code

النتائج 1 إلى 8 من 8

الموضوع: كتاب مدخل التحديات

  1. #1

    Icon1 كتاب مدخل التحديات

    مَدْخَل


    التحديات المعاصرة والمتوقعة على طريق التشريع الإسلامي
    في

    القضاء و الاقتصاد
    والتربية و الإعلام


    تأليف
    القاضي/ إسماعيل بن إبراهيم الطيب
    عضو هيئة التفتيش القضائي
    المدرس بالمعهد العالي للقضاء




    بسم الله الرحمن الرحيم
    تقديم
    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وسيد المرسلين، محمد بن عبد الله الصادق الأمين، وعلى آله وصحابته الطيبين الطاهرين.
    أما بعد:
    فلقد كان لطلب الأخ العزيز القاضي/ إسماعيل بن إبراهيم الطيب، العضو في هيئة التفتيش القضائي، المدرس بالمعهد العالي للقضاء أبلغَ الأثر، وأجلَّ التقدير، وهو يقدِّم إلىَّ بحثه العلمي تحت عنوان: ( التحديات المعاصرة والمتوقعة على طريق مستقبل التشريع الإسلامي..) لأقرأه وأبدي ملاحظاتي عليه مهما وجدت، لظنه بي خيراً..
    لذلك:
    فما وسعني إلا أن أتقبَّل، وأوفق على أخذ نسخته في مجموع: ( ) صفحة فخصصت لذلك جزءاً من وقتي.. وقد بدأت بالمقدمة فوجدتها معرِّفة بأصل وجودها، ناطقة بحال وقرار موضوعها، شاملة في إجمالها وصفَ وتصنيف أبعاد خطة سيرها على الوجه المطلوب، وقد احتوت إقرار واختيار سبعة فصول تلي الفصل التمهيدي الذي أدركت بنتيجته تزكية مفهوم تقريره.. وأخيراً الفصل العام ملخص موضوع الكتاب.
    ولقد رأيت وتأوَّلت في زبره مفهوماً جديداً أثرى به ماهيَّة التحدَّي، وأخصب تعريف حدِّه.. وأجرى صيغة الإدلاف في تقرير الماهية والحدّ إلى ما سيضعه يراعُ الباحث وخطّ بنانه من بناة أفكاره منهجاً منصفاً، قل من يصرِّح بجُمل نصوصه،ويقرِّر بعد معاني كلماته..


    يتبـــع.......

  2. #2

    افتراضي رد: كتاب مدخل التحديات

    ولا أخفي التصريح بواقع رؤيتي لأبعاد معاني الكلمات و النُّصوص والجمل المتألقة سناءً فوق المفهوم العادي.. وقد أتى بها المؤلف ليعبر بوقعها عن مكنون فهمه لواقع الحال، وليعرِّف ويبرِّر بأن مسبب إيرادها هو مسمَّى أوقع المحاور المتحدى بها في غد المسلمين من قِبَل أعدائهم..
    إنه يثبتها وكأنها حقائق يراها ويلمسها تربُّصات ومكائد ومكر السيئ من وضع الكافرين..
    ثم لا أخفي تقرير واقع ما رآه الباحث جديراً بالدراسة والاستعياب.. وقد كان مدلُوله وصفاً واقعاً حاله بالأمم قبلنا..فتخلَّوا عنه وحملناه خلفاً عن سلف عبئاً ثقيلاً، بلغ عناؤنا وعجزنا بحمله حدَّ الجهد..
    لقد ذهلنا عن تحقق وقوع الإرهاب لعدو الله وعدونا، ونحن نحمل حقيقة التحدي المرهب كتاب الله، فيه الهدى والنور،في خبر من قبلنا، ونبأ من بعدنا، وحكم ما بيننا، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، من قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم.
    والله تعالى يبين لنا مفهوم واقع القرآن بالنسبة لنا في قوله تعالى:  لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم أفلا تعقلون( ) .
    إنه التحدي الحقيقي.. مقوماته بأيدينا مهما التزمناه فإننا على وعد لن نخلفه والله لا يخلف الميعاد

  3. #3

    افتراضي رد: كتاب مدخل التحديات

    تابـــــع الكتاب


    إنه التحدي المسقط لمجاز كل التحديات فيما لو أعددنا بناء على توجيهه العظيم في قوله تعالى:
     وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم( ) .
    وإنه لمرهب فعلاً منذ أسقط معارضة العرب القحاح، ثم تربصات وكيد مشركي العرب ويهود الجزيزة حول المدينة المنورة وأكاسرة فارس وقياصرة الروم على مدى ثلاثة قرون تقريباً، والمسلمون يتفيؤون ظلال النصر والغلبة.. وهم يأخذون بوسيلته.. وما هُزموا إلا بعد أن تقاعسوا وتراجعوا وركنوا إلى الدعة والراحة والخمول.. يوم استكانوا وضعُفوا سلبهم الله تفعيل حقيقة التحدي، وسلَّط عليهم المعارضة حتى تمكنت بإذلالها من نفوسهم فحسبوا معارضتها تحديات.. وعدُّوا عجزها إرهاباً..!!؟
    وهذا المفهوم هو الذي أثراه الكتاب.. وأثار الباحثُ فيه إرهابَه.. على معنى الحقيقة..
    وما حوته فصول الكتاب وساقتْه مدلولاتها مفهوماً علمياً من واقع الحال.. على الوجه الذي يعني من موضوع كل فصل نتيجته.. فذلك قرار مفهوم التحدِّي.. على ما وجَّهت به المقدمة وقرَّرت علمه بنود فصل التمهيد..
    وما احتواه الكتاب من آفاق المفاهيم الحرة في مجمل قراراته وخاصة موضوعه، أو في حصر تفريع فصوله أو بسطها.. وما ورد على مستوى مضمَّناته من تصريحاتٍ مُفحِمة، أو تقريرات ملزمة، أو توريات موهمة.. أو مترادفات محمولة، أو إجمالات مفتوحة، أو تعريضات مندوحة.. فكل ذلك لا يعبر بالضرورة إلا عن رأي المؤلف مقرِّر معانيها وموجِّه مراميها..
    فنسأل الله له التوفيق والسداد، وحسن النية وقبول العمل، كما نسأله تعالى أن يبارك له في وقته وعلمه وخير عمله..
    والحمد لله رب العالمين ،،،
    راجي عفو ربه ورضوانه/ محمد بن عباس زبارة
    وكيل وزارة العدل

    يتبـــع......

  4. #4

    افتراضي رد: كتاب مدخل التحديات

    الفصل التمهيدي
    تقرير ماهية التحدي وتصنيف حده
    ويحده ثلاثة محاور أو مفاهيم
    1- التحدي في اللغة
    2- التحدي في الشرع
    3- التحدي في الاصطلاح

    مفهوم التحدي في اللغة وتقرير حده
    التحدي في اللغة يعني: المباراة والمنازعة، تحقيقاً للغلبة مع وجود المقتضي وزوال المانع.
    قال الزمخشري في الأساس تحدى أقرانه: باراهم ونازعهم الغلبة.
    وتحدى النبي صلى الله عليه وآله وسلم العرب بالقرآن فأعجزهم.. وضد التحدي المعارضة. ومهما حصلت أبطلته..
    ومعارضة القرآن مستحيلة
    وحينما ادعاها العرب بقولهم:  لو نشاء لقلنا مثل هذا( ) . يقصدون قدرتهم على معارضة القرآن الكريم. فتحداهم بقوله:  فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين( ) . فعجزوا..
    ويقال أنا حاديك أي معارضك..
    وفي اللسان عن ابن منظور:( ) وأنا حاديك في هذا الأمر. أي: ابرز لي في فيه وجارني.. ذلك ما يعنيه التعريف اللغوي.. باختصار.. وقد أفاد الحد..

    يتبــــــــع......

  5. #5

    افتراضي رد: كتاب مدخل التحديات

    مفهوم التحدي في الشرع
    أما التعريف العلمي الشرعي: فله خاصية التحقيق القاصد إخراج مسمى التحدي المجازي عن واقع ومفهوم التحدي الاصطلاحي.
    ولحاصل ملابسات موضوعه، أحفيه بشيء من البيان فيما يلي: التحدي عام في العرف اللغوي عورض أم لم يعارض..
    وهو خاص في الاصطلاح الشرعي.. حيث تبزه المعارضة، فيما عداه.. فلا يصدق عليه مسمى تحد مع حاصلها أو إمكانها.. إلا مجازاً.. من باب مفهوم العرف اللغوي، الذي لا يلزم من وجوده وجود.. ولا عدم لذاته..
    وهذا النوع لا يصدق عليه مسمى التحدي الخاص الشرعي..
    وما يصدق عليه شرعاً يصدق عليه لغة لا العكس.
    وحقيقة التحدي: بزه للمعارضة، وواقعه المعجز لذاته، ووصفه الشرعي( ).
    وإعجاز القرآن ثابت في آياته المتحدى بها جميعاً وأفراداً، مختصة بالتحدي الحقيقي، لانفرادها بالإعجاز، دون مسمى التحدي البشري، المؤول بالمجازي، الملغي لأمكان إطلاقه عدم اعتبار الشرع لمسماه..

    مفهوم التحدي في الاصطلاح
    أما التعريف العلمي الاصطلاحي:
    فيحده بإخراج مفهوم العادة وحالها، عن واقع معلومها الفعلي، لتأتي على غير لازمها المعتاد.
    أو يحده بإدخال ما لا تقر العادة إدخاله في الفعل، على خلاف حالها، والمتحدي يلزمه معرفة إعجاز تحديه قبلا..
    وقد تحدى النبي صلى الله عليه وآله وسلم العرب بالقرآن.. دليلا على صدق نبوته، وهو يعلم منه واقع الإعجاز.
    قال أبو بكر الباقلاني:
    ومن أفحش ما قيل في التحدي: تصديره على غير علم بإعجازه.
    وما لم يكن المتحدى عاجزاً عن رد التحدي: فإنه يلزم المتحدي عدم إعلان تحديه..
    فإذا تحدى وأعجز: كان بقاء التحدي، وإلا انتقض، بعدم صحة برهانه.
    والتحدي بالقرآن هو السليم من المعارضة، المؤيد بالإعجاز حقيقة لفظاً ومعنى، دون سواه من تحديات البشر، المجازية العرفية..
    فإن كانت من كافر ضد الحق فخصمها وبزها من باب أولى لعلوه..
    وعليه فإن أي مسميات تحد لغير القرآن: هي مبزوزة مرفوعة، بواقع المعارضة، حقيقة أو حكما.
    وما بقي إلا أن ننقل مسمى التحديات البشرية إلى مسمى المكائد، أو المكر، أو التربصات، أو العوائق.
    مسميات موضوعية تثري مجاز التحدي في بابه، وتقرر واقعية البحث، ليتفق مع التعريف الشرعي..
    ومهما أبقيناه على حاله فمن باب تسميتهم له على ما ورد عنوانا مطلوبا التحرير فيه كما ورد( ).

    الفصل الثاني
    توجيه خطوط التحدي العريضة
    وتحرير مقومات مجازها

    ا
    لفصل الثاني:
    توجيه خطوط التحدي العريضة وتحرير مقومات مجازها على نحو ما وردت تحت عنوان المجاز اللغوي العرفي، ربطا بالتعريف العام.
    مفهوم التحدي العام:
    يعني طلب المنازلة والمبادرة، إلى المعارض الواثق بإصدار معارضته، نصاً في مقابل تحمسه، واستعداده، رغبة منه واختياراً ذاتياً، في رد التحدي بمثله، ومنازلة صاحبه، ومعارضته.. غير مصروف ولا مغلوب على أمره..
    ومهما عجز لزمه التسليم، والمتابعة.. وإلا حاجَّه التحدي وخصمه..
    وأحوال التحدي إصداراً وتقريراً على ثلاث درجات:
    حال درجته أعلى. لصدوره من قادر عليم، حالاً وصفة بذاته، منـزه عن أن يعجزه إبطال تحديات بشر ممن خلق..
    وحال درجته التأييد. من قدير ناصر لعبد من عباده. وسيلته إليه: جميل التوكل عليه، وصدق التزام موجبات نصره..
    وحال درجته الثقة بالنفس الناكبة عن الحق.. فهذه تحديها مهضوض مهيض، لاعترائه المعارضة حقيقة ثابتة معلومة، من الدين بالضرورة، على ما قال الله عز وجل:  قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم إن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو يأيدينا، فتربصوا إنا معكم متربصون( ) .
    وعلى ما قال سبحانه وتعالى عن حال الماكرين، وحال مكرهم المعارض المشلول:  وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين( ) .
    وعن حال كيد الكافرين من مثل قوله تعالى:  إنهم يكيدون كيداً وأكيد كيداً، فمهل الكافرين أمهلهم رويداً( ) .
    وحقيقة ارتباط الأحوال بدرجاتها تعني: حقيقة مفهوم دلالة النص، مهما وجد على كل حال.
    ثم أنه لا يخفى على ذي لب حصيف متفحص لحال واقع العصر الحاضر.
    كذلك ولا على متبصر ومحقق في مقومات التغيير على خارطة العالم: أن يصل بفهمه وإدراك اجتهاده، إلى استخلاص وارف المسائل العلمية، وجليل القضايا المحورية، المطلوب فقهها للمواجهة، بمفهومها واقع الحال، ومستقبل الغد، ثم وصوله بمفهوم استفتاح الواقع، إلى دقيق المعلومات، عن أساليب المكر، ومثبتات التحدي –في المفهوم السائد-.
    لإرصاده مقطوع الإنزال، على أرض واقع المستقبل، للأمة الإسلامية، من قبل أجنحة المكر، القاصدين للرصد، والإحباط المجهض لمشروع الإسلام، والمعجز لانطلاق أهله، والمخذل لصحوة أنصاره، والساعي لقصر همتهم دونه، والمريد تحقيق فتنتهم فيه..
    إن إرادة الكفر هي: استباق تشويه الإسلام، وعرقلة انتشار فضيلته، والتشكيك في واقع إنقاذ العالم بتشريعه..
    وإلإ دلاف إلى مفهوم هذا الواقع هو الذي يصحح دراسة متغيرات نظام مستقبله العملي، ويحدد استراتيجية منظومة دوله، في حدود إدراك العقل السليم لمتوقعات الغد بأحواله.
    وأخيراً يدرك منه الإقناع بتنفيذ أمر الله تعالى بواجب الإعداد، المنصوص عليه في كتابه الكريم، قرآناً معجزاً، قائماً في وجه المكر، والكيد، والتربص، المسمى: ( تحديات.. ).
    وعليه: فإن تقديري لواقعها مبناه على شيء يستحق المقابلة، والاهتمام، من قبل أنصار الفكر، ورجال الثقافة، وعامة المبرزين الأعلام في فلسفة رؤية غد الإسلام، ليشكلوا وحدة نظام عالمي، محصنة ومؤسسة تكويناً تربوياً، من واقع التصفية على الروحانية العقيدية، القائمة في منهج الإسلام، على أرض الإيمان، بلازم البرهان، دون اعتماد رابطة الغثائية، الضاربة على أعتاب فخر التكاثر، وحزبية التعدد، والجاثية على كفر الديمقراطية، المتحررة من قيم الدين، ولوازم التشريع العظيم، أصله الكتاب والسنة..
    وحقيقة احتواء هذه الدراسة لمجموعة ما اشتملت عليه من مسمى تحديات المستقبل فإن القصد منها تقرير إظهار حالها.. وتحقيق مقومات تحديبها المتحدي بفعل عولمة تقنينها ( المؤسلم ) على ذمة التشريع ( البلشفية المنقحة ) حملاً على ظاهر قاعدة عالمية الإسلام.. وعلى معلوم رفع صلاحه لكل زمان ومكان.. ليوفقوا به مصطلحات التطور.. والتجديد المساير لكل محدث جديد ومعاصر.. من بعث التقدم الحضاري.. والمدني.. والثقافي المتألق سناءً في سماء الاغتراب.. وليتابعوا بمقومات التحديب ركاب عوراء السنن الذين دخلوا بمزايدة التفريط.. ليخرجوا بحظ المتابعة.. المحظور على المسلمين موافقتهم فيها، وحال مسمى كل تحد حواه الكتاب فإن القصد من إخراجه توجيه وجه مقام تأثير علمنة التقنين والقانون الوضعي في تحديبه المتحدي لوحدة قرار المسلمين الإداري، أو المالي الاقتصادي، أو الثقافي الإعلامي، أو التربوي التعليمي، أو السياسي..
    تأثيراً كلياً أو جزئياً في العموم أو نسبياً بالخصوص.
    ذلك هو قرار الهدف والغاية من طرح مجمل عناوين هذا الكتاب لأضع نصوص كلماته نوراً على الدرب يفعّل أبعادها ويقرظ نفعها الدارس السابق لفهمه والباحث الجاد لطلبه والناقد المتجرد لإنصافه وعدله، وليري منها واقع تأثير التقنين.. في تشريعها الصانع لمسميات التحدي على طريق مستقبل الأمة الإسلامية، ولينثر در خاصية منهج بحثها وقد صاغه يراع الإجمال والعموم تقريراً على خلاف المعهود في منهج البحوث الأكاديمية المتخصصة.
    وألحق بموضوع هذا التحرير الإجمالي لمفهوم الخطوط في التحدي العام: هذه اللفتة اللطيفة إلى جانب مفهوم المعارضة في ميزان التحدي الخاص.
    أجري تحريره في حدود التعريف به ربطاً برمة التعريف العام المعهود..
    وهذا حاصل توثيقه بإيجاز في السطور التالية:
    مفهوم المعارضة في ميزان التحدي:
    يعني المنازلة والمقارعة اللازمة بالطلب إلى المعارض رد التحدي.
    ومفهومه تحقيق الإعجاز وإثبات عجز المعارض ليعترف ويصدق مؤمناً بصفة المتحدي وتوصيفه..
    أو يصد فيحيق به إعراضه..
    والمعارضة واقعة على مجاز التحدي دون حقيقته.. لذلك لم يعرف للقرآن معارض.
    وقد تحدى به النبي صلى الله عليه وآله وسلم عاماً وخاصاً، جميعاً وببعضه..
    وما تجرأ أحد على معارضته في الأولين.. وما ساغت لهم المعارضة بعد أن أخرسهم العجز، وشل فصاحتهم وبلاغتهم واقع مقومات تحديه، في كل آية..
    ليصدق الله به نبوة نبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
    واللطافة في تقرير حصر التحدي حقيقة شرعية ولغوية في المسلمين يملكونها دون غيرهم من الناس وأن قدرتهم باقية ما بقيت الدنيا يخصمون بها عدو الله وعدوهم وحجتهم كتاب الله:
    آياته كلما زاد المدى جدد يزينهن جمال العتق والقدم
    في مقابل من حجتهم داحضة.. مكر، وكيد، وتربص.
    مجموعة عوائق يضعها ويصنعها الكافرون على طريق من حجتهم باقية ودائمة حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
    ولا أخفي بأن البعد الخاص به مفهوم التحدي لدى عامة الكتاب والقراء وخاصة من لهم دراسات وبحوث علمية أو أدبية في هذا المجال العلمي المهم فهم يعرفون التحدي جملة دون التفريق بين ما يصدق عليه حقيقة وبين ما يقرره المجاز.. ذلك المفهوم القاصر عند هؤلاء حملني على الدخول بهذا التحرير الخاص في هذا الفصل إلى ما يعقبه من فصول، وهم يقررون مضمناتها تحديات.. لأحقق وأقرر من مدخل دارستها واقع الفرق بين ما يعنيه تعريف الشرع وبين ما يعينه تعريف اللغة خارج إطلاقهم.. ثم لأستدرك إثبات عدم اختصاص شرط التخصص العلمي المعهود توفره في أي بحث دون مجموعة مسمى التحديات المشمولة في هذا الكتاب لكون الهدف والغاية من دراستها هنا لا يخص سوى كشف وإظهار توقيت الإنذار والتحذير المبكر من وقوع وتحقيق تأثير القانون والتقنين في تحديبها المتحدي والمؤذن غده بوقوع فتنة على درب المسلمين وقد شرعوا قانونية مقوماتها بأيديهم.. وهذا الالتزام المنهجي يكفيني معذرة إلى طالب التخصص.. والله حسبي ونعم الوكيل.

    يتبـــــــــــع ......

  6. #6

    افتراضي رد: كتاب مدخل التحديات

    الفصل الثالث
    فتنة عولمة التشريع الإسلامي
    ويخصه أربعة محاور
    المحور الأول:
    مستقبل عولمة الأحكام الشرعية وعاقبة تقنينها
    المحور الثاني:
    فتنة إحداث تقنين الأحكام الشرعية
    المحور الثالث:
    توقع تحطيم هيبة القضاء على أعتاب عولمة تقنينه
    المحور الرابع:
    مستقبل عولمة الفكر ونظام الحكم

    المحور الأول:
    مستقبل عولمة الأحكام الشرعية وعاقبة تقنينها
    الشريعة الإسلامية مؤداها وجوهرها حق أبلج، عالي المقام، قوي الحجة، تحفه مقوماته العلمية النظرية، بل هي رئيس إمداده، لواقعية دلالتها، وصحة سندها، وجميل توافقها مع فطرة الله الملازمة لخلق الإنسان السوي، وحسن ارتباطها بإقرار العقل السليم، ولطف مرافقتها ومسايرتها لحياة الناس العادية..
    وشد عضد هذه المقومات للحق الشرعي، وأدلته القولية والعقلية، بمؤازرة الواقع الحياتي العلمي والعملي المتطور المباح، للناس عامة زماناً ومكاناً، ليظل الحق سائداً والواجبات الإسلامية حاكمة، حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
    ومهما تتداعى عوارض الحياة كتداعي الأكلة.. بما تحمل الأمة الإسلامية اليوم من غشاوة الفكر، وطمس البصيرة، وتغلب الباطل، بنصر الهوى المتبع، وبمتابعة النفس الناكبة..
    تتداعى لتحول دون إظهار الحق، وانتصاره، وإعلاء كلمته..
    تتداعى لتحول بينه وبين أن يكون له دولة تحرسه، وسلطان ينصره، ويحميه من أعدائه..
    مهما تعمل لذلك، ومهما تصنع من عوائق، وتربط من مكر، وتخطط من كيد، وتبيت من تربص.. فإن الحق ظاهر، والباطل زاهق، مدحوض بوعد الله، الدافع بعضهم ببعض.
    كما قال تعالى:  ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا، ولينصرن الله من ينصره، إن الله لقوي عزيز( ) .
    لكن متى يكون هذا النصر للحق؟ ومتى تظهر حقيقة وعد الله؟ والكيد والمكر والتربص بالحاكمية الشرعية، صداً وإعراضاً عنها، واختياراً والتزاماً لما دونها من تقنين، منذ قرن حتى الآن، ولا يزال الانحطاط بالمسلمين في زيادة، وهو واقع بهم..
    إنها سنة الله، ولا بد أن تجري على عباده، ليبلوهم أيهم أحسن عملاً، وليتخذ منهم بالجهاد في الحق والذود عن حياض مسالكه ومنابعه شهداء..
    ومتى تحقق الثبات، وتوافرت مستلزمات النصرة.. المشروطة بحقها.. في مفهوم الآية:  إن تنصروا الله ينصركم .. أو حصل التخاذل والتخلي المفهوم من قوله تعالى:  إلا تنصروه فقد نصره الله . ثم من عموم وعد الله بنصر دينه.. فإنه متى حصل هذا أو تحقق ذاك: تدخلت القدرةن وجاء نصر الله، ليمكن للحق ويرفعه على من خالفه، أو تصدى له، ونازعه.
    والأمثلة كثيرة معلومة، منها:
    نصر الله للحق، يوم جاء أبرهة ليهدم الكعبة.. وقد تخلت قريش عن الدفاع عنها..
    ومنها: يوم هزم الله الأحزاب وحده..
    ويوم حنين، بعد أن ضاقت على المسلمين الأرض بما رحبت، وضاقت عليهم أنفسهم..
    ويوم بدر: أيد الله نبيه، والذين آمنوا معه، وقاتلوا بجنود لم يروها.. قاتلوا مع المسلمين، بعد أن غشاهم أمنة نعاساً.. إلى أن جعل كلمته هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى..
    وكم في دروس السيرة من عبر..
    وكم ترك الأولون من أثر..
    وكل مصيبة، وفتنة، وابتلاء، تحل بالمسلم فرداً، أو بالمسلمين جماعة، على ما قال الله تعالى:
     ونبلوكم بالشر والخير فتنة( ) .
    في المال أو في النفس "الذات أو الوالد أو الولد" بالنقص المحزن، أو بالزيادة والربو المفرح.. فإنه مهما يكن محزناً، فهو فيما سوى الدين جلل..
    وشريعة التقنين والتزامها فتنة في الدين، ومصيبة فيه، وقد استعاذ النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم من المصيبة في الدين، على ما ورد.. ( ولا تجعل مصيبتنا في ديننا( ) ) أو كما قال صلى الله عليه وآله وسلم.
    إنه منذ قرن تقريباً حصل بدء الإلغاء، والإقصاء، للعمل بأحكام الشريعة الإسلامية، خاصة فيما يخص أحكام الحدود والقصاص.. في معظم البلاد الإسلامية..
    بدأ ذلك حين ران الجهل على عقول وأفكار أكثر الناس جهلاً بفروض العين، في الشريعة الإسلامية، على مستوى عالم الإسلام، أو في معظم ديار الإسلام، بعد أن تعرضت لغزو فكري رهيب، صادر عن تخطيط موثق مدروس، قبل تعرضها للغزو العسكري المعروف، والذي أدارته وزارة المستعمرات البريطانية، على أعقاب إسقاط الخلافة العثمانية..
    والهدف الرئيس للغزو: هو إخراج المسلمين من دينهم، دون إعلان مقطوع بالكفر.. لكن يكتفي بعدم تطبيق أحكام الإسلام فعلاً في الواقع العملي..
    ولا يهمهم أن يبقى له وجود رسمي، ووجود شعبي، مبزوز مقطوع، دون الصلة بالتطبيق..
    ويصدق هذا معنى ما قاله الوزير البريطاني "غلاد ستون" عام 1883م وهو يرفع المصحف الكريم في يده: إنه ما دام هذا يحكم فلا قدرة لنا على ولاية المسلمين وإذلالهم.. بل نحن على خطر وتخوف عظيم من زحفهم الإسلامي..
    قال هذا الحطمة اللكع في حضور وجمع مجلس العموم برئاسته( ).
    إن أعداء الإسلام هذا الوزير وأمثاله: هم الذين أجلبوا تغريب الإسلام، بتخطيطاتهم، بعيدة المدى، ليخرجوا المسلمين من إسلامهم، ظانين عليهم الدخول في دين اليهودية، أو النصرانية، لكن يبغون لهم الفتنة، بلازم الانبهار بتصورات الغرب، ونظمه، وأوضاعه، المادية، والعلمية، المدنية و الحضارية..
    إلى التهاون في التزام أحكام الإسلام، وتشريعاته العلمية، والعقدية، واستبدالها بالقوانين الوضعية، في المعاملات التشريعية.. وبالنظريات الفكرية، في التوجهات الإيدلوجية.
    إلى غير ذلك من أمثال التزام ( بروتوكول ) الفصل بين الدين والدولة..
    وهو ما يعني هنا مقومات نظام الحكم..
    وقد كانت هذه الفتنة بداية.. غير محددة النهاية.. ولا معلومة الأجل.. ولا هي مقدرة الكم ولا الكيف.. ولا كذلك كان وارداً في حسبان الغثائية.. تدبير كيد الكافرين باستئصال شعفة المسلمين.. أو محاصرة سلطانهم.. مما كان بذلك صفاء الجو لتوالي العاتيات.. ووافدات المرهقات..
    جرع صاغتها تدابير وبروتوكلات عقول الأفاعي اليهودية .. والصليبية النصرانية.. صنعوها في هيئات وشخصيات اعتبارية.. وفي معاني مقومات الفتنة.. يقدمها عولمة التقنين.. وهم يحسبون ذلك بداية النهاية.. ولن يهلك المسلمون وفيهم كتاب الله قائم.. وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تدرس وتطبق.. وإن قل اليوم الحاملون العاملون، فإن في الغد أمل المخرج من كل فتنة.. ونهاية لكل ما صاغته أجنحة المكر.. وسياسة التربص والكيد بالمسلمين..
    ولكل حدث واقع دراية.. ومقومات البداية.. لا يقدر على مضاداته ومقاومات مقوماته.. بل على قطعها وبترها.. ولا يقدر على ذلك إلا بمعرفة ذاتها وحالها.. وهذه طريقة..
    أما حقيقة الفتنة فحاصلها مضبوط في توقعات تعميم عولمة التقنين لأحكام الشريعة الإسلامية في ديار المسلمين بحجة إثبات عالمية وتقرير صلاح مسايرته لمستجدات التطورات وأحداث المعاصرة الوافدة من ديار الكافرين وليوافقوا به تقرير نظرة صلاحه لكل زمان ومكان تلك النظرة العقلية والشرعية المعلومة من كمال تشريعه وعموم صلاحه بالضرورة.. ذلك هو ظاهر الأمر أما باطنه فهو: البلشفة والتنقيح ( الأسلمة ) المزايد بها في ميدان زحمة الأيدلوجيات المادية المتصارعة..

