الأخطاء الطبية من منظور الشرع والنظام
أصبحت تطالعنا وسائل الأعلام بشكل شبه يومي عن ما يقع فيه الأطباء من أخطاء طبية تؤدى إلى الإضرار المباشر بالمريض سواء بوفاة المريض أو إصابته بعاهة مستديمة أو قصور في وظائف جسمه الحيوية.
وبلغة الأرقام تؤكد الإحصائيات الرسمية أن مجموع قضايا الأخطاء الطبية المعروضة على الهيئات الصحية الشرعية في المملكة خلال الثلاث سنوات الماضية، وصلت لـ 5105 قضايا، صدرت قرارات في 2139 قضية، من بينها 1239 قراراً متعلقاً بوفيات الأخطاء الطبية، وصدر قرار إدانة في 415 منها استغرقت 6545 جلسة.
وخلال السنوات الأخيرة وقّعت الهيئة الشرعية الصحية عقوبات وغرامات وفرضت ديات على ممارسين طبيين ما بين طبيب وممرض وغيره. هذه العقوبات بعضها وصل لغرامات فاقت المليون ريال مع توصيات أحياناً بشطب الترخيص.
الأمر الذي دعا الجميع للتساؤل حول هذا الموضوع لمعرفة نوع المسئولية التي تلقى على عاتق الطبيب من جراء هذا الفعل وكذلك حقوق المريض أو أهله ، وسوف يتم تناول هذا الموضوع من خلال المحاور التالية :
أولاً : الأدلة والقواعد والضوابط الفقهية المتعلقة بالمسائل الطبية.
ثانياً : الأخطاء الطبية من منظور الفقه والنظام.
ثالثاً : بعض الأمثلة والمسائل التطبيقية .
المحور الأول
الأدلة والقواعد والضوابط الفقهية المتعلقة بالمسائل الطبية
أولاً : معنى الطب :
الطب في اللغة هو في الأصل الحذق بالأشياء والمهارة فيها ومع ذلك فإن المشهور في استعمالها هو معنى المعالجة والمداواة .
وفي الاصطلاح : علم يقوم بالتطبيب ويجمع جمع قلة أطبة ويجمع كثرة أطباء .
ثانياً : مراحل التطبيب :
- الفحص .
- التشخيص .
- العلاج .
ثالثاً : أدلة التطبيب :
- الكتاب .
- السنة .
- الإجماع .
رابعاً : حقوق المريض.
1- حماية المريض مما يحصل من الطبيب من تقصير أو إهمال أو تجاوز .
2- من حق المريض الحصول على رعاية مقدرة وسليمة مع الاحترام .
3- من حق المريض أن يحصل من الطبيب على معلومات كاملة حديثة فيما يخص تشخيص حالته وعلاجه وعواقب المرض الذي يعاني منه.
4- من حق المريض في الحدود التي يسمح بها النظام رفض العلاج على أن يبلغ بالمخاطر الطبية جراء رفضه هذا.
5- من حق المريض أن يحصل على الاعتناء اللازم بخصوصياته فيما يتعلق ببرنامجه الخاص للرعاية الطبية .
6- من حق المريض معاملة جميع المراسلات والسجلات المتعلقة في رعايته بسرية.
7- من حق المريض توقع أن من واجب المستشفى أن تعمل في حدود طاقتها على التجاوب المناسب مع طلب المريض لتلقي الخدمات التي يحتاجها.
8- على المستشفى أن تقدم تقييماً لحالة المريض وتقدم الخدمات أو تحويل المريض كما تستدعي الحالة
9- من حق المريض تغيير الطبيب الذي يشرف على علاجه إذا أبدى أسباب معقولة لرغبته في ذلك.
- حقوق الطبيب :
1- توفير الحرية اللازمة للأطباء في معالجة مرضاهم وعدم تحملهم ما لا يجزم بتحملهم مسئوليته ، فقد لا يكون خطأ الطبيب هو السبب في إحداث الضرر ، بل قد يشاركه في ذلك عدم قابلته الجسم نفسه ، ولم يحصل من الطبيب تجاوز أو إهمال ، وتحديد هذا هو عمل فني بحت ، لا يحدده إلا أهل الخبرة.
