأديبي «أقرب إلى احترام وتقدير الخصوم، لأنهم يتعاملون معهم بروح العصر والخلق الرفيع وبروح الأنظمة المرعية، بعكس قضاة القضاء العام (وزارة العدل)، فهم أقرب إلى مشيخة التصوف وتقديس ذواتهم».
ويتضح حجم الخلل الحاصل في المحاكم، طبقاً للجذلاني، بإلقاء نظرة سريعة «على سير المحاكمة في أي دولة من الدول المتقدمة والتي للأسف لا تدين بدين الإسلام مثلنا ومع ذلك سبقونا بمراحل عدة إلى تحقيق العدالة وفقاً للقانون بين رعايا دولهم من دون تمييز، وذلك وفق إجراءات سلسة واضحة شفافة ونزيهة».
وبالرجوع إلى ما يحدث داخل أروقة المحاكم في السعودية، أكد الجذلاني، لـ«الحياة»، أن «هناك عدداً من الممارسات المؤسفة الصادرة عن القضاة أو المتقاضين تجعل من يسعى للوصول إلى حقه أو لرفع الظلم عنه قد يتعرض إلى مظالم أخرى متنوعة داخل المحاكم وعلى يد القضاة أو أعوان القضاة وليس أقل هذه المظالم إساءة التعامل وسوء الخلق والتعامل من دون توقير وعدم المبالاة بحقوق الناس الضائعة أو مشاعرهم المجروحة بسبب الاعتداء على هذه الحقوق والتي كانوا يأملون بأن يجدوا لها في المحاكم حصن العدالة وظلالها الوارف».
وعلى الجانب الآخر، أوضح أن «هناك ممارسات كثيرة من المتقاضين بحق القضاة من عدم توقير القاضي أو التشكيك في نزاهته أو محاولة تضليله أو حتى مشاعر العداء تجاهه واعتباره خصماً حين يؤدي عمله ويمارس اجتهاده الواجب عليه للوصول إلى الحق». في الإطار ذاته، طالب المحامي محمد السنيدي، بعدم اعتبار أحكام القضاة حكماً من الله ورسوله، «فبعضهم يعطيها هذه الصفة، وهذا غير صحيح، فإنما هي أحكام قضائية يجتهد فيها القاضي بدليل أنه إذا أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر».
قلة الرواتب أدت إلى الضغوط النفسية
وطالب بأن تقوم علاقة القضاة والخصوم، على أساس الثقة، فالقاضي يجب أن يكون حاكماً بعلم بعيداً عن الهوى، يعطي كل طرفٍ الحق في قول ما يريد إثباتاً لدعواه أو نفياً لدعوى خصمه، ومن جهة الخصوم، طالب باحترام رمز العدالة المتمثل في القاضي بغض النظر عن شخصه وإنما بما يمثله رمزاً للعدالة. وتكون تصرفات الكثير من القضاة مع الخصوم، بحسب السنيدي، «أعلى علوّ إلى أسفل سفل، ولذا فإن الترميم للعلاقة بين الطرفين تكون من طريق توعية القضاة وتلبية رغباتهم، لأنهم يواجهون ضغوطاً نفسيه من عدم حصولهم على رواتب مجزية وعدم توافر بدل سكن وعلاج وعدم استقرار وغير ذلك»، مضيفاً أن كل هذا بالتأكيد وغيره يؤثر سلباً وإيجاباً في أخلاق بعض القضاة مع خصومهم. وعزا لجوء بعض القضاة إلى تفخيم ذواتهم إلى «ضعفهم العلمي والاجتماعي وعدم وضوح دورهم هل هم قضاة أم وعاظ أم علماء دين، فضلاً عن أن كلما ازداد جهل الإنسان بنفسه أو بمجتمعه وقبل ذلك بربه كلما انتفخ ليرهب من حوله ويصرفهم عن جهله». مبيناً أن لجوء بعضهم إلى تفخيم ذواتهم يرجع إلى أسباب مختلفة منها: «الفهم السقيم في شخصية القاضي الذي قد يرى أن هذا من الهيبة والحصانة له لا لشخصه كما يعتقد بل للقضاء مرفقاً، وهذا الاعتقاد محل نظر ولم يعلموا أن هذا خلاف هدي السلف وأحياناً يصل إلى درجة المرض النفسي واتباع الهوى فيرى بعضهم أن لا أحد فوقه غير الحاكم».