    المحور الثاني:
    فتنة أحداث تقنين الأحكام الشرعية
    تأتي فتنة التقنين لأحكام الشريعة الإسلامية.. بعد سابق العدوان على أحكام هذه الشريعة، فيما يخص العقوبات ( الجنايات، الحدود ) وتشمل القصاص في النفس، والمواضع، والأطراف، وحدود الزنا، والشرب، والقذف، والردة، والسرقة، والحرابة، والبغي.
    وذلك يوم أحدثت وابتدعت الدولة العثمانية قانوناً أسمته: قانون الجزاء العثماني عام 1840م على غرار القانون الفرنسي، حذو القذة بالقذة، إلا في قليل ما هو..
    مما كان به البلاء العظيم، في عامة بلاد المسلمين( ).
    إذ تعطلت من جرائه غمار الفقة الإسلامي، ومسائله التطبيقية العملية، وانحسر عن واقع الحياة، على مستوى مناطق العالم الإسلامي إلا بقية انحصر فيها أمل المسلمين الواعد مهما كانت بقية من شبه الجزيرة العربية.. حفظها الله وسلمها بالبقاء متمسكة.. مع ما يعلوها أحياناً من دخن..
    لأسباب منها:
    فتنة التقنين لأحكام الشريعة، في بعض دولها.
    ومنها:
    إدخال بعض المواد الوضعية في القانون المشرع..
    ومنها:
    الحصانة الوصفية لحكام النظام ملاكه.. بتشريع مقومات تحديب التحدي المجازي شريعة حُدّاب خطوط عريض التحديات.. ومفرداتها العملية التفصيلية..
    على قاعدة:
    ( إذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وإذا سرق فيهم الشريف تركوه( ) ).
    والذي بقي معمولاً به من الشريعة الإسلامية:
    هو جانب أحكام العلاقات المدنية في البلاد التابعة للدولة العثمانية، من واقع مسمى ( مجلة الأحكام الشرعية ) المستقاة من المذهب الحنفي..
    واشتمال المجلة المذكورة:
    واقع بين دفتيها مجموع أحكام البيوع، والرهن، والحوالة، والأمانات، والإجارة، والكفالة، والضمان، والودائع، والغصب، والهبة، والشفعة، والشركات.
    وما يتبع ذلك مما تعنيه الأحكام المدنية في الفقه الإسلامي.
    هكذا نرى الإبقاء على أحكام المعاملات في بلدان تطبيق القانون الوضعي، دون سواها، لارتباطها بحاجات الناس، الدنيوية العادية.
    والتي لا يلزم من وجودها الوجود، المبني عليه وقوع الصفة، المبني عليها الحق، في أنواع المعاملات جميعها أو بعضها..
    بمعنى أنها لا تمنع طغيان نظام الحكم، ولا علمنة التشريع، ولا إفساد الفكر العام في حياة الشعوب، ولا تحول بين التهويد، أو التنصير، أو التمجيس.. المراد لشباب الأمة، من قبل أعدائها، الخارجين عن طاعة الله وطاعة أنبيائه ورسله، وعن دين الإسلام، الظاهر على الدين كله، ولو كره الكافرون.
    والحق أقول:
    أن شر القانون الوضعي قد طغى وبغى، وأدخل الفتنة في ديار المسلمين، عدى ما استثني..وتلك المستثناة هي الآن تروض لتدخل من حيث دخل سلفها..
    والواقع يغمره قلق الاستجابة، بدءاً بالتزام تقنين أحكام الشريعة الإسلامية، وتحقيق تطبيق ذلك، على مستوى محاكم التقاضي، النظرية والموضوعية.. وأولئك السلف هم الذين سوغوا للخلف براءة التقليد وحسبوا عملهم هذا مسايرة للتطور العلمي القضائي الحديث..
    وفي الواقع ما هو إلا فتنة، أدنى شر أوقعته وأحاطت به خطيئة هذا التقنين:
    منع اجتهاد القاضي خارج ما تحرر وإلزامه بحاصل النص، مادة جامدة جاحدة..
    وقد جرت اليمن على تقنين الوصية.. إلا أنه لم يعمل بها في المحاكم حتى الآن لوجود عدم القناعة بموضوعها.. ولضعف مرجعية سندها.. وصدق الله العظيم في وصفه لتشريعه:  ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا .
    وأن شر فتنة واقعة به، على مستقبل الأمة، حقيقتها:
    مكائد، وتربصات، ومكر السيئ..
    إنها مصادرة المفهوم، وبادرة تقزيم وتضييق واسع مدلول نصوص التشريع، في القرآن والسنة..
    قد لا يدرك أكثر الناس هذا الخطر، وربما يستغربون سماع مثل هذا التصريح.
    وقد ينكرون القول: بأن تقنين أحكام الشريعة الإسلامية فتنة..
    ولعلي قبلا كنت أغص: فيما لو سمعت مثل هذا، لاغتراري بوافدة التحديث، وكل جديد يحفيه التطور، في التشريع أو غيره.. تيقنت:
    أنه ما كان لنا أن نتخذ عدواً ناصحاً، ولا مواده أمينا منصفاً..
    وإنما متربصا باغياً الفتنة، ومجنداً منا علينا سماعين له، ناشرين موبقات سنته.. ومرهقات أهدافه، وغايته..
    لقد كان غريباً علينا سماع التحذير: من فتنة خروج المرأة من بيتها، ومزاحمتها الرجال في الأسواق، والمجتمعات، والندوات، والجامعات.
    ومن قبل في المدارس، والمعاهد، والطرقات.. حتى أصبحت الآن تزاحم في ميادين الوظائف، والأعمال، والتنظيمات الحزبية، والانتخابات الديمقراطية، والاشتراك في المباراة الرياضية.. وفي كل ميادين العمل مما كان به إسقاط الحشمة، والحياء، في سكرتارية المؤسسات، والبنوك، والوزارات، وإدارات الحسابات، وشؤون الموظفين، والفنادق السياحية مستقبلة، ومضيفة، وساهرة.. وكابتن في البواخر، والقطارات، والطائرات.. حتى لم يبق لهن ذرة من أدب، أو أخلاق، أو حياء.. وقد زادهن الغرور: بتشجيع الذئاب الإنسية، وفساق دعاة الحرية، والمساواة، على أبواب جهنم..
    وقد تدخل التقنين ليشرع.. والتنظير ليؤسلم ويجيز.. بل يوجب للضرورة والمصلحة..!!
    إن البيوت تخلو.. والأسر تتفكك.. والحياة الزوجية تسوء.. ونسبة الطلاق تزداد، وترتفع.. لتقضي على الثقة، وتشكك في دوام سلطان العشرة، بين الزوجين، فيحل القلق، ويسود الخور، والذعر، بدل أن يسود الوئام والمحبة، والألفة، لبناء جيل الغد، ومستقبل شباب الفتح، والإيمان..
    زوجان يفترقان بعد الخلفة ذوات العدد: لأنهما لم يتفقا على رؤية الدخول والالتحاق بتنظيم واحد.. فكان كل واحد منهما في حزبه يتربص ويرصد بمكره للحزب الآخر..
    آخران يفترقان: لأن كلاً منهما يتهم الآخر باتخاذ خدن.. من زملاء العمل، ومن زمالة الوظيفة العامة.. أو من العمل الخاص..
    فيالها من فتنة!..
    والقانون قد أجاز حرية اختيار العمل، وحرية اختيار الصاحب، والصديق، وحرية الانتماء، أو الاتجاه، والوجهة العقيدية، والفكرية والتدين.. –إلى غير ذلك- للرجل والمرأة على السواء!! في تلك البلدان التي قررت قوانينها تشريع إطلاق الحريات..
    كما جاء التقنين بحرية التعليم وحرية فتح المدارس الخاصة فتنة وهذا له موضوعه، وسنفصل فيه ليفي إن شاء الله تعالى.
    ولا أشد ولا أخطر من واقع تعميم الدعوة إلى واجب تقنين جواز إطلاق الحرية الشخصية للمرأة المسلمة، والحرية السياسية والفكرية.. كحال إطلاق الحرية في دار ومجتمع المرأة الغربية والشرقية الكافر بالإسلام وتشريعاته..
    وصولا إلى تحقيق اعتبار شرعية الممارسات المحرمة –الجنس- ( الزنا ) بالرضى..، والفحش
    ( اللواط ) بالاتفاق.. حقاً مكفولاً للفرد بقوة القانون وقد صار من الحقوق القانونية..
    فهو ( حق شخصي )!! لا حد على مرتكبه ولا جزاء..
    إنها دعوة مأساوية على مستوى العالم الإسلامي..، بعلمائه، وهم يعقدون المؤتمرات والندوات.. لتقديم بحوثهم المؤسلمة والمشرعة لمساواة المرأة بالرجل، في كل ما هو حق للرجل، حذو القذة القذة..
    مهما صادموا بذلك نصوص الشرع، وأدلة الثبوت العقلية والنقلية المتفق على صحتها، والمجمع على الأخذ بها..!!

    المحور الثالث:
    توقع تحطيم هيئة القضاء على أعتاب عولمة تقنينه
    مؤدى هذا القسم تقرير وتوضيح حال القضاء في ميزان القانون الوضعي، وفي مسمى التقنين التشريعي، لأحكام الشريعة الإسلامية..
    وهذا المحور مهم في موضوعه.
    لقد سبق القول بأن من فتنة تقنين أحكام الشريعة الإسلامية: مصادرة الفهوم الاجتهادية..
    كذلك فيه بادرة خطر وإقرار تقزيم وتضييق واسع مدلول نصوص التشريع الإسلامي..
    وبما أن ذلك كذلك: فإنه ليس بأقل من فتنة تقزيم وحصر واسع اجتهاد القضاء، ووجهات نظر القاضي، وتقديراته العلمية، والعملية، لأحوال الحادثة، والقضية المنظورة أمامه..
    فالعدل القضائي يلزمه العلم الشرعي لواسع الدلالة فيه، ولوافر جواز الاجتهاد المحدود.. والمفهوم المطلق المتروك للقاضي حول التأول لأخذ قراره.. عند الاقتضاء.. كما يلزمه تعميم التطبيق، وواقع التنفيذ من خلال ولي الأمر المقتنع بسيادة الشرع وأحكامه.. على نحو فهم العلم وعقله، فهماً خاصاً، وعاماً شاملاً للعمل، مطلق الاجتهاد..
    دون جبر القاضي بالتزام فهم خاص.. لعالم أو للجنة تقنين.. ليحكم بما قرروا، أو قننوا، التزاما مقيدا غير مصروف عنه..!
    فذلك غير مبرور في القضاء الإسلامي ولا محمود..
    وعليه فإن تقنين أحكام الشريعة الإسلامية غير جائز على هذا النحو، لاحتسابه في البعد النظري والمهفوم الواعي، تدخلاً في اختصاص القاضي وعمله، وسلطة القضاء، وتطاولاً وتعسفاً في حق بقاء نصوص التشريع غضة طرية، لتنهل منها الفهوم، وتثري دلائلها العقول، ويتجدد فيها الاجتهاد، ما أضحت الشمس وتبدر القمر، وأقبل الليل وأدبر، وتنفس الصبح وأسفر.
    وفتنة تقنين آيات الأحكام تتمثل في: حصر مفهومها، وقصر مكنونها، على وصف وحالة جفافها..! دون الأخذ بعدل قطعها في الحق، وقرعها عتو الباطل( )، ودون تقدير لحالة خاصة، أو مراعاة لطروء حادثة نادرة.. لا يدرك فهمها ولا إمكان وضع سابق وصف لها.. أو حكم مقدر يمكن الفصل به فيها.. ومن حق القضاء ألا يتدخل بشر في اختصاصاته.. ولا يحق لأحد أن يحدد أو يأمر قاض كيف يحكم أو بما يحكم..
    لقوله تعالى:  إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون( ) .
    كما تتمثل الفتنة حقيقة ويجري بها وقوع مجاز التحدي فعلاًَ في اعتقاد وجوب الوصية بفعل التقنين المحدب باسم التشريع..والمظلل بحجة جواز الاجتهاد لأي اعتبار مصلحة أو ضرورة..وقد تصدرت عنواناً تحت مسمى(الوصية الواجبة)..وكان المناسب لحال تقنينها إطلاق اسم ( تقنين إيجاب الوصية ) لأن القصد هو: تشريع وصية خاصة.. لم يوجبها الله ورسوله، بعد أن أوجب الله سبحانه وتعالى حق الميراث فرضاً أو تعصيباً أو كليهما: فرضاً وتعصيباً.
    على ما هو مبين في كتاب الله من سورة النساء( )، وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وضحت وبينت استحقاق بعض من لم يتبين في القرآن استحقاقهم( ).. واجتهد بعض الصحابة في توريث أفراد في مسائل نادرة معلومة وموثقة في مظانها ( كتب الفرائض ) وإن من أخص خصائص التحدي الموقع للأمة الإسلامية في الفتنة الجاري بها واقع الاختلاف.. والفرقة في الدين.. ثم الدخول بمثل هذا التقنين.. وهم قد خرجوا به عن دائرة الحكمة التي أرادها الله.. ولو كانت القسمة الموكلة إلى الاجتهاد لوجب النظر في غنى كل واحد من الآباء والأبناء والأقارب.. وعند ذلك يخرج الأمر عن الضبط في مقادير المواريث..
    ونحن نجهل الأصلح.. فنجنح إلى استمراء واستحسان وتقبل عولمة أحكام الحدود والقصاص.. باسم الرحمة والإشفاق.. وإنه ليقرب للأخذ بفكر دعاة تجديد وتحرير فقه الإسلام.. وفيه نقض الإجماع.. وانتقاص كمال التشريع.. تشريع الله تعالى الخاص بإعطاء كل ذي حق حقه من الورثة.. لأن الله تعالى لم يترك قسمة الفرائض لعاطفة بشر..، أو لرحمة مشفق، قصير النظر.. أو لمن يعمى عما يصلح به إقامة الحد في الأرض.. والقصاص في القتل.. على من وجب عليه من البشر حكماً شرعياً..
    ومع أن ملزمات نصوص التشريع تقتضي واجب التزام القاضي مفاهيم أخرى يشملها كل نص شرعي عزيمته ( واجبات ) أوامر، ومنهيات، ورخص.
    وكلها تعني مقومات الإسلام، ودوائره العقيدية، والتعبدية، والأخلاقية، والسلوكية الاجتماعية.
    لازمها الوجوب العملي، مع قيام الحدود والقصاص، وتحريم الربا، وقسر إشاعة الفاحشة، وحد الإغراء بالجريمة، ومنع الاختلاط بين الرجال والنساء، وقمع الرذيلة.. إلى غير ذلك..
    ومن واقع صلد المنكر الحظري اللازم تخذيله، والمعروف العزمي الواجب تقريره، قولاً وفعلاً. حتى يحقق العدل غايته بسيادة شرع الله العليم الحكيم، وحتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.
    وما لم نُفَعِّل نصوص الأحكام ذاتها، دون الرجوع إلى مواد مسمى التقنين الشرعي، فإنه سيحصل الظلم في الأحكام، والجور في القضاء، بفقدان صحة الاعتقاد، وتعطيل فروض العبادات ورفض القيم، والسلوك، والأخلاق، والآداب.. الخ.
    وذلك أن مواد التقنين لم تشملها من الآية، أو من النص الشرعي المقنن..
    وقد جاء بها المقنن جافة لا هي تعني ولا تدل على غير ما وضعت له: حكماً لازماً لذاته.
    وإنه لجدير بنصوص القرآن والسنة التشريعية أن تبقى دون تقنين، لتخصب الاجتهاد، وتثري إعجاز التحديات، الوارف بها محكم القرآن، ومكتشفات علومه..
    ولقد أدرك السابقون الأولون من الأئمة الهداة والمجتهدين في القضاء، أدركوا قدر ذلك التشريع الإسلامي، وفهموا وظيفته المقصودة من الأصل الأول، كتاب الله، بتلاوتهم له حق التلاوة، على ما حكى الله عنهم في قوله تعالى:  يتلونه حق تلاوته( ) .
    وحق التلاوة هو العمل به، أحلوا حلاله، وحرموا حرامه، وآمنوا بمتشابهه، وعملوا بمحكمه، في أنفسهم.. ونشروا ذلك عدلاً في مجتمعاتهم وبين جماهير أوطانهم، من خلال التحاكم إليه، والرضى بالقضاء به.
    فكان نتيجة ذلك إقامة دولة الإسلام، عاصمتها واحدة.. وقبلتها البيت الحرام.. ودستورها القرآن الكريم..
    وما زالت فتية حتى أسقطها تآمر الداخل.. ومكر وكيد وتربص الخارج.. فكان آخر غرزة في نعشها عام 1918م.
    ولقد كانت شريعة الله حاكمة خارج حبس الفكر والخيال المنظر المفلسف، ودون حبس الصدور، تمتمة أو همهمة.
    وقوعه: في زوايا التصوف القبوري، أو في غارب دعوى إيمان القلوب..
    لقد كانت حاكمة على مستوى ميادين الرحب والسعة.. والانطلاقة السابحة في الخلود، عقيدة وشريعة ومنهج حياة..
    والنفرة المحلقة في آفاق العقول والفكر والتدبر.. حاكمة بعيشها في الذات، والخلد، على مستوى الفرد، والجماعة، ديناً ودولة.. تسد الضرورات، وترفع الحرج، وتقضي المصالح..
    إن ما تقره نصوص التشريع الإسلامي من أحكام الوجوب، والندب، والإباحة، والتحريم، أو الحظر، والكراهة.. كلها مقومات تشريع عملي، يثريها القضاء الإسلامي.. ويطبق حدودها.. نصاً صريحاً عنها أو منها، وتنصيراً عملياً بها.. وقياساً صحيحاً عليها..
    وما كان لتقنين ولا تشريع وضعي أن يحفيه مثل هذا التوصيف..
    لأن أي تقنين باعتباره صادراً عن البشر، لا يسلك إلا سبيلاً وطريقاً واحداً، في الدلالة..
    أما تشريع الله: فسبله وطرقه عديدة، وكل نص فيه غاية في الإعجاز، لدلالاته الواسعة، ومنها ما لا يبديه إلا الراسخون في العلم..
    حتى في قصصه عبر، وأحكام، وذكرى، لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد..
    على ما ورد في قوله تعالى نصاً:  وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون( ) .
    ومن هنا نفهم أنه يلزم شرعاً: أن يبقى النص مجملاً لعقل الاجتهاد.. وفهم القاضي الحاكم.. ليصل بأزكى مدلولاته إلى حقيقة شخصية العقوبة..
    وهكذا ندرك من نصوص التشريع: تشرب الدلالات، وسلاسة الإقرارات الحكمية.. دون جفاف، ولا إسفاف.. فيكون ذلك أفضل وأبر، وأدعى للإقناع والتسليم..
    وحتى حين نعود إلى المقارنة: نرى الفرق من صيغة الأمر، أو النهي، أو من صيغة العزيمة، أو الرخصة، أو مما شابهها.. تقديم الترغيب، أو الترهيب.. ثم ارتباط الأمر بالعقيدة، وخلوه من الجفاف، والجفوة..
    فإنه كذلك يكون أدعى إلى الالتزام، وإلى حسن الحفظ، وحسن المذاق..
    وعلى العكس تماماً: صيغ القوانين المصاحبة للجفاف، والجفوة، وعسر الحفظ، وكظمة التذوق، وغلظة الجسأة.. فوق ما يعلوها من تسيب، وغفلة، وتفلت، وعدم التزام، أو انتظام..
    ولننظر صيغة اللفظ التشريعي من الله تعالى ومبلغه في الإعجاز، الذي لا يستطيعه بشر.
    من قوله تعالى:  الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين( ) .

    ومثل قوله:  وأن ليس للإنسان إلا ما سعى( ) .
    وقوله سبحانه:  من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها( ) .
    فمن يستطيع أن يصوغ مثل هذا المعنى بهذه السلاسة، المصحوبة بالتيسير للحفظ، وللتذوق، وللالتزام، وللانتظام في وقت واحد..!
    وللنظر كيف ربط العبادة بالحكم، في النص التشريعي القرآني التالي: قال جل شأنه:  إن الحكم إلا الله أمر أن لا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم( ) .
    وهكذا شرع الله أحكامه شاملة في النص الواحد لأنواع من الدلالات.. بأسلوب رفيع، ونظم وإبداع، لم يستطعه ولم يبلغه بشر، من إنس ولا جن، ممن خلق، فيما يعني الصياغة.. وتنوع الدلالات.. ووجوه المعاني.
    وكلها يستفيدها القاضي ليصل منها إلا الأرجح فيطبقه قضائياً.. لازماً.. ومتعدياً..
    والحق أقول: إن الموضوع في وصفه بفتنة التقنين على ما أسميته وقررت تحقيقه المعهود، ضمن مجموعة تقرير مسميات المواضيع الأخرى، في احتواء هذا الكتاب، الموصوف بعنوانه، واقعه إقرار على مسمى غير مألوف، لدى عامة من أوتوا حظاً من العلم التنظيري القانوني..
    بل هو مستنكر في تقدير الذين لا يعلمون.. كيف يسمى ويقرر تقنين أحكام الشريعة الإسلامية بأنه فتنة! وهو ما كان ليوجد إلا بإقرار العلماء لإثراء القضاء.. ومساعدة القاضي على استخراج دليل الحكم في الموضوع، من عامة النص.. أو من مجمل النصوص الشرعية..
    لكن مهما استظهر المنكر.. وعز المقر.. فإن الحق أبلج.. وقليل هم فهامه ورواده..  وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين( ) .  ولكن أكثرهم لا يعلمون( ) .
     ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون( ) .
    وهاهم قليل الناس من علماء الحق، يدلون بدلوهم، المقارن بين التقنين البشري للأحكام، بإنزالها، أو بإصدارها مواد صلبة صلدة جافة، وبين النص الشرعي في الأصلين: القرآن والسنة..
    وهذا مضمون ما يقولون، أو الذي يقولون، أو حاصل قولهم، منوطاً بتفعيل الإثراء.. وتوجيه التصرف.. وتقويم التوليف والربط.
    لقد عرف ذووا الاختصاص من البشر مجال التشريع القانوني، قاصراً على المجال السياسي، ثم اتسع بعض الشيء، في دساتير القرن العشرين، ليشمل أحكاماً اجتماعية، أو اقتصادية، لم تكن من قبل ترقى إلى مستوى التشريع الدستوري.
    وفي تشريع الله العليم، الحكيم، الخبير بمصالح عباده، وارف العلم بأن القرآن العظيم مع سنة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم الوحي الثاني: يمسان الدوائر التي تمسها التشريعات البشرية.
    بل إن تشريع الله ورسوله يفوق أي تشريع، من ناحية حسن التنظيم وسمو الهدف، ويتنزه عن القصور، أو الجهل، أو الهوى.
    ثم هو وراء ذلك يمس دوائر لم يمسها التشريع البشري، كدوائر العقيدة، والأخلاق، والشعائر التي تكاد تخلو منها التشريعات البشرية، موقناً بوحدة التشريع، كتوحيد الخالق المشرع، وأن تجزئة التشريع تجزئة لما لا يقبل التجزئة.. على ما سبق من نص الآية في يوسف إن الحكم إلا لله . وبقوله تعالى:  شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه، كبر على المشركين ما تدعوهم إليه.. . الآية ( 13 ) من الشورى. ولذا رفض أن يجزأ القرآن.
    وعاب على قوم  جعلوا القرآن عضين( ) .
    وتوعدهم  فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون( ) .
    واعتبرها في أماكن عديدة من القرآن الكريم.. فتنة، وجاهلية، وكفراً، وهددهم خزياً في الدنيا، ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب، وآذنهم بحرب من الله ورسوله إن امتنعوا، ولو عن حكم واحد( )!
    وكانت هذه الإحاطة شاملة لكليات الشريعة وأصولها.. بحيث لم يبق أصل أو قاعدة يحتاج إليها في الضرورات، والحاجات، أو التحسينات، إلا نص عليها الكتاب.
    كذلك الأدلة العامة، الدالة على الأحكام التفصيلية،وردت الإشارة إليها صراحة، أو ضمناً، بحيث يمكن أن يقال مرد هذه الأدلة جميعاً أو المصادر: هو القرآن!
    وبعد ذلك فالأدلة التفصيلية من نصوص هذا الكتاب، ورد أكثرها بصيغة العموم، بحيث تمتد إلى كل ما يندرج تحت نوعها، وما ورد خاصاً أمكن تعميمه عن طريق قياس اللفظ، أو قياس المعنى، ولم يبق إلا ما ورد الدليل على خصوصيته، وهو قليل أو نادر.
    وإذا أردنا استعمال اصطلاح،وجب استعماله بإطلاقه الذي اصطلح عليه.
    ولقد اصطلح على إطلاق للدستور قاصراً على تنظيم الجانب السياسي في حياة الأمة.
    وإذا كان القرآن ينظم ذلك الجانب، وينظم إلى جواره جوانب أخرى، بل كل الجوانب، بعضها إجمالاً وبعضها تفصيلاً، بعضها بأصول وكليات وبعضها بفروع وأحكام.
    وإذا كان الدستور قابلاً للتعديل. وكان القرآن متأبياً على كل تعديل، فإنه في ظل نظام إسلامي، يصعب القول بأن القرآن دستور! إلا أنه بالإمكان أن يسهل الاستعانة بالقرآن في وضع نظام يسمى قانوناً، أو لائحة تفصل في الجانب التنظيمي الإداري، والمروري.
    ولوضع جوانب أخرى اجتماعية، واقتصادية، وسياسية، أجمل فيها النص التشريعي، ليفصل في مدلولاتها هذا القانون في حدود إغناء المصالح المرسلة، على ما أبدع فيه الفقه الإسلامي وأثرى..
    ولا مانع من تأليف مسمى دستور، يعالج مصالح الأمة، في نظام الحكم.. يلتزمه الحكام..
    وفي العلاقات العامة، والخارجية ونحوها، في حدود معروف الشرع الإسلامي، تلتزمه الأمة والدولة..
    ويبقى تصريح القول بأن القرآن فوق الدستور.
    وكما يجري ( إبطال ) نص قانوني لمخالفته للدستور المؤلف، على معروف الشرع، يلزم ويجب إبطال نص دستوري لمخالفته للقرآن والسنة الثابتة، أو لإجماع المسلمين..
    ومحاولة صياغة مبادئ القرآن، وآياته، في نصوص جافة غير قابلة للتعديل..: محاولة فاشلة، وإغلاق لباب الاجتهاد، الذي أذن به الله للراسخين في العلم، استنباطاً من آيات الله وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:  ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه( ) .
    وحتى بعض الذين لهم مثل هذا القول من محبي الاقتداء، وأخذ ما عند الغير يفضلون في تطبيق القرآن: الأسلوب ( الأنجلوسكسوني( ) ) وفيه للقاضي حرية واسعة في الاجتهاد والتقدير..
    فإن الاجتهاد في نصوص القرآن أحرى أن يثري الفقه الإسلامي بثروة ضخمة، كما أثراها من قبل، حين اجتمع مع العلم تقوى الله، وحسن الخلق.
    فأدى العلماء في مجال الحكم والقضاء، والفقه، دورهم، وخلد لهم التاريخ جهدهم، واجتهادهم!
    وهكذا يبقى القرآن.. فوق أي دستور مؤلف، وفوق القانون.. مجالاً للاجتهاد، فيما يحتمل الاجتهاد، ثابتاً كالرواسي في أصوله، ومبادئه، وقواعده الكلية، مظلاً الأمة والدولة بظل الشريعة الحقة الوارفة..
    والفتنة هي: إحلال العقوبة المرافقة لزوال العدل، بفعل شؤم التقنين، وقد قزم وحقر وعطل إثراء الاجتهاد..
    وفي التقنين مدخل رئيس لرغبات الحكام وأهوائهم..
    ومعصية الآباء شؤم.. يحلق بالأبناء أثره، ولو بعد حين.
    كما هو شأن الطاعة:  والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء( ).. .
    وتقرير بركة الطاعة وشؤم المعصية ثابت التصديق عليه، وإقراره واقعاً لازماً ومتعدياً، في القرآن والسنة.
    وأنه الحق..  رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء، ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب( ).. .
    ودليل آخر: هو واقع فتنة عصرنا وقد ألم بنا شره، بفعل أسلافنا، وشؤم معاصيهم.
    وقد وقعت منهم ببعدهم عن الإسلام، وتخليهم عن العمل به، وهم يخادعون أنفسهم، ويعللونها بالأوهام، بأنهم أهل الإسلام، وحملة مشاعله، وما أدركوا تسببهم في إعادة غربة الإسلام كما بدأ..
    وهانحن نعيش في امتداد سوء عاقبة أمرهم.. وقد شمل نواحي الحياة العلمية، والعملية، والمادية كلها..
    ولا يزال الامتداد ليشمل نواحي أخرى.. ومنها: اجتماعية، وأخلاقية، وكلها فتنة.. أصلها بإيقاظ وراثة الملك العضوض.. وحكام طبائع الاستبداد..
    منذ أن فتح المسلمون الأمصار واستولوا على الممالك، واستقر السلطان في يد الخلفاء الأمويين..
    وصارت الخلافة وراثة، امتلأت خزائن الحكام والولاة بالأموال، وذهبت حاشية الخلفاء، والولاة، بنصيب الأسد من تلك الأموال، وظهرت بذلك في المجتمع الإسلامي طبقة موفورة الثراء، فشغلها ذلك بالدنيا عن الدين، على حين نظر عامة الرعايا إلى أنفهسم، فوجدوا أيديهم صفراً من المال، والسلطان، وعلى أثره من أصحاب المال والسلطان، فما وسعهم إلا أن يسلكوا:
    إما طريق المجاهدة من أجل الوصول إلى نيل ثقة الحكام، لإدخالهم مشاركين في الحظ والنصيب الموفور..
    والبعض وهو القليلون:
    آثروا الاستغناء والزهد.. وحسبوا عمل الحكام وتصرفاتهم الاستبدادية مسئولية، وبلاءً، وفتنة، محاسبهم الله عليها..  يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً( ).. .
    لكن الأكثرون..:
    لم يسعهم الدخول.. ولم يطب لهم السكوت على الظلم.. وهم ثلاثة أصناف:
    صنف امتلأ بالحقد والغيظ، والسخط على النظام.. وبقي كاظماً غيظه..
    وصنف كتب وألف، وجمع حوله الطالب، والراغب، وأدار رحى إثارة فتنة اختلاف الآراء الفقهية، والعقدية، حتى صير الناس أسرى لمذاهب وأهواء.. ولفرق ونحل شتى..
    وكأني بهذا الصنف لهو الصنف الداعي إلى النار( )..
    وكأن من أجابه من الناس قد قذفهم فيها.. وما أشبه فتنة المسلمين في المذاهب والنحل بالنار..
    فالخلاف يحرق القلوب، كما تحرق النار وارديها.. وكل فتنة عمياء هي من طبائع الاستبداد.. فما وقع منها ماضياً.. وما حاصله منها حاضر.. فباستبداد أوائل ميقظيها..
    وما يأتي منها مستقبلاً فعلى ما تصليه وتظرمه ولاءات دكتاتورية أنظمة الحال..
    وقد سوغوا لظلمهم بمبررات التزام حال الواقع.. وتطبيق قانون نظام الحكم القائم، على حرية التوليف، والتجميع والتكاثر.. حرية الأنظمة الديمقراطية شريعة الغاب.. باسم التقنين.. والقانون..
    إنها فتنة المستقبل.. ولا أبا بكر لها( )..
    إنها فتنة العدالة المفقودة وقد أقصاها القضاء المعلمن في ظل القانون الوضعي أو في ظل إخضاع الأحكام لتقنين الحكام المتنفذين حزبياً وقد فازوا بـ( 99,99% ) بعد الاقتراع السري وجمع الأصوات..!!
    وأخراهم كأولاهم..
     ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون( ).. .
    وقليل منهم سجل لهم التاريخ مزايا وحسنات طاب بها ذكرهم في الآخرين..
    ووعد الله المسلمين بفرج اليسر بعد ضيق العسر بقوله تعالى:  فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا .
    ولن يغلب عسر يسرين على ما ورد تفسيراً للآيتين عن الحسن قال: كانوا يقولون..
    ورواه ابن جرير حديثاً عن قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشر أصحابه بهذه الآية فقال: ( لن يغلب عسر يسرين( ) ).

    المحور الرابع:
    مستقبل عولمة الفكر ونظام الحكم
    إن حكام الأنظمة في البلاد الإسلامية والعربية، وقد تولدوا وصدروا عن مجتمعات الكراهية المتعاقبة، بما أنهم ليسوا الذين وضعوا أنفسهم في مكان الحكم، بناء على أهلية يتمتعون بها، ليست في غيرهم من أبناء مجتمع قومهم.. أو أنهم حصلوا على ذلك بالاختيار من بين الخيرة في المجتمع.. أو بالانتخاب الديمقراطي المدعى به منهجاً حراً مباشراً..
    وبما أن الواقع يؤكد أنه ليس وصولهم بهذا أو ذاك.. وإنما الذي أوصلهم هو الولاء لأجنحة التغريب التبشيري.. والمتابعة للفكر الثقافي الأجنبي.. واللهث المستجدي من جمع الجم الصهيوني.. ومن الحرص الرأسمالي الصليبي.. والركض وراء السراب الثوري التعميمي.. والجري خلف التحرر القومي العلماني.. وكلهم يبرأ عن تقديم خدمة للغير دون مقابل ودون إرادة منفعة أكبر، وأجل.. أو على حساب مكانة أبيه.. أو جده.. أو باستغلال جهد عامل مستور أو مغمور..  ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة . سورة آل عمران (161).
    وعليه فإن المنفعة هنا حاصلة بكفالة تنفيذ ما عجزوا عن تنفيذه، ضد الإسلام، عن طريق الاستعمار العسكري الطويل.. أو عن طريق التبشير المكثف والجاد، على مدى قرون..
    أحوال عمت البلاد الإسلامية لم تفلح ولم تنجح كما يراد لها..
    ولقد عقد الحكام الولاء مع ثالوث أجنحة المكر.. بكل إخلاص، حتى أفلحوهم، وأنجحوا خططهم، بدءاً بتعميم التغريب المشئوم، المتمثل في وضع المصطلحات والألفاظ الرنانة والبراقة.. المنطوية على أهم مقومات التضليل، والخداع، والمكر بالمسلمين، ليجلوهم وليلبسوا عليهم دينهم، وليبعدوهم عن التمسك بحقيقة الإسلام، عقيدة وشريعة ومنهج حياة..
    مثل: إعلان التزام التجديد، والتحديث.. والترويج لإحلال الانفتاح العالمي.. وبث الدعاية للحضارة الإنسانية.. وإعلان القبول بوحدة قرار التعايش السلمي.. ومحاربة التعصب.. ونبذ التطرف.. والتنديد بالأصولية.. ومناصرة حقوق الإنسان..!!
    وانتهاء بواقع إخضاع دراسة النصوص التشريعية الإسلامية، لطريقة التفكير الغربي، الرأسمالي، المطبع للواقع، والمتخذ له مصدراً للحكم، وليس موضعاً له، وجعل القياس في أخذ الحكم وتركه هو النفعية والمصلحية.. أو المنفعة والمصلحة.. وليس الحلال والحرام.. أو الحل والحرمة..
    وقالوا بواجب إعمال فقه الواقع.. وعملوا على تطبيق حال الواقع، وحسبوه فقهاً..!! وصاغوا عليه الدساتير، والقوانين الوضعية.. وأحلوا به حظر الربا، وأكل أموال الناس بالباطل.. وفحش الزنا بالتراضي.. وكفر الردة باختيار حرية العقيدة والتدين.. وأجازوا سياسة النفاق، المتمثلة في ليّ الألسن بالكذب، بالتقول بها على الله ورسوله..
    وحرموا بالواقع كذلك بعض ما أحل الله ورسوله، كتعدد الزوجات.. ورفض بعض ما أوجب الله ورسوله، كإلغاء الجهاد، وإنكار البراء من الكافرين، والظالمين، بالتزام ولائهم لهم مع الله، ومن دونه.
    أما معقبات العولمة فالترحيب بالأموال والأعمال الأجنبية التغريبية، ثم الأخذ بوصايا أربابها المؤكدة على ضرورة التعديلات القانونية، بهذا الخصوص، وفرضية الخصخصة، لمؤسسات الدولة، حتى يتمكن الغرباء الأجانب من شرائها، وإدارتها، وصولاً إلا تنفيذ أخطر غزو يفوق غزو التبشير، ويسبق أفظع تحد واقعه مر، على مستقبل الأمة الإسلامية.. ومهما تحقق فشل الشركات الحكومية والمختلطة والمؤسسات الاقتصادية العامة.. فسبب موت الضمير في حياة الشعوب.. واستراتيجية الخصخصة.. وفكرتها من منظمات البنك الدولي وصندوق النقد بالتآمر على الأمة مع الداخل صناع التحديات والعوائق في سلطة التنفيذ ونظام الحكم المستفيدين بالنسبة % ولو لم يتظللوا بمهلكات الطمع والجشع.. ولو لم يمتازوا بافتقاد الضمير وغلول المصلحة لما قبلوا ولا نادوا بمصلحة الخصخصة.. ولحرصوا على تنمية المصالح العامة.. وللتجارة الخاصة حريتها.. وتنافسها.. والفساد متحقق في وزارة تجار الجملة.. وحكام عائدات النسبة بالـ % والله المستعان.
    وبما أن مؤدى العلمنة وتحديها، واقع في هذا النوع المهم: فإنها كذلك واقعة في مجموعه خطايا أخرى، أهمها ما سنعرف.. موصوفة قريباً في فصول، تعني مظانها، وتستوحي مفهومها، ضمن مفاهيم قيمة تكون أعم وأشمل.. إن شاء الله تعالى.

