جريدة الاقتصادية السبت 1429/12/15 هـ 2008-12-13العدد: 5542
ازدواجية الصكوك
يوسف الفراج ::: قاض في وزارة العدل
ورد في تقرير قبل أيام في هذه الصحيفة أن عددا من العقاريين قدر حجم الأراضي المتنازع عليها نتيجة وجود أكثر من صك لمالكيها في مدينة جدة بما يصل إلى 5 في المائة تقريباً من مساحة أراضي جدة، مؤكدين أن غياب التنسيق بين الجهات المختصة من الأمانات وكتابة العدل وغياب الشفافية، إضافة إلى جهل بعض المواطنين تعد أهم أسباب انتشار هذه الظاهرة في القطاع العقاري السعودي. وإذا تجاوزنا الرقم الموجود في التقرير, ومدى دقته إلا أن المعلومة الواردة فيه صحيحة , وتنظر المحاكم في عدد من القضايا من هذا النوع, ومع أنه قد يكون لطرفي المنازعة دور في وجود هذه الازدواجية إما بقصد وإما بجهل – كما ورد في التقرير – إلا أن الإشكالية في هذا الخصوص هي أن النسبة الأكبر في نشوء هذه المنازعات يرجع لعدم وجود أنظمة كافية لضبط الملكيات أو لعدم كفاءتها أو عدم تطبيقها بالدرجة الكافية, وإلا لما صدر من الجهات المعنية بحفظ الملكيات – المحاكم وكتابات العدل - صكان على موقع واحد, أو لكان للجهات الفنية المعنية - وزارة الشؤون البلدية والقروية - دور في كشف مثل هذه الازدواجيات وإعطاء المحاكم وكتابات العدل معلومات كافية لمنع صدور مثل هذه الصكوك.
وسبق أن كتبت مقالة حول ازدواجية الصكوك قبل فترة وأشرت فيها إلى أن سبب وجود هذه الصكوك هو أن الطريقة التي يتم تسجيل العقار بها في المملكة هي "الطريق الشخصية", وهذه لا تكفل للمحاكم وكتابات العدل الضمانات الكافية للجزم بخلو سجل العقار من أي ملكيات أو حقوق أخرى, بخلاف نظام التسجيل العيني للعقار الذي يستحيل معه تداخل الملكيات فضلا عن تطابقها لما يتضمنه من أحكام وإجراءات تمنع مثل هذا التداخل, والنظام صدر أخيرا في المملكة والجهات المعنية تعمل على تطبيقه, ومن الأسباب – كذلك - أن الجهة المختصة بالمساحة والأراضي ليس لديها ما يفيد المحكمة عند مخاطبتها بالوضع الحقيقي للعقار لأنها لا تملك سجلا إلكترونيا يبين حال العقار وما جد عليه من تغيرات, وبالتالي فقد يصدر أكثر من صك تملك على عقار واحد, أما تداخل الصكوك فهو كثير.
ولا بد من الإشارة إلى أن القضاء عند نظره في هذه القضايا فإنه يتطرق إلى جانبين, الأول: مدى حصول التطابق أو التداخل أصلا, ومن ثم: تحديد المالك الأول للعقار, ومن الأخطاء الشائعة عند البعض الظن أن المعتبر في تحديد المالك الأول للعقار هو من يحمل الصك الأقدم تاريخا وهذا فهم خاطئ, لأنه لا أثر لتاريخ الصك ووقت صدوره, فهو وصف غير مؤثر في إثبات وكشف المالك الحقيقي للعقار, والعبرة بتاريخ التملك لا بتاريخ الصك, وبينهما فرق بين, فلا شك هنا أن من يثبت تملكه الأقدم بالإحياء هو صاحب الحق, وبهذا فسوف تثبت المحكمة صكه وتلغي الصك الثاني.
وهذا مبني على قاعدة مستقرة في القضاء وهي أن صكوك "حجج الاستحكام" الصادرة عن المحاكم هي كاشفة للملكية وليست مثبتة لها, وذلك لكونها تستند إلى "الإحياء", بخلاف صكوك "المنح" الصادرة عن كتابات العدل فهي منشئة للملكية, لأنها تستند إلى "الإقطاع".