كما أن تفخيم الذوات ليس فقط أمام الخصوم، طبقاً للسنيدي، بل على الناس عامة باستثناء الحكام وأن التعامل الرسمي قد أوهمهم بالأهمية البالغة ففي اللقاءات الرسمية يُقدم القضاة حتى الجدد منهم حديثو السن على من هم أعلى منصباً في الدولة ولو كان أكثر علماً وأنضج عقلاً وأوفر حكمة، لذلك وللأسف اعتاد المجتمع منحهم هذا الانتفاش الفارغ»، على حد وصفه.
قضاة أم جلادون؟
وحول نظرة الناس إلى القضاة في الوقت الحالي، أشار السنيدي، إلى أن عامة الناس ينظرون إلى القضاة على أنهم متكبّرون لا يردّون السلام، بل وكأنهم جلادون بيد أحدهم سيف وفي الأخرى سوط وفي جيبه مفاتيح السجن. وأضفت كتب التراث على القضاة ولا سيما على رجال الدين عموما «قداسة زائفة تتوارثها الأجيال، فالأصل في الثقافة العربية أنها ثقافة دينية»، بحسب السنيدي، لذلك انحصر التبجيل على علماء الدين «فلا قيمة ولا مكانة لرجال الفكر وعلماء القانون والمحامون وغيرهم من الذين ينمون الحياة، لا مكانة لهم تجاري مكانة القضاة»، معتبراً أن صفات القاضي في التاريخ لم تؤثر في بعض قضاة اليوم، والدليل «تهافتهم على الميزات المالية وطلب الترقيات مع أن السلف حذّروا من هذا». وتساءل السنيدي، عن «كيف يحترم الناس أحكام القضاء بحب ورغبة لا بإكراه وإلزام، إذا كان القضاء العام، غير المقنن يشبه حقل الألغام لا تدري إذا دخلته بلا خريطة أي لغم قد ينفجر بك، والدليل على ذلك أن صاحب القضية يترافع في قضيته وهو على يقين بأن الحق معه وإذا به يتفاجأ بالعكس تماماً، وهذا راجع إلى أن القاضي له آلاف المراجع والأقوال في تكييفه للقضية وفي حكمه، يختار منها ما يشاء»، مطالباً بـ«تقنين القضاء العام، أو عمل مدونة يستند إليها القضاة لتسهيل الأمر».
ومن أجل تهذيب العلاقة بين القضاة والمترافعين، طالب المحامي محمد الجذلاني، بإصدار نظام أو لائحة دقيقة ومحكمة تضبط طريقة إدارة جلسات المحاكمة وكيفية سيرها والتزامات كل طرف تجاه الطرف الآخر، فيعرف كل طرف حدوده فلا يتعداها سواء من القضاة أو من الخصوم أو بين الخصوم تجاه بعضهم.
ورأى الجذلان أن فرض هذا النوع من الالتزامات «يجعلها مع الوقت واضحة ومعلومة للجميع ومستقرة في نفوسهم، فيملك كل طرف أن يحتج على الآخر إن أخلّ بحدود علاقته معه، ولو تم ذلك الأمر لوجدنا جلسات محاكمة تتسم بالهدوء والاتزان وتتاح فيها الفرصة كاملة للخصوم في تقديم ما لديهم من دعوى أو دفاع أو بينات كما يكون للقاضي مجال واسع لضبط نظام الجلسة وإلزام الجميع به والتزامه هو أيضاً بموجبه».