المحور الثاني
الأخطاء الطبية من منظور الفقه والنظام
1-تعريف الخطأ الطبي:
يعرف الأستاذ شرف الدين محمود في كتابه "المسؤولية التقصيرية للأطباء" الخطأ الطبي "بأنه انحراف الطبيب عن السلوك الطبي العادي والمألوف، وما يقتضيه من يقظةٍ وتبصّر إلى درجة يُهمل معها الاهتمام بمريضه"، أو هو "إخلال الطبيب بالواجبات الخاصة التي تفرضها عليه مهنته، وهو ما يسمى بالالتزام التعاقدي". ويتبيّن لنا من خلال التعريفين السابقين أن الخطأ الطبي يقوم على توافر مجموعة من العناصر، تتمثل بعدم مراعاة الأصول والقواعد العلمية المتعارف عليها في علم الطب، والإخلال بواجبات الحيطة والحذر، إغفال بذل العناية التي كان باستطاعة الطبيب فعلها، إلى جانب مدى توافر رابطة أو علاقة نفسية بين إرادة الطبيب والنتيجة الخاطئة.
وهو أيضاً: هو الخطأ الفاحش الذي لا تقره أصول الطبابة ولا يقره أهل العلم والصنعة من ذوي الاختصاص الناجم عن تقصير أو إهمال أو جهل أو عدم بذل العناية اللازمة من قبل الطبيب أو الفريق الطبي المعالج ونجم عنه ضرر او وفاة .
2ـ معيار الخطأ الطبي:
إن المعيار الذي يقاس به خطأ الطبيب هو معيار موضوعي يقيس الفعل على أساس سلوك معين يختلف من حالة إلى أخرى وهو سلوك الشخص المعتاد، أي أن القاضي في سبيل تقدير خطأ الطبيب في علاج مريض معين ، يقيس سلوكه على سلوك طبيب أخر من نفس المستوى، سواء طبيب عام أو مختص.
والمعيار الذي يقاس به الخطأ المهني هو معيار فني موضوعي معيار شخص من أواسط رجال الفن ومثل هذا الشخص لا يجوز له أن يخطئ فيما استقرت علية أصول مهنته، والأصول المستقرة للمهنة وهي مالم تعد محلا للمناقشة بين أصحاب هذه المهنة بل أن جمهورهم يسلمون بها ولا يقبلون فيها جدالاً، ومن ثم أن الخروج على هذه الأصول المستقرة خطأ يوجب المسؤولية.
3ــ عمد الطبيب وخطأه :
الخطأ العمدي للطبيب : الطبيب إذا جنى فكغيره من الجناة ، متى ما ثبت عمديته أقتص منه وهذا يحصل وخاصة في هذا الزمان بعد أن دخل الجشع والطمع في كل شيء حتى في الطب ، فمثلاً لو قام الطبيب بفتح بطن مريض لعلاج علة فيه ، فطمع في أخذ كليته فأخذها لبيعها ونحو ذلك ، أو قتله من باب إراحته عند الآلام التي أصابته ونحو ذلك ، فهنا متى ما ثبتت هذه العمدية وتوفرت الشروط وانتفت الموانع وجب القصاص بلا خلاف .
كما نص الفقهاء على أن الطبيب إذا أكره المريض على قطع جزء منه وسرى القطع إلى تلف عضو أو إلى النفس فعليه القصاص .
4ـ خطأ الطبيب :
إذا ألحق الطبيب بالمريض ضررا بسبب تقصير أو إهمال أو جهل فإنه يضمن وعليه العقوبة من ولي الأمر بما يزجره ويردع أمثاله .