    يتبـــــــع .....

  7. #7

    افتراضي رد: كتاب مدخل التحديات

    الفصل الثالث
    سيطرة سياسة التجويع وتحقيق تحطيم الاقتصاد
    ويخصه تمهيد وأربعة فروع:
    الفرع الأول:
    سيطرة البنك الدولي وصندوق النقد على مقدرات دول استعمارهما وما مدى مساهمتها في تحطيم الزراعة ووأد مستقبل التنمية والأمن الغذائي..؟
    الفرع الثاني:
    فرض سياسة التجويع وتقدير عاقبة أمرها.
    الفرع الثالث:
    تصويغ وتنظير مقومات المخرج ومشكلات التحدي في قانون ارتهان اقتصادي..
    الفرع الرابع:
    شهادة العصر على مسببات التصحر في اليمن الأرض السعيدة وتقرير مستقبل مكانتها الزراعية في مجموعة الدول العربية..
    سيطرة سياسة التجويع وتحقيق تحطيم الاقتصاد
    التمهيد
    هذا الموضوع واحد الأزمة السياسية أو أصلها المهيمن في ميدان المشكلة الاقتصادية، بين بقية المشكلات، وسائر الأزمات الروحية، والأخلاقية، والتشريعية، والفكرية، والاجتماعية التقليدية الشكلية..
    وإنه لأبرز خطوط التحدي المجازي، وبالأصح فإن تطبيق فاعليته وتعميم نجاحه المتوقع يعد أخطر خطوط ( معوقات ) المستقبل.
    وحاصل الاستكمال يعنيه: الوصول إلى فرض تعميم نظام البنك الدولي، الراغب في السيطرة على أموال الأمميين.. والمراهن على تحطيم اقتصاد دولهم، حتى يكونوا دمى في أيدي دعاة الشعب المختار..!
    والصورة القائمة في الذهن، والتي تم وضع موضوع هذا الفصل عليها، هي: ظاهرة سيطرة اليهود على مجمع الأحداث، في أصقاع الدنيا، سيطرة تمثل في ذاتها ووصفها النهائي المشيّع في جنازة مقتولة.. كما أن وسيلتهم لتحقيق السيطرة ابتداءً تمثل السارق المزاح.. فالمثل الأول واضح الدلالة، مفهوم المقصد، والآخر تعنيه مزايدة تقديم التسهيلات المالية التمويلية العينية والنقدية.. مصدرها البنك الدولي وصندوق النقد.. وسيلتا إحلال السيطرة القانونية على مجموعة الدول النامية والأقل.. والمتدهورة.
    ومحور النزاع في هذا الفصل واقع قيام التحدي بموجب تقنين إحلال السيطرة اليهودية على دول المجموعة محل استقلاليتها فيما لو كانت صبرت وأعلنت تقشفها دون التفات إلى قبول تسهيلات مرتبطة ببرامج اقتصادية باهضة التكلفة يتم تنفيذها بآليات تخدم الدول الكبرى صاحبة القرار.. إذ هي التي تفرض هيمنتها على موارد تلك البلدان القابلة بمزايدة التسهيلات.. وما من دولة قابلة إلا وستدور في فلك التبعية والتخلف الاقتصادي إلى حد الانهيار..
    ومهما يكن للنصارى نصب معوقات، بالتعاون مع اليهود، في مواجهة مستقبل المسلمين، إلا أن اليهود هم المسيطرون بعنصريتهم الشريرة، وأحقادهم الصهيونية العالمية.
    وقد جمعوا بين جاهلية الأصالة، وإلحاد المعاصرة، في الديانتين: اليهودية، والنصرانية، وما بينهما من النفاق البلشفي..
    وعليه: فحسبان القوتين: في وضع السيطرة، والاستعلاء، وواقع الهيمنة، أو وارد تأكده ضد المسلمين.
    إن اليهود بما لديهم من نصوص، يدعونها عن كتبهم المحرفة تعني: تمييزهم وتفضيلهم على من سواهم..
    وما خلق الآخرون إلا لخدمتهم، وليسوا إلا عبيداً لهم، ولا حق لهم في ملكٍ، ولا طيب عيشٍ، ولا ولايةٍ، ولا قوامةٍ، إلا في حدود ما يسمح لهم به أبناء الله وأحباؤه ( اليهود )..!
    ودعواهم عدم لحاقهم مسئولية ظلم الأميين، وتعذيبهم لهم، وتنكيلهم بهم، دعوى: مبناها على واقع التحريف، والتبديل، للكتاب الذي أنزل على موسى ( التوراة ).
    وصدق الله في قوله عنهم:  ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل( )..  الآية.
    وبما أن اليهود قديماً وحديثاً، وحرصهم قائم على حياة.
    كما قال الله تعالى ذلك عنهم:  ولتجدنهم أحرص الناس على حياة( ) .
    لذلك فهم لا يألون جهداً في إبقاء اقتصاد العالم بأيديهم، وفي تعليق الرغيف بحبال التجويع، ليضمنوا لأنفهسم خاصية الولاء والتبعية، والمودة المهولة بالتغريب في ثوب قشيب..
    وليكون بأيديهم قرار الخروج، والتنصل من أي التزام عليهم.. وقرار الإخراج للمسلمين وتغريبهم عن دينهم..
    ومهما بقي لمسلم قبسٌ من نور الاستقلال الذاتي.. فإنه يحب إلحاقة بالبلى، والخلق، وسقط المتاع..
    وحتمية النتيجة: خواء العقيدة، عن فارق الدين لدى المسلم بينه وبين الكتابي في الملتين اليهودية والنصرانية.. ثم حاصل واقع التبعية للمادية.. في مقابل سد رمق جوعة التابع المغبون.
    بهذا نخلص إلى تحصيل مضامين التفريع لهذا الفصل على ضوء ما صرح به العنوان العام.

    الفرع الأول:
    البنك الدولي وصندوق النقد فتنة على طريق مستقبل الاكتفاء الذاتي والتنمية الزراعية في البلاد العربية.
    هكذا نرى.. وحال الحاضر يعد لاستكمال عقد كيد الكافرين، المحسوب تحدٍ سافر.. على طريق مستقبل الأمة الإسلامية.. بواسطة تطبيق شروط البنك الدولي صانع الأزمات، وواضع التربصات بالمسلمين، وخاصة دول العالم الثالث..
    ويتمثل مسمى تحديه: في تحطيم العملة الوطنية.. وحظر زراعة الأرض الصالحة للزراعة، بأي نوع من أنواع المحاصيل الزراعية الأساسية السادّة للحاجة.. والكافية عن استيراد الأقوات من الكافرين، ثم فرضه على كل من يلتزم شروطه من المسلمين، وغيرهم: التزام عدم استيراد تلك الحاجات الأساسية، وما في حكمها، من دولة قُطْرِيّةٍ إلى مثلها..
    وأي دولة أخذت دورها في التعامل مع البنك والصندوق ثم خالفت بأن زرعت منتوجاً مشروط الاستيراد الخارجي إلى حد الاكتفاء وسد الحاجة والاستغناء عن البنك وغيره.. فقد استحقت فرض مقاطعة منتجاتها، وإعلانها: دولة إرهابية محظورة التعامل دولياً..!
    ولعل المثل: السودان تجاوزت في إنتاج الحد الأدنى من السكر ولعلها أفاضت بتصديره على بعض جاراتها العربية فما لبثت سوى أشهر حتى حظر ومنع بواسطة رقابة الاستيراد والتصدير..
    وهذا البنك والصندوق لا يترك الدولة المتعامل معها دون رقابة على المؤسسات الإنتاجية فيها إن وجدت.. وفرض اشتراكه في برامجها، وخططها المستقبلة.. واشتراط اللامركزية.. وإيقاع الدولة في بالتزام الخصخصة في عملية النصب والاحتيال والاستيلاء المبرر على مؤسساتها لصالح العملاء وتجار الاحتكار مقابل نسبة خاصة يستفيدها مأذون البيع ومن إليه..
    ولخصخصة المشاريع والمؤسسات الحكومية سلبية تسريح آلاف الموظفين وأكثر من ذلك أو أقل وكلهم سيفقدون ويحرمون وسيلة كسب عيشهم، وتزيد البطالة ويقل دخل الأفراد أو ينعدم..
    ومن مكائد البنك الدولي وصندوق النقد كذلك:
    إخضاع البنوك لحالة الطوارئ.. وجعلها أداة استنزاف للأموال النقدية، المخزونة في حوزة المواطنين.. والتحايل لسحبها من أيهديهم، حتى لا يكون التبادل سبباً في انتعاش حركة الأسواق المحلية، وفي سدِّ حاجة الأفراد، والأسر، دون ربا!
    أمثال استنزافها بإصدارات الأذون البنكية ( الخزانة ) مهما علل جدوى الإجلاب جهابذة الإغراب، فما مواعيدهم إلا كسرابٍ بقيعةٍ..
    وهم يفعلون كل ذلك وغيره.. وصولاً إلى إخماد الحياة التجارية في البلاد الإسلامية، وشل حركة العمل، وتحطيم البنية التحتية لأي حالة اقتصادية مشجعة.. وزيادة البطالة العمالية، وخلق التعاسة والبؤس الأسري، والفردي، والاجتماعي، غاية في التنكيل، وفرض سياسة التجويع.. لتحقيق التبعية وضمان الولاء.. بتأمين الرغيف.. ومنح كفاف العيش.. بشروط ضرب الذلة والمسكنة إيجاباً.. واتخاذهم بطانة سلباً..
    وهذا القلب العكسي للأمور، ما هو إلا نتيجة لإحلال تربصات وإيقاع سنن بالمسلمين، بُشِّروا بها منذ أربعة عشر قرناً، على لسان الصادق الأمين، خاتم رسل رب العالمين، محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
    حيث قال: ( إنكم ستغلبون، قالوا: أومن قلةٍ نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: إنكم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، لا يبالي بكم عدوكم ولينزعن الله من قلوب أعدائكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت( ) ).
    وليس هناك ثمة مدافعة تناكر، أو تقلل من فاعلية وجود حقيقة إحلال سياسة التجويع.. على واقع الحاضر، إلا أنها لم تبلغ الغسق..
    ولم تحلق عسعستها.. حتى الآن، وهي حلقة متوقعة الاكتمال، حاصلها من مسمى تحديات المستقبل، على طريق الاقتصاد الإسلامي، وصولاً به إلى الحضيض، والدرك الأسفل العميق.
    وإنه لواقع باليمن كيد البنك الدولي وتربصه.. وعلى القول بأن كان قد نجت منه ماليزية فتحسنت.. واستقر اقتصادها.. ومصر حررت نفسها من الخضوع المطلق لمطالب المؤسستين البنك والصندوق بالنسبة لتحرير الخصخصة والزراعة تقريباً.. ولو تمنعت عليهما السودان لازدهرت.. ولو أن أندنوسية احتاطت ما وقعت.. ولو كانت اليمن وياليتها اتعظت ولم تطاوع شروط المؤسستين وقد أنهكت محدودي الدخل برفع قيمة الخدمات.. وجنون أسعار الضروريات..
    وماذا على اليمن أو غيرها من دول العالم الثالث وقد عرفت هذا الاستعمار أن ترفضه حتى وإن تجرأ -متحدياً بقوته مغررواً- على إعلانها محاصرة التصدير والاستيراد أو محظورة.. الخ( ).
    فما ذلك إلا فتنة.. سحابة صيف.. أو مجرد إرهاب مكذوب.. فعدو المسلمين يعرف بـأن قوة المسلمين وشوكتهم في تحرير اقتصادهم بزراعة أرضهم على سعتها ووفرة مصادرها الاقتصادية مهما استثمرت من قبل أهلها وحكوماتها..
    لذلك فالتربص قائم والحذر شديد، والرصد معد، والكيد عظيم.. والعراقيل حاضرة بأنواع الأساليب..
     ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين . سورة الأنفال الآية ( 20 ) ثم هو كذلك -العدو- يدرك بأن أشد فعالية تحكم.. وأنجح ربط لمصايير الأمور.. وأنجع وسيلة لاستعمار العالم العربي والإسلامي هي: الأحوال الاقتصادية.. والمتطلبات الغذائية..
    لذلك فهو يحرص على أن تكون مفاتح خزائن الأرض بيده.. فَيُجَوِّعُ ويمنع متى شاء.. أو يغدق إن أراد تحدياً ونكاية.. لصالح استعماره.. والعرب والمسلمون كما قلنا هم أهداف التحدي..
    ويقولون بأن السودان وحدها لو زرعت قمحاً لكفت أفريقية كلها..
    ولقد كانت اليمن وحدها في شبة الجزيرة العربية: تغطي بمحصولها الزراعي، معظم سكان الجزيرة، بل عامتهم، على امتداد البحر الأحمر، والخليج، إلى نهاية الشمال..
    ويقول خبراء الزراعة عن اليمن: أنها صالحة لجميع أنواع المحاصيل.. ولو زرعت لكفت، وأغنت سكان الجزيرة العربية، وصدرت لغيرهم..
    لكن البنك الدولي يحرم على مواليه: زراعة القمح، وأنواع المحاصيل الزراعية الأساسية..
    ولقد علمت بأن وادي الجر، من عبس تهامة، كوادي حضرموت، وزبيد، وسردود، حللت تربتها في معامل كندة، والولايات المتحدة الأمريكية، وغيرها، فقرروا بأن تربة هذه الأرض، من أخصب تربة في العالم، صالحة لزراعة القمح..
    إلا أن يهود البنك الدولي وصندوق النقد لا يرضيهم وإنما يقلقهم تطور زراعة القمح والحبوب في أي بلد إسلامي كهذا، لأن اكتفاءه عن الاستيراد يحقق له الأمن كما يحقق له البراء من التبعية ومعناه الاستقلال والاستغناء.. وهذا خطره على إيجاب الولاء لدولة التصدير الأجنبية المتنفذة باحتكارها للأقوات والأغذية.. أهم وسائل إحكام الحصار الاقتصادي والضغط السياسي على أمة الإسلام، وبلاد الإسلام.. من عرب وغيرهم..
    واليهود لا يتوالون في إرهاق العالم الثالث بالديون في فتح مشاريع وهمية بإرسال خبراءهم عبئاً على الديون المقدمة قرضاً للمشروع بفوائد وقد عادت مرتبات للخبراء وبقي فشل المشروع وبقي القرض يتضاعف كلما تأخر التسديد.. رباً أضعافاً مضاعفة..
    ولا يسمح البنك ولا الصندوق بإقامة مشروع زراعي أو صناعي يثري البلد ويطوره ويغنيه..
    وأي مشروع من هذا النوع فإنه لا ينفعهما بل يضرهما ويزعجهما إلى حد محاربته وإفشاله ولو بالقوة..
    وأمريكة وأوروبة كفيلة العصف والقصف.. بكل تقدم إسلامي تحسبه مضراً باستراتيجيتها المتنوعة.. أو بإسرائيل، والتحويل المطلق لأمريكة تختار العقوبة والدولة المعاقبة أو النظام الرئيس أو الجمعية الخيرية أو الجماعة أو المنظمة أو الحرب أو الشخص أو الأشخاص.. وتختار الوقت والزمان.. حضراً ومقاطعة.. أو بضربة عسكرية.. أو باختيار صداقة ماكرة.. أو بطرح مساعدة خادعة.. أو بغير ذلك..
    والأمثلة على واقع تحكم البنك والصندوق وحرصهما على ولاية اقتصاد العالم كثيرة.. بل على تدمير اقتصاد العالم لصالح ما فيّاتهما اليهودية المحتكرة.. وإلا فلماذا نحارب ماليزية على نجاحها الاقتصادي .. والسودان على أنها بلد أرض زراعية.. لو استقر.. لكنهم لا يغفلون عن التربص به.. ووضعه في خلافات دائمة وحروب قائمة كلما هدأت عادت، بالتحريش والتحريض..
    وكل بلدان العالم الثالث مستعمرة ولو بنوع آخر.. وأي استعمار فغرضه الأعلى نهب الثروات.. وهذه اليمن تتحكم فيها حالياً ما فيا المؤسستين وتخضعها لشروط والتزام خطط ظاهرها النصح.. وباطنها المكر والتربص والخديعة.. أوصاف مانعة للنصح بزراعة الأرض الطيبة الكفيلة لأهلها بالاكتفاء والتصدير وقوة الاقتصاد..
    وفيها تهامة إلى حضرموت النخيل.. ونخيل الجاح وزبيد.. ومنطقة الجر المخصصة لشجرة المانجو فقط..
    وهذه وتلك توصف كلها  بلدة طيبة ورب غفور( ) . جديرة بحسد ما فيا المؤسستين (الصندوق والبنك ) ومنظمتهما اليهودية غير غافلة عن محاربة زراعتها، والمحاربة تتعدد وتتنوع وهي تستخدم وسيلة التسلل لإفساد الأرض الصالحة للزراعة من خلال إهداء السماد المحرق إليها أو عن طريق النصح باستيراده من بلد التصدير وقد صنع خصيصاً.. ( وما يهودي نصح لمسلم ).
    وصدق الله العظيم في قوله:  ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم .
    ولا يبعد أبداً في تقديري أن تعمد هذه العصابة اليهودية المافية إلى وسيلة أخرى تسمم بها الأرض، لتنهي من تربتها خصوبتها، وتبطل صلاحها، حتى لمثل هذه الشجرة المأذون مسبقاً بزراعتها.. وهي النخيل والمانجو..
    كما أحرقت خصوبة أرض مأرب، عن مجرد صلاحها لزراعة الحبحب ( البطيخ ) الذي كان بدأت زراعته إلى أن عانق الجودة واستوى..
    ولما نجح واشتهرت الأرض بزراعته.. حسدته هذه المافية..
    وتحينت فرصة الكيد بهذه الأرض الطيبة.. حتى تمكنت من تسميدها بالسم المحرق، وأنهت فيها خصوبتها إلى ما بعد عام ألفين..!
    ذلك ما بلغني علمه.. والواقع يصدقه.. بدليل أن ذلك المحصول الذي كنا بشرنا بكمياته الاستثمارية وأرينا خاصية نوعه كفاكهة صيفية عالية الجودة موفورة التغذية.. اشتهرت حتى شملها التنافس التجاري محلياً.. وخارجياً.. فماذا حصل..؟
    إن مافية اليهود لا يرضون للعرب حتى مجرد زراعة البقوليات وقد سبق علمنا بكيدهم لمزارع مصر، إذ أحرقوها بمثل هذه السموم..
    فمن من أمة العرب اليوم يعلم كيد الكافرين فيحذر..؟!
    ولقد تيسر لي مرة زيارة هذه الأرض الطيبة، أقصد منطقة الجر من عبس تهامة، فرأيت مزارع (غابات ) من هذه الشجرة ( فاكهة الصيف )، تظلل مساحة شاسعة من الأرض الحمئة وترابها اللظى المحرق صيفاً، فتحوله إلى واحات خريف، ومنتزهات صيف، وطقس ربيع..
     بلدة طيبة ورب غفور ..
    ومهما يكن معظم ملاكها من رجال الدولة.. والغلول فيهم.. والغبن منهم.. لأهلها –على ما حدثت- فقلت لا بأس..
    وقد أحسن استثمارها المالك الجديد، مما رغب في الشراء، وأهوى إليها أفئدة تجار الاستثمار، فحظي البيع، وارتفعت أسعار ما تبقى في أيدي الأصول..
    وإنها لتجربة جيدة، وبداية مشجعة، في إصلاح الأرض الواعدة بمستقبل اليمن السعيد.. ولو بعد استكمال الحلقة المرسومة للتحدي السافر، على مستقبل الأمة القريب..
    لكن سيأتي بعد العسر يسران.. والمستقبل للإسلام..
    ولن يشادّ هذا الدين أحد إلا غلبه.. ومن خاصمه قصمه..
    وما جرؤ مكذب على تحديه.
    أما يهود البنك الدولي، وصندوقهم النقدي، فسحابة صيف.. وما هم بمعجزين.. وما كنا لنلقي فشلنا على ألدّ أعدائنا.. وعلمنا سابق باستحالة نصحهم لنا، بل بدوام تربصهم بنا، وزيادة حرصهم على عرقلة مشروعنا، وإحباط تقدمنا منذ عرفناهم وعرفونا..
    كيف وقد حذرنا من كيدهم ربنا؟
    ولنا أسوة حسنة في انتهاج سنة نبينا وهو يدافعهم.. فيعاهدونه وهم يمكرون.

    الفرع الثاني:
    مقومات تحدي سياسة التجويع وتقدير عاقبة أمرها
    والحق أقول: أن الأمة العربية والإسلامية غنية بمالها، غنية بفكرها، غنية بعقيدتها، وأخلاقها وقيمها، غنية بسياستها الشرعية، غنية ومؤهلة لسياسة الدنيا وإحيائها.. وإقامة الدين، والعمل للآخرة، والجمع بين الأصالة والمعاصرة.. في حدود الضرورة الشرعية، والمصلحة المنضبطة كلما تمسكت..
    وما من مشكلة تواجه المسلمين إلا ولها حل، وربط من دينهم، وذلك ما نعني به: أن الإسلام يجب أن يغطي سائر شئون الأمة المسلمة، بداية ونهاية.. من الثرى إلى الثريا..
    ومهما يكن فالحذر لا يرد القدر..
    وسياسة التجويع قائمة وحالها جار في الترقي..
    واحتمال سيطرتها وارد.. إلى تحقيق مرادها..
    وإن غداً لناظره قريب..
    وحيث أن الأمة الإسلامية حتى الآن: لم ترغب أنظمتها في الحل حقيقة، مهما تغنت في إعلامها بلسان مقالها.. فإن إقرار حالها يُكذّب إعلانها.. وشؤم معاصيها باتخاذ الكافرين أصدقاء وهم أداة تحطيم وقمطرة إحباط وفتنة مستقبل، ونذير سيطرة، وأطماع استيلاء على مقومات المسلمين ومقدراتهم كالأكلة على قصعتها، كما أنهم حمّالات شر وأحفاد مكر وتحديات على طريق مسالك الخير والتنمية..
    وأنه مهما تبنى المسلمون خيار الاقتصاد المستقبل عن سيطرة أعدائهم ثقة بأنفسهم حالفهم الحل والحظ وعمهم الفضل.. وهم أمة المستقبل لهذا الدين.. خير أمة أخرجت للناس..
    وكما قلت أنها لا تنعدم حتمية الحل لو أرادت.. وقد تريد ولكن شعورها بالعجز، والإحباط يتجاوز قمطرة إرادتها. لأن واقعها المحيط بشخصها الذاتي.. وبنظام حكمها هو السبب الفاعل.. والحال رأي العين.. والواقع السيري يؤكد ما يأتي:
    أولاً:
    يؤكد المرارة التي تعانيها في سائر شؤونها..
    وحسبها أنها أصبحت أمة مهزومة الداخل والكيان، عدى أن تتوقع أو تتطلع إلى أن يكون لها وزن أو اعتبار، خارج ذاتها.. أو على أبعد من حدود دويلاتها المصطنعة.. أو المفروضة..
    ويقينها بعدم حسبان القوى العالمية لها كأمة..
    وهو كذلك..
    وفي هذا الظرف بالذات! يقول الفيلسوف التجديدي روجيه غارودي:
    إن مسائل الثقافة، والحوار بين الثقافات: يمثل انقلاباً جذرياً في علاقتنا الاقتصادية، والسياسية مع العالم الثالث، سيستطيع وحده أن يجعل الحوار الحقيقي ممكناً.
    ولإقامة علاقات مع العالم الثالث، ليس من شأنها أن تولد ردّات فعل استبعادية وأصولية، يستحسن تبني موقف معارض تماماً لموقف صندوق النقد الدولي، الذي يسود منطقه حالياً.
    فسياسة صندوق النقد الدولي هي: سياسة استعمار جماعي، للبلدان الغنية التي حلت محل الاستعمار القديم.
    فهي لم تعد تستوجب الاحتلال العسكري وسيطرة المتروبول مباشرة على الإدارة.. اللهم في حدود دعوى التحرير لفرض الديمقراطية المكذوبة..
    إذ أن وسائل هيمنتها هي وسائل اقتصادية بالدرجة الأولى: فهي تشترط لتقديم قروضها، ( فرض سياسة تكيّفية غايتها ضمان دفع فوائد الدين ) وإن برنامجاً ( تكييفياً ) يستوجب: تخفيض قيمة العملة، للحد من تشجيع الواردات، ولزيادة تشجيع الصادرات، إجراء تخفيضات تعسفية للنفقات العامة، لا سيما على الصعيد الاجتماعي، ولقاء المعونات والمساعدات للاستهلاك.
    ومن ضمنه الاستهلاك الغذائي، تحويل المنشئات العامة إلى منشئات خاصة، أو زيادة تعرفتها (كهرباء، ماء، مواصلات.. الخ ).
    إلغاء الرقابة على الأسعار ( إدارة الطلب ).
    وبكلام آخر: خفض الاستهلاك المحدود بسقف الأجور، تقليص التسليف، زيادة الضرائب ومعدلات الفوائد.
    وكل هذا يرمي إلى خفض معدل التضخم.
    إن صندوق النقد الدولي يشترط باستمرار ضغط الموازنات الاجتماعية لا يطالب أبداً في المقابل بخفض النفقات العسكرية.
    والحال لا يبقى سوى نظام عسكري لاستنزاف دماء الشعب.
    فالبلدان التي وقعت في أضخم المديونيات هي تلك التي عانت من الدكتاتوريات العسكرية: البرازيل، الأرجنتين، تشيلي، وهذه الأخيرة تسجل رقماً قياسياً: 1540 دولاراً للنسمة الواحدة.
    إن صندوق النقد الدولي بعد الاستعمار التقليدي إذ يفرض هكذا على بلدان العالم الثالث الفقيرة نموذجاً إنمائياً يرمي إلى جعل اقتصادها ملحقاً لاقتصاد البلدان الغنية وملبياً لحاجات نموها، إنما يجعل من تخلف ثلثي العالم نتيجة طبيعية لنماء الآخرين.
    فسياسة البنك الدولي تمثل سياسة الانتحار لكل من يتقبلها ويجري تطبيقها على واقعه من حكام العالم.
    إنها سياسة تمثيل المجاعة والإفلاس حتى على مستوى البلدان الغنية، مهما حطمت أسواقها بكيد البنك الدولي، أو باتباع سياسة صندوق البنك الدولي.
    وقد سبب مجاعة إفريقية، وحطم عملة غالبية العالم الثالث.
    إنه يضحك على عملائه بوعود إلغاء مديونيات بلدانهم التي أغرقها، وهو في طريقه لإثقالها أضعافاً مضاعفة.
    كما أن إلغاء الديون ليس هو الحل، وإنما الحل في انتهاج سياسة قروض معاكسة لسياسة صندوق النقد الدولي، من الناحيتين الربوية والعائدة بالمصلحة إلى البلدان المقرضة مهما كانت بدون فوائد، فهي تعطي بيد وتأخذ بأخرى، وشروط البنك هي الحالقة سواء لدين البلد المستقرض أو لاقتصاده، والقبول بشروط اليوم يعني الرضى بنتائج الغد، وإفلاس جيل المستقبل، والترصد لمجاعته، والواقعية تحتم إدراك النتائج المستقبلة لأي استثمار مشروط.
    ولقد غرقت بلدان العلم الثالث في الديون حتى الآن لأنها تقبلت واستبطنت وقلدت نموذج التنمية التي يشجعها صندوق النقد الدولي والبنك العالمي..
    إن مشكلة البطالة قادمة، بتفاقمها من جراء فتح الأسواق الحرة الكبرى تحت مبرر العولمة..
    كما أن أم كبائر العوائق والتحديات على طريق مستقبل الأمة الإسلامية قادمة على جناح القمر الصناعي المتصل بالعالم، وكما أن المزاوجة بين الصاروخ والذرة هي القاتلة رعباً في غياب العقيدة..
    ويبقى أنه لا حل لمشكلة في نطاق الفرقة أو التعددية الفكرية والسياسة الحزبية داخل أمة الإسلام.
    والحملة الأمريكية الصليبية للقضاء على الإسلام محسوبة في رفعها لشعار تدويل سياسة السوق، وشعار عولمة التجارة، والمعني بذلك إنهاء تدخل الدول في التجارة بوجه خاص، وفي الاقتصاد بوجه عام، ليخلوا الجو وتنفرد بسياسة العالم وتفرض التجويع والإفلاس على من سواها ليتبع، وهي تعلم أن من جاع تبع، ومن تبع اقتدى، وتخلى عن من سوى متبوعه عقيدة وشريعة ومنهج حياة.
    ثانياً:
    أن هذه الأمة تعلم بأن فيها من أبنائها من لديه حلولاً لكل مشكلة.. وعدة مخارج من كل أزمة.. وحقيقة قوة وتعزيز قدرة على بز وشل وإحباط أي تحد سافر يدعيه عدوها أو يقيمه أو يضعه في طريقها.. أو حتى لما هو موجود فعلاً فإن لديها ما به خلاصها منه وتغلبها عليه.
    لكن تبقى حائرة.. إلى من تسند قيادتها؟ وهي مقلدة من تعلم أنه يجهل أحوالها..!
    ومزكية من تراه يروي مصالحها، ومفوضة في مصيرها من جربت إهداره حقوقها.. الخ.
    حتى أضحت أمة تحمل غربة الزمان، ويتمثل فيها غياب الإسلام، ويعلوها وصف أمة التناقض والنكران.
    ثالثاً:
    لا يخفى عليها مجموعة الأزمات التي تعيشها، ولا تجربة الحلول المستوردة الفاشلة.
    وقد ثبت لديها نجاح ما قدمه الإسلام من نهضة عظيمة أحيا بها أمة السلف.. وأنهض بحلوله أحوالها الداخلية والخارجية على مدى ثلاثة قرون، بداية من قرن النبوة الخاتمة على صاحبها محمد وعلى آله أفضل الصلاة وأزكى السلام.
    إلى أن وقع الدخن في العقيدة، ثم في الحاكمية إلى الشرك في الولاء للكافرين، وإلى النفاق في البراء من المؤمنين.. وحتى واقع الالتزام والاتباع لسنة أهل الكتاب في الافتراق إلى شيع وأحزاب.. كل حزب بما لديهم فرحون.
    رابعاً:
    الأمة الإسلامية اليوم بيدها الثروة ( المال ) والمال عصب الحياة.. فهي تحوزه وتملكه، لكنها تسيبه وتهدره وتضيعه.. بل إنها لا تقدره ولا تحسن توظيفه.. وإنها لتتباهى وتتفاخر بتركه في أيدي السفهاء..
    وقد جعلت لهم القوامة عليه، وإن تعجب فالعجب أن سلمت نواصي أمورها إليهم..!