الفايز: القضاة لديهم من السلطة ما يغنيهم عن «تفخيم الذات»رفض القاضي في المحكمة العامة في الرياض الشيخ محمد الفايز ما يتردد بأن قضاة يلجأون إلى تضخيم ذواتهم أمام الخصوم، قائلاً: «هذا يصلح مثالاً لما يشاع بين الناس ولا حظ له من الواقع، فالقضاة ليسوا بحاجة إليه لسبب بسيط جداً، أنهم يملكون من السلطة على المتقاضين ما يغنيهم عن مثل هذا التصنع».
ولفت إلى أن «الرجل صاحب السلطة الذي يمارس صلاحيته المناطة به يُنظر إليه غالباً بهذا المنظار، ولهذا ينساق هذا الكلام على الوزراء وأمراء المناطق ونحوهم».
واعتبر في تصريحات إلى «الحياة»، أن ما جاء في كتب الفقه كمقولة: «ينبغي أن يكون القاضي حازماً من غير عنف رحيماً من غير ضعيف»، نبراس للقضاة في أداء واجباتهم، فالعنف والضعف صفات سلبية غير صحيحة. موضحاً أن «القضاة لا يتصنعون سلوكاً معيناً، لكنهم يضبطون جلسات المحاكم ويحافظون على سير العدالة وهدوء المتقاضين، بحيث لا يتعدى أحدهم على الآخر بشيء فيه إخلال، وهذا يقتضي وعظ أحد المتقاضين أحياناً أو حتى زجره عند المماطلة والاستهزاء بخصمه، ونحو ذلك لأن من صفات المنافق أنه: (إذا خاصم فجر)». وفيما إذا كانت صفات القضاة في التراث قد أثرت في تعاملهم المعاصر، أوضح أنه جاء ذكر واجبات القضاة في كتب الفقه والفقهاء وذكر ما يجب أن يتصفوا به من الصفات العظيمة النافعة من مثل تحليهم بالعلم والحلم والرحمة، ووجوب المساواة بين الخصوم وإمهالهم لبيان حججهم وعدم الضجر بهم. غير أنه استدرك بأن «القضاة القدماء ليسوا كحال قضاة العصر، فأولئك لديهم من العلم الشيء الكثير حتى لا يتولى القضاء إلا كبار العلماء، ثم كان يدخل في اختصاصهم أشياء عظيمة، حيث لم يكن في المدينة الكبيرة من مدن الإسلام كمكة والمدينة وبغداد ودمشق إلا قاضٍ واحد، وينظر في خصومات الناس والتزامهم بالنظام العام كالطرق والمباني والأسواق ونحوها، وهذا النوع الذي يصفه السلف في كتبهم». بيد أن الشيخ الفايز، اعتبر أن أكثر ما ورد في كتب القضاء والفقه هو واجبات القضاة وليست حقوقهم.
وعن حال العلاقة بين القضاة والمتقاضين، قال: «إنها علاقة طالب لحقه بمن يثق في تحقيقه له، وطالب للعدل بمن يتمكن من تنفيذه بين الناس. فإذا صح هذا فإن العلاقة بحالتها الراهنة جيدة»، إلا أنه أكد أن «جودتها لا تعتبر أنها ليست بحاجة إلى التطوير، وتحسين أداء كلا الطرفين، بل هي بحاجة إلى ذلك باستمرار». لافتاً إلى أن أهم ما يمكن أن يحسّنها «تطوير الثقافة الحقوقية والعدلية لدى المجتمع»، مطالباً الإعلام بالكف عن إثارة القضايا، ولا سيما قبل حسمها، لأن هذا يؤثر في سير العدالة.
ولم يُخْفِ جانباً آخر «مهماً» بحسب وصفه، وهو «استنطاق القضاة عن واقعهم لتكون هناك شفافية، ويتمكن الناس من معرفة ما يدور داخل أروقة المحاكم».