5ــ علاقة الفعل بالنتيجة:
قد يقع الخطأ بطريق المباشرة وقد تقع بطريق السببية فالجناية المباشرة هي ما أحدث الضرر بذاته دون واسطة وهي علة الضرر كذبح شخص بسكين فالذبح احدث الموت بذاته وفي نفس الوقت هي علة الموت فالطبيب عندما بتر الساق السليمة أو يخلع السن السليمة بدلاً من الساق أو السن المريضة ففعلة مباشر.
وقد يكون الخطأ الذي وقع من الطبيب قد وقع بطريقة غير مباشرة ومثال ذلك امتناع الطبيب عن إسعاف مصاب كان بإمكانه إسعافه وإنقاذ حياته فمات ، فعلى الرغم من أنه لم يقع فعل مباشر من الطبيب إلا هذا الأمر يعد خطأ بسبب امتناع الطبيب عن إسعاف المريض في وقتاً كان من المتوجب عليه تقديم العون للمريض أو المصاب وهذه الصورة تعرف في النظام بإسم الخطأ السلبي .
وبالنسبة للتعدي الإيجابي الذي قد يقع من الطبيب مثل قيام الطبيب بوصف دواء خاطئ للمريض على أثره يصاب المربض أو يُتوفى ، ففي هذه الحالة فإن الطبيب يكون مسئول عن هذه النتيجة ، لأن العرف جرى أن يقوم المريض بتنفيذ تعليمات الطبيب ولا يناقش صحتها لجهلة بهذا الفن .
6ــ مسئولية الطبيب :
الطبيب شأنه شأن غيره من البشر ، يكون مسئولاً عندما يأتي بفعل (سلبي أو إيجابي ) على خلاف ما تقضي به الأعراف والأصول الطبية من أثر ذلك إلحاق الضرر بالمريض ، لأن الطبيب مطالب ببذل عنايته بما يتفق مع الأصول الطبية .
لذلك فلو تطبب الطبيب على جهل فإنه مسئول ، لقول النبي صل الله عليه وسلم " من تطبب ولم يعلم منه قبل ذلك طب ذلك طب فهو ضامن " رواه أبو داود وغيره وصححه الحاكم .
ولو نظرناً إلى قول النبي صل الله عليه وسلم " ولم يعلم منه قبل ذلك طب " فيه إشارة إلى ما يوجد في الوقت الحاضر من الشهادات الطبية والترخيص في المزاولة لمهنة الطب ونحو ذلك من الشهادات الطبية والترخيص في المزاولة لمهنة الطب ونحو ذلك ، ولذلك فقد إتفق الفقهاء على تضمين الطبيب الجاهل ، قال أبن رشد في المجتهد " ولا خلف أنه إذا لم يكن من أهل الطب أنه يضمن لأنه متعد " أي أنه مسئول ، وقال أبن القيم : " قال الخطابي : لا أعلم خلافاً في أن المعالج إذا تعدى فتلف المريض كان ضامناً ، والمتعاطي علما أول عملاً لا يعرفه متعد ، فإذا تولد من فعله تلف ضمن ، فإن لم يحصل منه تعدِ ولا تقصير وكان عالماً بمهنة الطب فلا ضمان .
وقد حصر بن القيم صور ما يقوم به الطبيب في خمس صور كما يلي :
الصورة الأولى : الطبيب الحاذق الذي أعطى الصنعة حقها ولم تجن يده فتولد عن فعله المأذون فيه من جهة الشرع ومن جهة من يطبه تلف العضو أو النفس أو ذهاب صفة ، فهذا لا ضمان عليه اتفاقا.
الثانية : متطبب جاهل باشرت يده من يطبه فتلف به ، هذا إن علم المجني عليه أنه جاهل لا علم له وأذن له في طبه لم يضمن ، وإن ضن المريض أنه طبيب وأذن له في طبه ضمن ما جنت يداه .
الثالثة : طبيب حاذق أذن له وأعطى الصنعة حقها ولكن أخطأت يداه وتعدت إلى عضو صحيح فأتلفه فهذا يضمن لأنها جناية خاطئة .