    الفرع الثالث:
    تقرير وتنظير مقومات المخرج في دائرة مشكلة التحدي الاقتصادي
    في مفهوم الموضوع إيجاباً أو سلباً، واقعه على طريق اقتصاد أمة المستقبل. إيجاباً فيما يعني تنفيذ الكافرين لكيدهم، وسلباً فيما يعني غفلة المسلمين عن دورهم.
    وبما أن المتوقع فعالية استكمال دور نجاح التحدي للأسباب القائمة المؤذنة بالبوار.. مهما استُمرئت واستمرت على حالها في هذه الأمة المتحداة في قرار إيجاد لقمة عيشها بفعل تبعيتها لعدوها وعجزها عن مجرد استفادتها مما تحمل..
    كالعيس في الصحراء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول
    إنها تضع يدها في يد من أخبرها الله عنهم بأنهم أشد عداوة للمؤمنين.. وهي تسلم نفسها راضية بدنوها لمودتهم ومقبلة أيديهم مدنسة بدماء المسلمين.. ومحتضنة ثقتهم ملوثة بتكذيب وتقتيل أنبياء الله أجمعين..
    وعلى ما تقرر.. فإنه يبقى ضرورة مواجهة بعض التساؤلات مثل: لقد ورد التصريح المقر بأن هذا النقد وهذا التحذير ليس حلاً.. وتقويمه في حدود إثارة الأشجان والأحزان، لا يعني سوى ندب الحظ، ثم تقرير زيادة الشماتة بالنفس والحال، والمطلوب كيفية المخرج.. فهل من بيان..؟
    والجواب أن أجمع معالجة وأبرز مخرج وأبلغ بيان: هو القول بأن هذه الأمة لا يعدم خيارها معرفة حلول مشاكل أحوالها، العامة والخاصة.. لكنها تعدم التوفيق لحقيقة التطبيق، المخرج لها من فتنتها وابتلاءاتها القائمة والقادمة..
    والواقع أن الحلول لجميع المشكلات: ليس ذلك هو المشكلة.. وإنما المشكلة حقيقة: هي قبول هذه الحلول..
    فالحلول كما قلنا سهلة وميسورة.. والمسلم المستوعب يدله عليها: إسلامه.. ويقدره على تقديمها: علمه وفقهه وإخلاصه.. يقدمها في حينها وظرفها عندما يكون التطبيق في انتظارها حتماً..
    يقول الأستاذ محمد قطب في كتابه رؤية إسلامية:
    فالأعداء المستعارون لا يريدون حقيقة أن يصلوا إلى حلول عملية، إنما يريدون فقط أن يشغلوا الحركة الإسلامية في مهمتها في الدعوة.. ولو عرضنا عليهم الحلول العملية فمن ينفذها؟!
    كيف ينفذونها ضد رغباتهم وأهوائهم ومقتضى حال طلبهم هو المناورة السافرة؟!
    قال: وها نحن نعرض عليهم حلاً عملياً لأزمة الغذاء في مصر والسودان.
    إن في السودان قطعة أرض من أخصب بلاد الأرض.. ولو زرعت قمحاً لكفت أفريقية كلها..
    ولكن المشروع يحتاج قبل ذلك إلى حكم إسلامي، في مصر والسودان معاً، يوحدهما في دولة واحدة، حتى تنتقل القوة البشرية الفائضة في مصر، إلى حيث تعمل في الأرض المستصلحة في السودان بغير حرج، ولا نعرة إقليمية، فتنتج من القمح ما يكفي إفريقية كلها، ويقيها تحكم الجبابرة في أقواتها.
    هذا حل عملي للأزمة الغذائية المستحكمة في كل من مصر والسودان، وهي من أكبر الأزمات التي تواجهها.. فمن ينفذه؟
    وأزيد على ما قاله الأستاذ، تأكيدي بأن الوحدة الشاملة هي الحل، على مستوى أفريقية، والجزيرة العربية، وما حولها من بلاد الإسلام..
    وهذا أقل ما هو مطلوب منا الدعوة إليه والمجاهدة فيه.
    ومهما لم يقتنع البعض أولم يستوعب إجمال القول بأن الإسلام مع وحدة دولته هو ممكن الحل.. والحق أنه هو الحل.
    كلما اتخذ كله منهج سير ونظام حياة.. والتزام عقيدة، وشريعة، وتنفيذ أحكام، على مستوى الحكومة والدولة والجماعة والأفراد..
    وحتى الآن لا يزال الكلام نظرياً والقول مجرداً.. تحفه أفعال الرجاء، والتمني، والتحسر.. الخ.
    ويوم يريد الله عز وجل ذلك ويأتي النصر يتحول القول إلى فعل.. والكلام إلى تطبيق وعمل. دون استخدام هذه الأفعال ولا أخواتها..
    وشرط الفعل والتطبيق العملي لأقوال الناس العملية عن حال مستقبل نجاح الحلول وأثرها الإيجابي على مجموع الأزمات وأنواع المعاناة..
    شرط ذلك: وحدة الإصرار، والإقرار..
    ولا يمثل هذا الوصف إلا دولة الوحدة الشاملة للأمة الإسلامية، وإلا عودة الخلافة الراشدة التي بشر بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: ( ثم تكون خلافة على منهاج النبوة.. ) والحديث أخرجه الإمام أحمد في مجمع الزوائد ضمن مجموعة أحاديث الملاحم والفتن.
    فالوحدة المنشودة هي الحل لكل المعضلات، والأزمات القائمة، أو القادمة، الاقتصادية وغيرها.
    ولو كانت هذه الوحدة موجودة وقائمة ما لزم حكام الاستبداد في البلاد الإسلامية التفكير في الاعتداء أو الاجتياح لدولة جارة آمنة.. كما فعل صدام حسين في احتلال الكويت صبراً.. أو قهراً.. ولا تحقق لقوات الكفر دخول الجزيرة العربية.. عنوة.. ولا كيداً وتربصاً..
    ولا كذلك تأسد الفأر.. ولا تنمّر الغراب ليحتل بيت المقدس.. ولا ما ذل وهان واستكان ملايين المسلمين بل مئات ملايين المسلمين.. وكلهم هزموا وفروا من وجه تأسد الفأرة وتنمر الغراب.
    ولقد احتل العلج جزيرة حنيش بإيعاز من إسرائيل وصفق عرب الجزيرة مع حكامهم شماتة في دويلة اليمن الخضراء، وقد خذلوها حتى صارت غبراء.. أو صفراء..
    تلك بعض مآسي لو.. وليت.. فكيف لو صدقت لو؟ لأمن من في الأرض كلهم على التو.. ولملكنا بر الدنيا وبحرها والجو..
    وكلما تربص به الأعداء للعرب الأمجاد وكادوا فالغرض الرئيس هو الوصول إلى فرض سياسة التجويع.. وتحطيم الاقتصاد على مستوى البلاد.. إلى حد تشريع عولمته..
    والقصد التفصيلي معلوم والغرض الإجمالي مفهوم على ما تقدم..
    وخلاصته تعني أنه لا حضارة ولا مدنية ولا جهاد.. في ظل حياة الفقر وزهو اضطهاد الاقتصاد..

    الفرع الرابع:
    شهادة العصر على مسببات التصحر في اليمن الأرض السعيدة وتحديد مكانتها الزراعية في مجموعة الدول العربية
    يقول أحد أعضاء السلطة التشريعية نائب رئيس كتلة البرلمان في المؤتمر الشعبي العام وهو ينتقد السياسة الاقتصادية للدولة اليمنية ومساهمتها في تحطيم الزراعة في اليمن وهي تتبع سياسة التجويع كما يريد لها أعداؤها وكيف يرى بأن اليمن بلدة طيبة زراعية وأيدي مواطنيه مفتولة وقادرة على العمل لإخراج اليمن من فقرها لتعتمد على نفسها لو صدقت نية سلطة التنفيذ..
    فهو يقول:
    ( اليمن بلد زراعي ويشتغل بالزراعة 80% من السكان وستظل الزراعة تشكل الأساس في اقتصادنا الوطني، وكل المعان من ذهب، وفضة، ونحاس، وبترول، وغاز.. الخ. كمياتها محدودة ولا بد أن تنفد في يوم من الأيام، لكن زراعة الأرض تبقى دائمة مادامت الحياة.
    بالزراعة نحافظ على الثروة الحيوانية ونصل إلى الأمن الغذائي بتوفر لقمة العيش مما نزرع في أرضنا من حبوب مع الألبان واللحوم والزيوت.. ) الخ.
    ثم يضيف وكأنه يتكلم باسم المجلس قائلاً:
    ( وقد أعلنا في خططنا للأعوام السابقة أنها أعوام الزراعة وفي كل لا بدلنا من خطة، ثم تنفيذ، ثم تقييم للنتائج فماذا جرى؟ )
    وهو في تقريره يشير إلى أن الذي جرى حسب علمي: فذلك هو: قرار الحكومة برفع قيمة الديزل كما سبق رفع قيمة البترول تبع ذلك حالاً: الارتفاع الجنوني لقطع الغيار تحدٍ آخر على طريق تحسين الاقتصاد مع عدم تسويق المحاصيل، إضافة إلى فتح الباب على مصراعيه لمحاصيل الحبوب المماثلة الأجنبية المدعومة أصلاً من تلك الدول الأخرى
    إن مزارعي تلك الدول محظوظون جداً فدولهم تدعمهم واليمن تدعمهم، ومزارع الحبوب اليمني لا يدعم فما هي النتيجة الطبيعية لهذه السياسة الاقتصادية؟
    بكل بساطة: الأراضي اليمنية تتصحر بفعل هذه العوامل والأسباب، علماً بأن زراعة الحبوب تكلف الكثير والكثير من الجهد والمال والمردود لا يغطي التكلفة لكن كل الدول التي تحافظ على أمنها الغذائي نجدها تدعم زراعة الحبوب بمختلف الطرق والوسائل حتى يظل الإنسان مرتبطاً بالأرض مهما كلفها ذلك وضمن سياسة اقتصادية حكيمة تحرص على أن تبقى الأرض معطاءة خضراء بل تتوسع الرقعة الزراعية حتى تصل إلى الاكتفاء الذاتي ثم الانتقال إلا تصدير الفائض.
    وهكذا فالكل ممن لهم صلة بالزراعة وبالأرض يرون أن حرباً غير معلنة موجهة للزراعة في السعيدة الخضراء وكم تنقبض النفس ويحس الإنسان بالغثيان وهو يرى أن كثيراً من الأراضي والأودية والمزارع أصبحت غبراء بعد أن كانت خضراء.
    بينما يقال: بأن الدولة تدعم مادة واحدة ( القمح ) بما يقرب من خمسمائة مليون دولار وكان بإمكاننا أن نوفرها من الأرض اليمنية المعطاءة مع غيرها من أنواع الحبوب لو أنها دعمت المزارع اليمني وصاحب الأرض بعشر هذا المبلغ الضخم ودعمت الريال اليمني ضمن خطة اقتصادية حكيمة.
    لقد قالوا لنا منذ أنعم الله علينا بالبترول أنهم جعلوا على البرميل نسبة معينة لصندوق يدعم الزراعة فأين يا ترى تذهب هذه الأموال؟
    وقالوا عن مساعدات وهبات من حكومات ومؤسسات في دول شقيقة وصديقة. فأين مردودها؟
    وأخيراً القروض لما يسمى بالتنمية الزراعية، أين تذهب؟
    إن الحقيقة التي لا مراء فيها، ونراها بأم أعيننا هو وجود نمو سكاني يصاحبه انحسار في الزراعة وبالأخص زراعة الحبوب، وأخشى ما نخشاه أن نفاجأ في يوم من الأيام وزراعة الحبوب في يمننا الحبيب قد غدت لا سمح الله في خبر كان ونصبح مرتهنين لأن لقمة عيشنا مما يزرع غيرنا لا سيما مع النمو السكاني المطرد.
    إن الأيدي الخشنة التي كانت تعمل في الزراعة وتحولت على مدى السنوات الماضية عن الزراعة إلى المدن أو إلى أعمال أخرى غير الزراعة تمثل مشكلة فإذا استمرت السياسة المتبعة حالياً وتحول من بقي عن الزراعة تتعقد المشكلة أكثر مع أن هذا التحول عن الزراعة مستمر وبصورة جنونية لأن كل العوامل تساعد عليه.
    هذا اليمن وعلمنا بواقع التحديات التي يواجهها ونحن أمة واحدة في مجموعة العالم الثالث إذ نواجه أعظم التحديات وواجبنا أن ننتبه قبل فوات الأوان وقبل أن ينشأ جيل لا تربطه بالأرض أية رابطة، صبرهم قليل، وأيديهم ناعمة، ولا يتحملون المشقة والجهد والعناء التي لا بد منها لزراعة الأرض.
    دول شقيقة يجب أن تكون قدوة لجاراتها رأينا كيف تشجع الزراعة وكيف تسهم بنسبة من التكلفة، وهي تختلف من دولة لأخرى وقد يصل ما تسهم به الدولة إلى 100% من التكلفة كالسعودية تدفعها نقداً للمزارع ولمربي الماشية.. وكذلك عمان دفع 50% هبة لمن أنشأ المزرعة وبدون وسطاء بل مباشرة إليه، مع مساعدته في تسويق محاصيله أو شرائها منه بقيمة عالية ليعيش من المردود الذي يحصل عليه مع حماية محاصيل الحبوب المنتجة محلياً من مثيلاتها المنتجة في الدول الأخرى بمختلف الوسائل.. وفي بعض الدول كالجزائر تملك الأسرة المزرعة جاهزة من وإلى ومع ذلك تهجرها مع أنها تلقتها هبة من الدولة لكنها تتركها وتذهب إلى المدينة لما في الزراعة من مشقة ومردود قليل.
    وإذا كان 80% من الشعب اليمني ارتباطهم بالأرض فأين سيعملون إذا هجروا الأرض أو هجرها معظمهم؟ لعدم قدرتهم على مقاومة تصحرها.. وتخلي الدولة عن مساعدتهم بعد أن أصبح المزارع لا يحصل إلى على ربع التكلفة التي أنفقها أو أقل أفلا تهجر الزراعة وتتصحر الأرض اليمنية المعطاءة بعد ذلك؟!
    والتحدي هو عدم اهتمام الدول المتمثل في إهمالها تسويق المنتجات الزراعية وتشجيع الاستيراد..
    ولو أنها شجعت المزارع بشراء منتجاته وتأمين مستقبلة في القرية والمزرعة لما احتاجت البلاد إلى الاستيراد بالعملة الصعبة.. ولتجاوزت ذلة الفقر بتأمين لقمة عيشها من خيرات أرضها..
    وأرض المسلمين غنية بالخيرات مهما استثمرت.. واستخدمت بالخصوص لصالح أهلها أغنتهم وأمنت مستقبلهم..
    وأستطيع القول معتقداً بأن اليمن من أخص بلاد الله وأصلحها للزراعة بكل أنواعها وأخص الحبوب والقمح بالذات، فهي لا تحتاج لأكثر من تشجيع الدولة لأصحابها على زراعتها بما تمدهم به من بعض الإمكانات العينية والوسائل الضرورية.. وستشغِّل كل الأيادي العاطلة عن العمل ولنا تجربة ناجحة مع قرار حظر استيراد الفواكه فما هي إلا سنوات حتى اكتفت البلاد وبدأت تصدر أنواعاً من الفواكه..
    ومن مضمنات تقرير النائب كذلك قوله: ( إن أمر هجر الأرض جد خطير، وعلينا جميعاً مسئولية حل هذه المعضلة والاهتمام بزراعة الحبوب ودعم المزارع اليمني ضمن رؤية مستقبلية نصل بها بعون الله تعالى خلال خمسة أعوام على الاكتفاء الذاتي في الحبوب من قمح وذرة وغير ذلك.. ) ا.هـ
    قلت إذاً فلنتدارك قبل فوات الأوان والله المستعان.. فهذه كتلة المؤتمر هي أغلبية في مجلس النواب.. هي التي زكت الحكومة لم يبق بها سوى الخروج في مظاهرة أمام مجلس الوزراء!! أو إلى رئاسة الجمهورية تطالب بتنفيذ التزام الحكومة أمام مجلس النواب.. حيث وقد أصبح التنفيذ أمر سيادي مرده رئيس الجمهورية.. فهو أدرى بالمصلحة وإليه يرجع الأمر كله..
    والحق أقول أنه لا يوجد التخلف إلا حيث يوجد الفقر -التخلف في كل شيء- والأمة المسلمة لا ينقصها شيء من الأشياء المادية.. ولا مابه توفر العينية.. وتحقيق رفع المعنوية.. ولا ينقصها عنصر من عناصر بناء الحياة زيادة على ما لديها من عظيم التشريع الإلهي به على سائر الأمم..
    إذن فلماذا التخلف الغامر لحياتها وكيانها؟ لماذا لا تزال عالة على عدوها في كل شيء حتى في عصى المكنسة..؟ وبلادها غابات.. وفي الحبل وأيدي ملايينها مفتولة.. وفي الفكر والعقيدة والسياسة والأخلاق.. وقد كانت خير أمة أخرجت للناس..
    إنها ما تزال تبعاً وعالة على عدوها ومستجدية منه، ليس فقط مجرد الضرورات بل حتى أحقر الكماليات.. وفي أبسط التفاهات لا تراها تكفي نفسها..
    أليس ما يتفضل به عليها أعداؤها هو شيء تافه وطفيف وقشور، في الأصل مردود عليها مما سرق منها وتم الاستيلاء عليه واستخراجه من خيرات بلادها العربية والإسلامية، مثل البترول والمعادن.. تسود عليها اليهود والنصارى.. ولم يعيدوا لأهلها من فيضها إلا دراهم معدودة.. يوظفها تجار القطاع الخاص استثماراً في بلاد القوم الذين تفضلوا بها.. بفعل الذين ظلموا أنفسهم من حكام الأنظمة في بلاد المنشأ الأم لتلك المعادن..
    وقد غلّوا تملكها لصالحهم الشخصي..  ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة( ) .
    وقليل من المردود يتم غلوله في شراء الأسلحة.. لا لإرهاب العدو اليهودي والنصراني.. لكن لإرهاب رعايا أيدي الغلول حكام الأنظمة الظالمي أنفسهم.. وهم قد دخلوا بالغلو.. وخرجوا بالفساد.. ولباس ثوب الغدر.. وأجلبوا لإرهاب دولة الجوار الأخت.. ومحاربة أهلها وإقلاق أمنها، وقد يكون اجتياحها وإذلال أبنائها المسلمين بإخراجهم من ديارهم.. وغداً الجزاء من جنس العمل.. وكما تدين تدان.. أو للثورات والانقلابات العسكرية الدموية الظالمة..
    وللأسف أن هذه الأمة وهي مجموعة أنظمة ذليلة حقيرة بعُرض قفاها.. تدعي أنها مستقلة.. وتفخر بأنها تملك إرادتها.. وتتولى زمام أمرها..؟!
    تدعي هذا مع أنه لا يسعها إلا أن تستقبل خاضعة ذليلة خطط الكافرين نحو التغيير إلى أسوأ الأحوال، يخص القضاء أولاً.. ثم التربية والتعليم.. والدعوة والإرشاد.. وخطط التنمية والاقتصاد.. والاستراتيجية الأمنية والدفاعية.. وإلغاء شرعية الجهاد.. الخ.
    كل هذا يراد بواسطة سن القوانين الوضعية الأهم وضعاً على طريق المسلمين.
    والحقيقة والواقع أنها لا زالت هذه الأمة أمة فوضى تعيش مرحلة التبعية وفقدان الذات وشتات الرأي وبلاهة التصرف وقلة الحيلة وهوان النفس واستسهال الإهانة وانعدام الإحساس والتألم.. وإن وعد التمكين لحق إلا أن أمته حتى الآن لم تظهر بعد لوصفها خليفة.. بالإيمان والتوحد.. لكن نواتها ساكنة.. في انتظار الوقت والحين.. والأمة مجموعة أفراد لهم محولات وإرهاصات إيجابية بين وقت وآخر..
    وهذه أحوال الخاصة.. أما العامة فلا يضيرهم أن يعيشوا ولو مع الهمل وشعارهم: هم مع من غشهم..!!
    والصنف الثالث:
    هم القادة والمسئولون في الدولة وأعضاء التنظيمات الحزبية.. ومنظروا السوفسطائية التي تجسد العراقيل بمنطق التنازع والدور المثير للشبهات والشقاق والنفاق..
    وهذا الصنف هو الذي وصفه الأستاذ الفاضل/ عبد الملك بن محمد الطيب رعاه الله ( بالخادع، والمخدوع وبالكل خادع والكل مخدوع( ) ).
    وهذا هو مفهوم منطق التنازع الدائر حول نفسه، كحيوان الأربع يدور حول رحاه..
    إلى هنا نخلص إلى موجز القول بضرورة حتمية الحل الإسلامي.. مهما أردنا لأمة الإسلام المخرج من فتنة البؤس.. ولباس الجوع والخوف.. وضيق العيش وانهيار الاقتصاد.. ومجاملة التحادث ومخادعة القول ونفاق السياسة.. الخ.
    ثم كذلك مهما أردنا لأنفسنا فيها أن نكون خير أمة تحقيقاً لوصف الله تعالى في قوله:  كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله( ) .
    ومهما رفضت الأنظمة العميلة الغاشية لشعوبها ورعاياها.. تطبيق وتنفيذ حلول الإسلام.. أو وقفت متحدية هيمنة الإسلام على شئون الحياة.. خوفاً من أن تقطعهم أحكامه، وتقاصهم تبعاتهم.. بموجب عدله وإنصافه.. على ما غلّوا واستبدلوا وظلموا من حقوق المسلمين الخاصة والعامة..
    مهما عملوا ذلك وبذلوا قصارى جهدهم في وضع العراقيل والتحديات: فإن غد المستقبل مؤذن ببز كيدهم وخصم تحديهم حتى لم يبق لهم إلا أحد الخيارين: الإسلام والتزام تشريعه لينجيهم.. أو الطوفان فيغرقهم بما ظلموا.
    وإن غداً لناظره قريب  وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون( ) .

    الفصل الخامس
    تعقيد سياسة نظام الحكم وتقشيب ثوب استبداد ولاته
    ويخصه تمهيد وفرعان:
    الفرع الأول:
    تشريع الديمقراطية في ميزان الإسلام وعاقبة أمرها
    الفرع الثاني:
    مستقبل اقتصاد الإسلام عن دائرة الحكم العام


    تعقيد سياسة نظام الحكم وتقشيب ثوب استبداد ولاته
    تمهيد
    إن أي أمة تفقد ثقتها بنفسها وبما تقدم ليومها أو تتوقعه لغدها.. فإنها تبدأ بتقبل المزاحمة على نظام حكمها حتى الوصول إلى تقبل المناقضة.. والرضى بإدخال المناقض.. والقناعة بالتزام الدعاية له.. وصولاً إلى غاية التنكر لمبادئ نظامها الإسلامي العظيم، عنوان شرفها إذ حكمته وعزها قروناً.. فكانت به خير أمة أخرجت للناس.. أصالة إيجابية في سلفها.. لكن في هذه: فليست إلا أمة افتقاد الثقة، بل هي أمة واقع طغيان المعاصرة، أو أمة السلبية في نفسها وفكرها، إلى درجة التقليد الساخر بفكرها وحالها..
    وإن حالها هو الذي يعنيه هذا التعريض الماقت في قول الشاعر:
    ومن يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام
    وقوله الله تعالى:  ومن يهن الله فما له من مكرم( ) . نص واضح الدلالة في مفهوم الإقرار باللدنية.. من قبل الذات الناكبة في هذه الأمة بفعل التقليد للأدنى أصالة في الانحطاط لتلحق به الذات الناكبة وقد والته لضعفها عن رؤية مكانة أمتها.. وبفعل نظرة الانبهار بظاهر المتبوع وقد وافق منهجه الأوار من النفس هواها في مقابل افتقاد الثقة لدى هذا التابع.. وقد قرر التخلي عن العمل بأخذ القوة نتيجة الإعداد المأمور به رهن الاستطاعة حيث لم توظف حتى تخلفت النتيجة وساد العكس شريعة الغاب المعاصرة الأوار.. المفهومة أصلاً كافراً يصدر نظام حكمه تحت شعار ( النظام الديمقراطي )..

    الفرع الأول:
    شريعة الديمقراطية في ميزان الإسلام وعاقبة أمرها عن واضعيه فصل الدين عن الدولة، وعن الحياة كلها، وهو جعل حق التشريع للإنسان المخلوق دون الله الخالق.
    إنها الإطار السياسي للكفر الرأسمالي، أي: نظام الحكم الذي تطبقه الدول الرأسمالية، والدول التي تسير على شاكلتها.
    وهي تعني عند معتنقيها أن يحكم الشعب نفسه بنفسه، بالنظام الذي يضعه لنفسه.
    وكثيراً ما يسمي الرأسماليون نظامهم بأنه ( النظام الديمقراطي ) غير أن هذه التسمية ليست صحيحة لأكثر من سبب.
    فالديمقراطية ليست من ابتكار الرأسماليين، وإنما سبقهم إليها الإغريق، كما أنهم ليسوا الوحيدين الذين طبقوها، فالاشتراكيون الماركسيون قالوا أيضاً: إنهم ديمقراطيون، وظلوا حتى النهاية يدعون أنهم يطبقونها.
    وأهم ما في الديمقراطية أنها تجعل المشرع الإنسان وليس الخالق.
    وهذا منطقي عند من يقول بفصل الدين عن الحياة، لأن معنى هذا الفصل جعل حق التشريع للإنسان ليس للخالق.
    فالرأسماليون في هذا لم يبحثوا فيما إذا كان الخالق قد ألزم الإنسان باتباع شريعة معينة وتطبيقها في حياته، بل لم يناقشوا هذه المسألة مطلقاً وإنما جعلوا الإنسان هو المشرع دون أي بحث.
    وبالنسبة للمسلمين، فإن هذا يعني أن يكفروا –والعياذ بالله- بكل الأدلة القطعية الثبوت والدلالة، وبينها الكثير من الآيات القرآنية، التي تلزمهم باتباع شرع الله ونبذ أي شرع غيره.
    بل وتعتبر من لايتبع شرع الله منهم أو لا يطبقه كافراً لقوله تعالى:  ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون( ) . أو ظالماً لقوله تعالى:  ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون( ) . أو فاسقاً لقوله تعالى:  ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون( ) ..
    فكل من لا يحكم بما أنزل الله منكراً حق الله في التشريع، كما هو حال المؤمنين بالديمقراطية، كافر بصريح القرآن لأنه ينكر آيات قطعية الدلالة، ومنكر القطعي كافر بإجماع فقهاء المسلمين.
    والكفار وعملاؤهم من حكام بلاد المسلمين وكل المنادين بالديمقراطية من المحسوبين على المسلمين، سواءً كانوا أفراد أو حركات يدركون أن الديمقراطية أساسها نبذ شرع الله، وإحلال الإنسان محل الخالق، ولذلك فهم لا يطرحونها على هذا الوجه، بل يقولون: إنها تعني أن يحكم الشعب نفسه بنفسه، وأن تعم المساواة بين الناس، ويشيع العدل، ويحاسب الحاكم، ويتعمدون عدم التطرق لنبذ شرع الله واتباع شرع مخلوقاته، أما باقي ما يقال عن الديمقراطية فليس له واقع فعلي.
    فالقول بأن الشعب يحكم نفسه بنفسه مغالطة كبرى ففي كل المجتمعات الرأسمالية الديمقراطية لا يحكم الشعب نفسه بنفسه، لأن هذه الفكرة خيالية، وإنما تحكمه فئة متنفذة، كما هو حال كبار الرأسماليين في الولايات المتحدة، والنبلاء في إنكلترا، وهما دولتان من أعرق الدول الرأسمالية الديمقراطية.
    وهذه الفئات النافذة في الدول الرأسمالية لديها الوسائل الكفيلة بإيصال من تشاء لسدة الحكم وللمجالس التشريعية، حتى تكون القوانين التي تسن والقائمون على تنفيذها في خدمة مصالحهم.
    وأما ما يقال عن المساواة، وعن العدل، وعن المحاسبة، فإنه كلام نظري ولا واقع له.
    ويكفي أن ينظر المرء لأمريكا زعيمة العالم الديمقراطي، ليجد أن المساواة والعدل والمحاسبة كلها انتقائية، يتمتع بها ويمارسها من لهم لون معين، أو منابت معينة، أو قدرة مالية معينة.
    وما عاناه ويعانيه السود والهنود الحمر، ومن هم من أصول لاتينية أو آسيوية ومن هم من غير البروتوسنت، أو ليسوا منحدرين من أصول أوروبية غربية، يكفي وحده للدلالة على أن ما يقال عن الديمقراطية نظري فقط، حتى وإن حصلت حالات شاذة بخلاف ذلك.
    ولهذا لا يجوز لمسلم أن يقبل الديمقراطية وقد علم بأن منشأها ومصدرها أصحاب الجحيم دعواهم فيها تشريع إطلاق الحرية الشخصية والجماعية في اختيار منهج الحياة واختيار نظام الحكم ديناً وعقيدة ومسلكاً على منهاج ونظام نظارها ..دعاة فصل الدين وحل ارتباطه بالدولة أو بالأمر والنهي في الحلال والحرام والقيم والأخلاق..تشريعاً حراً كحرية الرأي وحرية تداول السلطة والحال أنها نظام كفر تجعل للإنسان ماهو من شأن الخلق سبحانه.تلك هي حقيقة الديمقراطية في نظر مؤسسيها..لا أنها الشورى كما أقحمها علماء فتوى تبنيها..وقد سفهوا وحقروا معقول القول أو التصريح المقبول شرعاً بأنه يجب على كل مسلم إعلان نبذها والتصدي لكل من يروج لها وينضر حظها..في ميزان أمة المستقبل وهو مؤمن يدعي انتسابه إلى أمة العزم الأولى..خير أمة أخرجت للناس..وقدخلت..
    هذا التعريف الموجز أعني به هذه الأمة المعاصرة من أبناء المسلمين نسباً وصهراً هي التي تركت ثقتها بنفسها بعد سبات عميق في غمرات التفلت التربوي التعليمي والعملي على مستوى مجتمع أمة الكراهية، الرافض للدين عقيدة وشريعة ومنهج حياة، وعلى مستوى إمارات دولتها المتهالكة.. وقد هرمت بمرض الإقطاع الأميري الخاص على أطرافها.. واستمر الهرم إلى الإقعاد.. بعد أن انتقل إلى الرأس فأدار حول نفسه إسفافها ليجد تثبيتاً أو عمدة أو متكأ يسنده من حال الجسم الحامل المترامي.. لكن لم يجد إلا هيكلاً نخرا فخرّ من عليائه كجلمود صخر حطه السيل..
    ومنذ سقوط هذا الرأس الخليفة وقد كان الممثل للأمة المسلمة العظيمة قيادة وشعباً، لم تحظ بكيان يمثلها ولا استقلال يشرفها ولا محاولة خروج من أزمتها..
    وبقيت موتورة تتلمس سندا خارج قطاع سلفها –إنهم كانوا أفر إلى الله- فهي تطلب من غير ذي صفة مع أن من هي له يدعوهم إليه بقوله سبحانه:  يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد( ) . ولما بقيت ترتجي قوة وعزة.. من فاقد مغرور دون مالكها ومسديها.. فما برحت حتى وصلت في تقليدها لمن سواها حد الإفراط في التنظير والممارسة..
    وحالها أنها كلما قلدت أفرطت.. وصولاً إلى نهاية التعقيد في نظام حكمها وإلى أوج التغريب في ممارسة فكرها وإلى أبعد التنكر لمنهج حياتها، ورافع ذكرها ذو الجلال والإكرام على ما قرر ووجه سبحانه وتعالى بقوله:  أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها( ) .
    وإنه لعجب أن تتنكر له وهي أذكر أمة به وأزكى وأقوم قيلاً على ما قال سبحانه:  لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم أفلا تعقلون( ) .
    لقد صدقت هذه الأمة ما يطلقه دعاة التحرر من مسميات وصفية ظاهرها الوصم المستخف والمحقر.. ضد من يخالفهم.. وباطنها تعني من يرفض التناقض والمرونة واللين في العقيدة والسياسة والفكر والاجتماع! مجموعة من التحديات المقدمة على طبق التحرر والتجديد، وفهم الواقع، وفقه الواقع! والمدعى بها منقذة من تطرف الأصولية والرجعية الجامدة والمتحجرة، ومن التخلف الرافض للتطور والحرية والمعاصرة المتحضرة!!
    لقد صدقت حتى وقعت في التجرؤ على البراءة من الانتماء إلى أصالة سلفها..
    وهي تعلم أن إطلاق كلمة أهل الأصالة تعني أهل الحق الملتزمين بالإسلام عقيدة وشريعة ومنهج حياة.
    إن التعقيد واقع بعدم أدراك هذه الأمة المستسلمة للجمع بين الأصالة والمعاصرة، الجمع الذي تتحرك به من قاعدة الأصالة الثابتة إلى المعاصرة الحديثة، بفعل التغيرات المتطورة والمتقدمة المباحة والمشروعة..
    تحركاً يعني الاستفادة من كل جديد نافع، مضافاً إلى نظام الأصالة وتوجهاتها الثابتة ثبوت الجبال الرواسي.
    والأرض المعقل الأم لكل حي، فيها يعيشون، وعلى قطبها يحيون، ومنها يرزقون وفيها يموتون.
    فكذلك الأصالة بالنسبة للمعاصرة..
    إن متابعة نظام الحكم الديمقراطي وتقليد محدثيه ومؤصليه.. لا يعود موروثه السلبي.. على الأمة المسلمة بالفتنة الحزبية الولائية التنظيمية الضيقة.. فحسب بل إلى تقرير الفتنة في الدين، بالتزام برنامج نظام حكمها الوضعي ( أي نظام حكم الديمقراطية ) الرافض لتوحيد الحاكمية لله.. كما هو معلوم من واقع برنامج واضعيه، ومن منهج منظريه السياسي الفكري.. وقد ضمن لأحبارٍ تعميمه وتطبيعه ولحكام تطبيقه وإقطاعه.. في البلاد الإسلامية والعربية ضمن لهم كامل الامتيازات الشكلية والموضوعية، كما كفل لهم تقشيب خَلِقٍ وَرَّثَ حالهم الذاتي والوصفي، على مستوى القطاعات التوجيهية الفنية والعلمية، وعلى ما وعدوا بتحسين قبيح فعالهم، وتجميل سوء أعمالهم، وتزكية موبقات استبدادهم!
    وكلما أبعد بالشورى عن نظام الحكم كلما تقشب ثوب الاستبداد وطفح كيله مهما رقق أوله بآخره.
    تلك فعلاً هي أشد فتن المستقبل وأعظم تحدياته التكتيكية.. لواقع مفهومها الوضعي.. ولواقع المراوحة في إصدار قرار إنهاء غيبة نظام الإسلام.. ولظاهر التحايل في قطع إمداد غربته..
    إنه التأرجح بين القناعة بالإسلام وتطبيق أحكامه رضاً واختياراً عقيدة وشريعة ومنهج حياة في قطع الإمداد وإصدار القرار المنهي لكل غربة وغيبة في مقابل إكراه النفس وقصرها عن الظلم والبطش والعدوان، وإرغامها على التزام خطر المحرمات والقبول بأحكام الجزاء على المخالفات..
    امتثالاً لله ولرسوله أمراً ونهياً لقوله تعالى:  فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً .
    والحق الساطع الأبلج المعترف به من قبل الاتباع والأعداء لهذا الإسلام أنه ليس في العالمين قانون، ولا منهج، ولا برنامج علمي، ولا عملي، لدولة أو لنظام حاكم: أجمع ولا أشمل، ولا أنفع ولا أيسر، ولا أسهل تطبيقاً من نظام الإسلام، ولا من سياسة حكمه..
    ولا كذلك أدمث من أخلاق رجاله.. ولا أوسع علماً، ولا فهماً، ولا إدراكاً للمصالح والمنافع العاجلة والآجلة للأمة منهم.
    أيضاً ولا أجدر ولا أقدر على سياسة الحكم، ولا على إبداء الحنكة والفطنة وسرعة البديهة من أبناء الإسلام.
    وقد هيئوا أنفسهم للعمل الإسلامي، وخدمة أمته، على مستوى قرون الخلافة الإسلامية الزاهرة.. وحتى لا يزال الخير فيهم قائم، وإلى يوم الدين، على ما قال الصادق المصدوق محمد صلى الله عليه وآله وسلم: ( الخير فيّ وفي أمتي إلى يوم القيامة( ) ) أو كما قال صلى الله عليه وآله وسلم.

