التحق شاب بـ ( كتيبة الحسم ) ، وهي أقوى كتائب الجيش ، ولم يكن الشاب تواقاً للالتحاق بهذه الكتيبة ، ولا راغباً فيها ؛ غير أن الله شاء له ذلك لحكمة ظهرت له ولغيره لاحق أمره .
أظهر الشاب تميزاً عن أقرانه لدى ثلاثة من قادة الكتيبة ، وترقى فيها ليكون آمراً لإحدى سراياها .
اختلفت الحال مع قائد الكتيبة الرابع ، وبدأت أحوال صاحبنا تسوء ، وما هي إلا أيام حتى بدأ القائد ومستشاروه بتصفية الكتيبة من كثير من أفرادها ، وكان أغلب الذين تعرض لهم القائد الجديد ممن يخشى منازعتهم له ، أو تمردهم عليه .
اتخذ القائد طريقته الدموية لفرض هيبته على جميع أفراد الكتيبة ، فأذعن له الكثير خوفاً من بطشه ، وتحاشاه عامتهم ، إما خوفاً منه ، وإما طمعاً فيما عنده .
مرت عشر سنوات على بدء استهداف القائد لصاحبنا ، لم ينفك القائد - طيلة هذه المدة - من اقتناص ما يمكنه للحط من شأن ذلك الشاب ؛ غير أنه عجز عن إقناع مستشاريه بالتضحية به كأسلافه .
أدرك صاحبنا ما ينويه قائد الكتيبة به ، وعرف سبب ذلك ، فانبرى لمنازلته ، وكان الشاب فتياً متقناً فن المناورة ، قادراً على سياسة حصانه سياسة أعيا على القائد معها توجيه ضربته القاتلة ، في الوقت الذي ينال الشاب منه في كل كرَّة ومع كل فرَّة .
عندما أثخنت القائد جراحه انتفض مغضباً ، وانقض على الشاب ، فضربه ضربة أصابت حصانه ، فقدته نصفين ، سقط الشاب على الأرض ، غير أنه عدا على قدميه نحو أحد الأحصنة ، فامتطى صهوته ، وكر على القائد فأصابه ، ثم عاود الكرة عليه لا ينفك عنه يزيد في جراحه قدر طاقته ، ويجرده من عتاده .
اشتد الألم على القائد ، فاستغاث بمن حوله ، فلم يسعفه أحد ، فشد على الشاب مرة ثانية ، وأومأ عليه برمحه ، فراغ صاحبنا عنه ، ليستقر الرمح في عنق الحصان ، ويقع فارسنا على الأرض مرة أخرى ، إلا أنه قام على الفور ، واشتد في عدوه نحو فرس في جانب ميدان المنازلة ، فقفز على ظهرها ، وكر على القائد مرة ثالثة ؛ ليوسعه ضرباً ويزيد في جراحه أكثر من ذي قبل .
لما رأى المستشارون ما حل بقائدهم رفعوا قسيهم ووجهوها نحو الشاب ، ورموه بنبالهم التي لم تفارق جسده ، فسقط على الأرض ؛ ليقف عليه القائد المجهد ، فيجهز عليه بضربة خائرة ، لم يلبث القائد بعدها حتى وقع صريعاً لا يجد من يحمله إلى مثواه .
بعد أن صرع القائد تراقص أفراد الكتيبة ؛ طرباً لما حلَّ به ، وفرحاً بما أصابه ، وانقض بعض الأفراد على مركز القيادة ، كل منهم يطمع في الحصول على ما يقيم به عوجه ، ويعلي به شأنه .
كان الأفراد في تراقصهم وانقضاضهم وتدافعهم يمرون على جسد ذلك الشاب الذي خلَّصهم من جور قائدهم ، وهم لا يشعرون بأنه لا يزال حياً ، يرمقهم بنظره ؛ جذلاً لسرورهم ، وفرحاً بزوال همهم ، واغتباطاً بانقشاع الظلم عنهم ، غير آبهٍ بآلامه ، ولا طامعٍ بإكرامه ، وهو في حاله تلك يغالب جراحه ؛ خشية أن تنزف ما بقي من دمه .
=