الرابعة : الطبيب الحاذق الماهر لصناعته إذا إجتهد فوصف للمريض دواء فأخطأ في إجتهاده فقتله (وهو الخطأ بسببية التعدي الإيجابي ) فهذا يجري على روايتين : إحداهما : أن دية المريض هي بيت المال .
والرواية الثانية : أنها على عاقلة الطبيب وقد نص عليها الإمام أحمد في خطأ الإمام الحاكم .
الخامسة : طبيب حاذق أعطى الصنعة حقها كما إذا ختن طبياً بغير إذن وليه فتلف ، فقال أصحابنا : يضمن ، لأنه تولد من فعل غير مأذون فيه ، وإن أذن له البالغ أو ولي الصبي والمجنون لم يضمن ، ويحتمل أنه لا يضمن مطلقاً ، لأنه محسن وما على المحسنين من سبيل .
وقد يزاد على هذه الصور التالي :
1ــ إذا قام طبيب غير مرخص له بعلاج مريضه الذي أذن له بذلك وقصد من عمله العلاج وأتبع الأصول العلمية ، ولم يحدث ضرر للمريض فإنه مسؤول عن فعله للحق العام لعدم الترخيص وليس مسئولاً للحق الخاص لعد إلحاقه ضرر بالمريض .
2ــ إذا قام طبيب أو متطبب بعمل لا تتوفر فيه أي مما سبق لا الإذن ولا الترخيص ولا الحذق ولم يعط الصنعة حقها ، وكان مدفوعاً لذلك بظرف طارئ أو حادث مفاجئ فإنه لا يضمن إعتمادة على القاعدة الشرعية " الضرورات تبيح المحظورات ".
ومن هنا يظهر أن الطبيب أو الممارس الصحي متى توفرت في عمله شروط أربعة لم يكن هناك سبل لتضمينه أو مسائلته وإن حصل علاجه ضرر بتلف أو غيره وهي :
1- أن يكون مرخصاً له .
2- أن يأذن المريض أو وليه بذلك .
3- أن يكون عمله متمشياً مع الأصول الطبية .
4- لا يحصل جناية أو تعد.
وقد ورد في نظام مزاولة المهن الصحية الصادر بالمرسوم الملكي رقم م /59 وتاريخ 11/04/1426 هـ ، تنظيماً لمسألة الأخطاء الطبية :
والخطأ الطبي كما عرفته المادة السابعة والعشرون من النظام المشار إليه أنه هو كل خطأ مهني صحي صدر من الممارس الصحي، وترتب عليه ضرر للمريض يلتزم بالتعويض. وتحدد (الهيئة الصحية الشرعية) المنصوص عليها في هذا النظام مقدار هذا التعويض. ويعد من قبيل الخطأ المهني الصحي ما يأتي:
1- الخطأ في العلاج، أو نقص المتابعة..
2-الجهل بأمور فنية يفترض فيمن كان في مثل تخصصه الإلمام بها.
3- إجراء العمليات الجراحية التجريبية وغير المسبوقة على الإنسان بالمخالفة للقواعد المنظمة لذلك.
4- إجراء التجارب، أو البحوث العلمية غير المعتمدة، على المريض.
5ـ إعطاء دواء للمريض على سبيل الاختبار.
6 - استعمال آلات أو أجهزة طبية دون علم كافٍ بطريقة استعمالها، أو دون اتخاذ الاحتياطات الكفيلة بمنع حدوث ضرر من جراء هذا الاستعمال.
7- التقصير في الرقابة والإشراف.
8-عدم استشارة من تستدعي حالة المريض الاستعانة به.
ويقع باطلا كل شرط يتضمن تحديد أو إعفاء الممارس الصحي من المسؤولية.
