عُرضتْ عليّّ دعوى مدنيةٌ حينما كنتُ قاضياً في المحكمة الابتدائية بسمائل، كانَ الطلبُ فيها إزالة بعض النخيل من مال وردم بعض الحُفَر، فكانَ الحكمُ - بفضل الله تعالى - نتاجَ بحثٍ حولَ تحديد الحريم في النخيل وفي الحفر، وخلاصةُ ذلك أنّه "من المعلوم شرعاً أنّ مشروعية الحريم في الأموال إنّما هي لدفع الضرر عن الجار، فمن أراد أن يزرع شجراً فعليه أن يحرم في ماله مقدار ما يصرف الضرر عن جاره ولا ينيف شيء من ذلك الشجر على مال جاره، ولهذا اختلفت المقادير للإحرام حسب أنواع الشجر، ومن أراد أن يحدث حدثاً في ملكه مما من شأنه إلحاق الضرر بالجار أو بالطريق أن يحرم في ماله مقدار ما يصرف ذلك الضرر عن الغير"، و"من المقرّر شرعاً أنّ مقدار الحريم للنخل في أكثر القول ثلاثة أذرع (ينظر جوابات المحقق سعيد بن خلفان الخليلي ج4 ص486، أي متر ونصف المتر (1.50م)"، "ومن المقرّر شرعاً أنّ من أراد الحَفْر في أرضه بجنب طريق أو أرض جارٍ له فعليه أن يحرم عن الطريق أو عن أرض جاره، واختلفوا في المقدار؛ فقيل: إذا حفر ذراعاً أفسح ذراعاً، وإن حفر ذراعين أفسح ذراعين، وإن حفر ثلاثة أذرع أفسح ثلاثة أذرع وهكذا فيما زاد، وقيل: ليس عليه أكثر من ثلاثة أذرع ولو حفر أكثر من ذلك، (ينظر: جوابات المحقق سعيد بن خلفان الخليلي ج4 ص484 و485)"، فلما كان ذلك، وقد تبيّن بالمعاينة أنّ نخلة من النخيل موضوع الدعوى تبعد عن الطريق المحدّد بعشرة سنتيمترات (0.10م)، والعلة التي شرع من أجلها الحريم منتفية وهي الضرر على الغير؛ فهي نخلة عوّانة، لا ينيف شيء من زورها على الطريق فيضرّ المارين فيها، ولا يظهر كذلك ضرر من عروقها، كما تبيّن أنّ بعض تلك النخيل في حدود الحريم المذكورة، فرفضت المحكمة طلبَ إزالتها، وتبيّن أنّ بعضَ تلك النخيل أقلُّ من حدود الحريم المذكورة فقضت المحكمة بإلزم إفساحها بتلك الحدود، وتبيّن أنّ الحَفْر كان لفسْل نخيلٍ في موضعٍ هو أقلُّ من حدود الحريمِ المذكورة، فقضت المحكمة بإلزام الحافر بالإفساح بمقدار نصف مترٍ لما تبيّن أنّ عمق الحَفْر في هذا الحدود، وقد تضمّن الحكم المرفق بالمقالِ مواضيع أخرى كالدفع بسبق الفصل في الدعوى، وحجيّة الصلحِ، وتفاصيل أخرى.
https://portal.arid.my/ar-LY/Posts/D...b-7d8b3d490e66