من قصص القضاة
( 1 )
الشيخ إبراهيم الخضيري يتوه في صحراء الربع الخالي
[justify]الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين ، أما بعد :
فقد حدثني فضيلة الشيخ إبراهيم بن عبد العزيز الخضيري رئيس محاكم منطقة القصيم سابقا فقال لي : في عام 1378هـ أو قريباً منه استأذنت سماحة رئيس القضاة الشيخ محمد بن إبراهيم ـ رحمه الله ـ للقدوم عليه من وادي الدواسر، فأذن لي . وقبيل المغرب توجهت بسيارتي من نوع فورد ونيت حمراء إلى الرياض يرافقني محضر الخصوم في المحكمة سعيد بن إبراهيم الصائغ ، وكانت السماء ملبدة بالغيوم ، فلما قطعت جزءً من الطريق ـ وكان الطريق ترابياً ـ عرض لي غزال فلحقت به ، ففاتني ، وعندما أردت العودة إلى الطريق أضعته ، ووقعت في شبكة طرق مقانيص تؤدي إلى الربع الخالي سرت فيها ، فلما مضى نصف الليل أو قريباً منه توقفت ، وتعذر علي الاستدلال بالنجوم بسبب الغيم ، وعند طلوع الفجر أدينا الصلاة ، ووضعت خطاً باتجاه القبلة ، فلما أسفر الصبح ، وكان الغيم قد انجلى بعضه تبين لي أننا صلينا جهة الشرق ، فأعدنا الصلاة ، ثم أخبرت صاحبي بأمر قد أهمني من الليل فقلت له يا سعيد لقد أوشك البنزين على النفاد ، فماذا ترى ؟ فقال لي: الرأي ما تراه . فعمدت إلى الكثبان المرتفعة أصعدها فإذا علوتها نظرت بالمنظار المُقرب لعلي أرى أحداً أو أعثر على أثر، فلا أرى شيئاً ، فعلت ذلك بضع عشرة مرة ، وفي المرة الأخيرة صعدت كثيباً ونظرت وقلت لصاحبي أبشر، فقال لي : بشرت بالجنة ، فأخبرته أنني أرى أثر أغنام، ومسارح الغنم لا تكون بعيدة عن مرابضهـا ، فانطلقت إلى الأثر أقصّه حتى وقفنا على عدد من بيوت الشعر ، فقلت لصاحبي لا تتكلم ، ثم وقفت عند أكبرها وكان فيه خمسة رجال ، فسلمت وأنا في السيارة عليهم ، فردوه بمثله ، فسألتهم هل رأوا هذا الصباح ونيتاً أحمراً ؟ فقالوا : لا ، وظنوا أنني أسأل عن رفقة لي ، وأننا خرجنا للصيد ، ثم عرضوا علينا شرب القهوة فأجبناهم ، وتعرفت عليهم فتبين لي أنهم من جماعة.... ، وكنت قد حكمت بآبار لأهل الأفلاج اختصموا بها معهم ، ولم يكن من بينهم أحد ممن شارك في الخصومة ، فأخذت أتكلم عن الصيد ، فغلب على ظنهم أنني خرجت مع رفقتي للصيد ، ثم مددت رأسي لأنظر خارج البيت فتيقنوا أنني انتظر رفقتي ، وكنت قد رأيت أمام البيت سيارة بدأ لي أنها لم تتحرك منذ زمن ، وبقربها برميل ممّا يوضع فيه البنزين ، فسألت عن السيارة فقالوا : متعطلة ، وسألني بعضهم هل تعرف إصلاحها ؟ فقمت إليها ، وتبين لي أنها بحاجة إلى بطارية ، واتكأت بيدي أثناء حديثي على البرميل ، ودفعت به قليلاً فتبين لي أن فيه النصف ، فطلبت من محدثي أن يبيعني تنكة منه ، فرفض فأضعفت له القيمة ، فباعني إياها ، فكانت عند صبها في سيارتي كالعسل على كبدي ، فطلبت منه أن يبيعني تنكة أخرى فرفض ، فأضعفت له القيمة ضعفين فرفض ، فقلت له لو حضر أحد من محبّي وأخبرته بما أعطيتني لأعطاك بدل التنكة اثنتين ، فطمع أن يعود إليه ضعف التنكتين دون مقابل ، بعد أن أخذ أكثر من ضعف ثمنهما ، فباعني تنكة أخرى ، وبقي علي معضلة الطريق الذي أضعت ، فطلب مني أحدهم أن يركب معنا لأوصله إلى بيوت بعض جماعته فسألته أهي على الطريق إلى الطريق العام ؟ فقال : نعم ، فركب معنا وبعد عشرين كيلاً تقريباً طلب النزول ، فنزل في مكان خال ، فسألته عن الطريق فقال : أمامك قريب فسرت أربعين كيلاً حتى وصلت إليـه ، فســرت معـه ، وبعـد زمن يسير قابلنـا أناس مـن أهالي السـليل ففرحوا برؤيتي ، وسألوني هل لي من حاجة ؟ فقلت : بنزين فملؤوا لي خزان الوقود ، ثم سرت فرأيت سدرة كبيرة ، فوقفت بالقرب منها ، وقلت لمرافقي جهز الغداء ، وأنا سأنام عند تلك الشجرة ، ولا توقظني حتى استيقظ ، وكان قد أجهدني التعب والسهر .
وكتبه :
إبراهيم بن صالح الزغيبي[/justify]