السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاك الله خير ابو شهد. نعم يقول سيادة القانون ليس من حق احد ان يمنعنا من التقنين ولكن كان رد ابو شهد مقنع جدا (ليس من حق احد ان يفرض علينا قانون ويلزمنا بقوله).
ايها الأخوة اطلب منكم قراءة هذا الموضوع وأخذ العبره .
هذا الموضوع منقول من احد النتديات.
التقنين لغة: مصدر قنن بمعنى وضع القوانين وهي لفظ أعجمي معرب، والقانون مقياس كل شيء، وقد عرف القانون بأنه: مجموع القواعد التي يجبر السلطان الناس على إتباعها في علاقاتهم. وعرف أيضا بأنه: قاعدة عامة مجردة يقصد بها إلى تحقيق العدل بين الأفراد عن طريق تنظيم مختلف الروابط والعلاقات في المجتمع بحيث تكون مصحوبة بجزاء يكفل احترامها من الكافة أو مستندة إلى سلطة مادية أو معنوية تكفل التزام الأفراد الأجهزة في المجتمع بإتباع أحكامها.
والتقنين اصطلاحا: يطلق اصطلاح التقنين على إصدار تشريع موحد يعالج موضوعا متسع الجوانب يحل محل تشريعات متعددة كان كل منها يعالج جانب من جوانب هذا الموضوع، وبعبارة أخرى: هو صياغة الأحكام في صورة مواد قانونية مرتبة وموردة تحت أرقام متسلسلة على غرار القوانين الحديثة، وعرفه البعض بأنه: صياغة الأحكام الفقهية ذات الموضوع الواحد في عبارات آمرة يميز بينها بأرقام متسلسلة ومرتبة ترتيبا منطقيا.
ويعتبر التقنين تطور في مراحل القانون حيث حل القانون المدون محل قوانين العرف والعادات إما بحذف جزء منها أو بإدخال نصوص جديدة عليها.
أما أنواعه فهي: 1. التقنين الرسمي: يصدر من الدولة في شكل التشريع ليحل محل تشريعات متعددة.
2. التقنين الغير رسمي: هو مجهود يقوم به أفراد أو مؤسسات من تجميع لنصوص التشريعات التي تنظم موضوعا معينا، من أمثلته، التقنين الذي وضعه محمد قدري باشا في مصر متضمنا أحكام الشريعة من المذهب الحنفي.
وترجع التقنينات إلى ثلاث طوائف: 1. التقنين اللاتيني: وهو مأخوذ من التقنين الروماني ومنه وضع القانون الفرنسي.
2. التقنين الجرماني: وهو المخالف للتقنين اللاتيني ومنه القانون الألماني والنمساوي
3. التقنينات المتخيرة: التي استقت من كلتا المدرستين السابقتين كالبولوني والبرازيلي.
تاريخ التقنين: يعود تاريخ التقنين إلى العصور القديمة وأول تقنين كان تقنين حمو رابي عام 200 ق .ممم م، وفي عهد الرومان كانت مدونة " جتنيان "، أما العصر الحديث فكان أول تقنين هو التقنين المدني الفرنسي والتقنين المدني العثماني المعروف بالمجلة.
ففي عام ألف ومائتان وثلاثة وتسعين هجري، ألف وثمان مائة وتسعة وستين ميلادي صدرت مجلة الأحكام العدلية التي تعتبر أول تقنين للفقه الإسلامي في المجال المدني في إطار بنود قانونية على مذهب الأمام أبي حنيفة، مكونة من ستة عشر كتابا كل كتاب يتناول موضوع ومكون من أبواب وكل باب مكون من فصول، وقد صيغت صياغة قانونية على نمط صياغة القانون المدني في الدول الغربية، ضمت قوانين في مجال المعاملات المدنية والتجارية ومفردات القانون المدني. وقد رتبت أحكامها في صورة مواد مختصرة أقتصر أخذ الحكم فيها على رأي واحد، وفصلت الأحكام فيها بمواد ذات أرقام متسلسلة كالقوانين الحديثة، وكان مجموعها ألف وثمانمائة وواحد وخمسين مادة.
