جريدة الاقتصادية - الأحد 1430/4/29 هـ. الموافق 26 إبريل 2009 العدد 5676
حان الوقت لتحديد السن الأدنى للزواج!
أ.د. رشود الخريف
تتناقل وسائل الإعلام بين الحين والآخر بعض المآسي عن زواج الأطفال التي تحدث في مجتمعنا. وتصل نتائج هذه الزيجات في بعض الأحيان إلى وفاة الفتاة، نتيجة الإنجاب في سن مبكرة، ناهيك عن الآثار السلبية على حياة الشاب أو الشابة الصغيرة، كالحرمان من التمتع بالطفولة، وعدم مواصلة التعليم، وعدم القدرة على رعاية الأطفال وتربيهم في حالة الإنجاب، وصعوبة تحمّل المسؤولية في وقت مبكر. ويصل الأمر في بعض الحالات إلى هروب الفتيات وتعرضهن لظروف صعبة. وتزداد المسألة سوءاً عندما نعلم أن الأسباب المادية وراء معظم هذه الزيجات المبكرة جدّاً، مما يجسد الإهانة للكرامة الإنسانية ويكشف عن الجهل وغياب القيم النبيلة. فلا الدين ولا الشيم الإنسانية تسمح بمثل هذه الممارسات المشينة. علاوة على ما سبق، فإن احتمالية الطلاق تكون مرتفعة للزيجات التي تحدث في سن مبكرة، أي أقل من 18 عاما، مقارنة بالزيجات التي تحدث عند سن الـ 20 عاما أو أكثر. ومن الملاحظ – أيضاً – أن الزواج المبكر ينتشر لدى الفئات الفقيرة، ويحدث في الريف أكثر منه في المدن. وتجدر الإشارة إلى أن متوسط العمر عند الزواج بلغ 25 عاما للذكور السعوديين و20 عاما للسعوديات، حسب بيانات مصلحة الإحصاءات العامة عام 1428هـ، مما يدل على عدم انتشار زواج الأطفال في مجتمعنا بدرجة كبيرة، ولكنه يبقى أمراً مقلقاً.
وفي حين أنه يوجد اتفاق عام بين أفراد المجتمع السعودي على كراهية زواج الأطفال، فإن هناك بعض الاختلاف حول السن المناسبة للزواج عموماً، وللفتاة خصوصاً. فالزواج – كما هو معروف يقترن بالبلوغ. ولكن يصعب وضع أنظمة وتشريعات تستند إلى مفهوم البلوغ فقط، خاصة أن علامات البلوغ تختلف باختلاف الأشخاص والأمكنة والأزمنة، مما يفتح مجالاً واسعاً للاجتهاد والتكهنات.
إذن ما السن المناسبة للزواج؟ سأترك الشق الديني من الإجابة لأصحاب الفضيلة علماء الشرع، وسأعرض ممارسات الدول في الشرق والغرب، وفي الشمال والجنوب. في البداية لا بد من الإشارة إلى أن بعض الدول، وخاصة غير الإسلامية تحدد سنا أدنى للزواج بموافقة الأبوين، وآخر دون موافقة الأبوين. ففي النرويج – على سبيل المثال – الحد الأدنى للزواج هو 16 عاما بموافقة الأبوين، و18 عاما دون موافقة الأبوين، مما يعني أن الزواج دون 18 عاما هو استثنائي يتطلب التشاور مع الأبوين وأخذ موافقتهما. وفي الدنمارك، تُشترط موافقة الأبوين لإتمام زواج الفتاة دون سن 18 عاما، على ألا يقل السن عن 15 عاما. وعموماً يتفاوت السن الأدنى للزواج من دولة لأخرى. ولكن أغلب الدول تحدد سن الزواج ببلوغ 18 عاما، مثل كثير من الدول الأوروبية وبعض الدول الآسيوية. وفي الولايات المتحدة يتفاوت السن الأدنى للزواج من ولاية إلى أخرى، ولكن الأغلب أن يكون عند سن 18 عاما للشاب و16 عاما للفتاة، وكذلك الحال بالنسبة لأستراليا.
ويختلف الحد الأدنى للزواج في بعض الدول الإسلامية، فيُحدد السن الأدنى للزواج بـ 18 عاما للشاب و16 عاما إلى الفتاة في مصر والمغرب والباكستان، والـ 18 عاما للشاب و17 عاما للفتاة في سورية، و18 عاما للشاب والشابة في ماليزيا، ولكن عند بلوغ 21 عاما لا يتطلب الزواج موافقة الأبوين.
في ضوء ما سبق، فإن تزايد ممارسات تزويج الأطفال وما يترتب عليه من مشكلات كبيرة وأضرار جسمية على الفتيات، وصعوبة تحديد علامات البلوغ التي يعتمد عليها جواز الزواج الشرعي، فإن الأمر في حاجة إلى وجود إجراء واضح يقطع الطريق على ضعفاء النفوس، ويحمي الشباب والفتيات من سلبيات الزواج المبكر جدّاً. وبناء على ما سبق، أقترح أن يكون السن الأدنى للزواج بلوغ 18 عاما للشاب و16 عاما للفتاة، ويترك الأمر للقاضي للبت في الحالات الخاصة والاستثنائية. فبلوغ "الأشد" الذي ورد في القرآن الكريم لا يتم قبل بلوغ هذه الأعمار حسبما أعتقد، والله أعلم. ويبقى القول الأخير لعلمائنا الأفاضل.