وحول نظرة الناس إلى القضاة خارج المحاكم، ذهب الشيخ إلى المثل القائل: «الحق قد يكون مراً»، كما جاء على قول الشاعر: «نصف الناس عداء لمن... ولي الحكم هذا إن عدل. فلا يتصور مطلقاً رضا المتخاصمين عن القضاة. وهل يمكن أن يرضى الظالم عمن انتزع الحق منه بالقوة، وهل يمكن أن يتصور رضا الجاني والمجرم عمن يعاقبه؟». أما عن نظرة عامة الناس الذين لم يدخلوا المحاكم وليسوا ظلمة ولا مظلومين ولا جناة، فقال: «إنهم غالباً مرتع لنشر الإشاعات ونسج الحكايات ممن دخل المحاكم أو ما يرد في الإعلام مدحاً أو ذماً، دفاعاً أو تهكماً، ولذلك يجب التحري والتوثق»، مذكراً بقوله تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد)»، مشدداً على أن «أي أمة لا تحترم قضاءها ولا قضاتها فهي إنما تضع من قيمة نفسها، والقضاء ما لم يكن محفوظ السيادة والاستقلال التام، فإن الأمة ستعيش هزيمة عدلية ساحقة».
أكدوا أن العلاقة بين الجانبين تحتاج إصلاحاً جذرياً... خبراء: الفجوة بين القضاة والخصوم في اتساع يضر بـ «العدالة»
اعتبر محاميان متابعان للشأن العدلي في السعودية، أن العلاقة بين القضاة والمترافعين تحتاج إلى تدارك ومعالجة لواقعها الراهن، قبل أن تتطور إلى ما هو أسوأ. وأقرا بأن التعامل بين القضاة والمراجعين يختلف باختلاف الأشخاص، إلا أن «الممارسات الصادرة عن القضاة أو من المتقاضين تجعل من يسعى للوصول إلى حقه أو لرفع الظلم عنه، يتعرض أحياناً إلى مظالم أخرى داخل المحاكم»!
وأكد المحامي محمد سعود الجذلاني، أن هناك فجوة كبيرة وواسعة في علاقة القضاة والخصوم، داعياً إلى إصلاح جذري ومعالجة تحفظ حسن سير العدالة، فيما اعتبر المحامي محمد السنيدي، أن هذه العلاقة، التي تحتاج إلى ترميم، تختلف باختلاف القاضي نفسه واختلاف الجهاز القضائي أيضاً، موضحاً أن القضاة ممن هم تحت مظلة ديوان المظالم سواء كان القضاء الإداري أم التجاري أم الجزائي أم التأديبي «أقرب إلى احترام وتقدير الخصوم، لأنهم يتعاملون معهم بروح العصر والخلق الرفيع وبروح الأنظمة المرعية، بعكس قضاة القضاء العام (وزارة العدل)، فهم أقرب إلى مشيخة التصوف وتقديس ذواتهم».
ويتضح حجم الخلل الحاصل في المحاكم، طبقاً للجذلاني، بإلقاء نظرة سريعة «على سير المحاكمة في أي دولة من الدول المتقدمة والتي للأسف لا تدين بدين الإسلام مثلنا ومع ذلك سبقونا بمراحل عدة إلى تحقيق العدالة وفقاً للقانون بين رعايا دولهم من دون تمييز، وذلك وفق إجراءات سلسة واضحة شفافة ونزيهة».
وبالرجوع إلى ما يحدث داخل أروقة المحاكم في السعودية، أكد الجذلاني، لـ«الحياة»، أن «هناك عدداً من الممارسات المؤسفة الصادرة عن القضاة أو المتقاضين تجعل من يسعى للوصول إلى حقه أو لرفع الظلم عنه قد يتعرض إلى مظالم أخرى متنوعة داخل المحاكم وعلى يد القضاة أو أعوان القضاة وليس أقل هذه المظالم إساءة التعامل وسوء الخلق والتعامل من دون توقير وعدم المبالاة بحقوق الناس الضائعة أو مشاعرهم المجروحة بسبب الاعتداء على هذه الحقوق والتي كانوا يأملون بأن يجدوا لها في المحاكم حصن العدالة وظلالها الوارف».