    الفرع الثاني:
    مما نشرته وحققت به دائرة معارف الفكر الحديث إثبات واقع نظام الإسلام وحقيقة منهجه التنظيمي.. فهو نظام المنهجي الكامل الرائد في تنظيم الحياة الوجودية للإنسان، عقدياً مع الله في الحاكمية والعبادة، وسياسية مع الدولة في نظام الحكم.
    واقتصاداً مع العمل، بما يستوعب ويجمع أطراف الحياة كلها.. وقانوناً مع الناس في المعاملات العامة.
    منهج يستمد أصوله من القرآن والسنة، ويلتمس أصول الشريعة الإسلامية المنزلة..
    ويتمثل هذا النظام في أصول عامة، وخطوط رئيسة، وأطر مرنة منضبطة حسب الضرورة والمصلحة الشرعية على مر الأيام من شأنها أن لا تعوق: ( الحركة أو التقدم أو التغيير ) التي هي سنة الحياة، في دورتها المتصلة التي لا تتوقف.
    كما أنها لا تتعارض مع اختلاف البيئات، والأزمنة.
    فهي تحمل صفة الثبات في إطاراتها العامة ، وتسمح بالحركة والتغيير في حركاتها داخل هذه الإطارات المرنة الواسعة القادرة على تقبل الإبداع، والإرادة البشرية وحرية التصرف.
    وهي متكاملة جامعة لشئون الحياة كلها في مختلف المجتمعات، والأمم.
    وهي أمور لا تخرج عن علاقة المرء بربه ( العبادات ) أو علاقات الأفراد ببعضهم ( المعاملات )
    و ( الأخلاق ).
    من أجل هذا اختص نظام الإسلام بضم الفكر القانوني والفكر السياسي والفكر الاقتصادي.
    فالشريعة الإسلامية اقتصاد وقانون وسياسة وعلاقات دولية.
    والنظام الإسلامي هو نظام جامع.
    ونظام الإسلام بأطرافه.. يختلف اختلافاً واضحاً وعميقاً عن أي نظام دولي رأسمالي، أو ديمقراطي، أو غير ذلك من الأنظمة الحديثة..
    وهو إلى هذا نظام متكامل في شئون الفرد والمجتمع، والعبادة والعمل والروح والمادة والنفس، دون انفصام.
    يتحرك كله في إطار أخلاقي شامل قوامه مراقبة الله وتقواه.
    وعليه فما كان للمسلمين أن يختاروا عليه منهج تنظيم زنيم، ولا نظام قانون مستورد سقيم.. لولا ما أصاب أمتهم الخلف من جراء غفلتهم الطويلة، واغترابهم عن دراسة الإسلام، وإمكان تطبيقه، على واقع العمل. مما سبب لهم واقع غيبته عن أخلاقهم، وسلوكهم ، وعن تنظيم أحوالهم السياسية والاجتماعية والتشريعية والفكرية.
    غاب عن واقع التزامهم عقيدة وشريعة ومنهج وحياة.
    غاب إلى أن سبب غباء وبلادة استحضارهم مقومات سلفهم العلمية، والعملية، وإلى أن أوصلهم غيابه إلى عدم التفريق بين التقليد لعدوهم، وبين المتابعة لخير سلفهم بين الدعوة إلى سبيل ربهم، وبين شن الدعاية المريبة ضد عزتهم بدينهم، وضد افتخارهم واعتزازهم بنظامه، وتشريعه.
    وافقوا واتبعوا الناعق والمنظر المرتاب، وجمَّلوا شأن قرار المستبد، والطاغي الرافض للهدى والحق، ودانوا له بالولاء.
    وما فتئوا يرغبون عن اتباع منهج الحنفاء..
    وقد استمرؤوا التنظير في شؤم تقشيب الاستبداد، وإقرار الاستعباد.. وأملوا تعظيم ارتباط الحكم بسياسة النفاق، وأرهبوا من لم يدن بتدوال سلطة حكم الشعب بالشعب.. الموجه بالاتباع لشر نفاثات عقد الديمقراطية المتحررة، من كل التزام تشريعي إلهي.
    ومهما ضاق الأمر اتسع ومعناه الفرج في مفهوم القواعد الفقهية العملية المعلومة من الأشباه والنظائر في الفقه الإسلامي.
    وفي القرآن الكريم يأتي التوجيه بمعلوم نهاية العسر وحتمية قطعه بيسرين على ما قال الله تعالى:
     فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا( ) .
    ولن يغلب عسر يسرين على ما قرر ابن عباس رضي الله عنهما( ).
    ومن ديوان السماع ( ما من عقدة إلا ولها حل ).
    وعقدة المستقبل هي واقع حال هراء المتابعة لسنن الكافرين على ما بشر به الصادق الأمين صلى الله عليه وآله وسلم( ).
    وإنه ليحصل بنهاية ملمات الضيق، وبكمال مطاف الهم، وبزيادة الكيل، وبطفح الزبد، إحراز خير المخرج، والظفر بعظيم الفرج..
    والمشار إليه هنا أنه متى وقع اكتمال عقد تعقيد سياسة نظام الحكم في بلاد المسلمين وأصبح فعلاً بمثابة المارد المانع من تطبيق نظام حكم الإسلام على أرض واقع الحال المستقبلي لأمته وحالهم العملي: يبحث صادقاً عن المخرج ويتلمس صحيح الحلول الموصلة إلى بر أمان تطبيق الإسلام، عقيدة وشريعة ومنهج حياة.
    ولقد سبق أن ضاق الأمر في إيجاد رجال دعوة وقادة فكر إسلامي يعتز به وهم يذودون ويناظرون بواقع تحرير نظام الإسلام: للعقول من السفه، وللقلوب من الدرن والران. وللأجسام من الاستعراض البهيمي. وللأفكار من التبعية لغير سبيل المؤمنين.
    ضاق الأمر في مواجهة الماركسية والشيوعية، وفي مواجهة البلشفة والتنقيح..
    لكن ما لبث الضيق أن انفرج، وانحلت عقدة الاغتراب الولائي للشرق ( للماو ) و ( استالين ) عقدة الاغتراب إلى ( بكين ).
    وقد كان اتخذها شباب العرب وشيوخ التجديد والتحديث وقادة التطبيع: ( قبلة ) يحجون إليها.
    بل لقد كانوا وصلوا بمسمى ( التحدي ) للإسلام إلى أوجه..
    وصلوا بالخذلان لنظام الإسلام إلى حد التنكر لتعاليمه وأحكامه.. وإسقاط رايته.. ورفع الراية الحمراء، والإشادة بدبها الروسي.. على مستوى البلاد والعباد، وفي مقام المحافل الدولية.. ونسوا الله، وحسبوا ذكره تخلفاً.. ووهابية.. وعمالة.. وأصولية..!!!؟
    عند ذلك ولما قيل ( بلغ السيل الزُبا ). هيأ الله لنصرة الحق. والإشادة بعالمية نظام الإسلام.. وصلاحيته لكل زمان ومكان.. وفضله بسبق جليل مكرمات العدل.. وحضارة الفكر.. وأن فيه جميع حلول الأزمات.. كما به المخرج من ضيق الدنيا إلى سعة ما ورائها.. وقيام وارف الدلالة على مكامن صنع الحضارة وجواهر المدنية.. مهما تنكر لتشريعاته حكام الأنظمة العرب..
    عند حاصل هذا ووقوع ذاك وحصول التطلع إلى قرب الخلاص وجدية طلب المخرج: انطلقت مرآة الغرب تفجر ينابيع الاعتراف بنور الإسلام.. على ما حققت به دائرة معارف الفكر الحديث..
    فهي تقول:
    وفي الوقت الذي كانت الشريعة الإسلامية تُحَارَب ويحول الاستعمار الأجنبي دون تطبيقها في بلاد الإسلام كانت دوائر الغرب تتحدث عن الشريعة الإسلامية ومعطياتها في تقدير كامل وقد ألقى ( عمر لطفي ) في مؤتمر المستشرقين في جنيف عام 1894م عن الدعوى الجنائية في الشريعة الإسلامية أعجب به الباحثون ( بوندجاردو ) و ( شارل مير ) الذي قال: اسمحوا أن أنصح لجميع المسلمين في شخصهم أن لا يطلبوا مستقبلهم في تقليد النظامات الأوروبية والمسيحية فاطرحوا هذه النظامات أمعنوا النظر في مشهد ما نحن فيه من الفوضى الخداعة واطلبوا من دينكم الذي هو أسمح دين وأكثر مساواة مفتاح مستقبلكم ولا تفضلوا أن تستعيروا منا الاكتشافات العلمية( ).
    وقالت المجموعة الشهرية لمقارنة الشرائع:
    يجب أن يكون من سعد الطالع أن مشترعاً عربياً من قدرة عمر لطفي يتفضل بأن يأخذ على عهدته تعميم معرفة تلك الشريعة العسيرة المنال في فرنسا بأن عرض علينا قواعد المرافعات الجنائية الجاري العمل بها على مذهب أبي حنيفة، وقال ( فرنان داجين ): إنه يكاد الاعتقاد السائد في فرنسا.. أن حرمة المسكن لا تشغل في تقنين الإسلام إلا مكاناً حرجاً بينما أن الشريعة الإسلامية تحرم مثل ذلك الانتهاك تحريماً مطلقاً.
    ويذكر المؤلف أن الإسلام يحرم على كل شخص أن يدخل بيت الآخر بغير رضاه إلا في أربع حالات:
    ( الأولى ) إذا كان مرخصاً له الدخول فيه عادة.
    ( الثانية ) إذا دعي إليه فإن الدعوة تساوي الإذن بالدخول.
    ( الثالثة ) في حال حريق أو فيضان أو ارتكاب جريمة.
    ( الرابعة ) إذا كان البيت مفتوحاً للأفراد كالحانوت والحمام.
    وكل من ينتهك حرمة مسكن يستحق التعزير، والتعزير هو: عقاب ( لكل جريمة ليس لها حد ).
    كذلك كشفت الأبحاث الإسلامية التي أعدت في البلاد الغربية عن كثير من معطيات الشريعة الإسلامية في مجال القانون العام( ).
    من ذلك ما توصل إليه الإمام ابن القيم بما يسمى: ( نظرية المنفعة في أعمال الفضولي )، ومبدأ حرية التعاقد، ومبدأ تقرير قيمة الشهادات، وعدم تجزئة الأفراد، وفسخ عقود الديون، ومبدأ تغير الأحكام بتغير الزمان والأمكنة والأحوال.
    وتلك في قوانين عرفها الغرب في السنوات الماضية بينما كشف عنها ابن القيم قبل ذلك بأكثر من ستمائة عام.
    كما كشف في العصر الحديث عما توصل إليه الإمام الشاطبي بما يسمى: ( نظرية التعسف في استعمال الحقوق ).
    وقد أثبت الدكتور محمد فتحي في أطروحته الفرنسية بعد تحليل وتفصيل دقيقين أنه يجب منع الفعل المأذون به شرعاً إذا لم يقصد منه فاعله إلا الإضرار بالغير.
    وقد علق العلامة ( كيلر ) العالم القانوني على هذه الرسالة فقال:
    لقد كان علماء الألمان يتيهون عجباً على غيرهم في ابتكار نظرية الاعتساف والتشريع لها في القانون المدني الألماني.
    أما منذ عام 1717م وقد ظهر بحث الدكتور محمد فتحي وأفاض في شرح هذا المذهب عند رجال التشريع الإسلامي فقد ظهر أن رجال الفكر الإسلامي قد تكلموا طويلاً فالأجدر بالعلم القانوني الألماني أن يترك مجد العمل بهذا المبدأ لأهله الذين عرفوه قبل أن يعرفه الألمان بعشرة قرون. وأهله هم حملة الشريعة الإسلامية.
    ومن ذلك قول الدكتور ( شيرل ) عميد كلية الحقوق بجامعة فيينا في مؤتمر الحقوقيين عام 1917م: ( إن البشرية تفخر بانتساب رجل كمحمد إليها إذ أنه رغم أميته فقد استطاع قبل بضعة عشر قرناً أن يأتي بتشريع سنكون نحن الأوروبيين أسعد الناس لو توصلنا إلى قمته بعد ألفي عام ).
    وقال الدكتور ( أتريكو أنسيانو ):
    إن الشريعة الإسلامية تفوق في كثير من بحوثها الشرائع الأوروبية بل هي التي تعطي العالم أرسخ الشرائع ثباتاً.
    ويقول ( لامبير ) الفرنسي:
    إن الكتب والمؤلفات الموضوعة في الشريعة الإسلامية كنز لا يفنى ونبع لا ينضب وأن خير من يلجأ إليه في هذا العصر الحاضر هو البحث فيها حتى يعاد لبلاد العرب هذا المجد العلمي.
    ويقول: ( سانتلانا ) في كتابه عن الفقه الإسلامي المطبوع عام 1899م:
    إن الفقه الإسلامي يكفي المسلمين في تشريعهم المدني ألم نقل إن في ذلك كفاء للإنسانية كلها.
    وقال المستشرق فمبري:
    إن فقهكم الإسلامي واسع جداً إلى درجة أني أقضي العجب كلما فكرت في أنكم لم تستنبطوا منه الأنظمة والأحكام الموافقة لبلادكم وزمنكم.
    وقال ( هو كنج ) الأمريكي أستاذ الفلسفة في جامعة هارفارد:
    إني أشعر بأني على حق حين أقدر أن الشريعة الإسلامية تحتوي على جميع المبادئ اللازمة للنهوض، وأن نظام الإسلام يستطيع توليد أفكار جديدة وإصدار أحكام منسقة تتفق وما تتطلبه الحياة العصرية.
    إن نظام الإسلام ذو قابلية للنمو والتطور بل إنه ليفضل في هذه الناحية كثيراً من النظم المماثلة.
    وقد انتقل هذا التقدير العالمي من أساتذة القانون الأوروبيين بعد ذلك مرحلة أخرى حين عقد مؤتمر القانون الدولي المقارن في لاهاي الهولندية عام 1937م الذي قرر ما يلي:
    ( أولاً ) اعتبار الشريعة الإسلامية مصدراً من مصادر التشريع العام.
    ( ثانياً ) اعتبار الشريعة الإسلامية حية صالحة للتطور.
    ( ثالثاً ) اعتبار التشريع الإسلامي قائماً بذاته وليس مأخوذاً من غيره، وهذا القرار ينفي الاتهام الذي ردده خصوم الشريعة الإسلامية والمستشرقين من أنها تأثرت بالقانون الروماني.
    ثم أصدر المجمع الدولي في للحقوق المقارنة في كلية الحقوق بجامعة باريس المنعقد تحت اسم ( أسبوع الفقه الإسلامي ) عام 1951م: قراراً جاء فيه:
    ( أولاً ) إن مبادئ الفقه الإسلامي لها قيمة حقوقية تشريعية لا يجارى فيها.
    ( ثانياً ) إن اختلاف المذاهب الفقهية ينطوي على ثروة من المفاهيم والأصول الحقوقية هي مناط الإعجاب وبها يتمكن الفقه الإسلامي أن يستوعب لجميع مطالب الحياة والتوفيق بين حاجياتها.
    وقال نقيب المحامين السابق في باريس:
    أنا لا أعرف كيف أوفق بين ما كان يحكى لنا عن جمود الفقه الإسلامي وعدم صلاحيته أساساً تشريعياً يفي بحاجات المجتمع العصري المتطور وبين ما نسمع الآن من محاضرات ومناقشات تثبت خلاف ذلك تماماً ببراهين النصوص والمبادئ.
    وقال مقرر المؤتمر:
    إن المبادئ الإسلامية قد سمحت للحقوق بأن تستجيب للرغبات التي تتطلبها الحياة الحديثة وأن المناقشات أوضحت بجلاء ما للمبادئ الإسلامية من قيمة لا تقبل الجدل وأنها تضم أشرف النظريات القانونية والفن البديع.
    وكل هذا يمكنها من تلبية جميع حاجات الحياة العصرية.
    وفي عام 1968م عقد المؤتمر الدولي للقانون والتنمية الاقتصادية الذي قرر:
    اعتبار الشريعة الإسلامية مصدراً لجميع التشريعات العربية لما امتازت به من مرونة كبيرة.
    وخلاصة القول لهذا التقرير في هذا الفصل:
    أن أنظمة الحكم القائمة في البلاد العربية والإسلامية حالياً مستمرة في طريقها إلى نهاية وضع العوائق ومسمى التحديات على واقع غد مستقبل الأمة الإسلامية..
    وذلك بما تتبع وتقتدي وتقلد فيه وافدة النظام الغربي الحابل بالتناقضات والرافض للتشريعات الإلهية والإفصاحات النبوية على مستوى جميع التوجيهات العقدية والعملية العبادية.. القولية والفعلية.
    وفتنتهم في أنهم يعتقدون بتقليدهم أنهم يحسنون صنعاً..
    وأمهات التعقيد والعوائق في مسماهم لما فيه انفراج.. ولما هم عليه ابنلاج!! ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يقتدون( ) )!
    والمتوقع حسبان خلفهم لهم أنهم على شيء فيردونهم وقد ألبسوا عليهم دينهم..
    وفي نظام الحكم يعظم الخطب على المسلمين أن يكون ولاؤهم لغيرهم.. وقد عطل حكامه أحكام الشريعة فيهم.. وشرعوا لهم ما لم يأذن به الله..
    وضيق الغد وانغلاق وجه العبس إيذان بالفتح في الغد.

    الفصل السادس
    إيقاع التزام الولاء وصدق البراء في غمرات موبقات الحداثة والتجديد على ذمة تصديق التزام عمومية فقه واقع الحال
    ويخصه تمهيد وفرعان:
    الفرع الأول:
    التخذيل وأثره النفسي على التزام الولاء وصدق البراء..
    الفرع الثاني:
    فلسفة متابعة الواقع والتنظير للحداثة والتجديد خطرها وأبعاد تحدياتها المستقبلة..


    إيقاع التزام الولاء وصدق البراء في غمرات موبقات الحداثة والتجديد على ذمة التزام العمومية فقه واقع الحال.
    تمهيد
    لقد هزلت براءة جيل اليوم الحاضر.. حتى استكانوا ووهنوا.. وقد أصابهم ما أصاب مردة عباد الهوى وصناع الغواية من ضيق الضرع بإسداء حقيقة الولاء لمستحقها دون ما سواه..
    ولو صدق فيهم البراء لتحقق لهم الولاء وفازوا برضى موصوفه..
    ولو صدقوا ما عاهدوا الله عليه لاتبعوا طريق الفرار إليه سبحانه، ولسلكوا منافذ الخروج من واقع موبقات مسمى تحديات الأضداد.. وإنها لحق تعني مكائد وتربصات على واقع الحال صنعها الأعداء معوقات وضعوها في الأصل العددي رابوعاً عنت التخلف والاستغلال والاستبداد والتبعية.
    ولما لم تشعر الغبراء بتحرك فلذاتها -مسمى جيل الغد- أحياءً على ظهرها سلمت أعين الدبادب البصراء وعممت حكمتها الفاصلة على عوراء الأناسي من دعاة حملة الإسلام..
    وهم حمالة ثقل الانهزام.. جرت سنة الكون بأن زاد عليهم عدوهم ثقلاً فوق حملهم للرابوع ثالوثاً هو التخاذل والتمزق والتسيب.
    ولقد أغنى سمعي من أمثال العامة بالخصوص قولهم:
    ما أشبع من سبع، ولا عز من أوغل فأطمع:
    وهم يقصدون اجتماع السبعة. وعقيدتي:
    اللهم لا طيرة.. ولا هامة..
    وشؤم السبعة في ظاهروقوعها تحديات على طريق الأمة الإسلامية.. ثم في واقع مفهوم تحريرها موصوفة بهموم شباب الصحوة في مواجهة تحديات العصر.
    وهي في مفهوم باطنها تعني حصر توقعات التحدي في هذه المجموعة الناتجة عن تخلف البراء وانحراف الولاء.. بفعل التزام فقه واقع الحال الحداثي المردي بمفهوم التجديد الشرعي المطلوب بدليل السنة:
    ( إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها ) رواه أبو داود والحاكم وغيرهما بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه.
    والحق أنه لم يسبق لأمة آمنت بربها وهي تتقيه ثم تدعي فقهها للواقع وفهمها له على خلاف حده وواقعه أو أنها تقصد بفقهها للواقع متابعة واقع الكافرين أو الفاسقين..
    لكن في هذه الأمة وجد من يصرح بلسان حاله ومقاله على أن فقه الواقع هو تجديد المتابعة وأنه يعني تحديث المفاهيم الشرعية على ضوء المستجدات الفكرية لكل عصر وأمة.. وجوباً مؤسلماً!!
    وعليه فإن التزام هذا المفهوم ومتابعته يضع أعظم التحديات على طريق أمة المستقبل المنشود المحتوم..
    ومن ذلك دعوة التجديد هذه والتي جاءت بداية في ثوب الكلاسيكية المعني بها واقع الحداثة مهما كانت حقيقتها القدم والأصالة الممتدة من نظرية المحاكاة التي أطلقها أرسطو الأب الروحي للحضارة الغربية إذ أنها من أول المذاهب الفكرية ظهوراً في الغرب..
    وكما قال إحسان عباس في كتابه فن الشعر:
    ( فإن الكلاسيكية تؤمن أن الإنسان محدود في طاقته، وأن التقاليد يمكن أن تكون ذات جوانب حسنة جميلة، فهي تمثل دائماً إلى التحفظ واللياقة ومراعاة المقام.
    والخيال الكلاسيكي خيال مركز مجند في خدمة الواقع).
    ثم تطورت وتقشب ثوبها الحداثي التجديدي بإنشاء المدرسة الرمزية الغربية التي جعلت تخرج رموز الحداثة الفكرية الداعية إلى تجديد الفكر الإسلامي، وتجديد أصول الفقه، وأصول الحديث، والدعاية إلى تجديد الأحكام الشرعية العملية بتطويع أدلتها التفصيلية حتى مسايرة واقع الحال، وإمكان تمشيها مع تغاريب العصر المعاش زماناً ومكاناً وحاضراً..
    وتعهدت هذه المدرسة بمنح كل رمز وخريج فيها إعطاءه أعلى الشهادات الأكاديمية في هذا المجال المتحرر الثائر على كل قديم وأصيل أنتجه الفكر الإسلامي والفقه الإسلامي..
    كما تعهدت بنشر ذلك مذهباً فكرياً على مستوى البلاد الإسلامية..
    وبقيت ضامنة لكل رمز فعال أو منظور مغوار.. كامل الرعاية والعناية ووافر الدعاية تشجيعاً له ولأمثاله من المقتدرين المقتدين المنفذين.
    يقول الدكتور محمود الطحان في كتابه "مفهوم التجديد بين السنة النبوية وبين أدعياء التجديد المعاصرين" يقول وهو يبين الفرق:
    إن المراد بالتجديد الوارد في نصوص السنة هو:
    بيان ما اندرس من معالم السنة، ونشرها، وحمل الناس على العمل بها، وقمع البدع وأهلها، والعودة بالمسلمين إلى ما كان عليه الرعيل الأول من المسلمين، على يد الخلفاء الراشدين، أو على يد عدد من المصلحين، كل واحد منهم في ناحية، أو على يد جماعة تقوم الاعوجاج الذي حصل، لتنفض الغبار الذي ألم بواقع المسلمين من انحراف عن منهج الله القويم.
    ويكون ذلك كل مائة سنة من الزمان، لأنها مدة طويلة يعود الناس فيها إلى الاعوجاج، وتظهر في تلك المدة الانحرافات عن دين الله سبحانه.
    قال: أما مفهومه عند فئة من المعاصرين فيختلف.
    حيث جعلوه دعوة ظاهرها الرحمة وباطنها من قبله العذاب.
    إذ أنها دعوة لهدم الإسلام والتفلت من أحكامه ونظمه والثورة على تراثه الفقهي لكن بدون مواجهة التيار الإسلامي ومعاداته وإنما بالمشي معه لكن بلبوس إسلامي جديد أطلقوا عليه دعوى إصلاح الإسلام وتجديد أفكاره وأحكامه، وهي طريقة خادعة تجذب بعض الخاوين من الثقافة الإسلامية والعلوم الشرعية وتضلل بعض الشباب الذين لديهم عاطفة دينية وليس لديهم اطلاع على العلوم الإسلامية، لا سيما إذا كانت الدعوة مليئة بالمغالطات، وعلى أيدي من لهم سابقة عمل في الحقل الإسلامي، أو على أيدي من لهم تخصص موصول بحاجات الناس السياسية والفكرية.
    الفرع الأول:
    التخذيل وأثره النفسي على التزام الولاء وصدق البراء.. وانعكاس تأثيره والبالغ هماً حاضراً ونظرة مستقبلة
    ولهذا وذاك في ظل التخذيل وأثره الفعال في فرقة المسلمين تولدت مجموع هموم الأبواب السبعة تحديات على نافذة الجحيم، في مقابل التزام الولاء وصدق البراء..
    وإنها لأصول تحديات مجازية صاغتها الهموم في الصحوة الإسلامية من بنات أفكار الداعية الإسلامي الدكتور يوسف القرضاوي رعاه الله، ثم من شحذ همة الدكتور سعد الدين إبراهيم وترتيبها على ما سبق به الإجمال لكن نحفيها بشيء من البيان، ثم نورد عليها تعقيب النظريات الموصوف أنواعها بالعلاج أو الحل المقدم لذاتها وفي سبيلها.
    وإنها تشير إلى ترك متابعة واقع حال أمة الحاضر..
    1- هم التخلف المزري الذي يجب أن تتحرر منه سعياً إلى التقدم والتنمية
    2- هم الاستغلال أو التظالم الاجتماعي الذي تئن تحت أثقاله الفئات الضعيفة، والكادحة، وواجب المسارعة إلى علاج ذلك، تحقيقاً للعدالة الاجتماعية.
    3- هم الاستبداد والطغيان الداخلي، الذي أصبح شراً من الاستعمار الخارجي، ووجوب مقاومته، سعياً إلى الحرية والشورى.
    4- هم التغريب والتبعية الفكرية والاجتماعية والتشريعية، وواجب التحرر منها، بحثاً عن الاستقلال والأصالة.
    5- هم التخاذل المذل أمام العدوان الصهيوني المتغرطس، الذي يجب أن نتجاوزه سعياً إلى النصر والتحرر، ثم التحرير..
    6- هم التفتت والتمزق المخزي الذي فرق الوطن الواحد والشعب الواحد إلى أوطان وشعوب متجافية بل متعادية وهو ما يجب أن نتخلص منه طلباً للوحدة والتضامن.
    7- هم التحلل والتسيب الخلقي الذي عشعش في وطننا الكبير بمختلف صوره والذي يجب أن نتطهر منه سعياً إلى التماسك والاستقامة.
    أما النظرة إلى العلاج أو الحل فهي نظرة تتسم بالشمولية والعمق ووضوح الرؤية على مستوى مجموع هذه الأنواع.
    وهي نظرة الصحوة الإسلامية في علاج الأمة على مستوى وطنها..
    إنها نظرة تشخيصية لأصول الأدواء المغمورة في واقع الحال، والضاربة في فقدان النظرة الشمولية العميقة لهموم الأخوة الإيمانية، والسارحة في عدم الولاء لمن خصه الإسلام به.. والرابضة في أوحال سلبية البراء ممن أجلب الكفر عليه.
    وذلك إلى حد فقدان الحقيقة الواقع، في مقابلة تغريبية.. وإلى نهاية انعدام رؤيا براعة التجديد في مقابلة تعقيد الحداثة.
    والنظريات المفوضة لتشخيص الأدواء تتلخص فيما يلي: مستفادة من كتاب الصحوة الإسلامية بتصرف.
    1- النظرة الجزئية:
    إنها النظرة التي تفصل أجزاء الكل بعضها عن بعض، وتنظر إلى كل أمر منفصلاً عن غيرفهي تنظر إلى الاقتصاد منفصلاً عن السياسة أو إلى التشريع معزولاً عن التربية أو إلى المجتمع بعيداً عن الفرد أو إلى الدين منفصلاً عن الدولة أو إلى الولاء منفصلاً عن البراء..
    والإيمان بالبعض ينفي الإيمان بالكل وبالعكس الكفران..
    بدليل قوله تعالى:  أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب( ) .
    2- النظرة السطحية:
    وهي تعني النظرة التي لا تنفذ إلى الأعماق.
    ويمثل هذه النظرة اعتقاد أن هموم الأمة ومشكلاتها مادية محضة، وأنها تستطيع أن تعالج الماديات بعيداً عن المعنويات، وأن حديث الإيمان والأخلاق يجب أن يطرح جانباً إذا تحدثنا عن مشكلات السياسة، أو معضلات الاقتصاد، أو مصائب التخلف وطموحات التنمية.
    ومن السطحية أن نحسب أننا بمجرد أن ننادى بالإسلام شعاراً، أو نغير مواد القانون الوضعية بمواد إسلامية، يطلع الفجر علينا والصباح، وقد حلت كل مشكلاتنا وشفينا من كل أدوائنا، غافلين أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
    وأن التغيير يحتاج إلى عمل طويل النفس، وتوجيه متعدد الجوانب متنوع الأساليب، وتربية عميقة الجذور، مديدة المراحل.
    وأن الإصلاح يحتاج إلى تخطيط مدروس ورؤية صالحة واضحة للأوجاع وأسبابها، وإعداد للمستقبل، في ضوء الاستفادة من دروس الماضي، وإمكانات الحاضر.
    كما يحتاج الإصلاح إلى رجال يجمعون بين القوة والأمانة، يقودون سفينة التغيير إلى بر الأمان.
    أمثال أولئك الذين خدموا الدين بالدنيا، وأصلحوا الدنيا بالدين..
     فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة( ) .
    3- النظرة القطرية ( الإقليمية ):
    إنها تقصد إلى القومية وتنزع العصبية الجاهلية وتوحي بإرادة الفرقة وطلب العزلة في دائرة الحدود المصطنعة التي بوجودها تنعدم صفة الأخوة الإيمانية، وصفة الولاء للمؤمنين، والبراء من الكافرين، وينتفي الاهتمام بأمر المسلمين.
    فيتحقق الخروج من دائرتهم. مصداقاً لقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: ( من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم( ) ).
    وإن هذه النظرة لهي المثل الوحيد للأنانية وهي في الواقع الحقيقي تحديات نوعية، موغلة في الجفوة والانطواء والحمق، فالواحد بمفرده ضعيف، والذئب لا يأكل إلا من الغنم القاصية، واليد الواحدة لا تصفق.
    والإسلام يؤكد دائماً أن يد الله مع الجماعة، والشاذ في النار، والخير في الاجتماع، والاتحاد قوة، والشر في الفرقة والشذوذ، وصلاة الفذ خلف الصف لا تنعقد عند الجمهور وصدق الله العظيم  إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص( ) .
    4- النظرة الآنية:
    وهذه تتمثل في قصر النظر وفي الغفلة عن المستقبل.. والآنية تعني تقرير العاجلة في حال الهموم التي لا تتجاوز مفهوم الحاضر، ولا ترقب توقعاً لمشكلة الغد، وغدت أمة لا يهمها إلا أن تلقي الحمل الثقيل عن كاهلها ولا يضيرها أن يبقى العنت والتحدي لمن بعدها سارياً خلفاً بعد سلف ثقلاً مضاعفاً أضعافاً كثيرة.
    ولهذا كان من العيب ووصمة العار على الجيل الحاضر أن يأكل رزق الأجيال القادمة مما أفاء الله به من النفط والمعادن وغير ذلك.. كما لا يجوز له أن يتوسع في الاستهلاك ويستقبل المليارات بالربا الماحق ليحمل أعباءه ديوناً على الأجيال التي لم تظهر بعد على وجه الحياة..
    ويروى عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قوله: "لا يعجبني الرجل يأكل رزق أيام في يوم واحد".
    وفي وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قدوة حسنة حين أراد أن يوصي بماله كله صدقة لأنه ليس له إلا بنتاً واحدة فلم يقره صلى الله عليه وآله وسلم إلا على التصدق بالثلث بل صرح له بأن الثلث كثير ( إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس( ) ) والحديث متفق عليه.
    ولا يجوز لأحد أن يقرر أو يدعو أو يقنن على مفهومه التجديدي أو الحداثي أو الواقعي بأن المرأة كالرجل في الميراث أو في الحرية المسايرة والمسامرة للرجال غير المحارم..
    وعليه فعقلية الواقع الملوثة بمفهوم التجديد وبمنطق إقرار الحداثة الحديثة لا يجوز أن تجاري ولا تتابع.. واللازم أن تعد وتصنف بالعقلية المتخلفة، وهي التي يجب أن توصف بالسذاجة والتبعية والعمالة، بل بالخيانة العظمى..
    وهل أعظم خيانة من أن يصدر التجديديون الجدد أو الحداثيون الأحداث دعوتهم بواجب التجديد التشريعي للأمة الإسلامية أو من أن يعلنوا إلغاء الموسوعة الفقهية للأئمة المجتهدين، المقتدى بمذاهبهم سلفاً على مستوى العالم الإسلامي منذ قرون خلت؟
    بل إنهم ليدعون إلى واجب التجديد العقدي والأخلاقي وإلى اتباع متابعة الواقع الفكري الثقافي الجديد..!!
    إنه الاستبدال للذي هو أدنى بالذي هو خير.. أو المقايضة للكفر بالإيمان!
    5- النظرة التلفيقية:
    ومثل ذلك: محاولة الجمع بين فلسفات وأفكار متباينة الأصول متنافرة الغايات متعارضة المناهج مثل: الجمع بين الإسلام والعلمانية، أو الإسلام والماركسية، أو الإسلام والرأسمالية، أو بين الحضارة الإسلامية عموماً والحضارة الغربية.
    فلا يكون ذلك إلا ضرباً من إضاعة الوقت والجهد، أو العبث بعقول الناس، أو التدليس عليهم. سرعان ما ينكشف زيفه، ويفتضح منظروه ودعاة اتباعه.
    ومثل هذا التلفيق كله قد حصل، ثم منه باق وحاصل، ومن نوعه ومثله سيحصل..
    ومهما سميت توفيقية فإن حقيقتها: تلفيقية. كإظهار دعوى التوفيق بين عقائد الإسلام الثابتة وأفكار أرسطو عن الإله والكون والوجود.
    وهذا من أنواع البلشفة على ما سبق تفصيله..
    6- النظرة التبريرية:
    وهذه تعني تلك النظرة التي تقوم على تبرير الواقع القائم، وهو واقع لم نصنعه نحن ولم نفكر فيه إنما صنع لنا وفرض علينا دون اختيار منا ولا اعتبار لرأينا ولا استشارة لنا.
    والذي فرض هذا الواقع هو الاستعمار الفكري الموجود دون الاستعمار العكسري، فهو الذي رأى وقرر وصمم ونفذ. فعل ذلك: بإدخال القوانين الوضعية وإلغاء الشريعة الإسلامية عمل بدهاء وتخطيط رهيب على علمنة الأفكار والمشاعر والتقاليد والمؤسسات المختلفة إلى جوار علمنة التشريع.
    هذا الواقع الذي ورثناه عن عهد الاستعمار المذكور نجده في جوانب كثيرة مناقضاً لأصولنا الإسلامية ومواريثنا الثقافية. ومع هذا يحاول الكثير منا أن يمنح هذه الجوانب الدخيلة علينا سنداً شرعياً للاستمرار والبقاء. وهي زنيمة مقطوعة النسب عن أمتنا وحضارتنا. أي: أنهم يريدون أن يخلعوا عن رأس ( الخواجة ) الأوروبي ( قبعته ) ويلبسوه عمامة إسلامية أو ( عباءة ) عربية..!!

