مسائل قضائية
(25)
الطحال بين الحكومة والدية



[justify] الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين , أما بعد :
فالطحال : جسم أحمر قاتم , يزن مائتي جرام تقريبا , يقع في الركن الأيمن الأعلى من البطن خلف المعدة .
كان بعض الأطباء إلى وقت غير بعيد يقولون : لا فائدة منه , وهذا يدل على جهلهم بخالقهم , واكتشف بعض العلماء من الأطباء فوائد له منها :
1- إنتاج الخلايا اللمفاوية .
2- تنقية الجسم من حطام كريات الدم الحمراء .
3- تخزين ما نسبته 30 - 40% من صفائح الدم .

لم يتكلم الفقهاء المتقدمون ـ فيما وقفت عليه من كتبهم ـ عن الواجب في الجناية عليه , وإنما تكلموا عن حكم الأكل منه ؛ لأن الجناية عليه تؤدي في الغالب إلى نزيف يؤدي إلى الموت .
وبعد تقدم الطب أمكن استئصاله , ووقف نزيفه ، فما الواجب في الجناية عليه ؛ إذا أدت إلى استئصاله ؟
اختلف القضاة في ذلك ؛ فالأكثر على أن فيه حكومة ؛ لأنه ليس له منفعة كبيرة ، ولأنه يشاركه غيره في بعض منافعه .
ويرى البعض من القضاة أن فيه الدية ؛ لأن في الإنسان منه عضوا واحدا , والقاعدةُ : أن من اتلف مافي الإنسان منه شيء واحد ففيه الدية .
وحتى يحاط بعمق الخلاف في هذه المسالة ؛ هناك بحثان في مجلة العدل لقاضيين بعددين متتاليين ؛ هما التاسع والعاشر .
الأول: لفضيلة الشيخ/ محمد بن سعيد القحطاني , وعنوانه ( أحكام الجناية على طحال الآدمي ) , ورجح أن فيه الدية كاملة , والآخر لفضيلة الشيخ/ أحمد بن عبدالله الجعفري , وعنوانه ( دية ما في جوف الإنسان من الأعضاء ) , ورجح أن فيه حكومة تقدر بنسبة 5-20% من الدية في الغالب .
وهنا يتضح الفرق فعلى القول الأول سيحكم للمجني عليه بمائة ألف ريال , وعلى القول الآخر سيحكم له بما بين خمسة الآف وعشرين ألف ريال , وعلى الحكم بالحد الأعلى عشرون ألف ريال فإن الفرق بين الحكمين خمسة أضعاف !.
أما محكمة التمييز فصدقت أحكاما كثرة بالحكومة , وصدقت أحكاما أخرى بالدية .
لقد أدى هذا الخلاف إلى اختلاف في الأحكام , وعدم استقرار للقضاء , وأخذ ورد , والسؤال هنا مالسبب في ذلك ؟
السبب في ذلك يرجع إلى عدم تطبيق قاعدة نظامية , فقد نصت المادة الرابعة عشرة من نظام القضاء السابق الصادر بتأريخ 5/7/1395هـ على أنه : "إذا رأت إحدى دوائر المحكمة {محكمة التمييز} في شان قضية تنظرها العدول عن اجتهاد سبق إن أخذت به هي أو دائرة أخرى في أحكام سابقة أحالت القضية إلى الهيئة العامة لمحكمة التمييز , وتصدر الهيئة العامة قرراها بأغلبية لا تقل عن ثلثي أعضائها بالإذن بالعدول , فإذا لم تصدر القرار به على الوجه المذكور أحالت القضية إلى مجلس القضاء الأعلى ليصدر قراره في ذلك " .
وكلي أمل في أن تقوم المحكمة العليا بتفعيل ما ورد في الفقرة ( أ ) من ثانيا من المادة الثالثة عشرة من نظام القضاء الجديد الصادر بالمرسوم الملكي الكريم رقم م / 78 ,والتأريخ 19/9/1428هـ , والتي نصت على أن تتولى الهيئة العامة للمحكمة العليا تقرير مبادئ عامة في المسائل المتعلقة بالقضاء في كل أمر محل خلاف أو إشكال فور وقوعه .
وأن تنشر المبادئ التي تقررها , والقرارات التي تصدرها لجنة الفصل في تنازع الاختصاص بين المحاكم وبين محاكم ديوان المظالم أو أي جهة أخرى تختص بالفصل في بعض المنازعات , والمنصوص عليها في المادة السابعة والعشرون من نظام القضاء , وتعمم لتكون بداية حقيقية لقضاء منضبط بمبادئ وقرارات منشورة معلومة .
وكتبه :
إبراهيم بن صالح الزغيبي[/justify]