المسئولية الجنائية والتأديبية عن الخطأ الطبي:
بما أن المسئولية الجنائية هي تحمل الإنسان لنتائج الأفعال التي أرتكبها وهو مدرك لها غير مكره عليها وتعد مما يقرره القانون جريمة معاقب عليها وفى الشرع تعد المسئولية الجنائية سبب في إنزال العقوبة أو الحد على الإنسان الذي أرتكب فعلاً محرما يستوجب الحد أو القصاص وهى تترتب على كل فعل يمس مصلحه الأفراد أو الجماعات فإن الطبيب مسئول جنائياً وتأديباً عن الأخطاء الطبية التي يرتكبها فقد جاء في نص المادة الحادية والثلاثون مع عدم الإخلال بأحكام المسؤولية الجزائية أو المدنية، يكون الممارس الصحي محلاً للمساءلة التأديبية، إذا أخل بأحد واجباته المنصوص عليها في هذا النظام، أو خالف أصول مهنته، أو كان في تصرفه ما يعد خروجا على مقتضيات مهنته أو آدابها.
فقد نصت المادة الثامنة والعشرون على العقوبات التي توقع على الطبيب في حالة مخالفته لنظام مزاولة المهن الصحية أو ارتكابه لأخطاء طبية :
مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد منصوص عليها في أنظمة أخرى، يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز 6 أشهر، وبغرامة لا تزيد عن 100 ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من:
1-زاول المهن الصحية دون ترخيص.
2- قدم بيانات غير مطابقة للحقيقة، أو استعمل طرقا غير مشروعة كان من نتيجتها منحه ترخيصا بمزاولة المهن الصحية.
3- استعمل وسيلة من وسائل الدعاية، يكون من شأنها حمل الجمهور على الاعتقاد بأحقيته في مزاولة المهن الصحية خلافا للحقيقة.
4- انتحل لنفسه لقبا من الألقاب التي تطلق عادة على مزاولي المهن الصحية.
5- وجدت لديه آلات أو معدات مما يستعمل عادة في مزاولة المهن الصحية، دون أن يكون مرخصا له بمزاولة تلك المهن أو دون أن يتوافر لديه سبب مشروع لحيازتها.
6- امتنع عن علاج مريض دون سبب مقبول.
7- خالف أحكام المواد: (السابعة) فقرة (ب)، و(التاسعة)، و(الحادية عشرة)، و(الرابعة عشرة) الفقرتين (أ، و) و(التاسعة عشرة)، والعشرين)، و(الثانية والعشرين)، و(الثالثة والعشرين)، و(الرابعة و(العشرين)، و(السابعة والعشرين) فقرة (3) من هذا النظام.
8- تاجر بالأعضاء البشرية، أو قام بعملية زراعة عضو بشري مع علمه بأنه تم الحصول عليه عن طريق المتاجرة.
وقد حددت المادة الثانية والثلاثون العقوبات التأديبية التي يجوز توقيعها في حالة المخالفات المهنية هي:
1- الإنذار.
2- غرامة مالية لا تتجاوز 10 آلاف ريال.
3- إلغاء الترخيص بمزاولة المهنة الصحية وشطب الاسم من سجل المرخص لهم.
وفي حالة إلغاء الترخيص، لا يجوز التقدم بطلب ترخيص جديد إلا بعد انقضاء سنتين على الأقل من تاريخ صدور قرار الإلغاء.
الجهة المختصة بنظر دعاوى الأخطاء الطبية :
وقد تضمن النظام المشار إلية الطريق القانوني الذي يجب أن يسلكه المدعى في تقديم شكواه ومتابعة التحقيق فيها فيجب عليه أن يتقدم بشكوى للهيئة الصحية الشرعية التي نص النظام على اختصاصها بالنظر فى الدعاوى الناشئة عن مخالفة هذا النظام .
أولاً : تشكيل الهيئة وإجراءات التقاضي أمامها :
وقد نص نظام مزاولة المهن الصحية على تشكيل الهيئة الشرعية على النحو التالي :
تكوَن هيئة تسمى ( الهيئة الصحية الشرعية ) على النحو الآتي:
1- قاضٍ لا تقل درجته عن قاضي (أ) يعينه وزير العدل رئيساً
2- مستشار نظامي يعينه الوزير
3- عضو هيئة تدريس من إحدى كليات الطب, يعينه وزير التعليم العالي, وفي المنطقة التي ليس فيها كلية طب يعين الوزير بدلاً منه عضواً من المرافق الصحية المتوافرة في تلك المنطقة.
