من أعجب القصص التي قرأتها
ذكر الإمام ابن حبان "رحمه الله" في كتابه "الثقات"
في ترجمة الإمام (أبو قلابة , عبد الله بن زيد الجرمي)
قال: حدثني بقصة موته – أي أبي قلابة- محمد بن المنذر بن سعيد
قال: حدثنا يعقوب بن إسحاق بن الجراح قال: حدثنا الفضل بن عيسى عن بقية بن الوليد قال:حدثنا الاوزاعي
خرجت إلى ساحل البحر مرابطاً "وكان رابطنا يومئذ عريش مصر"
قال : فلما انتهيت إلى الساحل , فإذا أنا ببطيحة وفي البطيحة خيمة فيها رجل , قد ذهب يداه ورجلاه , وثقل سمعه وبصره , وما له من جارحة تنفعه , إلا لسانه , وهو يقول : { اللهم أوزعني أن أحمدك حمدا أكافئ به شكر نعمتك التي أنعمت بها على , وفضلتني على كثير ممن خلقت تفضيلاً }
قال الأوزاعي : قال عبد الله قلت : والله لآتين هذا الرجل ولا سألنه , أنى له هذا الكلام ؟
فهم !! أم علم !! أم إلهام أُلهم !!
فأتيت الرجل فسلمت عليه فقلت : سمعتك وأنت تقول : { اللهم أوزعني أن أحمدك حمدا أكافئ به شكر نعمتك التي أنعمت بها على وفضلتني على كثير من خلقت تفضيلاً }
فآى نعمة من نعم الله عليك تحمده عليها ؟
وأي فضيله تفضل بها عليك تشكره عليها ؟
قال : وما ترى ما صنع ربي , والله لو أرسل السماء علي نارا فأحرقتني , وأمر الجبال فدمرتني, وأمر البحار فغرقتني , وأمر الأرض فبلعتني ما ازددت لربى إلا شكرا , لما أنعم على من لساني هذا .
ولكن يا عبد الله : إذ أتيتني لي إليك حاجة قد تراني على أي حالة أنا أنا لست أقدر لنفسي على ضر ولا نفع , ولقد كان معي بني لي يتعاهدني في وقت صلاتي فيوضيني , وإذا جعت أطعمني , وإذا عطشت سقاني , ولقد فقدته منذ ثلاثة أيام , فتحسسه لي -رحمك الله- .
فقلت : والله ما مشي خلق في حاجة خلق كان أعظم عند الله أجرا ممن يمشي في حاجة مثلك , فمضيت في طلب الغلام فما مضيت غير بعيد حتى صرت بين كثبان من الرمل , فإذا أنا بالغلام قد افترسه سبع وأكل لحمه , فاسترجعت
وقلت : أني لي وجه رقيق آتى به الرجل , فبينما أنا مقبل نحوه إذ خطر على قلبي ذكر أيوب النبي صلى الله عليه وسلم , فلما أتيته سلمت عليه , فرد على السلام
فقلت : أنت أكرم على الله أم أيوب النبي ؟
قلت : هل علمت ما صنع به ربه , أليس قد ابتلاه بماله وآله وولده.
قال : وجده صابراً , شاكراً , حامداً .
قلت : لم يرض منه ذلك حتى أوحش من أقربائه وأحبائه .
قال : وجده صابراً , شاكراً , حامداً .
قلت : فلم يرض منه بذلك حتى صيره عرضا لمار الطريق , هل علمت؟
قال : صابراً , شاكراً , حامداً , أوجز رحمك الله
قلت له : إن الغلام الذي أرسلتني في طلبه وجدته بين كثبان الرمل , وقد افترسه سبع فأكل لحمه , فأعظم الله لك الأجر , وألهمك الصبر .
فقال المبتلى: الحمد لله الذي لم يخلق من ذريتي خلقا يعصيه فيعذبه بالنار , ثم استرجع , وشهق شهقة , فمات!
فقلت : إنا لله وإنا إليه راجعون عظمت مصيبتي , رجل مثل هذا إن تركته أكلته السباع , وإن قعدت لم أقدر على ضر ولا نفع , فسجيته بشملة كانت عليه , وقعدت عند رأسه باكياً , فبينما أنا قاعد إذ تهجم على أربعة رجال .
فقالوا : يا عبد الله ما حالك ؟ وما قصتك ؟
فقصصت عليهم قصتي , وقصته .
فقالوا لي : اكشف لنا عن وجهه , فعسى أن نعرفه , فكشفت عن وجهه فانكب القوم عليه يقبلون عينيه مره , ويديه أخرى , ويقولون :بأبي... عين طال ما غضت عن محارم الله, وبأبي... وجسمه طال ما كنت ساجداً , والناس نيام .
فقلت : من هذا يرحمكم الله ؟
فقالوا : هذا أبو قلابة الجرمي "صاحب ابن عباس" , لقد كان شديد الحب لله وللنبي صلى الله عليه وسلم, فغسلناه , وكفناه بأثواب كانت معنا , وصلينا عليه , ودفناه .
فانصرف القوم وانصرفت إلى رباطي , فلما أن جن على الليل وضعت رأسي فرأيته فيما يرى النائم في روضة من رياض الجنة وعليه حلتان من حلل الجنة , وهو يتلو الوحي { سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار }
قال : إن لله درجات لا تنال إلا بالصبر عند البلاء , والشكر عند الرخاء , مع خشية الله عز وجل في السر والعلانية
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن سار على هداهم إلى يوم الدين