السبت 14 رجب 1431 هـ. الموافق 26 يونيو 2010 العدد 6102
نظرية أعمال السيادة والقضاء الإداري
خالد أحمد عثمان
على غرار القوانين القضائية المقارنة، نصت المادة الـ 14 من نظام ديوان المظالم الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/78 وتاريخ 19/9/1428هـ على أنه «لا يجوز لمحاكم ديوان المظالم النظر في الدعاوى المتعلقة بأعمال السيادة ... «. وكان هذا المبدأ منصوصاً عليه في المادة التاسعة من نظام ديوان المظالم السابق.
بمقتضى هذا المبدأ لا يجوز لجميع المحاكم الإدارية بمختلف درجاتها التابعة لديوان المظالم النظر في أي دعوى تستهدف الطعن في أي تصرف أو قرار إداري يتعلق بأعمال السيادة سواء كان الهدف من الطعن إلغاء أو وقف تنفيذ التصرف أو القرار الإداري أو التعويض عن ما ترتب عليه من أضرار.
وفي مقالي المنشور بعنوان «وقف تنفيذ الحكم بمنع تصدير الغاز المصري لإسرائيل ومبدأ السيادة» في جريدة «الاقتصادية» بتاريخ 19/2/1430هـ الموافق 14/2/2009، أوضحت مفهوم أعمال السيادة, ولعل من المفيد أن أعود إلى تناول هذا الموضوع بشكل أكثر تفصيلاً فأقول ما يلي:
أولاً: عرف بعض فقهاء القانون الإداري أعمال السيادة بأنها «الأعمال التي تصدر عن السلطة التنفيذية باعتبارها السلطة العليا في البلاد, أي حكومة تمثل الدولة في مجال القانون العام الخارجي أو الداخلي, وليس باعتبارها جهة إدارة».
وأوضح بعض الفقهاء أن أعمال السيادة «تشمل كل ما يتعلق بالصلات السياسية مع الدول الأجنبية وحالتي إعلان الحرب وإبرام السلم وضم أراض إلى أملاك الدولة أو التنازل عنها والتحالف، وكل ما يتعلق بتنظيم القوات البرية والبحرية والجوية وما إلى ذلك مما تتفق طبيعته مع طبيعة هذه الأعمال».
ثانياً: قضت محكمة القضاء الإداري المصري بتاريخ 21/4/1948 بأن أعمال السيادة هي الأعمال التي تتصل بالسياسة العليا للدولة والإجراءات التي تتخذها الحكومة بما لها من السلطة العليا للمحافظة على سيادة الدولة وكيانها في الداخل أو الخارج.
ثم عرفت محكمة القضاء الإداري المصري أعمال السيادة في حكم أصدرته بتاريخ 26/6/1951م بأنها «الأعمال التي تصدر من الحكومة باعتبارها سلطة حكم لا سلطة إدارة، فتباشرها بمقتضى هذه السلطة العليا لتنظيم علاقاتها بالسلطات العامة الأخرى داخلية كانت أو خارجية, أو تتخذها اضطرارا للمحافظة على كيان الدولة في الداخل أو للذود عن سياستها في الخارج, ومن ثم يغلب فيها أن تكون تدابير تتخذ في النطاق الداخلي أو في النطاق الخارجي، إما لتنظيم علاقات الحكومة بالسلطات العامة الداخلية أو الخارجية في حالتي الهدوء والسلام. وإما لدفع الأذى والشر عن الدولة في الداخل أو في الخارج في حالتي الاضطراب والحرب».