4- عضو هيئة تدريس في إحدى كليات الصيدلة يعينه وزير التعليم العالي, وفي المنطقة التي ليس فيها كلية صيدلة يعين الوزير بدلاً منه عضواً من المرافق الصحية المتوافرة في تلك المنطقة.
5-طبيبان من ذوي الخبرة والكفاية يختارهما الوزير.
6- صيدلي من ذوي الخبرة والكفاية يختاره الوزير.
تقتصر مشاركة العضوين المشار إليهما في الفقرتين ( 4 , 6 ) في القضايا ذات العلاقة بالصيدلية.
* يعين الوزير المختص عضواً احتياطيا يحل محل العضو عند غيابه.
* يكون لهذه الهيئة أمين سر, يعينه الوزير.
* تجوز الاستعانة بخبير أو أكثر في موضوع القضية المعروضة.
* يكون مقر هذه الهيئة وزارة الصحة بالرياض, ويجوز إنشاء هيئات أخرى في المناطق التي يصدر بتحديدها قرار من الوزير.
* تحدد اللائحة التنفيذية مدة العضوية في هذه الهيئة وكيفية العمل فيها.
وإذا تقدم شخص للجنة الطبية الشرعية فإن اللجنة تنظر في دعواه وبعدها تسمع جواب الطبيب على دعوى المدعي وقد تطلب ملف المريض للتحقق من الإجراءات وتناقش الطبيب في موضوع الدعوى ثم تصدر قرارها. وتفهم الطبيب أن من حقه أن يعترض على قرارها ويتظلم منه أمام ديوان المظالم ليتولى تدقيق الحكم والبت فيه بإقراره ليكون قطعياً واجب التنفيذ أو نقضه كله أو بعضه، والأصل أن يحضر الطبيب بنفسه إذ اللجنة تتولى التحقيق والمحاكمة وليس في النظام ما يمنع توكيل محامٍ في المرافعة ما لم يستدع الحال حضور الطبيب بنفسه.
ثانياً : إختصاصات الهيئة الشرعية :
فقد نصت المادة الرابعة والثلاثون من نظام المهن الصحية بأن تختص الهيئة الصحية الشرعية بالآتي:
1- النظر في الأخطاء المهنية الصحية التي ترفع بها مطالبة بالحق الخاصة (دية - تعويض – ارش)
2- النظر في الأخطاء المهنية الصحية التي ينتج عنها وفاة، أو تلف عضو من أعضاء الجسم، أو فقد منفعته، أو بعضها حتى ولو لم يكن هناك دعوى بالحق الخاص.
الإثبات في حالات الخطأ الطبي:
وحتى يخضع الطبيب للمساءلة بنوعيها الجزائي والتأديبي يجب أن يتم إثبات ارتكابه للخطأ الطبي حيث أن مسألة الإثبات هي أهم المراحل في الدعوى فيقع على المريض عبء إثبات وقوع الخطأ ومن ثم وقوع الضرر وإثبات علاقة السببية بينهم ( بمعنى أن الخطأ هو الذي سبب الضرر ) وأن يثبت وقوع الضرر، ثم يثبت علاقة الخطأ بالضرر، وأن هذا الخطأ هو الذي أوقع ذلك الضرر ولا يتم ذلك إلا عن طريق التقارير الطبية التي يصدرها المتخصصين وتؤيده اللجنة الطبية التي يتم تكليها بإيقاع الكشف الطبي على المريض للتيقن من صحة إدعائه.
