قال الله تعالى في سورة النساء: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل}، وفي الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (لتؤدن الحقوق إلى أهلها، حتى يُقتص للشاة الجماء من القرناء).
واليوم ليس الأمس؛ فنحن الآن في عصر رؤية المملكة 2030 التي تؤسس بشكل واضح لحقوق الفرد في المجتمع ومسؤولياته تحت مظلة قانون الدولة العادل الذي يستمد سلطته من القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة، وهما الحاكمان على النظام الأساسي للحكم، وعلى مختلف أنظمة ولوائح وقوانين الدولة.
وعليه فقد حظيت قرارات المجلس الأعلى للقضاء بمحاسبة وتأديب عدد من القضاة المقصرين والمخالفين؛ وبخاصة القرار الأخير بكفّ يد قاضييْن حَكَما في قضيتين متداولتين إعلاميًّا بـ"تحريم المعسل والحلاقة"، وإحالتهما للتحقيق، وإعادة النظر في القضيتين؛ كون النشاط التجاري في القضيتين مصرحًا به نظامًا، فقد حظي بالكثير من ردود الفعل الإيجابية والمؤيدة؛ كون دور القاضي هو تطبيق الأنظمة، والفصل في القضايا بما يحفظ حقوق الناس، والبعد عن الأحكام الشاذة والنادرة، وإلغاء رأيه الشخصي أمام توجه المنظومة المؤسسية لتحقيق العدالة الناجزة، وهو الهدف الاستراتيجي للقضاء.
إن الملاحظ منذ تولي رئيس المجلس الأعلى للقضاء وزير العدل، الدكتور وليد الصمعاني، مسؤولياته، خلال الفترة القليلة الماضية؛ أن المرفق القضائي من خلال إطلاق وتفعيل العديد من المبادرات والمشاريع؛ يشهد نقلة نوعية في شتى المجالات العدلية، وحراكًا إيجابيًّا غير مسبوق في تفعيل مواد نظام القضاء المتعلقة بالرقابة على أعمال القضاة، ومحاسبة المقصرين، والمخالفين منهم؛ مما جعل منظومة المرفق العدلي السعودي في وقت قصير تنتهج مسارًا تطويريًّا جريئًا يواكب رؤية 2030 من خلال العديد من البرامج التنفيذية التي تعكس اهتمام الدولة الكبير بمرفق القضاء، والحرص على تطبيق أحدث النظم الإجرائية بتفعيل التقنية، واختصار الإجراءات وإعادة هندستها، وتطبيق الحوكمة، وتعزيز الشفافية والرقابة، وإحلال الإدارة الحديثة والكفاءة لمنع استغلال الوظيفة القضائية بما يوفر الشفافية والعدالة لطرفي الدعوى.
إن المرفق القضائي السعودي، في ظل الدعم الكبير الذي يلقاه من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، والمتابعة الحثيثة من سمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله- لا سيما فيما يتعلق بالتطوير والسرعة والجودة؛ تَحَوّل إلى قضاء مؤسسي لا يرتبط بأشخاص بقدر ما يحفظ حقوق الإنسان والمجتمع ويصونها، ويساوي بين الخصوم أثناء نظر الدعوى، ويحافظ على كرامة المتهم وصيانتها لتحقيق العدالة.
ولأن القضاء وسيلة لتحقيق العدالة في المجتمع، وأمام هذا التطور المهم؛ فلا بد لنا من الاستفادة من التجارب القضائية لدى الدول الأخرى المتطورة، وتبادل الخبرات والتعاون معها، وتدريب الكوادر البشرية من أجل تطبيق أفضل الممارسات في الجوانب القضائية والقانونية، مع تشديد الرقابة والمحاسبة.. لأننا بذلك نمنع الاجتهادات الشخصية، ونحد من التسلط، واستغلال السلطة الوظيفية في الحكم بغير ما أجازته أنظمة وقوانين الدولة.