وعلى الجانب الآخر، أوضح أن «هناك ممارسات كثيرة من المتقاضين بحق القضاة من عدم توقير القاضي أو التشكيك في نزاهته أو محاولة تضليله أو حتى مشاعر العداء تجاهه واعتباره خصماً حين يؤدي عمله ويمارس اجتهاده الواجب عليه للوصول إلى الحق». في الإطار ذاته، طالب المحامي محمد السنيدي، بعدم اعتبار أحكام القضاة حكماً من الله ورسوله، «فبعضهم يعطيها هذه الصفة، وهذا غير صحيح، فإنما هي أحكام قضائية يجتهد فيها القاضي بدليل أنه إذا أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر».
قلة الرواتب أدت إلى الضغوط النفسية
وطالب بأن تقوم علاقة القضاة والخصوم، على أساس الثقة، فالقاضي يجب أن يكون حاكماً بعلم بعيداً عن الهوى، يعطي كل طرفٍ الحق في قول ما يريد إثباتاً لدعواه أو نفياً لدعوى خصمه، ومن جهة الخصوم، طالب باحترام رمز العدالة المتمثل في القاضي بغض النظر عن شخصه وإنما بما يمثله رمزاً للعدالة. وتكون تصرفات الكثير من القضاة مع الخصوم، بحسب السنيدي، «أعلى علوّ إلى أسفل سفل، ولذا فإن الترميم للعلاقة بين الطرفين تكون من طريق توعية القضاة وتلبية رغباتهم، لأنهم يواجهون ضغوطاً نفسيه من عدم حصولهم على رواتب مجزية وعدم توافر بدل سكن وعلاج وعدم استقرار وغير ذلك»، مضيفاً أن كل هذا بالتأكيد وغيره يؤثر سلباً وإيجاباً في أخلاق بعض القضاة مع خصومهم. وعزا لجوء بعض القضاة إلى تفخيم ذواتهم إلى «ضعفهم العلمي والاجتماعي وعدم وضوح دورهم هل هم قضاة أم وعاظ أم علماء دين، فضلاً عن أن كلما ازداد جهل الإنسان بنفسه أو بمجتمعه وقبل ذلك بربه كلما انتفخ ليرهب من حوله ويصرفهم عن جهله». مبيناً أن لجوء بعضهم إلى تفخيم ذواتهم يرجع إلى أسباب مختلفة منها: «الفهم السقيم في شخصية القاضي الذي قد يرى أن هذا من الهيبة والحصانة له لا لشخصه كما يعتقد بل للقضاء مرفقاً، وهذا الاعتقاد محل نظر ولم يعلموا أن هذا خلاف هدي السلف وأحياناً يصل إلى درجة المرض النفسي واتباع الهوى فيرى بعضهم أن لا أحد فوقه غير الحاكم».
كما أن تفخيم الذوات ليس فقط أمام الخصوم، طبقاً للسنيدي، بل على الناس عامة باستثناء الحكام وأن التعامل الرسمي قد أوهمهم بالأهمية البالغة ففي اللقاءات الرسمية يُقدم القضاة حتى الجدد منهم حديثو السن على من هم أعلى منصباً في الدولة ولو كان أكثر علماً وأنضج عقلاً وأوفر حكمة، لذلك وللأسف اعتاد المجتمع منحهم هذا الانتفاش الفارغ»، على حد وصفه.