والإثبات في مثل هذه الحالات يكون بكافة طريق الإثبات الجنائي من إقرار (اعتراف الطبيب بما ارتكبه من خطأ في طريقة علاجه للمريض ) وهو أقوى الأدلة، والإقرار حجة كاملة يثبت القاضي الحكم استناداً إليها ولو رجع عن إقراره أو أنكره ما دام مرتبطاً بحق آدمي وكذلك الشهادة مثل شهادة طبيب آخر أو ممرض على أو من أقتضي واقع الحال وجودهم أثناء ارتكاب الخطأ وفى هذه الحالة الشهادة لا تشمل الخطأ ألتقصيري لأن الخطأ ألتقصيري في بذل العناية الواجبة للمريض لا تصلح فيه الشهادة إلا لأصحاب الخبرة من أهل الاختصاص وأهم أدلة الإثبات في حالات الخطأ الطبي هي المستندات الخطية والتقارير الموجودة في سجلات المستشفيات .
وأخيراً فإن ثبوت الخطأ الطبي في مواجهة الطبيب المعالج يترتب عليه حق المريض في المطالبة بالتعويض المناسب عما أصابه من أضرار جسمية ونفسية فضلاً خضوع الطبيب المعالج للمساءلة التأديبية .
المحور الثالث
بعض الأمثلة والمسائل التطبيقية
المثال الأول:
أولاً :الوقائع :
قال المدعي: إن زوجتي كانت تعاني من آلام في المرارة مع وجود حصوة فيها وقد راجعت المستشفى وبعد إجراء الفحوصات تقرر إجراء عملية في اليوم التالي وقد تم إجراء العملية بواسطة المنظار وقد أخطأ الأطباء في تفتيت الحصوة بالجهاز وتسببوا في قطع شرايين في البطن وتم إجراء عملية فتح بطن مما أدى إلى فقدان 80% من دمها وبسبب ذلك أدخلت العناية المركزة ثم انتقلت إلى رحمة الله وحيث إن الذي حصل لزوجتي كان نتيجة إهمال أو جهل في العمل لذا أطلب الحكم على المتسبب في وفاة زوجتي بدفع ديتها والعقوبة الإدارية.
ثانياً : الدراسة والقرار:
وبدراسة أقوال المدعي والمدعى عليهم ونظراً إلى ما يشتمل عليه ملف الدعوى من تقارير وتحقيقات وحيث قرر المدعي مطالبته بدية مورثة موكليه وحيث أن وفاة المريضة ناتج عن النزيف ومضاعفاته والذي حدث أثناء إجراء عملية المرارة بالمنظار حيث حدث هبوط مفاجئ في ضغط الدم أثناء إدخال إبرة فرس بواسطة الدكتور(س) كما حدث هبوط مفاجئ آخر بعد تحسن الضغط عندما ادخل الدكتور(ص) المثقاب كما اتضح وجود ثقب في الشريان والوريد الحرقفي العام وثقب في الوريد الأجوف السفلي وحيث إن الطبيبين عندما حصل هبوط الضغط وفتحا بطن المريضة لم يقوما بالفتح المناسب لاستكشاف البطن مما نتج عنه عدم قدرتهما على اكتشاف مدى شدة النزيف مما أدى إلى دخول المريضة في صدمة شديدة أدت مضاعفاتها إلى الوفاة كما اتضح عدم وجود الخبرة الكافية لدى الطبيبين في جراحة المناظير.. أما طبيب التخدير الدكتور(جـ) فحيث إنه ترك الحالة للطبيب الأخصائي رغم علمه بالمضاعفات التي حصلت للحالة.. لذا فقد قررت اللجنة إلزام المدعى عليهم بدفع دية مورثة المدعين وقدرها خمسون ألف ريال.
المثال الثاني .
أولاً : الوقائع :
راجع بزوجته بتاريخ 16/10/1417هـ وكانت تعاني من انتفاخ شديد في البطن مع وجود ورم كبير في الشرج.
شخص الطبيب حالتها بواسطة المنظار على أنها تعاني من بواسير ملتهبة.
أجرى لها عملية جراحية للبواسير ثم خرجت إلى المنزل في نفس يوم الدخول.