    الفرع الثاني:
    فلسفة متابعة الواقع والتنظير للحداثة والتجديد خطرها وأبعاد تحدياتها المستقبلة
    ما أكثر ما قرأنا وسمعنا من كتابات ومحاضرات وخطب تركب الصعب والذلول لتفلسف هذا الواقع وتبرره دون حجة ناهضة.
    وأسخف هذه التبريرات تلك التي تحاول أن تستخدم الإسلام نفسه في تبرير ما يناقض الإسلام!!
    ثم تلك التي تحاول تحليل الحرام وإسقاط بعض الفرائض.. وتعطيل أحكام الشريعة باسم الشريعة نفسها.. اتباعاً لسنة الباطنية.. وتمشياً مع منهج إمامهم علي بن الفضل.. بل فوق ذلك اتباعاً لسنة أرسطو.. وخير شاهد دعوة الشيخ علي عبد الرزاق لمشيخة الأزهر: أن يسلكوا معه مسلك تعطيل الأحكام الشرعية الإسلامية تمشياً مع الواقع ومسايرة للتجديد والحداثة.. كما في كتابه ( الإسلام وأصول الحكم ).
    لكن علماء الأزهر تصدوا له وأرهقوه، وسفهوا فكره، وفكرته الآثمة: بأن الإسلام دين روحي لا صلة له بنظام الحكم.
    ثم ياليت قومي يعلمون خطر متابعة الواقع، ومحاولتهم إجادة التنظير في فقهه، وإظهار الحرص الشديد على التجميع لميدان واقع التجديد الغريب..
    وعمد تطويع أدلة شرع الله ورسوله لمحدثات هذا الواقع على ما تعمد طرحه، وبقي يدعو إليه بعض من له شهرة في الدعوة إلى الله والانتصار لقضايا الإسلام، من تجديد في علم أصول الفقه الإسلامي: كالإجماع، وأمر الحاكم، والقياس، والاستصحاب.
    والمرجع المفصل لهذه الإشارة الإجمالية الحرة: كتاب ( مفهوم التجديد بين السنة النبوية وبين أدعياء التجديد المعاصرين ) وكتاب ( المرايا المحدبة( ) ).
    وبقي هذا الموضوع تحرير وتقرير نمط آخر من الحداثة:
    هو النوع المعرف لدى نظاره موفقيه بالشعر الحر، أو بالنثر الحداثي.. إجماله مستفاد من كتاب:
    ( الحداثة في ميزان الإسلام( ) ).
    ومن كتاب ( الأصوليات الشعرية( ) ).
    وتقرير مسمى الحداثة علمياً: يقضي بأنه مذهب فكري أصله الغربيون وورد علينا محفوفاً بهالة من الدعاية له، ووصفه بالتطوير والتجديد، لحاقاً بالغرب الحضاري المتمدن.
    والواصف هم شباب الاغتراب التابع لكل ناعق بعد أن افتقدوا بعجزهم قدوة المتابعة للشرف العالي، خير قدوة لأمة يعنيها كينونة الخيرية، وقد أخرجت للناس حاملة صدق الدعوة وتقرير ميزان الإسلام.
    وبعد أن أسقط في أيديهم، ورأوا أنهم قد ضلوا عن تطبيق كامل ما أراده الله منهم، وعن مفهوم الأصل الوجودي للحداثة، وما يلزم من علم لمواجهتها..
    ولقد ضعفوا حتى استكانوا.. وعظمت في أعينهم قشور المعارف المستوردة، وضاعت مقاييس الفضيلة بينهم، وضل عنهم التفكير الواقعي في استنهاض الهمم، وفي جدية المحاولة في إقامة قوة البنيان، ورص الصفوف لمواجهة غرور الاغتراب الحداثي الحديث.
    وقد مر بالمسلمين نوع اغتراب فكري ساذج، تحدد في نظريات علمية بحته، دون إقرار تطبيقه عملياً في الواقع لوجود المنكر الفعال يداً ولساناً.
    كما فعل علماء الأزهر رداً على الشيخ علي عبد الرزاق وكتابه الوضيع..
    أما في حاضرنا فقد جاء السير في التنضير حتى أحيطت المقالات والمؤلفات النثرية والشعرية المسمى أصحابها: بالمبدعين أحيطت مقالاتهم ومؤلفاتهم بهالة من التشجيعات والثناء.. الخ.
    وإني لأرى في توقعات المستقبل: ظهوراً لهذا النوع التجديدي الحداثي المريب، المتفلت من القيم الإيمانية، بالله وكتبه وشرعه، والمناهض لكل خلق وأدب..
    وإني لأراه أيضاً يساوم على أنماط من التغيير، وسيحاط كثيراً بغوغائية الاتباع.. وغثرة السوارح..
    وأمثالهم أراهم قد أهالوا جعجعة الإعلام النظري ( المقروء ) و ( المسموع ) و ( المشاهد ) والعملي، تطبيقاً واقعياً..
    وكلها يراها المدرك لأبعد مما بين يديه نوافذ على جحيم الغربة المستقبلة، المخطط لها سلفاً.. يطل منها الحداثيون على تثبيت كنخ أصل مجهول القرار، ليجنوا الأتباع به ثُلاَث قيم اعوجاج وحالات ( تحد ) كيد وتربص ومكر..
    الحالة الأولى:
    التنصل من مسئولية الكلمة وتبعتها، حينما تلف بذلك الغموض الذي لا يدرك معناه سوى القليل وبصعوبة..
    الحالة الثانية:
    إماتة القصة النثرية أو الشعرية، وسلب روحها، وإخماد تأثيرها في النفوس، على مستوى الاتباع، والأعداء، وحرمان المسلمين من سلاح فتاك ماض من أفتك وأمضى سلاح ماحق ضد أعدائهم.
    الحالة الثالثة:
    وهي الأعظم شأناً والأشد خطراً: محاولة نبذ المنهج التشريعي، والمنهج الاعتقادي، والمنهج الأخلاقي، والسلوكي، باسم التجديد والحداثة، والتجاوز بذلك جميع ما هو قديم، وقطع الصلة به.
    والمتربص به هو القرآن..
    وهذا يعني الدعوة إلى قطع الصلة بقصة القرآن الكريم، والقصة التاريخية، والسيرة النبوية، وكل ما هو من مقومات الإيمان والإسلام.. وجرى به العمل في الرعيل الأول والسلف الصالح من خير أمة أخرجت للناس..
    إنها إرادة قاصدة ضمن دعوة تغريبية، تعني: التصرف خلافاً لآيات القرآن الكريم، غير محصورة في العلماء والفقهاء الذين سبق لهم فهم خاص لتفسير القرآن والسنة.
    فالحداثيون التجديدون يرون بأن ذلك المفهوم السابق للقرآن والسنة، فهم ينـزع إلى إقامة نظام إكليريكي أو ثيوقراطية مفوضة ومرتهنة، ترفض حق الشعوب في أية مشاركة حقيقة، لبناء المستقبل.
    فهم يرون أن الأوائل، بفهمهم: شكلوا خيانة للإسلام الحي، وأن هذا النوع من المواقف المسلوكة بهم كان سبب كل انحطاط، وتعثر كل حضارة ومدنية!!
    ويمثلون بمسميات شخصية، يصفونهم: بأصولية هذا المذهب، أمثال ابن تيمية، ومحمد بن عبد الوهاب، والمودودي –رحمهم الله ورضي عنهم- قالوا وأمثالهم.. هكذا يصرخ غارودي!!! ( )
    وللغموض الدامس والتغريب المعتم في منهج الفكر الحداثي معقبات: تدعو إلى أن الأدب يجب أن ينظر إليه من الناحية الشكلية والفنية فقط، بغض النظر عما يدعو إليه من أفكار، وينادي به من مبادئ وعقائد وأخلاق، مهما كانت فاسدة وإلحادية.
    ويكفي فيها أن يكون النص جميلاً من الناحية الفنية، حسب أذواقهم الخربة.
    وإلا فأي جمال في هذا النص وأمثاله، البادي منها تعمد الغموض لتحقيق غايتهم الفكرية، المحيطة بالكفر، وفاسد الأذواق، وهزل المعاني، وأبعاد التناقضات، ومزريات التوليف. حتى على مستوى تركيب الجمل، وعناوين النصوص، مثل عنوان: "اشتعالات فرح مثقل" انظر شديد التناقض في فرح تعلوه ( اشتعالات ) ثم ( ثقل )!!! ( )
    أخي القارئ إنه لا يسعك إلا أن تقول ما هكذا يا سعد تورد الإبل!
    ومن محتويات العنوان تقول أدبية النص: ( )
    "لأني نفيت من الحلم بالأمس
    سافر فيضا
    وجعاً منح الوقت وقتا
    واحنزى أن يمر به الوسم
    لأني عاصرت حالة دفني
    تجذرت بالرمل
    مارست توق الخروج عن الخارطة
    ولأن الخريف طوى قامتي ولأن"
    فأي إبداع يا ترى في هذا النحيب الجاحد للذوق الشعري، والمفسد لجمال اللسان العربي المبين.
    وإبداع أخر ترهقه قترة الصداع..، وتميزه غبرة دوران الرأس السليم إلى السقوط المضرج بالغثيان، على ذمة واقع هذا الهراء تحت عنوان:
    (مريم وذاكرة البحر والآخرين )
    "ارتق وجه السماء المغطاة بالعشب
    أدون ما يشدو البحر به
    هو الليل يأتي لنا حاملاً شمسه
    هو الموت يبدأ من أحرف الجر حتى السواد
    وينسل طيف الأرانب بين المفاصل والأمكنة
    يضيء الغدير المعبأ بالخيل والليل والكائنات الكئيبة
    وللنهر يفقس بعد المساء الأخير
    وللخوف وجه الذي يشتهيه الشجر"
    ومثله في الهراء الزابج، الثقيل على الذوق الأدبي والأخلاقي.. قول أحدهم:
    "حبيبتي لا تمتطي عالي الكعوب
    لا تلبسي الكعب العالي
    فتنطحي.. حبيبتي ورد الشجون
    لا.. لا.. لا تبرحي فتمتطي عالي الكعوب
    لا.. لا تلبسي العالي فتنطحي رأس الغصون
    حبيبتي"
    أخي القارئ أخي السامع هل تقسم أن رأسك دارت.
    نعم.
    أنت صادق.
    قال أوسطهم وهو في أوج شبابه وعظيم اشتياقه إلى لقاء بكين ومتابعة ماو, واستالين، ولينين.. الرجال العظماء في نظر محبيهم من الحداثيين..
    وهذا أديب اليمن التائب في نظر المقدرين له ذلك.. وأرجو أن يكون كذلك. ( )
    قال تحت عنوان: "قبلة بكين":
    "متى أمر تحت قوس النصر في ساحتك الحمراء.. أرسم قبلة على الجبين جبينك الأخضر يا بكين أطلق باسم اليمن الخضراء حمامة بيضاء، متى أسير لو أمتار في الدرب حيث سارت رحلة النهار رحلة ماو والرجال الأنصار ورحلة كل الطيبين متى متى"
    ذلك مثال من الفكر الحداثي المعني به واقع التمهيد لدعوة أممية مستقبلة يتحقق بها توحيد الأديان وصدق المؤاخاة بين المسلمين واليهود وأمم الأرض جميعاً..
    ولننظر لحالة الحداثيين مع الله ومكانته في نظرهم، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
    ولا تعلم نفس ماذا يخفون لغد المسلمين من تربص ومكر السيئ فوق المتوقع.. ويتوب الله على من تاب وهو الغفار( )..
    يقول هذا الأديب الألمعي( ) وقد كان في أول شبابه ( تِرة ) حماسياً يتوثب ويتفجر شعر الثورة اليمنية.. وما وسعه إلا أن يعبر عن فرحته..!!
    "صار الله رماداً صمتاً رعباً في كف الجلاديين حقلاً ينبت سُبُحات وعمائم بين الرب الأغنية الثروة والرب القادم من هوليود..
    كان الله قديماً حباً كان سحابة كان نهراً في الليل..
    أغنية تغسل بالأمطار الخضراء تجاعيد الأرض"
    ومثلة قال أستاذ الحداثة عبد الوهاب البياتي في ديوانه المتحرر "كلمات لا تموت"( ):
    "الله في مدينتي يبيعه اليهود
    الله في مدينتي مشرد طريد
    أراده الغزاة أن يكون
    لهم أجيراً شاعراً قواد
    يخدع في قيثارة المذهب العباد
    لكن أصيب بالجنون
    لأنه أراد أن يصون زنابق الحقول من جرادهم
    أراد أن يكون"
    تلك هي الحداثة المصحوبة بالدعوة الطنانة بأنها تمثل النهضة والتجديد والاستجابة لروح العصر والخروج من الجمود وكسر قيد التقليد ومقاومة الرجعية.. ذلك هو ظاهرها الفتان.
    لكن حقيقتها في باطنها تقضي بأنها( ):
    1- دعوة إلى ما يسمى: ( عالمية الثقافة ) ومحاولة تذويب قيم الثقافة الإسلامية في أتون الفكر الغربي مع تجاهل الفوارق الواضحة بينهما.
    2- إعلاء أدب الإغريق على الأدب العربي ومحاولة فرض الذوق الهليني على العرب.
    3- إعلاء شأن الإقليميات الضيقة.
    4- النعي على العرب والمسلمين ومحاولة انتقاص وجودهم وكيانهم.
    5- معارضة الشريعة الإسلامية وإثارة الشبهات حول أصالتها.
    6- التنكر للحقيقة الواضحة وهي أن الإسلام دين ونظام مجتمع في آن.
    7- محاولة توجيه النقد إلى أسلوب القرآن الكريم، ووصفه بأنه كتاب أدبي.
    8- محاولة إسقاط الحضارة الإسلامية وإنكار عطائها للحضارة الغربية.
    9- محاولة إثارة الشبهات حول العلاقات الجذرية بين الإسلام والعروبة.
    11- محاولة توسيد قيم مقتبسة في مجال التربية والتعليم تتعارض مع ذاتية الأمة ومزاجها النفسي.
    12- مهاجمة التراث العربي الإسلامي، وإثارة الشكوك حوله وانتقاصه.
    13- انتقاص أعلام الإسلام وأبطاله، أو التقليل من شأن إعلام المسلمين وإلغائه.
    14- إذاعة الأدب والإباحية الفكرية مع الدعوة الإلحادية.
    15- محاولة إعلاء اتجاه المادية في مجالات التاريخ والاقتصاد والاجتماع.
    16-مقاومة اللغة العربية الفصحى والدعوة إلى العاميات.
    والشبهات المطروحة في هذا الأفق الفكري تستهدف السيرة النبوية، والقرآن الكريم، واللغة العربية، والحضارة الإسلامية، والتاريخ الإسلامي.
    وفي أعماقها دعوة صريحة إلى التبعية للغرب إيماناً بواجب مساواته ومحاذاته في الفكر.. وذلك هو البلاء هو العظيم.


    يتبــــــــع ......

  8. #8

    افتراضي رد: كتاب مدخل التحديات

    الفصل السابع
    تطبيع وإحلال علمنة التربية والتعليم والثقافة والإعلام
    ويخصه تمهيد وثلاثة محاور:
    المحور الأول:
    مستقبل التعليم وواقعه التربوي..
    المحور الثاني:
    مستقبل الإعلام وحاله الثقافي..
    المحور الثالث:
    مفردات التحدي المشتركة بين التعليم والإعلام..


    تطبيع وإحلال علمنة التربية والتعليم والثقافة والإعلام
    تمهيد
    إن مجتمع الأمة الإسلامية اليوم يموج ويغص بنظريات عقدية وفكرية، وافدة وقادمة من أدنى.. مقصود بوفادتها، ومتعمد في استقدامها، لتجني مبدأين أساسين، على مستقبل الأمة المسلمة، في غياب حروب السلاح التي وضعت أوزارها.
    وقد أقامت دولها على أثرها الحروب على جبهتين: الحروب على جبهة الأفكار ثم على جبهة العقائد.
    والمبدآن أولاهما: التنازع.. وثانيهما: التصارع..
    وهذا المبدآن مصنوعان ومعدان عوائق وتحديات ومكر السيئ بالمؤمنين.. وصدق الله العظيم في امتنانه بالتفضل على أمة الإسلام، بأنواع الدفاع عنهم، وكثير النعم عليهم، كما في قوله تعالى:  ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبداً( ) .
    فالعالم الكافر يرفع راية أو شعار العلمانية في وجه عالم الإسلام، ليصده عن العمل بالإسلام ديناً ودولة، ومنهج حياة، وذلك بدعوته إلى أن يسلك مسلك الفصل بين الدين والحياة، كما فعل غَرْبُه في رفعه لراية العلمانية التي حبست الدين المسيحي بين جدران الكنائس، وحرمت عليه أن يكون له وجود خارجها، أو في سلطان الحكم السياسي القائم على مبدأ الديمقراطية الفاصلة بين أن يكون للدين وجود في الحكم وبين أن يكون للحكم وجود في الدين.. وقالوا: "ما لقيصر لقيصر وما لله لله" وهذا قول منسوب للسيد المسيح عليه السلام، من تحريفات الكنيسة ضمن ما ارتكبته من تحريفات في الإنجيل الذي أنزل على عيسى بن مريم نبي الله ورسوله، أتوا به محرفاً ليتوصلوا إلى شرعية فصل الدين عن الدولة، أو فصل العقيدة عن الشريعة، وتقديم الدين عقيدة وشريعة.
    وإنهم لحريصون على أن يغزو بفكرهم الجديد عامة المجتمع الإسلامي، ليبتعدوا به عن قيم الإسلام ومثله، وأوصافه التي عليها مدار عزة هذا المجتمع الواحد، وسعادته في الدنيا والآخرة، محفوفة بذلك دون أمم الدنيا الشاردة والضالة الكافرة.. على ما بيّن الله تعالى ذلك في قوله سبحانه:  كنتم خير أمة أخرجت للناس.. ( ) .
    وقوله:  وكذلك جعلناكم أمة وسطاً.. ( ) . وقوله:  إن هذه أمتكم أمة واحدة.. ( ) .
    يقول الدكتور/ علي بن محمد جريشة( ):
    لقد حرص الغرب منذ أن وطئت أقدامه الأرض الإسلامية على نشر العلمانية بأكثر من طريق، وحين ورثت النخبات الأجنبية ( النخبات الوطنية ) مكان السلطة وبوأتها كراسيها وحرصت على زيادة نشر العلمانية بكل الوسائل.. وضعت خبرتها ( العلمية ) والتكنولوجية لتحقيق هذه الغاية.
    وعليه فقد كانت النخبات الوطنية الممثل المنفذ والعميل الحريص على كسب ثقة مموليه بتصريف بضاعتهم.. والترويج لها.. هدفاً استراتيجياً أولياً: في أهم المجالات الفكرية، ولا تزال غاية في وضع التربص والكيد والمكر بالمسلمين. مجموعها مسمى ( تحديات ).
    أما مجالات نشر العلمانية ووسائلها فقد كانت:
    أولاً: في التعليم: المحفوف بالرومانتيكية العلمية.. وبتراث التضحيات على أنقاض عالمية الثراث الفاتح والمنتصر.
    وثانياً: في الإعلام: صحافة، وإذاعة، وتلفزة وسينما، ومؤلفات.
    وثالثاً: في القانون، على ما سبق التفصيل بخصوصه في بابه من هذا الكتاب أو في فصله..
    وقد اقتضى تقديمه واقع إقرار العلمنة عليه، محط وسيلة إلغاء أحكام الإسلام..
    ويعنينا الآن التفصيل في تقوقعات ظاهر التحدي للأمة عن طريق النوعين: التعليم، والإعلام.
    والذي يظهر متوقعاً منهما في مستقبل الغد تغريب التعليم بنزع صفته السلوكية التربوية، ثم تغريب حرية الإعلام بواقعية زيفه وبتبعية ثقافة القائمين عليه وعمالتهم الوطنية( )..!!
    ونخلص من هذا التمهيد البياني في موضوعه إلى تقرير واقع اشتمال الفصل على محاور موضوعية تخص واقع السلوك التربوي في المفهوم التعليمي..
    كذلك واقع السلوك الثقافي في المفهوم الإعلامي..
    أما المحور الثالث فقد خص مقومات الثقافة التربوية المشتركة بين الإعلام والتعليم..
    ولكل محور من هذه المحاور في موضوعه ومفهومه الخاص في التحدي..
    كما أن له مفرداته المعرفة بحقيقة عود الغربة تحت مظلة العيلمة المنادى بتطبيقها.. في المؤسستين التعليمية والإعلامية.. ولموضوع الفصل بمحاور أبعاد التعريف بالهجمة الواسعة على حضارة الإسلام وثقافة الإسلام.. تحت مظلة حوار الحضارات في عصر العلمنة..
    وبما أن هذه المفاهيم يلزمها التوضيح والبيان في حدود مدارها الموضوعي فقد خصها ثلاثة محاور على ما وصفت عنواناً مدخلاً نصل من خلالها إلى المطلوب تقريره..
    وفيما يأتي التفصيل في خصوص كل محور:




    المحور الأول:
    مستقبل التعليم وواقعه التربوي
    ا











    رتباط التربية بالتعليم يحرص عليه كل ذي صفة موهوبة، خارج محيط تغريب اليقظة العربية.
    وكل صاحب فكر يعيش بفكره فوق مخطط تغييب القيم الأساسية على مستوى أمة الحاضر.
    وأمثال رجال هذا الوصف هم المدركون لأهمية التربية.. مربوطة بالتعليم، في مواجهات تحديات المستقبل..
    وأن كل مكر بالتعليم في وجودها.. فأولئك هو يبور.
    ثم هي تحطم على صخرة التصدي علمنة حصر التعليم الديني، وحصاره مادياً ومعنوياً، مهما وجد..
    ولعله قد وجد بين المدارس والمعاهد، شيء من التفريق، في بعض حكومات الوطن الإسلامي.. حيث أنمت التعليم المدرسي المعلمن.. وضيقت الخناق على التعليم المعهدي الديني.. سواء على مستوى القبول في أكاديمية علمية عليا، أو على مستوى التوظيف العام وقيمة الأجور.. أو الخاص ( الحر ) فمكانهم التدني..
    كذلك لارتباط التربية والتعليم دور فعال: في تحصين طالب البعثات التعليمية إلى الخارج، من أي استشراق، أوتغريب، في الفكر أو الثقافة.
    وأيضاً يكون للتربية وقد أحاطت بالتعليم في مراحله الثلاث الأولية: دور الرفض، وعدم التقبل لمنهج التغريب الفكري، والعقدي، في الثانويات الفنية، والعلمية.. والجامعات الأكاديمية التخصصية.. حتى على مستوى المدارس والمعاهد الخاصة بالتغريب.. والفتنة عن طريقها محفوفة بالقصد والإرادة أشد وغالب إنشائها لهذا الغرض.. ( أعني ما فوق التعليم الأساسي ).
    والتعليم المقرون بالتربية، لا يعطي حق قدره بوجود المدارس الأجنبية في بلده الإسلامي.. ولا يرضي باقتصاره على منح الشهادات بالتخرج لنيل درجة وظيفية فقط.. تؤمن مستقبل الخريج عيشاً وسكناً.
    وأخيراً فإن التربية وهي مجموعة سلوك أخلاقية، وقد أحاطت بالتعليم، وتحصن بها العقل والفكر. فإنه لا يسمح أبداً بالاختلاط بين الجنسين ( الذكور والإناث ) على مستوى مراحل التعليم من بداية الأساسي وحتى نهاية العالي.. مهما أشاع دعاته دعوى التقدم والتمدن ونشر الروح الجامعية، والانفتاح الشبابي المضاد للتزمت، والتعقيد المتطرف..!! الخ.
    فالتربية التي هي مجموعة أخلاقيات: أساس التعليم، وهدفه، كما أن أساس المعرفة العلم، وهدفه العمل، بدليل قوله تعالى:
     فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك( ) .
    وغاية المسلم من ذلك السعادة في المستقبل، وفوق ذلك كسب الرضى بفعل الامتثال والطاعة، لتشريع الله ورسوله، على ما قال تعالى:
     ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون( ) .
    وكل سلوك خلقي يترتب عليه قوام ركن مسند لحياة أمة تعي سلوك أخلاقها..
    وبكمال سلوك الأخلاقي في أي أمة يكون كمال وجودها على ما قال الشاعر:
    إنما الأمم الأخلاق مابقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا( )
    ولا يسرني أن أضرب مثلاً بالكافرين، كيف يلقنون أطفالهم الأخلاق الإنسانية، والآداب المادية، في مدارسهم قبل تعليمهم النظريات العلمية..
    وهدفهم إقران التعليم بالتربية.. حتى لا تجد في مدارسهم طالباً يقطف زهرة من حديقة غناء عبثاً دون ما حاجة إليها.. تقتضي نفعاً أكبر من إبقائها في أمها..
    ولا تجد أستاذاً فيهم يلقي درسه النظري دون ما تطبيق عملي لنوعي التربية والتعليم.. هدفاً وغاية.. حسب برنامج خطة التنفيذ للمنهج الوزاري العام..
    وأساس التعليم هو: البحث العلمي عند هؤلاء المقدرين للعلم.. والمقيمين على نتائجه حياتهم.. وضمان سعادة أجيالهم..
    لكن ياليت شعري: أي تعليم ينتهجه العرب المسلمون، وأي وصف يقدرون عليه أساس العلم..؟!! أمجرد نيل الشهادة لتأمين المستقبل الوظيفي..؟!! أم غاية الخروج من أمية القراءة والكتابة..؟!!
    يقول الأستاذ وحيد الدين خان في كتابه ( المسلمون بين الماضي والحاضر والمستقبل( ) ):
    لقد نجحت الحركات الإسلامية في إنشاء شبكة من المدارس والمعاهد الدينية على مستوى بلدان العالم الإسلامي ولكن نجاح هذه المدارس والمعاهد مشكوك فيه، فيما يتعلق بتربية العقل والفكر الإسلامي..
    وقد كان الهدف من إنشائها لتنضم على الأقل إلى العصر النبوي وليتمكن الخريجون فيها من وقاية أنفسهم من مؤثرات الزمن. لكن لما تخرجوا توظفوا حيث تخرجوا، ليبقوا على مظهرهم الذي ورثوه، عن ذلك المعهد وتلك المدرسة، لأن ذلك المظهر هو رأس مالهم، لإحراز التقدم في بيئتهم.
    ولهذه النتيجة سببان:
    أولهما: أن قادة التعليم الديني لم يفهموا جيداً أن قضية التعليم الديني لا تنحصر في تدريس اللغة العربية والتعليم الديني، بل هي إعطاء الإسلام المكانة اللائقة به في الفكر العصري..
    إن الجيل الذي تربى في المدارس الدينية كان يتقن العلوم الإسلامية التقليدية، بدون شك، ولكن الإسلام لم يكن جزءاً أصيلاً وحقيقياً من عقله، لأن هذا الجزء يرى أن الإسلام دون مستوى الفكر العصري الرائج.
    إن الإسلام الذي درسه هذا الجيل لم يكن أكثر من ملحق وهامش بدلاً من أن يكون هو غذاؤه الفكري. والواضح: أن ملحقاً فكرياً من هذا النوع لا يلبث أن يجرفه طوفان الأفكار العالمية.
    وثانيهما: أن التغيرات الحديثة قطعت ارتباط التعليم الديني بالاقتصاد. ومن الحقائق التاريخية أن نظاماً تعليمياً محروماً من الأساس الاقتصادي لن يحرز مكانة تذكر في نظام الحياة.أ.هـ.
    والحق أن أمة الإسلام اليوم ما لم تحصن تعليمها بالتربية وتجري على منهجها التعليمي واقع التصنيع، والبناء العصري، وتفرض العلم سلوكاً، وأخلاقاً عملية، على مستوى مراحل التعليم الأدنى، ثم بحوثاً علمية تطبيقية، على مستوى مراحله العليا..
    وما لم تؤهل المدرس.. وتتعهد أحواله.. فالنتيجة حتمية تحطيم أحوال خلفهم ( أمة المستقبل) بكل ما يعنيه التحطيم المعد في الموضوع تقديره.
    وحاصله من قبل أعدائها نظار العلمنة الفكرية في البلاد الإسلامية خلفاً عن سلف.
    وهم لا يريدون للعرب سوى البقاء في الأمية العملية..
    ولعلمهم بأن أنجع نفوذ وأزكى تأثير يتحقق من خلاله مخطط التغريب الديني، الهادف إلى تحقيق المسخ الملتزم بالفضيلة.. والمقرر للسيطرة الصهيونية والصليبية، على مقدرات العالم الإسلامي، المادية والمعنوية.
    وهم مهما علموا وأيقنوا أنه لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً.. فإنهم بحقدهم الدفين لا يألون جهداً في وضع التربص والكيد..
    وكم مكروا ثم أمنوا.. ولما استشرفوا إمكان وضع غلهم لم يمهلوا حتى اختاروا أهم وأضمن قنوات الإيصال.. وهي ما سبق الإيضاح به:
    التعليم والتربية.. وما سيأتي إيضاحه الإعلام، والثقافة..
    وما صدروه إليها.. عن طريق محطات المغادرة هو في الواقع فكر العلمانية ( فصل الدين عن الحياة ).
    ونجاح الفصل في العموم يتوقف على استكمال السيطرة النسبية، المحددة لكل قناة من قنوات الإيصال، وأعلاها وأخطرها: استكمال علمنة التربية والتعليم.
    لكن أعمها وأشملها تطبيع علمنة الثقافة والإعلام، وحال محتويات قسمه تقرير مسك ختام الكتاب.والله المستعان.