وفي الوقت الذي بدا فيه هذا المفهوم بالتبلور والوضوح بادر العثمانيون بإصدار قانون حقوق العائلة سنة ألف وتسع مائة وسبعة عشر ميلادي مقتبسين هذا أيضا من الغرب، وما يميزه عن المجلة أنه أي قانون العائلة_ لم يعتمد في صياغته على المذهب الحنفي فقط بل أخذ بعضا من الأحكام من المذاهب الأخرى ما كان منه موافقا لروح العصر متلائما مع القوانين الغربية وقريبا منها. وكان العثمانيون قبل ذلك قد وضعوا قانون الجزاء العثماني سنة ألف ومائتين وأربع وسبعون هجري، ألف وثمان مائة وسبعة وخمسين ميلادي، وهو قانون للعقوبات وضع على شكل مواد قانونية، استمدته الدولة من قانون العقوبات في الدول الغربية، ووضعته موضع التطبيق والتنفيذ في محاكمها. ومما يدل على مدى تأثر حركة التقنين وارتباطها بفكرة التقنين الغربي وبالقوانين الغربية واقتباس بعض المصطلحات القانونية منه ظهور مصطلح " الأحوال الشخصية " في أواخر القرن التاسع عشر حيث ورد هذا المصطلح في كتاب محمد قدري باشا المعروف ( بالأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية ) الذي تناول فيه قضايا الأنكحة والمواريث التي عرضها على شكل مواد قانونية . لذا يجب معرفة السياق التاريخي لفكرة التقنين لمعرفة مدى خطر هذه الفكرة على مفاهيم ومقاييس المجتمع، ومدى خطرها على تقدم الأمة ورقيها الفكري والاجتهادي: فقد عمل الكفار بأساليب متعددة لضرب المسلمين وضرب دولتهم وضرب تشريعهم الإسلامي منذ أواخر القرن السادس عشر، فعمدوا بعدة أساليب إلى تغيير الأحكام الشرعية بإزالتها ووضع القوانين الغربية مكانها بإلحاح تلك الدول الغربية لا سيما إنجلترا وفرنسا وإلحاح عملائهم والمضبوعين بهم من أبناء المسلمين، فأخذت الدولة القوانين الفرنسية منذ أيام السلطان عبد المجيد وأدخلتها إلى الدولة، فسنت الدولة _ كما ذكرنا _
قانون الجزاء وسنت فانون الحقوق والتجارة وجعلت المحاكم قسمين : محاكم شرعية ومحاكم نظامية، ووضع قانون أصول المحاكمات الحقوقية والجزائية وصدرت فيها الفتوى بأخذها، ولما يجد العلماء ما يبرر إدخال القانون المدني وضعت المجلة كقانون للمعاملات روعي فيها تقليد القانون الفرنسي وأخذت من كتب الفقه أحكام مع مراعاة ما يحويه القانون المدني من أفعال وما يمكن أخذه من أحكام إذا وجد قول فقهي يوافقها ، حتى الأساس الذي بني عليه القانون الفرنسي وهو النزعة النفسية قد أخذ ووضعت له مادة وهي " العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني " وهكذا تركت أحكام الشر ع وترك الفقه وأخذت قوانين الغرب ، وبذلك صار ما يحكم به القضاة قوانين غربية وليس الشريعة الإسلامية وان كان بعض هذه القوانين أحكاما شرعية ، وهكذا انحط الفقه وتحول إلى قوانين وتركت الأحكام الشرعية وأخذت الأحكام من غير الإسلام بحجة موافقتها للشرع .