راجع الزوج بزوجته مستشفى آخر و اتضح أنها مصابة بسرطان متقدم في المبيض.
توفيت فيما بعد.
- يطالب الزوج بدفع دية زوجته كاملة والأضرار والخسائر التي صرفها وقدرها ثمانون ألف ريال بسبب معالجتها من جراء ما حصل لها من تهييج المرض وانتشاره والذي صعب معه علاجها.
ثانياً : الدراسة والقرار:
بعد دراسة أقوال المدعي والمدعى عليه ونظراً إلى ما يشتمل عليه ملف الدعوى من تقارير وتحقيقات وحيث أن المدعى عليه لم يأخذ التاريخ المرضي لزوجة المدعي كاملاً ولم يقم بفحصها فحصاً كاملاً كما أنه قام بإجراء العملية بسرعة وليس هناك ما يوجب العجلة في إجراء العملية وحيث إن ما حصل للمريضة وأدى إلى وفاتها لم يكن سبباً مباشراً من المدعى عليه أو من العملية التي تم إجراؤها وإنما هو من طبيعة مرضها الموجود قبل إجراء العملية فقد قررت اللجنة بالإجماع إلغاء الترخيص المعطى للمدعى عليه وشطب اسمه من سجل المرخص لهم وعدم استحقاق المدعي لما يدعيه من تعويض.
المثال الثالث.:
أولاً :ملخص القضية:
راجعت المرأة مع زوجها المستوصف وكشف الطبيب المدعى عليه على المرأة التي كانت تشكو من عدم الإنجاب وكان انطباع الطبيب عن التشخيص أحد الاحتمالات الآتية (زوائد لحمية نازلة بالرحم، نزيف رحمي وظيفي، إجهاض تام، إجهاض غير كامل) فقام بأخذ مسحة من جدار الرحم بملعقة شرمان ثم حصل للمريضة تشنج فقام بإعطائها إبراً لمحاولة إسعافها ولما رأى حالتها تزداد سوءاً اتصل بالهلال الأحمر لنقلها ثم توفيت وقد طلب المدعي بالوكالة الدية الشرعية لورثة المتوفاة.
درست اللجنة ما ورد في الملف من معلومات وما ورد من أقوال وانتهت إلى مايأتي:
- الحالة عقم ثانوي وهناك اشتباه دورة شهرية متأخرة أو حمل أو بواقي حمل أو اشتباه حمل أو كما ذكر الطبيب المدعى عليه زوائد لحمية بالرحم أو بعنق الرحم وكل هذه الاحتمالات لا تستوجب التدخل إطلاقاً إلا في مستشفى حيث تجرى أشعة صوتية وتحليل بول للحمل مع توافر الإسعافات الأولية.
*- استخدم الطبيب (آلة شرمان) لأخذ العينة وأغلب الظن أن عنق الرحم كان ضيقاً مما أدى إلى استعمال نوع من العنف لأخذ العينة تسبب في ألم شديد مما نتج عنه صدمة عصبية وهبوط بالجهاز الدوري.
*- أدت هذه الصدمة وتأخر الإجراءات الإسعافية اللازمة إلى وفاة المريضة بالطريق أثناء نقلها للمستشفى.
*- ما ذكره الطبيب الشرعي في تقريره المرفق بالأوراق من أن ما قام به الطبيب من إجراءات تتمشى مع الأصول الطبية المتعارف عليها فغير صحيح وليس من اختصاصه ولم يسأل عنه.
ثانياً : قرار اللجنة:
بالنسبة للحق الخاص قررت اللجنة الشرعية إلزام الطبيب المدعى عليه تسليم المدعي وكالة دية مورثة موكليه وقدرها خمسون ألف ريال.
وبالنسبة للحق العام تقرر سحب الترخيص الممنوح له وعدم السماح له بالعمل في المملكة في هذا التخصص مرة أخرى.
إعداد
أحمد عبد الفتاح
مستشار قانوني