    المحور الثاني:
    مستقبل الإعلام وحاله الثقافي











    إنه مهما كان هذا القسم أخطر شأناً في مضمونه إلا أنني موجز فيه البيان على نحو مما احتواه موضوع سلفه.. وفي الإيجاز كما الإحراز، وبما أن جزأي السلف ( التربية ) و ( التعليم ) صارا كلاً متلازمين.
    فإن الثقافة والإعلام مهما كانا نوعين في ظاهر مفهومها اللفظي إلا أن حقيقتهما تقصد إلى واقع وحدتهما الحضارية في مجتمعهما. لذلك فقد جمعهما اتحاد التحدي.. وهما نقطة ثانية أو فقرة في موضوع العنوان، يتحقق بها تقرير وحدة التحدي القادم لأمة المستقبل عن طريق الفقرة المذكورة بنوعيها ( الثقافي ) و ( الإعلامي ).
    وبند التحدي هو: التغريب الفارض لعلمنة الطرح والتطبيق والغزو الفكري الفارض للتغيير الجذري في الاعتقاد والسلوك.. وهذه من أخطر المحاولات الفرضية شمولاً وتعميماً، تنال بتنكيلها ساكن شعف الجبال وبطون الأودية ومنابت الشجر.. الواقعة حداً لمبلغ الصوت الإعلامي وصورته وحرفه.
    وعليه فلكل من كلمة ( الثقافة ) وكلمة ( الإعلام ) متعلق، يحفي.. حده ومبلغه وموصوف تأثيره وراء المعنى الخاص لكل منهما.
    فمتعلق الثقافة المحظورة: شعار المالية، المنادى بتطبيقه وسيلة لجمع الأمم وتوحيدهم ثقافياً إلحادياً وكفرياً، بل تحت إقرار التغريب على مستوى مسلسلات برامج الأطفال.. وانحدار سفالة كوميديا الأدوار.. وانحطاط موبقات الأفكار.. لذلك يقول أنور الجندي في حديثه إلى الشباب أضمن منه بالمعنى( ): "إن من أخطر محاولات التغريب والغزو الفكري، دعوى ما يسمى بالثقافة العالمية، ووحدة الثقافة الإنسانية، وهي إحدى مخططات الصهيونية العالمية والاستعمار الغربي، ذلك أن لكل أمة ثقافتها التي تستمد من مقومات وجودها، وعقيدتها، وفكرها، وتراثها، ولغتها.
    إن أمة الأمم ما دامت قد بلغت درجة الرشد الفكري والتحرر من التبعية لا تستطيع أن تذوب في ثقافة أمة أخرى، أو تعتنق فكرها.
    والثقافة تختلف عن المعرفة العامة، وعن العلوم، فالمعارف والعلوم هي نظرات عامة شاملة، لكل الأمم والشعوب، يمكن استعارتها واستيرادها، وهي ملك للحضارات والمدنيات، فكلها قد شاركت فيها على مدى التاريخ الطويل، ولكن الثقافة ليست كذلك..
    الثقافات قومية، مرتبطة بالأمم.
    والعرب لهم ثقافتهم المستمدة من الإسلام والقرآن والشريعة الإسلامية واللغة العربية.
    وتلك الذاتية المؤمنة القائمة على توحيد الخالق سبحانه.. وعدل الإسلام..
    ولذلك فإنه من أكبر صور الخداع والمؤامرات أن يقال أن هناك ثقافة عالمية، أو وحدة للثقافة الإنسانية تجمع الأمم جميعاً، وأنه إذا كانت توجد هذه الثقافة فإن دورنا فيها سيكون دور التابع، الخاضع للكيان الضخم الذي تفرضه الثقافة الغربية، وهو دور لا نقبله ولا نرضاه.
    ولقد كانت الثقافة العربية المستمدة من الفكر الإسلامي ذات دور إسلامي عالمي وإنساني فعال ولا يزال أثرها واضحاً وقوياً في الحضارة الحديثة، والفكر العام البشري كله الذي لا يمكن أن يلتقي على وحدة ولكنه يتقبل ما يتناسب معه من الثقافات المختلفة دون أن ينصهر فيها أو ينطوي داخلها.أ.هـ.
    وطرح المعاودة لمثل هذا الشعار، من قبل الغرب الكافر، وهو سيد العالم بظاهر قوته الآن، جدير بوقوعه ناجحاً هدفاً وغاية، إلى حد إنفاذه تدميراً وتحطيماً، على طريق ثقافة أمة المستقبل.
    وإنه لمتوقع نقل الثقافات العربية، المستمدة من الفلسفة اليونانية الإغريقية، مع إمكان نقل الحضارة إلى الوطن الإسلامي، في المستقبل، لأن الدعاية في الحاضر قائمة على أشدها، بأن على العرب المسلمين أن ينقلوا الحضارة الغربية، وثقافتها..
    وهذا هو صوت التغريب، والغزو الثقافي المعلن بالمسخ، تربصاً وكيداً بالمسلمين، والجائز عليه مسمى التحدي، على طريق أمة المستقبل، لصهرها في أتون الفكر الغربي، وتحويل فكرها الإسلامي، إلى فكر تابع ذليل، قد سقطت عنه مقومات الذاتية، ووقعت بأحوالها الشخصية في الذوبان داخل الأممية، والشعوبية العالمية.
    وهذا أمر لم يسبق لأمة إسلامية منذ فجر الإسلام أن خطته بعد أن بلغت مرحلة الرشد الفكري حتى الآن، وهي تؤمن بكتاب فيه ذكرها، وهي تعتز به وترى فيه مجدها إيماناً منها بقوله تعالى:
     لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم أفلا تعقلون( ) .
    وبقوله تعالى:  وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون( ) .
    وهي كذلك بوصفها تعقله وتعيه لفظاً ومعنى.
    ثم هي تعتقد علوها به، ورفعة شأنها بإيمانها. والله تعالى هو الذي وعدها بذلك مهما التزمت بقوله سبحانه:
     ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين( ) .
    لكن ما لم تلتزم وبقيت تتابع النواعق وثقافات المسخ اللدني فإنه لن يغادرها الحزن ولن يفارقها الهوان.. ولا السخرية العاتية من جميع الاتجاهات ومن أغمر القنوات الفكرية والثقافية الخطرة.
    أما متعلق الإعلام المحظور فقد أصبح محفياً بقنوات تغذيه أخطر من أي وقت مضى، وخطر حاضرها في واقع نتائجها سلباً مرعباً يغص به جيل المستقبل.
    وإن ذلك لواقع فوق التوقع، لظاهر أدلة وقوعه، منها: أن كفران نعم الحاضر تعني جني نقم المستقبل.
    وفي معنى  مالك يوم الدين( ) . واقع الجزاء على سابق الأعمال، وظاهر الوضوح من قوله تعالى:  أئنا لمدينون( )  أي مجازون على الأعمال إن خيراً فخيراً وإن شراً فشر.
    ومن تقرير الشعر الحكيم:
    جزاؤك يوماً ما صنعت وإنما يدان الفتى يوماً كما هو دائن
    وقنوات معاصي الحظر وسلم تحديات الخطر تلك القادمة من سماء النجوم ( البث المباشر ) لغزو العرب المسلمين، وتحطيم أخلاقهم، وتحريف سلوكهم في عقر دارهم..
    وتليها حمالة الثقافات المكتسبة من أبناء الأمة المبتعثة في هذا المجال ( مجال الإعلام ) والعائدة إليه محملة بأفاعي الأفكار الغازية.
    وقد كان التصدير(الابتعاث)الشبابي على غرة من التحصين العقدي،وفي مرمى فالج البعد الثقافي الإسلامي.
    لذلك فإن مفهوم الواقع يفرض أن يعودوا مزبدين، وقد أصبح حالهم جفاء كما يقول الله تعالى:
     فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض( ) .
    وانسياب جران الجمل بما حُمِّل ليس هديراً يُصدِّر الخوف.. كما أن وقوع حمار الجهل في الطين لا يزري بحكمة خلقه.
    ومن التحديات الأشد خطراً على أمة المستقبل في هذا القسم:
    أولاً: حكام الأنظمة المتهالكين على الشرف العالي والجاه العريض.. الدولة الضاربة بخيلها ورجلها على مصالح الأمة.. المستبدة برأيها خارج علمائها.. وهي تأخذ نظام حكمها وسياسة إعلامها وتعليمها، من أفكار غزاة الفكر الغرباء على وطن أمة الإسلام، وأفكار المسلمين وعقيدتهم.
    ثانياً: ردود أفعال الترف المدني المشاهد والمسموع، وقد تجلى حسن الترنم به، وبديع التباهي فيه، حتى تكاثرت نواهد العشق والغرام على شاشة فتنته.. وصوت مذياعه، ( جمعاً بين الصوت والصورة )..
    الصوت المتموج الخاضع.. المطمع جنساً للجن والأنس، عدا من في قلبه مرض!!
    والصورة المثيرة إلى درجة نسيان كل فضيلة هي: تلك التي لا تراعي تمسكاً بدين أو خلق كريم.
    صورة المشاهدة الحقيقية للجسم وما حمل..
    نساء كاسيات، عاريات، مائلات، مميلات، حاملات لموجبات الفاحشة وتنفيذها..
    فأي مدنية مزيفة تمثلها حرية الشخصية المنادى بها حقاً لكل شاب أو فتاة، ذكر، أو أنثى، مهما أنكرها الدين والناس!!.
    وإبداء مثل هذه الحالات، وإن كانت شاذة في مجتمع حاضر الحال، مشجع عليها، أو مطرى بها: فإن خطر تعميمها وتطبيعها، واقع التوقع على أحوال أمة المستقبل.
    ويجمع أحوال موبقات ذلك المستقبل الموعود، ما يتوقع من علمنة الإعلام.
    وعلى ما سبق الإشارة بأن العلمانية في التعليم أقدم وأخطر.
    لكن في الإعلام أعم وأشمل.. وعلى ما قررت به أساليب الغزو الفكري، نظرياً ضمن مواضيعها الثابتة تحريراً بقولها: ومن هنا تكمن خطورتها.. أن التعليم قد يخاطب الآلاف بمناهجه.. لكن الإعلام يخاطب الملايين ببرامجه.
    وأكثر هذه الملايين الساذجة.. تؤثر فيها الكلمة، مقروءة، أو مسموعة، أو منظورة.
    فإن كانت طيبة، وقعت نافعة كشجرة طيبة، أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها..
    وإن كانت خبيثة.. وقعت مفسدة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار.
    من هنا كان اهتمام الإسلام بالكلمة و أمانتها.. فإما أن ترفع بالمؤمن إلى معية سيد الشهداء، وإما أن تهوي بقائلها في النار سبعين خريفاً.
    وللأسف فإننا نستطيع باطمئنان أن نقرر:
    إن وسائل الإعلام المختلفة من صحافة، و محطات إذاعة، وتلفزة، وسينما:
    مسخرة اليوم لإشاعة الفاحشة، والإغراء بالجريمة، والسعي بالفساد في الأرض، بما يترتب على ذلك من خلخلة للعقيدة، وتحطيم للأخلاق، والقيم والمثل.. والعقيدة والأخلاق هما أساس البناء لتدعيم الإسلام، فإذا انهدم الأساس فكيف يقوم البناء؟!!




    المحور الثالث:
    مفردات التحدي المشتركة بين التعليم والإعلام












    وعموم مسمى التحديات المستقبلة في الناحيتين التعليم والإعلام واقع منهما بالخصوص في فتنة الفكر والنفس: فالفكر نعمة عظيمة امتن الله بها على الإنسان وميزه بها وفضله على كثير ممن خلق فهو.. مهما استعمل فكره واستخدمه في الخير أفلح به ونجح وسعد.. وما لم يقدر نعمة تفضيله وقع في أسر الفتنة وبلاء الخيبة ونكبة الخسران..
    والفتنة في الفكر شديدة، فالمسلم يقع ضحية التعليم.. وضحية الإعلام على جبهتين: خارجية وداخلية.
    أما الخارجية فسببها، طلاب العودة من البعثات الخارجية، عادوا بعد غسيل الفكر، أو القادمين بالاستقدام والإعارات..
    ويزيد ضحايا فتنة الإعلام بالبث المباشر والانفتاح العالمي بوسائله..
    وكم رأينا وسمعنا من الذين أرسلوا للدراسة في الخارج بعد أن عادوا بثقل التقليد للغرب أو للشرق، أو عادوا بخليط وذبذبة.. فتنة في الفكر.. انحراف في الدين والعقيدة.. عادوا بعقول المسخ العلمي والعملي..
    إننا لا نتهم الشرق أو الغرب، لأنهم السبب والعلة في الظاهر.. بقدر ما نعود باللوم على أنفسنا نحن المسلمين، فحينما نفصل بين الدين والتطور الحضاري.. والإسلام والتجهيز المدني.. والإيمان والتصنيع الحربي.. والتوكل والعمل على الاستفادة من كل جديد وحديث، حينما نفعل هذا، نلغي عقولنا.. نعم نحن هكذا، ولننظر إلى دعوة علمائنا، إلى ضرب الصفح عن التقدم والنظرة إلى الإمام.
    كما يقول العلامة المحاضر النبراس والعلم الشامخ/ شبلي النعماني عند إنشاء دار العلوم لندوة العلماء.. ( ):
    "إن نهضة الشعوب الأخرى هي أن تتقدم إلى الأمام، أما نهضتنا فهي أن نعود إلى الوراء حتى ننضم إلى عصر النبوة".
    لذلك يقول أحد المبرزين من رجال الفكر العقلاء معلقاً( ):
    "وطبقاً لهذه العقلية أقيمت معاهد ومدارس دينية لا تحصى ولا تعد على مستوى البلدان الإسلامية، كلها تعتني بتعليم الأجيال المسلمة اللغة العربية، والعلوم الإسلامية، لوقايتها فكرياً من مؤثرات الزمن.. وقد انضموا من الناحية الفكرية على الأقل إلى العصر النبوي.. وحققت هذه المؤسسات العلمية نجاحاً عملياً في تخريج دفعات بأعداد كبيرة، ولكنه نجاح مشكوك فيه، فيما يتعلق بتربية العقل والفكر الإسلامي، لأن قادة الفتح الإسلامي منذ عهد الصحابة رضي الله عنهم بعد عهد النبوة على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم ومن بعدهم إلى صلاح الدين لم يكن انتصارهم فقط لأن عقيدتهم قوية وإيمانهم راسخ، وشجاعتهم عالية، وفكرهم نظيف.. لكنهم مع هذا كانوا يتمتعون ويملكون القوة العسكرية الحاسمة في عصرهم، وبلادهم تتبوأ المكانة التي تحتلها الولايات المتحدة الأمريكية في عالم اليوم.
    ولو كانت هذه هي كل الكلمات التي نملكها لدراسة التاريخ فإننا لن نفهم حقيقة التاريخ أبداً، وسنكون ضحايا الأفكار الرومانتيكية، غافلين عن الحقائق الخطيرة التي لن ينتصر شعب ما في هذا العالم المادي بدون معرفتها: وإنه لحق أن الساعد القوي لا يكفي ليدق مسماراً بقبضته في جدار صلب، فلا بد له من مطرقة.. والشجاع المغوار خبير الكر والفر، طويل القامة، رفيع الهامة المجرد من سلاح العصر وقوة القسر لا يغلب خصمه المزود بذلك.. وقد انتصر صلاح الدين لأنه كان يمتلك قوة القسر.. وسلاح العصر.. وأخفق السلطان تيبو، وهزم جيشه مع عظم شجاعته في مواجهة الانجليز المتسلحين بحديث الأسلحة وقوة القسر. وعظيم الشجاعة لم تنفعه شجاعته بأسلحته التقليدية.. لم تنفعه وقد ترك فكر مسايرة العصر العلمي..
    وهاهم العرب مع مليار مسلم يفقدون الحيلة أمام الصليبية واليهودية، المتمثلة في دولة إسرائيل، وهي تحتل بيت المقدس، قبلة المسلمين الأولى وعاصمة دولة عربية وإسلامية ( فلسطين ) المحتلة بكامل أراضيها والقدس منها.
    لأن إسرائيل دولة ذرية.. مع أنها حقيرة الذات عدداً، وحقيرة الوصف ديناً.. والعرب والمسلمون بعقيدتهم العظيمة، ودينهم الرباني، وشجاعتهم العالمية، في مقابلة من ضربت عليهم الذلة، والمسكنة، وقد باءوا بغضب من الله، لكن فاقوا على المسلمين باستخدام عقولهم، في بناء حاضر اليوم، والإعداد لمستقبل الغد، بكل ما يعنيه الإعداد، لمواجهة الإسلام، وإذلال أهله، ومحاصرة وطنه.
    مهما وجدت فيه وعلى مستوى مناطق دويلاته حركات، ومنظمات، وجماعات إسلامية، لكنها بعقليات تافهة كما قال الأستاذ/ وحيد الدين خان المعد واحداً من قادة الفكر الإسلامي( ): "إن هذه العقلية التافهة قد أنتجت الشعراء والخطباء في مجتمعاتنا، فهم قادرون على إثارة الهمم بطوفانات كلامية، لا طائل من ورائها.
    ولو كنا نتمتع بالفهم الصحيح والعقلية السليمة لبرز من بيننا العلماء، والخبراء، مثلما حدث في اليابان..
    إن هذا هو أساس الغفلة التي أفشلت كل جهودنا في العصر الحاضر، إننا جد فخورون بأننا نخلف وراءنا تراث التضحيات فحسب، بينما المطلوب أن نترك وراءنا تراث الفتح والانتصار.
    تلك مؤثرات فتنة الفكر الخارجية، وقد أوصلتنا إلى ما نحن فيه، وهي كفيلة بإعاقة خير مستقبل أمتنا، وتحديب مشروع المسلمين، فوق التحدي الموهوم الذي لا مقابل له..
    وحيث لا يتصور وصف ما أسميناه كيداً وتربصاً ومكراً.. بأنه تحد .. والتحدي لا يوصف.. إلا في مواجهة مباري.. على ما سبق..
    أما فتنة الفكر الداخلية فيمثلها العجب من داخل فكر المسلم نفسه.. حين يصل إلى مرحلة يفتتن بها فكره، ويعجب فيها برأيه.. فلا يرى من خلال عقله.. إلا عقله!! وقد كان سبب ضلال فرعون فكره.. حين رأى أنه لا يعلو فكر على فكره.. ومن ثم حرم أن يعلو صوت على صوته.. بدليل قوله تعالى عنه:
     ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد( ) .
    والعجيب الغريب: أن ترى صاحب هذا الوصف المنكر المزدرى، والمستهجن المستقبح، من كل الورى، تراه يزكي فكر نفسه.. ويصف تقرير عمله.. ويتصدر الضدية والصد والدعاية بالبهت والافتراء على الإصلاح بأنه فساد.. وعلى المصلحين بأنهم مفسدون!!
    وقديماً نادى فرعون بمصداق هذا التحليل الوصفي لحال المعجب بفكره والمترفع برأيه.. كما حكى الله عنه ذلك في قوله تعالى:
     وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه، إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد( ) .
    ومن بعد فرعون جرى التقليد من كل متكبر جبار، لصد الحق ورده عن منطق فرعون المفسد في الأرض، ودعواه أنه المصلح الوحيد.. وهم خلفه على سنته، مصداقاً لقول الله تبارك وتعالى فيهم:
     وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون( ) .
    فرد الله عليهم كاشفاً حقيقتهم بقوله:
     ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون( ) .
    وفهمي لنفي الله عنهم الشعور، أنه حصل بسبب لحنهم بحجتهم، وإفصاحهم في قولهم، وإبلاغهم به إلى حد إعجاب السامع أو القارئ:
    بدليل قوله تعالى:
     ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام، وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد( ) .
    كما أن فهمي يرى، أو يدرك من سياق الآيات، أنهم كانوا قبل قولهم المعجب للمتحدث إليه، وقبل إدراكهم لواقع الإعجاب وحصوله، يعلمون فساد أفكارهم..
    وعليه: فإنهم عند النصح لا يسعهم إلا أخذ العزة.. ولم يمنعهم سوى الكبر.. بدليل قوله تعالى:
     وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد( ) .
    علم هذا فساد اعتقاد نفسه، وكذب قوله، وزور ادعائه عند النصح ( تذكر ) فأبى، واستكبر، وضل على علم.. بسبب حاصل فتنة الفكر من الداخل..
    فما أوحش الضلال بعد الهدى، والجهل بعد العلم!!
    ولكم كان ضلال العلماء عند الله عظيما ؟ لذلك جاء المقت في حق المنسلخ منهم شديد، في قوله تعالى: واتل عليهم نبأ الذي أتيناه آياتنا فانسلخ منها، فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين، ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه، فمثله كمثل الكلب، إن تحمل عليه يلهث، أو تتركه يلهث، ذلك مثل القوم الذي كذبوا بآيات الله، والله لا يهدي القوم الظالمين( ) .
    والمتوقع على طريق المستقبل تطبيق شريعة الله.. أمثال هذا النوع من عبيد الفكر الخارجي، أو من عباد فكرهم الداخلي.. سيكون منهم عقبات متحدية.. لازمة.. ومتعدية..
    ومن مثل هذا سبق التحذير على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم( ).
    كذلك والخوف على أمة المستقبل من واقع ( إعجاب كل ذي رأي برأيه ).
    وعبيد الفكر أو عباده.. لن يقفوا أمام الحق ساكتين، أو ساكنين، بل سيحاولون جاهدين أن يخرسوا صوت الحق، وسوف يستعدون عليه غيرهم، ممن يضيرهم الحق، أو يعارض استبدادهم، أمثال حكام هذا الوصف..
    وعليه فما من مخرج حازم.. ولا انتصار حاسم.. أمام هذه التحديات: أنجع ولا أنجح من تنفيذ اتحاد جماعات المسلمين، بترك خلافاتهم الفرعية.. ومكارهاتم الصورية الشكلية.. ليقفوا يداً واحدة فيمسكوا بزمام الأمور، ويحطموا صخرة الخلاف، ويلاقوا تأليف القلوب.. ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.
    أما فتنة النفس: فأشد وأنكل، على ما قيل ( أشد أعدائك نفسك التي بين جنبيك إن قدرت عليها فأنت على غيرها أقدر ).
    والله تعالى يقول:  إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي( ) .
    وفتنة النفس على النفس لدد.. ولا ينقذها من فتنتها إلا إلهامها.. على ما بين الله ذلك في قوله تعالى:
     ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها( ) .
    وفجورها من هواها، بدليل قوله تعالى:
     أفرأيت من اتخذ ألهه هواه، وأضله الله على علم، وختم على سمعه وقلبه، وجعل على بصره غشاوة، فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون( ) .
    وهوى النفس للمال محفوف بالشهوات، وحسبان التخليد بعده.. على ما حكى الله ذلك في قوله:
     الذي جمع مالاً وعدده، يحسب أن ماله أخلده، كلا لينبذن في الحطمة( ) .
    ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ( تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار.. ) إلى قوله: ( تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش( ) ).
    وتعظم فتنة النفس بالمرأة. على ما قال الواقعي المعترف..:
    "لا تنادوني إلا بيا عبدها فإنه أشرف أسمائي( )"
    والله تعالى ذكر ذلك بقوله:
     زين للناس حب الشهوات من النساء( ) .
    وهذا يصدق ما يروى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة( ) ) أو كما قال صلى الله عليه وآله وسلم.
    وفتنة النفس بالنساء قديمة، وحديثة، ولازمة مستقبلاً.
    وإنها لمن أخطر التحديات على طريق الأمة الإسلامية، والذي وراءها هو الغرب الكافر، فاطر العلمنة ومصدرها..
    وفعله هذا وتخطيطه مبني آخره على أوله..
    فأول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء.. كما في صحيح مسلم.. ولذلك كم أهملوها؟! ولقد احتسبوها وأعدوها شيطاناً.. على مدى حين من الدهر..
    لكن عادوا ليزايدوا بها من أجل الفتنة، على طريق عرقلة تطبيق شرع الله ورسوله، اليوم وغداً.. حتى لا يكون ذلك التطبيق سبباً لنهاية ليلهم.. لعلمهم بأن تطبيق أحكام الإسلام: نور يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور. والمرأة مدرسة هادية.. أو مضلة.. مصلحة.. أو مفسدة..
    شيطانة إنسية حين تهوى الشياطين، وتستميل قلوب العارفين.. يقول أحدهم:
    يدعونني الشيطان من غزل وهن يهوينني إذا كنت شيطانا
    ومما يفتن النفس ويحقق عبوديته له: الحكم والولاية.. حباً في الزعامة، ليكون آمراً وناهياً، لا يُسأل عما يفعل.. وحتى لا يكون عليه هو أمر، ولا نهي. أي: صاحب هذه النفس المفتونة، بطغيانها الذي لا تقبل معه نصحاً.. فتقطع لسان مرشدها، ويد منقذها..
     كلا إن الإنسان ليطغى، أن رآه استغنى( ) .
    وإنه ليقر بوصفه عامة من على شاكلته، حباً وحرصاً، وهم يمكرون..
    يلبسون الحق بالباطل.. ويكتمون الحق وهم يعلمون.. أمثالهم من عاهد الله لإن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين.. فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون، فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون( ).
    لم يشكروا النعمة، ولم يصبروا على دوامها، ولم يتعظوا بما حصل للمكاثر أول مرة..
    وقد أخبر الله تعالى بما حصل له ووقع عليه  ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين( ) .
    والمكاثرة من فتنة النفس: كالمنازعة والمخاصمة، والعصيان. على ما قال الله تعالى عن حال عصبة المسلمين:
     ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه، حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون، منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة، ثم صرفكم عنهم ليبتليكم، ولقد عفا عنكم.. ( ) .
    وعليه: فالتنازع والاختلاف والتكاثر والحرص، كلها معاصي، نتائجها تحديات مرهقة على طريق الانتصار.. ولـمِّ الشمل، وجمع الكلمة، واتحاد الأرض.. والأمة المسلمة، في دولة واحدة، ذات سيادة وقوة وشرف وهيبة..
    والعبرة من قصة واحدة.. وما حصل للمسلمين بسبب طاعة النفس..
    وموافقتها على مغنم زائل.. هداها ودلها على المسارعة إليه حرصها..
    كذلك أخذهم برأيها واجتهادها، في مقابل مخالفة النص الوارد به أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم: بأن لا يتركوا أماكنهم( ).. وهم الرماة، الحماة لظهور المسلمين من غدر المشركين..
    وقد كانوا خمسين.. خالفوا أو عصوا أميرهم.. فكان عاقبتهم ما كان.. وفيهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم! لم يمنع.. أن يعطيهم الله درساً لا يتكرر في حياتهم.. وهم الذين اختارهم الله لصحبة خاتم أنبيائه ورسله، محمد صلى الله عليه وآله وسلم وليكون عظة وذكرى للمسلمين إلى يوم الدين..
    ومهما لم يستفدوا ويحذروا تحديات النفس الأمارة.. وفتنتها، فلن يفلحوا بالانتصار على أعداء المستقبل، ولا على جمع معطيات إعداد القوة.. ولا على صياغة مقومات الوحدة..
    ومن الحاضر خير مثل: نضربه من الحركات الإسلامية، الذي لا يخفى اختلافهم مع أنفسهم، وانشقاقهم على جمعهم، وقد صيرتهم عبيداً لدعوى: أن كل واحد منهم بجماعته من معدن التـبر( الذهب الخالص )، أما ما عداه في الجماعة الأخرى فهم البعر.. وما هذا بواقع فتنة تزكية النفس.. خالفوا نص النهي عن تزكية النفس( ) فضاقت حليتهم، أن يجدوا آلية توحد صفهم وتجمع كلمتهم.
    وإنه لعقاب لهم.. لكن قد يرضى عنهم ربهم إن تابوا.. إلا أن الله يرضى ولا يعذر من يخالف أمره.. وهو يرضى أو يعذر من يفعل النهي أو يرتكب المخالفة، وقد تاب على آدم ربَُه فهداه لما تاب إليه بعد أن خالف نهيه سبحانه عن الأكل من الشجرة.. ولم يكتب الله لإبليس الهداية ولم يتب عليه لارتكابه وعصيانه أمر السجود لآدم.. استكباراً.. وقد كان مستطيعاً.. والله تعالى لا يأمر بما هو فوق الاستطاعة.. فإذا نفذ العبد مرة ثم عجز.. رفع الله عنه التكليف السابق على حدوث العجز بنص آخر من كتابه الكريم.. فهو يقول تبارك وتعالى:
     لا يكلف الله نفساً إلا وسعها( )  في حق الأمر.. لكن في حق النهي وإن كان لا يجيز خياراً ولا رخصة.. بدليل قوله تعالى:
     فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى( )  لكنه يعفو ويصفح مهما رجع المخالف إلى ربه وحقق شروط التوبة.. بدليل قوله تعالى:
     وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى( ) .
    ولذلك يقول صلى الله عليه وآله وسلم تبعاً لنهج القرآن: ( وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه( ) ) فالمنهي عنه محظور فعله.. والمأمور به لا ينفذ تكليفاً إلا في حدود المستطاع ومن تركه مستطيعاً.. كفر.. أو أشرك.. أو ألحد.. أو فسق.. فيحق الجزاء.. وأحياناً يحصل الخلط بين ارتكاب النهي وترك الأمر خاصة من حكام الأنظمة المتهالكين على الجاه والعرض الأدنى.
    ومن الدول الإسلامية نضرب مثلاً بأفغانستان اختلف زعماؤها على الأسلاب بعد أن تحررت من الروس وعملائهم.. اختلفت زعامات التحرير على رئاسة الحكم.. فصاروا حرباً على بعضهم أشد من حرب أعدائهم عليهم.. بل صاروا أسوأ مثل مضروب على طريق مستقبل أمة، ودولة تدعي تطبيق الإسلام!!
    وبلاء الأمة الإسلامية في حكامها وأنظمة دولها المقننة لمشترع الكافرين كما هو الحال في تركيا استنبول ( الإسيتانة ) عاصمة دولة الإسلام.. وغيرها.. وغيرها..
    وتتفاوت درجات الفساد في وسائل الإعلام.. تبعاً لهذه الوسائل فهي في السينما أشد.. يليها البث التلفزيوني والصحافة، والإذاعة.
    وفي التعليم.. بنزع الأخلاق التربوية.. ونزع التطبيق العملي عن نظرياته..
    كذلك تتفاوت درجات الفساد بين أقطار الإسلام المختلفة في كل ما أقدرنا الله على حصره من مجموعة أفراد أو مفردات الكيد والتربص والمكر.. والتي كان عليها مدار العمل والإخراج على مستوى تفريعاتها المحسوبة والمسماة في نظر ( القصار ) تحديات قاصمة معجزة، قالوا: كيف وقد صنعها الكافرون؟ ولا قبل للمسلمين على مواجهتها!؟
    فكيف يدعي: بزها وشلها؟!
    إنها فتنة الذلة الواقعة بشللية هذا النظر..
    يقول المستشار والمفكر الإسلامي الدكتور/ على جريشة:
    "قد يقول قائل: ولربما كان الفساد في بلاد لا تجاهر به أشد من بلاد أخرى تجاهر به، ففيها الزنا واللواط وأكل الربا، وشرب الخمر، وغير ذلك من المنكرات."
    ونقول: وقد يكون هذا صحيحاً لا يماري فيه عالم.. ولقد كان علاجه واجباً.. ليس عن طريق الحدود وحدها، وإنما عن طريق التربية الصحيحة والعلاج الاجتماعي بوسائله المحلاة بالقدوة.. والأخذ على يد المفسدين مهما كان مركزهم.. حتى لا تصير الحدود قصراً على الضعيف دون الشريف.. ومع ذلك إشاعة لها أيما إشاعة، أو تتعالن بلاد المعصية فإن في ذلك إشاعة إغراء أيما إغراء.. وهذا يساعد على سرعة الانتشار، ويهون الجريمة على من يتردد في اقترافها..
    ولقد كانت الحدود ردعاً لهذا الشر أن يسري أو يستشري..
    وإعلان الحدود: إعلام..
    وإعلان إقامة الحدود على جرائم شواذ الأمة اليوم ودرءاً لانتشارهم فيهم فإن ذلك يحقق منعاً لحصول كارثة النتيجة على أمة المستقبل، وإلا صار الإهمال وعدم الاكتراث بتطويق الفساد القائم اليوم تحدٍ صارخ يلقي ثقله على غد المستقبل الواعد.. فيعيقه ويرهقه.. ولا يفوت ذنبه وعقوبته عن المقصر بالأمس يعذب به مستحقاً بأثر رجعي.. إلا أن يشاء الله بتقديره خلاف ذلك.
    وحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له( ) ) أو كما قال صلى الله عليه وآله وسلم.
    فظاهر الحديث واضح ومفهوم المقابلة منه في جميع ألفاظه أن على السلبي عكس الحسنات تتبعه بعد موته.
    نسأل الله حسن العاقبة وحسن الختام.