وفي حكم صادر بتاريخ 2/5/1978 قالت محكمة القضاء المصري ما يلي:
«ثمة معايير كثيرة يضعها الفقه والقضاء لتعريف أعمال السيادة التي يمتنع على محاكم مجلس الدولة النظر في الطلبات المتعلقة بها, واستقرت هذه المحاكم على أن أعمال السيادة هي تلك التي تصدر عن الحكومة باعتبارها سلطة حكم لا سلطة إدارة فتباشرها بمقتضى هذه السلطة العليا لتنظيم علاقتها بالسلطات العامة الأخرى داخلية كانت أو خارجية أو تتخذها اضطرارا للمحافظة على كيان الدولة في الداخل أو الذود عنها في الخارج ومن ثم يغلب عليها أن تكون تدابير تتخذ في النطاق الداخلي أو النطاق الخارجي إما لتنظيم علاقة الحكومة بالسلطات العامة الداخلية أو الخارجية في حالتي الهدوء والسلام وإما لدفع الأذى والشر عن الدولة في حالتي الاضطراب والحرب فهي تارة تكون أعمالاً منظمة لعلاقة الحكومة بالمجلس النيابي أو منظمة للعلاقات السياسية بالدول الأجنبية, وهي طوراً تكون تدابير تتخذ للدفاع عن الأمن العام من اضطراب داخلي أو لتأمين سلامة الدولة من عدو خارجي, وهذه وتلك أعمال وتدابير تصدر عن سلطان الحكم لا عن سلطة الإدارة, والضابط فيها معيار موضوعي يرجع إلى طبيعة الأعمال في ذاتها لا إلى ما يحيط بها من أمور عارضة».
ومن حيث إنه وإن كانت الدول هي الأشخاص الأساسية للقانون الدولي إلا أن العرف الدولي استقر على الاعتراف للمنظمات الدولية بالشخصية القانونية إذا ما عبرت عن إرادة قانونية مستقلة متميزة عن إرادات الدول الأعضاء فيها، وتتمتع المنظمات الدولية بمظاهر الشخصية الدولية التي تتلاءم مع وظائفها وأهدافها كما تحددت في مواثيق إنشائها, وتعطي هذه المواثيق عادة للمنظمات أهلية التمتع بالحقوق والالتزام بالواجبات في نطاق القانون الدولي ومن بينها تمتع المنظمات ذاتها وتمتع ممثلي الدول فيها وكذلك موظفيها وخبرائها بالمزايا والحصانات اللازمة لممارسة المنظمة وظائفها، وما دام هذا هو شأن المنظمات الدولية فإن الإجراء الذي صدر عن الحكومة في علاقتها بهذه المنظمات أو بأعضائها أو بموظفيها وتكشف ظروف صدوره ومبررات عن سلطان الحكومة في اتخاذه يكون من أعمال السيادة التي يخرج فيها عن اختصاص محاكم الدولة.
ومن حيث إن منظمة الوحدة الاقتصادية العربية هي إحدى المنظمات العربية المتخصصة العاملة في نطاق جامعة الدول العربية وقد وافق مجلس الجامعة على الاتفاقية المنشئة لها في 3/6/1957 ثم وافق مجلس الوحدة بتاريخ 11/2/1965 على اتفاقية مزايا وحصانات المجلس، ولما كان المدعي وهو الأمين العام لهذه المنظمة اعتبر شخصاً غير مرغوب فيه وطلب إليه مغادرة البلاد وأوضحت وزارة الخارجية في كتابها الموجه إلى مجلس الوحدة أنها اتخذت هذا الإجراء ضد المدعي بالاستناد إلى حقها المقرر لها في اتفاقية مزايا وحصانات مجلس هذه الوحدة واتفاقية مزايا وحصانات جامعة الدول العربية واتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية, كما نفت وزارة الداخلية صدور قراراتها بإبعاد المدعي بمقتضى الحق المخول لها بقانون دخول وإقامة الأجانب رقم 89 لسنة 1960، وبذلك تكون الحكومة قد اتخذت الإجراء المشار إليه في شأن من شؤون العلاقة بينها بصفتها شخصاً من أشخاص المجتمع الدولي وبين هيئة دولية تتمتع بالشخصية الدولية, وهو ما يفصح بجلاء عن أنه إجراء متعلق بعمل من أعمال السيادة ومن ثم لا تختص المحكمة بنظره لقيام المانع من ذلك بمقتضى المادة 11 من قانون مجلس الدولة رقم 47/1972، ولا شأن للمحكمة بالبحث في مدى أحقية الحكومة فيما فعلته لأنها قامت بعمل سياسي تقدر نتائجه وآثاره في مجال علاقاتها مع المنظمات العربية والدول العربية المكونة لها.