قضاة أم جلادون؟
وحول نظرة الناس إلى القضاة في الوقت الحالي، أشار السنيدي، إلى أن عامة الناس ينظرون إلى القضاة على أنهم متكبّرون لا يردّون السلام، بل وكأنهم جلادون بيد أحدهم سيف وفي الأخرى سوط وفي جيبه مفاتيح السجن. وأضفت كتب التراث على القضاة ولا سيما على رجال الدين عموما «قداسة زائفة تتوارثها الأجيال، فالأصل في الثقافة العربية أنها ثقافة دينية»، بحسب السنيدي، لذلك انحصر التبجيل على علماء الدين «فلا قيمة ولا مكانة لرجال الفكر وعلماء القانون والمحامون وغيرهم من الذين ينمون الحياة، لا مكانة لهم تجاري مكانة القضاة»، معتبراً أن صفات القاضي في التاريخ لم تؤثر في بعض قضاة اليوم، والدليل «تهافتهم على الميزات المالية وطلب الترقيات مع أن السلف حذّروا من هذا». وتساءل السنيدي، عن «كيف يحترم الناس أحكام القضاء بحب ورغبة لا بإكراه وإلزام، إذا كان القضاء العام، غير المقنن يشبه حقل الألغام لا تدري إذا دخلته بلا خريطة أي لغم قد ينفجر بك، والدليل على ذلك أن صاحب القضية يترافع في قضيته وهو على يقين بأن الحق معه وإذا به يتفاجأ بالعكس تماماً، وهذا راجع إلى أن القاضي له آلاف المراجع والأقوال في تكييفه للقضية وفي حكمه، يختار منها ما يشاء»، مطالباً بـ«تقنين القضاء العام، أو عمل مدونة يستند إليها القضاة لتسهيل الأمر».
ومن أجل تهذيب العلاقة بين القضاة والمترافعين، طالب المحامي محمد الجذلاني، بإصدار نظام أو لائحة دقيقة ومحكمة تضبط طريقة إدارة جلسات المحاكمة وكيفية سيرها والتزامات كل طرف تجاه الطرف الآخر، فيعرف كل طرف حدوده فلا يتعداها سواء من القضاة أو من الخصوم أو بين الخصوم تجاه بعضهم.
ورأى الجذلان أن فرض هذا النوع من الالتزامات «يجعلها مع الوقت واضحة ومعلومة للجميع ومستقرة في نفوسهم، فيملك كل طرف أن يحتج على الآخر إن أخلّ بحدود علاقته معه، ولو تم ذلك الأمر لوجدنا جلسات محاكمة تتسم بالهدوء والاتزان وتتاح فيها الفرصة كاملة للخصوم في تقديم ما لديهم من دعوى أو دفاع أو بينات كما يكون للقاضي مجال واسع لضبط نظام الجلسة وإلزام الجميع به والتزامه هو أيضاً بموجبه».
الفايز: القضاة لديهم من السلطة ما يغنيهم عن «تفخيم الذات»رفض القاضي في المحكمة العامة في الرياض الشيخ محمد الفايز ما يتردد بأن قضاة يلجأون إلى تضخيم ذواتهم أمام الخصوم، قائلاً: «هذا يصلح مثالاً لما يشاع بين الناس ولا حظ له من الواقع، فالقضاة ليسوا بحاجة إليه لسبب بسيط جداً، أنهم يملكون من السلطة على المتقاضين ما يغنيهم عن مثل هذا التصنع».
ولفت إلى أن «الرجل صاحب السلطة الذي يمارس صلاحيته المناطة به يُنظر إليه غالباً بهذا المنظار، ولهذا ينساق هذا الكلام على الوزراء وأمراء المناطق ونحوهم».