    الفصل العام
    ملخص المدخل وتقرير ختم موضوعاته

    الفصل الثامن
    ملخص المدخل وتقرير ختم موضوعاته


    ملخص المدخل وتقرير ختم موضوعاته
    وفي الختام لا يفوت أن نستلهم في هذه الخاتمة من مجموع فصول الكتاب الدالة بظاهر عناوينها، على أهم توقعات مسمى ( التحديات المستقبلة للأمة الإسلامية ) نستلهم من تفصيلاتها الموضوعية، وارف النتائج التقويمية والعملية الهادفة، على مستوى مفهوم خصوصها.. وظاهر توجيه عمومها..
    والواقع أن كل تحدٍ شمله الحصر الجدير بإطلاق مسمى: أخطر التربصات الكيدية.. لاشتماله منفرداً و مجتمعاً على حقيقة المواجهة الفعلية، للأمة الإسلامية القادمة..
    ويتمثل ذلك في رفع أو تمجيد اللافتات الزائفة.. والمقولات الغامضة.. والشعارات الملبسة..
    وقد أشربها حاضر الشباب، في الأمم والشعوب القائمة.. الذين هم سبب تحقيق النتائج السلبية، والمتوقع مسماها تحديات، على طريق مستقبل الأمة الإسلامية..
    وهي كثيرة، لكن أصولها أو أجمعها: تلك التي جرى عليها الاختبار، وحصل بها التعريف والتوصيف.. خطوطاً عريضة ضمن المقدمة محددة المواضيع تحت عنوانها الخاص خطة رئيسة في الجملة.. موصوفة بالفصول.. على مقتضى أنواع التحدي تصنيفاً وتوصيفا.. والتي تحدد حصرها في تقرير مفهومين مفهوم التوقع.. ومفهوم المجاز.. وقد بلغت في العدد الرأسي سبعة أنواع أو محاور رئيسة الفصول.. وهي في هذا العد الأفقي موضوعاً مشمول الفروع مثنى وثلاث ورباع.. وكلها جديرة للإحالة على مستوى فصولها السبعة في تفصيلها مغنية قارئها مدخلاً في الحد الأدنى.. ويبقى كل تلخيص عوار.. واختصار المختصر إخلال.. وعليه وإن كان من شأن هذا الفصل تلخيص الفصول قبله، إلا أن الاكتفاء بعرض الخطوط العريضة فصلاً وفروعاً يغني إشارة للرجوع بها إلى قرار النتيجة، وكل فصل وفرع بمحتواه ليس إلا نتيجة قائمة بخصوص نوع التحدي الموصوف في عمومه بالمدخل.
    ووفاءً بما وعدنا نعود لنذكر بمجمل أنواع التحدي كما وردت في بابها مادة وموضوعات تحت مسمى فصول موجز الأبعاد والنتائج:
    الفصل التميدي موضوعه: ( ماهية التحدي ) ومعناه التعريف.. وقد خصه ثلاثة محاور:
    المحور الأول: خص مفهوم التحدي في اللغة.. وعنى لغة إطلاقه في اللسان العربي.
    المحور الثاني: خص مفهوم التحدي في الشرع.. وعنى التعريف العلمي على مفهومين: تحد حقيقي معجز لا تطاله المعارضة.. موضوعه تحدي العرب بالقرآن أن يأتوا بمثله أو بسورة.. ولم يعرف أنهم عارضوه.. وتحد مجازي ويصدق على ما عدى التحدي بالقرآن.. ولا يصدق عليه التعريف الشرعي..
    المحور الثالث: خص مفهوم التحدي في الاصطلاح وعنى تعريف علماء الفقه والمنطق في تقريرهم بأن حقيقة التحدي بزه للمعارضة وإعجازه للمتحدى في مقابل تحمسه وقدرته البلاغية وحرصه على رد التحدي وبزه، لكنه عجز لبشريته لا بالصرفة المنطقية.. وإنما لافتقاده وصحة البرهان ودليله..
    الفصل الثاني موضوعه ( توجيه خطوط التحدي العريضة وتحرير مقومات مجازها )
    وقد عنى تقرير وتوجيه مفاهيم التعريف وشرح أبعادها موضوعاً ومادة وهذا ما سبق أن أشرنا بالإحالة إليه..
    الفصل الثالث: موضوعه ( فتنة تنصير وتسويغ مستقبل عولمة التشريع )
    وقد خص محاور شؤم التقنين الوضعي حصراً في تحديب العولمة تنظيراً وتنضيرا ( كتابة ودعوة ) وتحديداً في أربعة محاور:
    محور فتنة عولمة الأحكام.. محور مبدأ فتنة التقنين ومحور توقع خسران ميزان القضاء به.. ومحور مفهوم عولمة الفكر.. ونظام الحكم.. ونتيجة هذه المحاور فساد العدل بضياع تطبيق أحكام الإسلام عقيدة وشريعة ومنهج حياة.
    الفصل الرابع: موضوعه ( استكمال سياسية التجويع وتحقيق تحطيم الاقتصاد ) وقد عنى وخص تمهيده تقرير أربعة فروع محورية أولها خص البنك الدولي وصندوق النقد واستغلالها لحاجة العالم الثالث والدول النامية وسعيها الحثيث لتحطيم اقتصاد العالم الإسلامي لصالح اليهود، وهم المسيطرون على مجمع الأحداث في التنمية التجارية.. والزراعية.. والخدمات المشروطة.. وشروط اليوم مرهقات الغد..
    الفصل الخامس: وموضوعه ( تعقيد سياسة نظام الحكم وتقشيب استبداد ولاته.. ) ويعني إزاحة الحكم الإسلامي واستبدال الديمقراطية منظرة الحريات المطلقة حتى لا يكون الحكم لله وإنما للبشر.. والنتيجة حكم الطاغوت يبغون..
    الفصل السادس: وموضوعه ( إيقاع التزام الولاء وصدق البراء في غمرات موبقات الحداثة..) الخ.
    وقد عنى هجمة الاستشراق والتجديد القومي والعلماني على الفقه الإسلامي والثقافة الإسلامية وعلى لغة القرآن الكريم وأصالتها وعلى عالمية التشريع في القرآن..
    الفصل السابع: موضوعه ( تطبيق وإحلال علمنة التربية والتعليم والثقافة والإعلام ) وعنى إحلال الغربة في مستقبل الأمة.. ( غربة الإسلام ) بإخراج المسلمين عن وصفهم بخير أمة ليصبحوا أشر أمة في ميزان تطبيق الإسلام التربوي والتعليمي والثقافي الإعلامي..
    وهذه المحاور في مجموعها عنت واهتمت بإبراز أخطار المستقبل في مواجهة الأمة الإسلامية وتقدير الحلول بإزالة أسباب الغربة ودرء الأخطار بالتصدي لها.. وأخطار المستقبل في تحديات الحاضر..
    وإنها لهي الأسس التي صارت تدفع بها الموجات الصليببية والصهيونية، والإلحادية العالمية، إلى بر الفكر الإسلامي.. والعمل الإسلامي.. على مستوى أنواعه وتوصيفاته.. ليكون الإسلام بها غريباً..
    وقد صارت كلها تشريع وتقنين وضعي، على منهج نضار العولمة.. ودعاة التغريب.. ورواد التحديث والتجديد.. ومحرري أسلمة البلشفة والتنقيح.. وأتباع المعاصرة، ومسايري الواقع على تقدير شرعية الضرورة والمصلحة..
    إنها موجات التغريب الفكري، تدفع تحدياتها وتدعهما بإلقاء الشبهات في مقابل الخواء العلمي، والعملي، لدى جانب الموجهة ضد عامة الشباب الإسلامي، والأمة الإسلامية بعد الذي أصابها..
    وشر البلية: اعتقاد هذه الأمة بشبابها، أنهم متروكون ومتجاوز عنهم خارج هدف الباطل وحزبه..
    أو أنهم يملكون الخروج من المعركة والتخلص من المواجهة، أو تأجيلها.. أو أن سذاجتهم وطيبتهم ستقريهم، وتمنحهم صدق المصالحة، أو المهادنة، مع نظار التغريب العلماني الديمقراطي الكافر..
    أو أنهم قادرون على الخروج من المعركة الفاصلة، بين الحق والباطل، بالأوهام الخادعة المتلقاة.. ظاهرها الإحلال، وباطنها الاستسلام..
    ولقد اتضح بأن عامة مثل هذه الاعتقادات، أو التوهمات السلبية.. وقد أخذت مأخذها من الجد والالتزام، وحسب ذلك واقعاً مفروضاً.. وضرورة شرعية.. ومصلحة للأمة، دلت عليها هداية مفهوم فقه الواقع..!
    اتضح بأنها سببت وارف الإيمان بإحلال شبهات التغريب، محل حقيقة واقعها..
    وصدَّق عليهم إبليس ظنه.. كما صدَّق عليهم دعاة التغريب.. فتبعهم المسلمون حتى أطاعوهم، وأقبلوا على جلبهم عليهم.. مقتدين ومنفذين.. بل دعاة إيجاب وتحمل.. ومنظروا فكرة وتأثير.. إلا قليلاً منهم..
    صدَّقوا عليهم بوضع الشبهات.. حتى أردوهم و ( أطاعوهم ) فيها!!!
    أولاً: أن تأخر المسلمين عن ركب حضارة الغرب سببه الإسلام..
    ثانياً: أن المدنية الغربية لا بد أن تؤخذ بحضارتها وثقافتها تصنيفاً وتوصيفاً.. وأنه لا يمكن بدون ذلك إحراز أي تقدم مدني في حياة المسلمين..
    ثالثاً: إن الإسلام لا يستطيع أن يعطي للعالم المعاني الروحية..
    رابعاً: صدقوهم في تعميق هوة الخلاف بين العروبة والإسلام بعد أن أوجدوا لهم ذلك بالإيقاظ للفتنة القائمة..
    خامساً: تصديقهم بأن المسلمين لم يستيقظوا من غفلتهم إلا بإيقاظ الغرب لهم..
    سادساً: قيامهم معهم بالتنكر والإنكار لدور الحضارة الإسلامية التي ازدهرت في وقت من الأوقات، وكانت سائدةً على مدى قرون خلت..
    سابعاً: تصديقهم في دعوى بأن الفلسفة الإسلامية فلسفة يونانية نقلتها الأقلام العربية بواسطة الترجمة مكتوبة باللغة العربية..
    ثامناً: إحلال التصديق بأن عظماء الفكر الإسلامي لم يكونوا عرباً وإنما كانوا عجماً..
    تاسعاً: تجريد القول بأن على العالم الإسلامي إذا أراد نهوضاً ويقظة فإنه يلزمه التخلي عن ماضيه وضرورة انفصاله عنه..
    عاشراً: العمل على واقع التصديق بأن اللغة العربية لغة ميتة كما هو حال اللاتينية، واللهجات هي اللغات الحديثة..
    حادي عشر: إعلان الاعتراف بأن التاريخ الإسلامي غير دقيق أو غير واقعي وأنه محفوف بالثغرات.. لذلك يجب إلغاؤه وعدم العمل عليه وكذلك إنهاء الفصل به في كل حال..
    تلك أهم الشبهات التي وقعت فيها المفاهيم المحدبة.. والتي واقعها يفرض وقائعها تحديات على طريق غد المستقبل..
    وإنها لمجموعة أمثلة في الواقع، من الواقع، تعني: حقيقة واقع حجب الإسلام بالمسلمين..
    وظاهر الوضوح على جميع المسميات التحدي المقامة على الحال، والتي ستقام في مواجهة أمة الإسلام: هي مجرد تحديات مجازية..
    مكر وكيد وتربص.. مجموعة عوائق تبزها وتبطلها حقيقة الإعداد.. وتوفير مقومات الإرهاب.. المطلوب من الله عمله.. واجباً على المسلمين في مواجهة عدوهم وعدوه سبحانه، فهو يقول لهم آمراً.. مؤيداً ومبشراً:
     وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم( )..
    وتدبر آي القرآن واستظهارها قولاً وعملاً.. يبطل كل ما يجري به المكر والكيد، ويكشف سر كل تربص بالمسلمين من أعدائهم المجرمين، بدليل قول الله سبحانه وتعالى:
     وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين( ) .
    ومن المفاهيم المستفادة في هذا الكتاب:
    أن قوة الاندفاع بالحق لا تنشأ فقط من شعور صاحب الحق أنه على الحق، ولكن كذلك من شعوره بأن الذي يحاده ويحاربه إنما هو على الباطل، وأنه يسلك سبيل المجرمين.
    ومما علم وتقرر أن الحق أبلج، والسنة تتجدد كلما ظهر ضد معلومها، ومفهومها..
    ومتى أسفر الكفر والباطل عن وجهه أجرى الله سنة وضوح الإيمان، وأبرز الخير والصلاح.. وأبان سبيل المجرمين وجعله هدفاً من أهداف التفصيل الرباني للآيات العظيمة على مستوى دلالالتها..
    كذلك وضوح الألوان والخطوط على مستوى التوجهات.. هي التي سمت بإدراك الغبش، وقرع الشبهات، في موقف الكافرين، والمجرمين، وفي أساليبهم المتعددة والمتنوعة..
    وأي تردٍ في مفهوم الإدراك الحقيقي لغبش وشبهة الألوان والخطوط في التوجهات التغريبية الاستشراقية والعلمانية.. فإنه يرتد غبشاً ووهماً وشبهة في موقف المؤمنين..
    وإن أشق ما تواجهه الأمة الإسلامية اليوم هو الغبش، والغموض، واللبس الذي أحاط بمدلول لا إله إلا الله، وبمدلول الإسلام في حياتها..
    ثم كذلك ما أحاط بمدلول الشرك، وبمدلول الجاهلية..
    كما تتمثل معاناة الأمة اليوم في عدم استبانتها سبيل المجرمين من سبيل المؤمنين، واختلاط الشارات والعناوين، والتباس الأسماء واللافتات، والتيه الذي لا تتحد فيه مفارق الطريق!
    وأيضاً تحرير المقارنة: المسلم يستحي أن يعلن التزامه بالإسلام عقيدة وشريعة، ثم أنه يتحرج أن يجهر بإقامة شعيرة الصلاة، في حضور اجتماع مختلط أو عام، أو في مجمع مؤتمر لهيئة أو منظمة دولية، مهما سمع المنادي بها حتى وإن كانت صلاة جمعة..!؟ ثم هو لا يتحرج أن يعلن رسمية عطلة يوم السبت والأحد.. ولا كذلك إعلان التزامه بقوانين إطلاق الحرية الشخصية.. والدينية.. عدى الإسلام فإنه يستحي أنه يعلن حرية التزامه..!!
    بينما اليهودي يعتذر عن حضور أي منتدى أو اجتماع أو مؤتمر إذا صادف انعقاده يوم سبت. وإذا كان نصرانياً اعتذر إذا كان يوم أحد..!!
    قوانين المسلمين القائمة بنظر حكام أنظمتها تحرم وتحظر إنشاء مسمى جماعة إسلامية.. بل تقنن حظر الاعتراف بحزب يعلن بأن شعاره هوية إسلامية..؟!
    بينما اليهود والنصارى ومجتمعات الإلحاد في العالم يفخرون بانتمائهم لمعتقداتهم وأديانهم..؟!
    لقد اختلط الأمر وتداخلت العوائق والتوجهات حتى ضاقت المخارج، ثم عميت (وأظلمت) إلى أن هزل البراء وتعقد الولاء.. وتحقق الانسياق وراء حركات التمييع الخادعة، والمخدوعة.. انساقت الأمة على مستوى علمائها ثم استشرى مرض المخادعة، فصارت تعتقد بسكوتها عن الإنكار للواقع، وبمجاملتها، وبمداهنتها لأهل الباطل، ورواد الإجرام أنها تخادعهم وتتسلى بهم.. والعكس صحيح فالكل خادع والكل مخدوع!!
    وحسبوا ألا تكون فتنة.. وقد أشعلوها لازمة ومتعدية.. تلك جل مفاهيم وإيقاظات سياق تفصيلات الكتاب..
    ويبقى من بنود هذه الخاتمة لازم تعليق الإشارة إلى مفهوم عموم موضوعه وقرار هذا يعني اشتماله على دعوة الأمة القائمة على هذا الدين.
    دعوة إجمالية تعني الخاصة ( أهل الحل والعقد )..
    والعامة.. ( المقتدين ) بأن يحققوا كلمة التوحيد ( العقيدة )..
    ويقيموا أحكام الشريعة، ويتابعوا سنة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ويصدقوا المتابعة..
    ويحسنوا القدوة في التآمر والتناهي.. وإحياء ركن الجهاد لإزاحة شبح طغاة الأرض وقد حالوا بين الإسلام وبين حرية الإنسان الدينية.. أن يلتزم الإسلام عقيدة، وشريعة، ومنهج حياة..! لكن أن يخرج الملتزم.. فنعم؟ وهم له من الناصحين..!! وعليه فإنه القرآن الكريم يقرر عند ذلك مقاتلتهم على ما ورد في قوله تعالى:
     وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله( ) .
    الجهاد شرع ركناً عظيماً ضمن مقومات الإسلام.
    وتحقيقه في الأمة الإسلامية ضرورة حتى لا يبقى بين سكان الأرض جميعاً وبين دخولهم في الإسلام إلا المشيئة الاختيارية..
    دون الإكراه في الدين تحقيقاً لقول الله تعالى:
     لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي( ) .
    ولقوله سبحانه:
     فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر( ) .
    وإيضاح الله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلم يقضي بواجب الالتزام بالتبليغ فقط أما سواه فعلى الله أمره، فهو يقول له:
     إن عليك إلا البلاغ( ) .
    ويقول له:
     لست عليهم بوكيل( )  و  لست عليهم بمسيطر( ) .
    ويقول:
     ليس عليك هداهم( ) .
    ويقول له سبحانه:
     قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني( ) .
    ذلك تقرير مفاهيم دلالات مواضيع التحديات المنوط بها سفرها والمعول عليها تحقيق عنوانه.
    والله أسأل أن ينفع به الطالب والباحث والمقتصد..والسابق بالخيرات.
    كما أسأله سبحانه أن يجزل لي الأجر والثواب على ما بذلت بما لا يتجاوز جهد المقل..
    ومهما أصبت فمن الله الذي وفقني وسدد.. وإن يكن غير ذلك أو دونه فمن نفسي والشيطان.. وأرجو الله ألا يجعل له علي سلطاناً نصيراً.
    والحمد لله رب العالمين.
    بتاريخ20 ربيع الثاني سنة 1419هجرية على صاحبها وآله وأصحابه أفضل الصلاة وأزكى السلام. الموافق 13/8/1998م.
    المؤلف

    مصادر الكتاب عن مراجع مادة موضوعاته
    م المصدر المؤلف
    1 القرآن الكريم
    2 أجنحة المكر الثلاثة عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني
    3 أخطاء الفلسفة المادية أنور الجندي
    4 أخلاقيات وسلوكيات سعيد حوى
    5 أساس البلاغة جار الله الزمخشري
    6 أساليب الغزو الفكري د/ على محمد جريشة
    7 أضواء البيان محمد الأمين الشنقيطي
    8 أوليات الحركة الإسلامية د/ يوسف القرضاوي
    9 أوهام العلمانية حول الرسالة والمنهج د/ يوسف القرضاوي
    10 الإتقان في علوم القرآن للسيوطي
    11 الأسس الخلقية للحركة الإسلامية أبو الأعلى المودودي
    12 الإسلام بين العلماء والحكام عبد العزيز البدري
    13 الإسلام هو الحل محمد عبد الله السمان
    14 الأصوليات المعاصرة غارودي
    15 الاعتقاد والهداية أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي
    16 البداية والنهاية كتاب الفتن والملاحم ابن كثير
    17 البيريسترويكا ميخائيل جورباتشوف
    18 التبصرة في الدين أبي المظفر الإسفراييني
    19 التعددية السياسية في الدولة الإسلامية د/ صلاح الصاوي
    20 التفسير السياسي للإسلام عمر التلمساني
    21 تلبيس إبليس ابن الجوزي


    تابع مصادر الكتب عن مراجع مادة موضوعاته
    22 الحضارة الإسلامية آدم ميتز
    23 الحداثة في ميزان الإسلام عوض بن محمد القرني
    24 الحل الإسلامي فريضة وضرورة د/ يوسف القرضاوي
    25 الحلول المستوردة د/ يوسف القرضاوي
    26 الحملة الأمريكية للقضاء على الإسلام نشرة خاصة
    27 الديمقراطية نظام كفر عبد القديم زلوم
    28 الطريق إلى الأصالة أنور الجندي
    29 العمل الجماعي محاسنه وجوانب النقص فيه د/ عبد الوهاب الديلمي
    30 الغربة والاغتراب ابن قيم الجوزية
    31 القول الأمين في بيان فضائح المذبذبين أبي عبد الرحمن مقبل الوادعي
    32 كتاب استخراج الجدال من القرآن الكريم الإمام/ ناصح الدين بن الحنبلي
    33 القومية العربية في الفكر والممارسة بحوث ومناقشات
    34 المتغيرات الدولية فتحي يكن
    35 المستقبل لهذا الدين سيد قطب
    36 المسلمون بين الماضي والحاضر والمستقبل وحيد الدين خان
    37 الموسوعة الميسرة الندوة العالمية للشباب الإسلامي
    38 النهضة حافظ صالح
    39 اليقظة الإسلامية أنور الجندي
    40 بلشفة الإسلام د/ صلاح الدين المنجد
    41 تحديات في وجه المجتمع الإسلامي أنور الجندي
    42 تراثنا الفكري محمد الغزالي


    تابع مصادر الكتاب عن مراجع مادة موضوعاته
    43 تهافت العلمانية د/ عماد الدين خليل
    44 تهافت الفكر المادي التاريخي د/ محمد البهي
    45 جاهلية القرن العشرين الأستاذ/ محمد قطب
    46 جماعة المسلمين د/ صلاح الصاوي
    47 حتى لا نخدع عبد الودود شلبي
    48 دفع الشبهات ورد مفتريات محمد عبد الله الخطيب
    49 رؤية إسلامية لأحوال العالم المعاصر الأستاذ/ محمد قطب
    50 سقوط الجولان خليل مصطفى
    51 شبهات حول الإسلام الأستاذ/ محمد قطب
    52 شبهات في الفكر الإسلامي أنور الجندي
    53 شريعة الله حاكمة د/ علي محمد جريشة
    54 شؤم المعصية وبركة التقوى أحمد عز الدين البيانوني
    55 طريق العزة يوسف السباتين
    56 عوائق الانطلاقة الكبرى محمد عبد الهادي المصري
    57 فلسفة النظام التعليمي د/ أحمد حسن عبيد
    58 كلنا سواسية محمد موفق سليمة
    59 لسان العرب ابن منظور
    60 لعبة الأمم مايلز كويلاند
    61 ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين أبو الحسن الندوي
    62 مباحث في علوم القرآن الأستاذ/ مناع القطان
    63 مثلث الخطر مصطفى نبيل
    64 مجتمع الكراهية سعد جمعة


    تابع مصادر الكتب عن مراجع مادة موضوعاته
    65 مجموعة مجلة الفيصل مجلة ثقافية شهرية
    66 محاذير وأخطار أنور الجندي
    67 مذكرات مستر همفر
    68 مسلمون.. وكفى عبد الكريم الخطيب
    69 مشكلات الجيل في ضوء الإسلام محمد المجذوب
    70 مشكلات الشباب في ضوء الإسلام د/ إسحاق أحمد فرحان
    71 معضلات الاقتصاد وحلها في الإسلام أبو الأعلى المودودي
    72 معوقات تطبيق الشريعة الإسلامية د/ علي جريشة
    73 مفاهيم النفس والأخلاق والإجماع أنور الجندي
    74 مفاهيم خطرة نشرة خاصة
    75 منهج التربية الإسلامية الأستاذ/ محمد قطب
    76 منهج الدعوة النبوية في المرحلة المكية د/ علي بن علي بن جابر الحربي
    77 نظام الحكم في الإسلام تقي الدين النبهاني
    78 نظرات في السيرة حسن البنا
    79 نظريات وافدة أنور الجندي
    80 نظم التعليم وفلسفتها د/ علي هود عباد
    81 هزات الأسواق المالية نشرة خاصة
    82 هموم المسلم المعاصر د/ يوسف القرضاوي
    83 واقعنا المعاصر الأستاذ/ محمد قطب



    م اســم الكتـــــــاب
    1 القضاء وأهميته في الشريعة الإسلامية.
    2 المال ومقوماته في الشريعة والقانون.
    3 اجتهاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليس وحياً.
    4 مباحث في علوم القرآن وارتباطها بحق التلاوة.
    5 إبطال دعوى التمثيل في قصص القرآن.
    6 كتاب الثقافة القضائية.
    7 التحديات المستقبلة التي تواجه الأمة الإسلامية في القرن المقبل.
    8 تقرير بدعية التنفل بعد طلوع الفجر بين الأذان والإقامة فيما سوى ركعتي الفجر الخفيفتين فقط.
    9 الخطب المنبرية المعاصرة.
    10 المجاهد في الحق ( إبراهيم بن يحيى بن حسن الطيب ).
    كتب للمؤلف


    الفهـــــــرس
    الفصل التمهيدي
    مفهوم التحدي في اللغة وتقرير حده
    مفهوم التحدي في الشرع
    مفهوم التحدي في الاصطلاح
    الفصل الثاني
    الفصل الثاني:
    توجيه خطوط التحدي العريضة وتحرير مقومات مجازها على نحو ما وردت تحت عنوان المجاز اللغوي العرفي، ربطا بالتعريف العام.
    الفصل الثالث
    المحور الأول:
    مستقبل عولمة الأحكام الشرعية وعاقبة تقنينها
    المحور الثاني:
    فتنة أحداث تقنين الأحكام الشرعية
    المحور الثالث:
    توقع تحطيم هيئة القضاء على أعتاب عولمة تقنينه
    المحور الرابع:
    مستقبل عولمة الفكر ونظام الحكم
    الفصل الرابع
    سيطرة سياسة التجويع وتحقيق تحطيم الاقتصاد
    التمهيد
    الفرع الأول:
    البنك الدولي وصندوق النقد فتنة على طريق مستقبل الاكتفاء الذاتي والتنمية الزراعية في البلاد العربية.
    الفرع الثاني:
    مقومات تحدي سياسة التجويع وتقدير عاقبة أمرها
    الفرع الثالث:
    تقرير وتنظير مقومات المخرج في دائرة مشكلة التحدي الاقتصادي
    الفرع الرابع:
    شهادة العصر على مسببات التصحر في اليمن الأرض السعيدة وتحديد مكانتها الزراعية في مجموعة الدول العربية
    الفصل الخامس
    تعقيد سياسة نظام الحكم وتقشيب ثوب استبداد ولاته
    تمهيد
    الفرع الأول:
    الفرع الثاني:
    الفصل السادس
    إيقاع التزام الولاء وصدق البراء في غمرات موبقات الحداثة والتجديد على ذمة التزام العمومية فقه واقع الحال.
    تمهيد
    الفرع الأول:
    التخذيل وأثره النفسي على التزام الولاء وصدق البراء.. وانعكاس تأثيره والبالغ هماً حاضراً ونظرة مستقبلة
    الفرع الثاني:
    فلسفة متابعة الواقع والتنظير للحداثة والتجديد خطرها وأبعاد تحدياتها المستقبلية
    الفصل السابع
    تطبيع وإحلال علمنة التربية والتعليم والثقافة والإعلام
    تمهيد
    المحور الأول:
    مستقبل التعليم وواقعه التربوي
    المحور الثاني:
    مستقبل الإعلام وحاله الثقافي
    المحور الثالث:
    مفردات التحدي المشتركة بين التعليم والإعلام
    الفصل العام
    الفصل الثامن
    ملخص المدخل وتقرير ختم موضوعاته
    مصادر الكتاب عن مراجع مادة موضوعاته
    كتب للمؤلف

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 29 (0 من الأعضاء و 29 زائر)

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على الموضوعات
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Keep Track of Visitors
Stats Counter

IP