ومن حيث إنه على مقتضى ما تقدم يتعين الحكم بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى مع إلزام المدعى بالمصروفات عملاً بأحكام المادة 184 من قانون المرافعات.
وفي حكم صادر بتاريخ 22/12/1981م عرفت محكمة القضاء الإداري المصري أعمال السيادة مرة أخرى بعبارة موجزة فقالت ما يلي:
«المعيار السائد فقها وقضاء في التمييز بين أعمال السيادة وأعمال الإدارة, وهو معيار طبيعة العمل المتخذ، وبحسب هذا المعيار فإن أعمال السيادة هي الأعمال التي تصدر من السلطة التنفيذية باعتبارها سلطة حكم لا سلطة إدارة, فإذا كانت صادرة منها باعتبارها حكومة كانت أعمال سيادة، وأما إذا كانت صادرة منها باعتبارها إدارة كانت أعمالاً إدارية».
ثالثا: لم أطلع على حكم صادر من ديوان المظالم يتعلق بأعمال السيادة, وأحسب أنه لو تصدى الديوان لهذا الموضوع فإنه سيطبق المعايير المستقرة في أحكام القضاء الإداري المقارن بشأن تحديد مفهوم أعمال السيادة.
رابعا: انتقد بعض فقهاء القانون المقارن نظرية أعمال السيادة بوصفها غير دستورية, لأنها من ناحية تصادر حق التقاضي الذي كفله الدستور, ومن ناحية أخرى, فإنه مهما كانت الاعتبارات التي تساق لاستبعاد أعمال السيادة عن رقابة القضاء فإنها لا تنهض مسوغاً لمخالفة أحكام الدستور التي لا تجيز تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء.
لكن فقهاء القانون المؤيدين لهذه النظرية يرجعون أسانيد حصانة أعمال السيادة وعدم خضوعها لرقابة القضاء إلى الاعتبارات الآتية:
1 - أن هذه الأعمال تصدرها الحكومة بمقتضى مهمتها السياسية, ما يوجب منطقيا ألا تراقبها في هذا الشأن إلا سلطة سياسية هي السلطة التشريعية دون المحاكم.
2 - سلامة الدولة فوق القانون لأن إجراءات الدولة في هذا الصدد يكون الهدف منها حمايتها وسلامتها.
3 - تستند أعمال السيادة إلى اعتبارات عليا يضرها أن تلوكها المخاصمات القضائية, وقد تتصل باعتبارات خفية ليس من المصلحة العامة أو من الحكمة مناقشتها بواسطة المحاكم.
4 - ليس للمحاكم رقابة على أعمال السيادة إنما لها أن تتبين أن التدابير المتخذة تدخل ضمن أعمال السيادة من عدمه. بعبارة أخرى أن منع المحاكم الإدارية من النظر في أعمال السيادة لا يسلبها الحق في بحث إذا ما كان العمل المعروض عليها يعتبر من أعمال السيادة أم لا. فالمحاكم الإدارية تتمتع بصلاحية بحث التصرفات والأعمال التي تصدر من الدولة إذا ما عرضت عليها من خلال دعاوى إدارية ولها أن تفحصها وتكيفها من الناحية القانونية لمعرفة حقيقتها وإذا ما كانت من أعمال السيادة أو أنها من قبيل التصرفات والقرارات الإدارية العادية التي تخضع لرقابة القضاء، على أن المحاكم الإدارية الابتدائية والاستئنافية في تكييفها لهذه الأعمال تخضع لرقابة المحكمة الإدارية العليا. وإذا وجدت المحكمة الإدارية أن التصرفات والأعمال المعروضة عليها تدخل في نطاق أعمال السيادة فعليها أن تقضي من تلقاء ذاتها بعدم اختصاصها بنظر الدعوى.
ومما تقدم يتضح أن الرأي الفقهي المؤيد لنظرية أعمال السيادة أكثر رجحاناً من الرأي المعارض لوجاهة مسوغاته.
http://www.aleqt.com/2010/06/26/article_411538.html[/SIZE][/SIZE]