وبعد سرد السياق التاريخي هذا نضع بين أيديكم بعضا من أهم أسباب رفض فكرة تقنين الشريعة، نذكر منها:
أولا: يؤدي التقنين إلى تعطيل الثروة الفقهية ويحجر على القضاة ويوقف حركة الاجتهاد والنشاط الفكري والفقهي اللازم لتلبية مطالب الحياة المستجدة ومواجهة الأحداث والوقائع الجارية، وبذلك فالتقنين لن يترك مجالا للقاضي للاجتهاد والفهم والاستنباط ولا يدع مجالا له للرجوع إلى نصوص الشريعة أو إلى المصادر الأصلية، فيجعل القاضي والحاكم أمام نصوص جامدة وضعت في مواد متسلسلة وسيرتبط عمله بهذه القوانين شرحا وتفسيرا وسيكون من جراء ذلك أن تغل هذه النصوص يد القاضي، فلا يستطيع أن يطبق القانون بحيث يضمن العدل، ولهذا نجد كثيرا من القضاة في القوانين المماثلة يحكمون بقضايا يرون هم أنفسهم أن الحكم غير عادل، ولكن القانون يقضي بهذا الحكم، والذي جعل نصوص التقنيات ضيقة كونها احتوت على مسائل تفصيلية وأحكام جزئية تقيد القاضي في حدودها ويقف عند نص القانون ، وهذا يخالف ما عليه الشريعة الإسلامية في كونها
جاءت بمعان عامة وخطوط عريضة تنطبق تحت كل ما يندرج تحتها.
ثانيا: أن الواجب هو الرجوع إلى حكم الله ورسوله قال تعالى "فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ" النساء أية (59) ولا يتعين حكم الله ورسوله في مذهب واحد أو رأي واحد صيغ على شكل قانون، والحكم به إذا كان حكما بغير ما يعتقد القاضي والحاكم بأنه حكم الله ورسوله فأنه سيحكم بغير ما أنزل الله وهو حرام ويلزم منه منع التقنين.
ثالثا: كون التقنين مظهر من مظاهر تقليد الغرب وقوانينه وطريقا لإحلال القوانين الوضعية مكان الشريعة الإسلامية كما حدث في أواخر الدولة الإسلامية.
رابعا: أن الصياغة للأحكام الفقهية بأسلوب التقنين سيكون من قبل أفراد أو لجان ستتأثر ببشر يتهم وبواقع حالهم ودوافعهم _ كما أشرنا لذلك في السياق التاريخي _، ثم أن الأحكام الشرعية إذا ما قننت بعمل بشري ستعدل_ وهذا طبيعي في كل عمل بشري _ سيؤدي إلى زعزعة الثقة بأحكام الشريعة، وكثرة التعديلات سيبعدها عن أصلها الشرعي.
خامسا: أن التزام المسلمين بالأحكام منبعه القوى الروحية أي كونها منبثقة عن العقيدة ومصدرها الوحي وأساس الالتزام بها هو الإيمان وجذوة ذلك هو التقوى، وصياغتها على شكل مواد قانونية يفقدها حرارتها ومزاياها ويجعل الالتزام بها بقوة السلطان وعصا الشرطي لا تقوى الله وضرورة لزوم طاعته.
سادسا: يعمل التقنين على اختصار الفقه واختزاله ومسخه بمواد مقننة، مما يضعف معرفة الناس بالفقه الإسلامي الذي هو أوسع الثروات الفقهية عند الأمم، ويضعف من معرفة وعلم القضاة والحكام بالفقه رغم غزارته حين تقتصر معرفتهم على هذه القوانين ومجرد الإحاطة بها أو مجرد الرجوع أليها حين الحكم.
سابعا: تجميد القوانين والأحكام: إذ يصوغ التقنين الأفكار القانونية في صورة نصوص جامدة يصعب تعديلها فمواد التقنين عبارة عن مجموعة نصوص فقهية لم يحاول فيها أيجاد قواعد عامة تكون هي موضوع المواد وتخضع لها المسائل بل جعلت المسائل هي نفسها المواد.
ثامنا وأخيرا: ينسب للتقنين عامة أنه يأتي بألفاظ ومصطلحات جديدة لا يوضع لها تعريف محدد فتصبح محل خلاف كبير في تفسيرها عند الفقهاء والقضاة.