عُرضتْ عليّّ دعوى مدنيةٌ حينما كنتُ قاضياً في المحكمة الابتدائية بنزوى، كانَ الطلبُ فيها إثبات مُلكِ أرض زراعيةٍ، فكانَ الحكمُ - بفضل الله تعالى -: نتاجَ بحثٍ حولَ إحياء الموات واشتراطِ إذن السلطة به وبقاء المُحيا ملكاً بعد اندثاره، وخلاصةُ ذلك أنّه "من المقرّر شرعاً أنّ إحياء الموات هو إصلاح الأرض التي لا ينتفع بها ببناء أو غرس أو حرث أو حفر بئر ونحو ذلك، وأنّ إحياء الموات سبب من أسباب الملك؛ عملاً بالحديث "من أحيا أرضاً ميتة فهي له"، هذا إلا أنّه مع تطوّر العصور واختلاف الأحوال في البلاد الإسلاميّة أضحى تنظيم تملّك الناس للأراضي ضرورة لا محيص عنها، وإلا شاع بين الناس الخلاف واشتدّ النزاع بسبب السباق الجامح في تملّك كلّ ِ أحد أكبر قدر ممكن، فكان من المصالح المرسلة أن تتولّى الدولة أمر هذا التنظيم من أجل إباحة الأراضي للتملّك وإثبات الملك حسب اشتراطات معيّنة وضوابط محدّدة، من هنا نصّ قانون الأراضي طبقاً للمادة (5) على أنّ "جميع أراضي السلطنة مملوكة للدولة فيما عدا الأراضي المستثناة بنص خاص في هذا القانون"، وبناءً عليه قيّد قانون المعاملات المدنية إحياء الموات بأن يكون بإذن من السلطة المختصّة كما في المواد (854) و(855) و(857)، وهو يوافق أحد قولين في الأحكام الشرعية في مسألة اشتراط إذن الإمام لإحياء الموات، أي أنّ مجرد الإحياء لا يفيد الملك، ولكن إذا أذن الإمام في هذا الإحياء أفاد ملك المحيي لما أحياه، وإن كان بغير إذنه لم يكن مفيداً للملك، كما أنّ قانون الأراضي، ثم القرار السلطاني رقم 5/83 نظّما تلك الضوابط وحدّدا تلك الاشتراطات، ويؤخذ منها أنّ أسباب الملك هي: 1-ثبوت ملك الأراضي البيضاء التي يوجد بها آثار ظاهرة قديمة من بناء أو سواقٍ أو آبار أو نخيل قائمة، تعود إلى ما قبل الأول من يناير سنة 1970م، ولا يقبل بشأنها إلا الصكوك الأصليّة، طبقاً للمواد (أ/1) و(2) من القرار السلطاني 5/83 والمادة (16/1) من قانون الأراضي، ونصّت المادة (1/ب) من القرار السلطاني المذكور على أنّ "الأراضي البيضاء التي لا يوجد عليها أثر ظاهر قديم يعود إلى ما قبل الأول من يناير سنة 1970م تعتبر من أملاك الدولة، ولا تسمع الدعوى بشأنها ولا يقبل أي ادعاء مخالف يتعلق بها"، 2-ثبوت شغل أرض مبنية لغرض السكنى مهما كان نوع المواد المستعملة في البناء منذ تأريخ سابق على الأول من يناير سنة 1970م دون انقطاع شريطة أن يكون الإشغال هادئاً وعلنيّاً وغير منازع فيه طبقاً للمادة (13) من قانون الأراضي، 3-ثبوت شغل أرض لأغراض غير سكنية لمدة خمسة أعوام على الأقل سابقة على أول يناير سنة 1970م بصفة متصلة شريطة أن يكون الإشغال هادئاً وعلنيّاً وعير منازع فيه طبقاً للمادة (14) من قانون الأراضي، كما أنّه من المعلوم شرعاً أنّ أهل العلم اختلفوا في الأرض الميتة التي أحييت ثم تركت حتى اندثرت وعادت مواتاً، هل تبقى ملكاً لمن أحياها من قبل أم تكون مباحة كأيّ أرض ميتة؟، والظاهر أنّ القانون أخذ بالقول الثاني؛ وهذا يؤيّد الحكمة التي من أجلها شرع إحياء الموات، وهو الحث على الانتفاع بالأرض المسخّرة لهذا الإنسان، فما دام الإنسان قائماً على الأرض يستغلّها ويثمّرها بما يعود عليه وعلى المجتمع بنفعٍ فهي ملكه، أمّا إذا تركها وعادت مواتاً فلا يمكن أن تظلّ على ملكه، فلا هي مستغلّة من قبله ولا هي مباحة لغيره يستغلّها ويحييها"، فلما كانَ ذلك وكان قد ثبت بالمعاينة وبإقرار المدعي أنّ الإنشاءات في الأرض موضع النزاعِ حديثة بعد يناير من عام 1970م فلا تتوفّر اشتراطات ثبوت الملك، وعليه قضت المحكمة برفض الدعوى، والحكم المرفق بالمقال يتضمّن بعض المواضيع الأخرى المتعلّة بإحياء الموات.
https://portal.arid.my/ar-LY/Posts/D...6-b0bc2fe3e2a3