واعتبر في تصريحات إلى «الحياة»، أن ما جاء في كتب الفقه كمقولة: «ينبغي أن يكون القاضي حازماً من غير عنف رحيماً من غير ضعيف»، نبراس للقضاة في أداء واجباتهم، فالعنف والضعف صفات سلبية غير صحيحة. موضحاً أن «القضاة لا يتصنعون سلوكاً معيناً، لكنهم يضبطون جلسات المحاكم ويحافظون على سير العدالة وهدوء المتقاضين، بحيث لا يتعدى أحدهم على الآخر بشيء فيه إخلال، وهذا يقتضي وعظ أحد المتقاضين أحياناً أو حتى زجره عند المماطلة والاستهزاء بخصمه، ونحو ذلك لأن من صفات المنافق أنه: (إذا خاصم فجر)». وفيما إذا كانت صفات القضاة في التراث قد أثرت في تعاملهم المعاصر، أوضح أنه جاء ذكر واجبات القضاة في كتب الفقه والفقهاء وذكر ما يجب أن يتصفوا به من الصفات العظيمة النافعة من مثل تحليهم بالعلم والحلم والرحمة، ووجوب المساواة بين الخصوم وإمهالهم لبيان حججهم وعدم الضجر بهم. غير أنه استدرك بأن «القضاة القدماء ليسوا كحال قضاة العصر، فأولئك لديهم من العلم الشيء الكثير حتى لا يتولى القضاء إلا كبار العلماء، ثم كان يدخل في اختصاصهم أشياء عظيمة، حيث لم يكن في المدينة الكبيرة من مدن الإسلام كمكة والمدينة وبغداد ودمشق إلا قاضٍ واحد، وينظر في خصومات الناس والتزامهم بالنظام العام كالطرق والمباني والأسواق ونحوها، وهذا النوع الذي يصفه السلف في كتبهم». بيد أن الشيخ الفايز، اعتبر أن أكثر ما ورد في كتب القضاء والفقه هو واجبات القضاة وليست حقوقهم.
وعن حال العلاقة بين القضاة والمتقاضين، قال: «إنها علاقة طالب لحقه بمن يثق في تحقيقه له، وطالب للعدل بمن يتمكن من تنفيذه بين الناس. فإذا صح هذا فإن العلاقة بحالتها الراهنة جيدة»، إلا أنه أكد أن «جودتها لا تعتبر أنها ليست بحاجة إلى التطوير، وتحسين أداء كلا الطرفين، بل هي بحاجة إلى ذلك باستمرار». لافتاً إلى أن أهم ما يمكن أن يحسّنها «تطوير الثقافة الحقوقية والعدلية لدى المجتمع»، مطالباً الإعلام بالكف عن إثارة القضايا، ولا سيما قبل حسمها، لأن هذا يؤثر في سير العدالة.
ولم يُخْفِ جانباً آخر «مهماً» بحسب وصفه، وهو «استنطاق القضاة عن واقعهم لتكون هناك شفافية، ويتمكن الناس من معرفة ما يدور داخل أروقة المحاكم».
وحول نظرة الناس إلى القضاة خارج المحاكم، ذهب الشيخ إلى المثل القائل: «الحق قد يكون مراً»، كما جاء على قول الشاعر: «نصف الناس عداء لمن... ولي الحكم هذا إن عدل. فلا يتصور مطلقاً رضا المتخاصمين عن القضاة. وهل يمكن أن يرضى الظالم عمن انتزع الحق منه بالقوة، وهل يمكن أن يتصور رضا الجاني والمجرم عمن يعاقبه؟». أما عن نظرة عامة الناس الذين لم يدخلوا المحاكم وليسوا ظلمة ولا مظلومين ولا جناة، فقال: «إنهم غالباً مرتع لنشر الإشاعات ونسج الحكايات ممن دخل المحاكم أو ما يرد في الإعلام مدحاً أو ذماً، دفاعاً أو تهكماً، ولذلك يجب التحري والتوثق»، مذكراً بقوله تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد)»، مشدداً على أن «أي أمة لا تحترم قضاءها ولا قضاتها فهي إنما تضع من قيمة نفسها، والقضاء ما لم يكن محفوظ السيادة والاستقلال التام، فإن الأمة ستعيش هزيمة عدلية ساحقة».